هذه المقالة عن الرؤية المسيحية ليسوع المسيح. لمعلومات عن معانٍ أخرى، طالعالمسيح (توضيح).
هذه المقالة عن حياة المسيح عمومًا مع التركيز على قصته كما وردت في الكتاب المقدّس. لمعلومات عن لمقالة التي تتحدث عن المسيح كما جاء في القرآن، طالععيسى بن مريم.
يسوع
فسيفساء يسوع ضابط الكل في كنيسة تشيفالو في إيطاليا
يَسُوع (بالعبرية:יֵשׁוּ؛بالسريانية:ܝܫܘܥ) ويشارُ إليه أيضًا بيسوعالناصري، أوالمسيح، هو الشخصية المركزيّة فيالمسيحيّة.[6] النظرة التاريخية لدى غالبية المؤرخين تتّفق على وجوده في التاريخ،[12][13] وعلى أنه معلّميهودي منالجليل فيمقاطعة يهودا الرومانيّة،عُمِدَ على يديوحنا المعمدان، وأثارت تعاليمه قلقًا وحنقًا أفضى إلىصلبه بأمر منبيلاطس البنطي. النظرات التاريخيّة حوله تعدّدت بينرجل دين يهودي، وزعيم حركة دينية، وحكيم أو فيلسوف ومصلح اجتماعي نادى بالحسن الخلقي والمساواة، وكان الوعظ عنملكوت الله أحد أبرز مفاهيمه أو محور عمله. على الرغم من ذلك، فالبحث عن يسوع التاريخي لم ينتج عنه إلا القليل من الاتفاق بخصوصالموثوقية التاريخية للأناجيل وبخصوص مدى تطابق حياة يسوع بحسب الكتاب المقدس معيسوع التاريخي.[14][ا][ب] لقد أثرت تعاليم يسوع وقصة حياته كثيرًا على مسارتاريخ البشرية، وأثرت بصورة مباشرة أو غير مباشرة على حياة المليارات من الناس، حتى من غير المسيحيين.[17][18] ويعتبره الكثير من الناس الشخصية الأكثر تأثيرًا على الإطلاق، ولهُ مكانة مهمة في العديد من المواضيع الثقافية.[19][20]
يسوع اسمعبري مشتق مناللغة الآرامية وينطق «يشوع»، وهو اسم مركب من كلمتين «يهوه» و«شوع» ومعناه الحرفي «الله يخلص».[48][49][50] وقد كان هذا الاسم منتشرًا بينأسباط بني إسرائيل إذ تسمى به عدد من الشخصيات الهامة فيالعهد القديم أبرزهايشوع بن نون الذي خلفموسى في قيادةالأسباط. عمدالمسيحيون العرب إلى أخذ الاسم العبري من أصله بعد قلب حرف الشين إلى السين وهو الأمر المتآلف بيناللغتين العبريةوالسريانية من جهةوالعربية من جهة أخرى؛ أما الاسم فياللغة اليونانية، وهي لغة الثقافة في ذلك العصر والتي كُتب بها العهد الجديد، ظهر مترجمًا إليها ومنطوقًا وفق قواعدها (باليونانية:Ιησού،نقحرة: إيسو أو إيسوس)، وقد اشتقت اللغات الأوروبية أجمعها الترجمة اليونانية للكلمة مع بعض التعديلات حيث يلفظ حرف 'I' في بعض اللغات كلفظ حرفJ، فظهرت العبارةبالإنجليزية: Jesus. يذهب البعض إلى أن استخدامالعربوالقرآن للفظة عيسى بدلاً من لفظة يشوع أو يسوع في لغتها الأصلية لذكر اسم المسيح، كتعريب لاسمه اليوناني إيسوس.[51] وبحسب الإنجيل فإنّ الملاكجبرائيل قد اختار له الاسم قبل أن يحبل به وأخبر ذلك كلاً من مريم ويوسف.
يُعرف يسوع أيضًا بوصفهالمسيح (بالعبرية: מּשּׁיּח،نقحرة: ماشيح) من الفعل مشح أي مسح ومعناها فيالعهد القديم الممسوح بالزيت أو الطيب المقدس. ونُقلت الكلمة إلىاللغة اليونانية كما هي ولكن بحروف يونانية «ميسياس -Мεσσίας»، ثم ترجمت ترجمة فعلية «خريستوس -Хριστός»، وجاءت في اللاتينية «كريستوس ـ Christos»، ومنها في اللغات الأوروبية "Christ" (كرايست)، وهو أصل المصطلح المتعارف عليه اليوم في تلك اللغات.[52]
كانت عملية المسح تتم فيالعهد القديم بواسطة الطيب المقدس الذي كان يصنع منزيت الزيتون مضافًا إليه عدد من الطيوب، حسب ماهو وارد فيسفر الخروج، وقد استمر هذا التقليد فيالمسيحية من خلالسر الميرون.[53] وكان الشخص أو الشيء الذي مسح يصبح مقدسًا ومكرسًا للإله، ولذلك فقد حصرتالشريعة اليهودية استخدامه للكهنة والملوك والأنبياء، ودعي شاغلو هذه المناصب فيالعهد القديم باسم «مسحاء الرب»، بيد أنالعهد القديم يؤكد أن هؤلاء المسحاء جميعًا كانوا ظلًا ورمزًا للآتي والذي دعي منذداود فصاعدًا بالمسيح، وسماهسفر دانيال «المسيح الرئيس»، وأسبغت عليه ألقاب عديدة ونسب له الدور في خلاصالشعب اليهودي السياسي والديني معًا، والعالم كلّه أيضًا. بكل الأحوال فإن لقب المسيح فيالعهد القديم لا يشير دومًا إلى المنتظر، خصوصًا في الأسفار التاريخية، بل هو يشير في كثير من الحالات إلى الملك أو النبي أو الكاهن. وقد تنبأأنبياءالعهد القديم جميعهم عن هذا المنتظر وحددوا كثيرًا من مجريات حياته.
في مرحلة لاحقة لإطلاق لقب «المسيح الرئيس» على المنتظر، كفتالكتب المقدسة عن استعمال لقب «مسيح» إلا للمنتظر، وهو حسب المعتقداتاليهوديةوالمسيحية سيجمع في شخصه المهن الثلاث في آن معًا، أي سيكون في الوقت ذاته، نبيًا وكاهنًا وملكًا.[54][55][56]
يقصد بالأدلة الخارجية، المصادر التاريخية غير المسيحية من اليهود أو الوثنيين والتي أشارت إلى يسوع في مرحلة مبكرة، أواخرالقرن الأول أو بداياتالقرن الثاني؛[57] وهي وإن كانت مقتضبة نوعًا ما ولا يمكن تتبع أعمال المسيح أو نشاطاته من خلالها، إلا أنها اكتسبت أهمية خاصة مع تقدّم علم التاريخ خلال القرنين المنصرمين؛ فإن الأدلة الداخلية لأي رواية، تزداد درجة موثوقيتها وتماسكها كلما دُعمت بأدلة خارجية تصادق عليها؛ وفي المقابل فإنّ انعدام الأدلة الخارجية أو مناقضتها لأحداث الرواية الداخلية، يدفع إلى نبذ الرواية الداخلية في كثير من حالات النقد والتصنيف التاريخي؛ مع الأخذ بعين الاعتبار مدى مطابقة الأدلة الداخلية للظروف والبيئة من جهة، والفاصل التاريخي عن الأحداث من جهة ثانية.
وقد ازدادت أهمية الأدلة الخارجية منذ أن دأب فيالقرن التاسع عشر عدد من مفكري أوروبا على اعتبار المسيح خرافة ابتدعها الفكر الإنساني في القرن الثاني الميلادي من مزيج من العقائد اليهودية والوثنية الرومانية،[58] وأول كتاب تناول فرضية انعدام وجود المسيح، هو كتاب «خرائب الإمبراطورية» الذي نشرهقسطنطين فرانسوا فولني عام 1791، وتبعههيرمان ريموس الذي قال إن يسوع يجب أن يفهم، بكونه الشخصية النهائية الدينية في جماعة المتصوفة اليهود القائلينبالبعث والحساب، وأخيرًا كاندايفيد ستراوسوشلايرماخر الذي أعلن في كتابه «المعتقد المسيحي» الصادر عام 1821، أن المسيح أسطورة من الأساطير، ورفع في كتابه من شأن التلاميذ، بحيث جعلهم رجال تفكير وتصوّف وأحلام، استطاعوا أن يخترعوا شخصًا كالمسيح كان محط تفكيرهم وأحلامهم،[59] وسار على نهجه عدد من الباحثين فيهولنداوألمانيا لاسيّما الباحثون في مدرسةتوبنغن على وجه الخصوص، قد انتهوا إلى إفناء شخصية المسيح تمامًا؛ وخلال حكمالاتحاد السوفياتي، كان المسيح يدرس بوصفهأسطورة لطلاب المدارس، استنادًا إلى نظرةكارل ماركس للمسيح بوصفه تجسيد حلم البشريّة منذ القدم بأن تعكس صورة ذاتها المثاليّة وأن تعبدها.[60] وفي المقابل، فقد وجد باحثون مسيحيون، دافعوا عن المسيح وصدق روايةالإنجيل، وكانالنقد الكتابي ميدان هذه المعركة، كما يسميهاويل ديورانت، والتي أفضت خلال القرن العشرين إلى تراجع أغلب القائلين بأسطورة المسيح ونفي الإنجيل، رغم استمرار وجود داعمين لهذه النظرية،[61] التي كان من آثارها أيضًا التأثير في فهمالوحي الكتابي، وغيرها من القضايا؛ عمومًا فإن أغلب الباحثين غير المسيحيين، الذين قبلوا بوجود المسيح، وصادقوا جزئيًا على رواية الإنجيل، اكتفوا إلى جانب إثبات وجوده، بقضيتيمعموديتهوصلبه فقط على أنها حقائق تاريخية مسلّم بها، لكون كلا الأمرين منصوص عليهما في الأدلة الخارجية عن المسيح.
وفي ذلك الوقت، كان يعيش يسوع، وهو رجل من رجال الدين، إذا جاز أن نسميه كذلك، لأنه كان يأتي بأعمال عجيبة، ويعلّم الناس، ويتلقى الحقيقة وهو مغتبط، وقد اتبعه الكثير من اليهود والرومان.
نسخة ترقىللقرن الخامس عشر، لكتاب «العاديّات اليهودية»،للمؤرخ يوسيفوس، الإشارة الأكثر قدمًا للمسيح خارج المصادر المسيحية.
وتتابع الرواية، بالإشارة إلى قيامته من بين الأموات وكونهالمسيح المنتظر، ما دفع أغلب الباحثين للقول بأن شهادة يوسيفوس تحوي أصلًا صادق صحيح، أضيف إليه من قبل النُسّاخ والشرّاح.[63][64] والشهادة الثانية عن يسوع، تعود لكتاب «الحوليّات»لتاسيتس المكتوب حوالي عام 115 ويشير إلى المسيح «الذي سلّمه للعذاب الواليبيلاطس البنطي في عهد الإمبراطورطيباريوس»، ويذكر أيضًاحريق روما عام 64، والذي اتهم بهنيرون المسيحيين وأفضى لقتلبطرس وبولس. هناك أيضًا شهادةسويتونيوس من سيرة الإمبراطوركلوديوس، المكتوبة حوالي العام 121 والتي تشير إلى طرد اليهود والمسيحيين من روما عام 49 - 50 بموجب مرسوم إمبراطوري «لأنهم كانوا يثيرون الشغب بشكل متواتر بتحريض من رجل اسمه كرستوس»، ويؤكد معظم الشراح، أن النص يتعلق بيسوع الذي كان قد أضحى كونه المسيح المنتظر موضع خلاف بين اليهود واليهود المسيحيين، وتفيد هذه الشهادة أيضًا بسرعة انتشار المسيحية حتى كان خليقًا أن يصدر بشأنها مرسوم إمبراطوري عام 50، علمًا أنسفر أعمال الرسل يذكرها أيضًا.[65][66][67]
وكذلك، فإنبلني الأصغر يفيد في رسالته إلى الإمبراطورترايانوس نحو عام 111، بأنّ «جمعًا كبيرًا من الناس، يجتمعون في يوم معيّن قبل الفجر لينشدوا للمسيح»،[68][69] ويقول ثالس نقلًا عنيوليوس أفريكانوس، من القرن الأول، إن «الظلمة العجيبة التي يقال أنها حدثت وقت موت المسيح، كانت ظاهرة طبيعية محضة، ولم تكن أكثر من مصادفة عادية»،[70] أخيرًا فإن المقابر السردابية فيمدينة روما، والتي تعود لأواخر القرن الأول، تحوي إشارات واضحة ليسوع ومريم وبطرس.[71]
يعتبرالعهد الجديد المرجع الأساسي لتفحص حياة المسيح والتعاليم المرتبطة به، ومكملاً للجزء الأول منالكتاب المقدس المعروف باسمالعهد القديم؛ وهو مجموعة مؤلفة من سبعة وعشرين سفرًا، مختلفة الحجم، وضعت كلهاباللغة اليونانية، وتنقسم إلى أربع أقسام: الإنجيل، وأعمال الرسل، والرسائل، والرؤيا. الاسم الذي شاع واعتمد، منذ نهاية القرن الثاني، كان استنادًا إلى ما ذهب إليه القديس بولس فيرسالة كورنثوس الثانية 3: 14، من أن عهدًا جديدًا قد افتتحه الله مع البشرية. أقدم أسفار العهد الجديد، هيالرسالة الأولى إلى تسالونيكي، غير أن الرسائل المعزوّة إلى القديسبولس أو غيره من التلاميذ، لا تحوي كثيرًا من رواية الأحداث، بل كانت رسائل جوابية على أسئلة وجهها أهل منطقة أو مدينة معينة لهذه الشخصية أو تلك، ومع ذلك فمن الممكن من الرسائل وحدها، رسم بعض الخطوط لحياة المسيح، كعماده وصلبه ومجيئه الثاني؛ أما المؤلفات التي تختص بحياة المسيح مباشرة فهيالأناجيل القانونية الأربعة.[72][73] الإنجيل كلمة يونانية تعني «البشارة» أو «الأخبار السارة»، ولا يمكن أن يفهم بوصفه مؤلفًا أدبيًا أو تاريخيًا بقدر ما هو شهادة ليسوع و«البشرى» التي أعلنها، وبهذا المعنى، فرغم وجود أربع روايات قانونية للإنجيل، متباينة فيما بينها، فإنها تعتبر إنجيلاً واحدًا، من حيث الجوهر أو الغاية، بل وحتى المراحل الأساسية كالعماد والنشاط في الجليل وأحداث الأسبوع الأخير،[74][75][76][77][78] وانطلاقًا من ذلك أسماهاالمجمع الفاتيكاني الثاني «الإنجيل الرباعي الشكل».[79][80]
الأناجيل القانونية الأربعة، بشكل متوازي، في نسخة قديمة لإنجيل رابولا السرياني.
أقدم الأناجيل تاريخًا، هوإنجيل مرقس، رفيقبطرس وتلميذه، كتب فيروما «من ذكريات نقلها إليه بطرس» كما أثبت في القرن الثانيإيريناوسوكليمنت الإسكندري،[81][82] ويعيد علماء الكتاب المقدس تاريخه لمرحلة 55 - 65، ويركز على معجزات المسيح أكثر من أي إنجيل آخر.[83] أما الإنجيل القانوني الثاني، فهوإنجيل متى، الذي وضع حسب رأي أغلب الباحثين فيسوريا الساحلية - ولربما فيأنطاكية - للمسيحيين من أصل يهودي،[84] بغية إثبات كونالماشيح قد جاء، ولذلك يفرد مكانة خاصةللعهد القديم، وتقاليدآباء الكنيسة ترجعه إلىمتى، أحدالتلاميذ الاثني عشر، في حين اقترح بعض العلماء أن تكون النسخة الحالية المدونة باليونانية ترجمة لنسخة أقدم كتبها متىبالآرامية غير أن هذا الرأي مكث ضعيفًا وقال بهأوريجانوس،[85] وبكل الأحوال يجب أن تفهم النسبة إلى متى بالمعنى الواسع، أما تاريخه، فأرجعته الغالبية إلى مرحلة 60 - 65 قبيل خرابالقدس.[86]
أما الرواية الثالثة، فهيإنجيل لوقا، تلميذ بولس، والذي وصفه «بالطبيب الحبيب»،[87] وللكتاب ملحق هو سفر أعمال الرسل،[88] وجههما إلىثاوفيلس ومن خلاله إلى المسيحيين اليونان، وغالب الظن أنه كتب في روما بعيد تخريب القدس عام 70،[89] أما الرواية الرابعة فهيإنجيل يوحنا والذي يدعى أيضًا «الإنجيل اللاهوتي»،[90] ويفتتح الكتاب على حد وصف النقاد «بمقدمة لاهوتية على جانب كبير من الفخامة»،[91] ويعلن صراحة أنه اختار بعض المواقف والشذرات من حياة يسوع الناصري ليثبت أنهابن الله. ويكاد يكون الإجماع بين النقاد، أن يوحنا قد اطلع على المؤلفات السابقة، فأراد أن يعكس وجهًا جديدًا يصحّ أن يسمى الوجه اللاهوتي، دون أن يغفل التقاليد الإزائية الكبرى.[92] ومجمل القول في أصل الإنجيل الرابع، برأي أغلب النقاد، أن مؤلفه هويوحنا بن زبدي أو شخصية مقربة منه، وقد اطلع على إنجيلي مرقس ولوقا، فجاء إنجيله مكملاً لهما، فيأفسس ضمنتركيا حاليًا، وهي عاصمة ثقافية، تتلاطم بها التيارات الفلسفية الشرقية والغربية، بين العامين 80 - 90.[93][94][95]
يؤمن المسيحيون بأنّالكتاب المقدس صحيح بالمطلق،ومعصوم، ويمكن الركون إلى أحداثه على أنها أحداث تاريخية وقعت فعلاً، وبأنهموحى من الله، غير أن مفهومالوحي الكتابي لا يعني أن الله قد تكلّم للملاك، فنقل الملاك الكلام إلى ناطق الوحي فأذاعه، فالمفهوم المسيحي يعتبر أن الله أوحى مباشرة للمؤلف - يُسمى عادة المؤلف الملهم - الأفكار والحقائق التي يريدها الله، غير أن المؤلف الملهم كتبها بأسلوبه الخاص، وتفكيره، وبالصيغ الأدبية والثقافية الخاصة التي كانت سائدة في زمانه، لذلك يستطيع الباحث في الكتاب المقدس أن يستنتج الكثير من صفات كاتب السفر والظروف التي كانت في وسطه إذا حلل أسلوب الكتابة، ولكن في داخل هذه التعابير التي لها صيغة بشرية مضمون وفكرة إلهية.[96][97][98][99]
إن استعراض النصوص يمرّ أولاً بمرحلة التقليد الشفهي، فالتلاميذ والوعاظ رددوا أقوال المسيح ورووا أعماله حسب حاجات الحياة، فتكونت في البداية تقاليد شفهية منقولة بالتواتر ولربما سجلت في صيغ وثائق مجموعة من أعمال يسوع أو معجزاته أو رواية الآلام، وهذه التقاليد الأوليّة تأقلمت في مفرداتها مع مصطلحات بيئتها، فلفظ «بارك» عند متى ومرقس يوافق عادةسامية أما لفظ «شكر» عند لوقا وبولس يدلّ على بيئة هيلينية، في إطار استحضارالعشاء الأخير، الأمر ذاته يمكن تصنيفه في مواقف أخرى، كصيغ التطويبات.[100][101]
تصلّبت هذه التقاليد الشفهية مع انتشارها في حوضالبحر الأبيض المتوسط، واستمرّ تداولها نحو ثلاثين عامًا أو أقل، وكان انتشارها جنبًا إلى جنب مع تأليف رسائل القديس بولس، التي كانت بمثابة الضابطة لها؛ والأمر الهام أنها شكلت بانتشارها وتصلبها المرجع الأساسي لروايات الإنجيل، ومع تكاثر هذه التقاليد أو الأخبار المنقولة بالتواتر، بات خطها في كتاب وتعميمها حاجة ملحة، وكان المعياران المتبعان في التصنيف ولاحقًا في قبولقانونية الإنجيل هي مدى الانتشار، والنسبة للعصر الرسولي أو أقله شخصيات مقربة منهم، أما أغلبالأبوكريفا، فهي إما كتبت بزمان لاحق، أو أنها بقيت محلية الانتشار، أو نسبت لتقليد سخيف.[102][103][104]
لقد كانإنجيل مرقس لا أقدم الأناجيل فحسب، بل أيضًا أساسًا في إنجيلي متى ولوقا، وهو ما يعرف عمومًا باسم «القضية الإزائية»، فإنه في الأناجيل الثلاثة من التسلسل الزمني والكلمات المشتركة ما يجعل من المؤكد اطلاع متى ولوقا على إنجيل مرقس، وعلى سبيل المثال فإن متى يشترك مع مرقس في 548 آية، وإن لوقا يشترك مع مرقس في 434، وأما متى ولوقا فيشترك كلاهما بنحو 230 آية لا تذكر في مرقس، ما دفع العلماء لتأصيل هذا الاشتراك بتقليد مشترك أطلق عليه اسم «الوثيقة ق». أخيرًا، فإنّ لكلّ إنجيلي انفراده بتقاليده الخاصة، فحوالي 320 آية خاصة بمتى وحده، و500 آية خاصة بلوقا وحده - حسب آباء الكنيسة نقلها من مريم العذراء[105] - ويعرّف الأمر بأنه نظرية المصدرين في شرح القضية الإزائية.[106][107][108]
بعض الباحثين حديثًا رفضوا النظرية السابقة في تفسير القضية الإزائية، وفضلوا القول بأن التقليد ذاته كتب في ثلاث صيغ،[109] بيد أنه في كلا الحالتين، من المهم الملاحظة، عدم إغفال حرية الإنجيليين في التحرير، فلوقا أكثر اهتمامًا بشرح العادات اليهودية لكون إنجيله موجه لمسيحيين يونان، أما متى فلا يهتم بذلك، فهو يهتم بالأحرى بإظهار يسوع بوصفهمتمم النبؤات؛[110] وتبويب الخطب والأمثال بشكل متتالي عند متى يقابله نثرها في لوقا، أخيرًا فإنإنجيل يوحنا، قد كتب بعد الإزائية واطلع عليها، ويقتصر على مختارات من أحداث وآيات ذات جدة توضح عادة ضمن الخطب، كما خصص سبعة فصول كاملة للأسبوع الأخير، ليشكّل بذلك خاتمة تنوّع الفن الإنجيلي وغناه.
لقد تمت ولادة يسوع بشكل إعجازي بليغ، على ما هو مسطور فيإنجيل لوقا،[119][120] فبعد ستة أشهر من الحبليوحنا المعمدان، ابنزكريا، ترائي الملاكجبرائيل مُرسلاً من قبل الإله،لمريم الفتاة منالناصرة، المخطوبةليوسف النجار، ليعلمها أنها ستَقبَل حملاً وتلد ابنًا، يُدعى «يسوع» ومعناه الحرفي «الله يخلّص».[121] على أن هذا الحمل،دون مسيس ذكر سيتم، إعجازيًا. كما ترائي الملاك ليوسف خطّيب مريم في الحلم، كي يأخذها إلى بيته، ففي الحالة الأخرى، كانت ستسلم للرجم وفقشريعة موسى.[122][123]
انتقلت مريم إلى زيارةأليصابات ومكثت عندها حتى ميلاد يوحنا، وبعدها بست أشهر حسب التسلسل التاريخي لرواية الإنجيل، انتقل يوسف ومريم إلىبيت لحم للاكتتاب، إذ كان قد صدر أمرأغسطس قيصر بإحصاء سكان الإمبراطورية كلّ في مدينته أو بلدته، وكانت بيت لحم مدينة داود وذريته.[124][125] وبينما كانا هناك، حان زمانها لتلد، فولدت المسيح ولفته بقماط وأنامته في مذود، إذ لم يجدا نُزلاً يأويان إليه. ترافق الحدث مع ظواهر أخرى، كظهور جند من الملائكة مُسبحين لقوم من الرعاة؛ وفي اليوم الثامنختن المسيح وسُمي.[126] وبعدها بأربعين يومًا لتطهير مريم، صعد به أهله لزيارةالهيكل فيالقدس، وذلك تماشيًا مع طقوس الشريعة.[127][128][129]
وإن كان الصمت الإنجيلي يلفّ العامين الأولين من عمر يسوع، فإنّإنجيل متى قد سطّر حدث زيارةالمجوس الثلاثة في تلك الفترة، وقد قادهم «نجم بزغ من المشرق»، توسع البحّاثة في تحديد ماهيته، وبعد أن شاهدوه قدّموا له الهدايا ذهبًا وبخورًا ومرًا،[130] ثم انصرفوا إلى بلادهم من طريق أخرى، كي لا يلتقوابهيرودس الملك الذي تخوّف من أن يزاحمه المسيح في المُلك - إذ إن من صفات المسيح كونه ملكًا، وهو ما سيتحقق في المجيء الثاني وفق المعتقدات المسيحية - فأراد قتله عن طريق المجوس، فحينما فشل، قررقتل جميع أطفال بيت لحم من دون السنتين، ولكنّ وحيًا كان قد جاء ليوسف في الحلم يخبره بأنيأخذ الطفل وأمّه إلى مصر، فهربا وأقاما بها حتى وفاة هيرودس، قبل أن يعودا إلىالناصرة.[131][132][133][134]
لا نعرف الكثير عن حداثة يسوع اللاحقة، وبعض الإشارات الإنجيلية عامة للغاية، فكان ينمو ويتقوى بالحكمة و«نعمة الله معه»،[135] ومما لا شكّ فيه أن العائلة كانت متدينة،[136] إذ تحجّ إلى القدس في كل عام،[137] والحدث الأبرز هو وجوده في الهيكل بين العلماء لثلاث أيام وله من العمر اثني عشر عامًا. ولعلّه احترف النجارة كيوسف، إذ دعي «النجار ابن مريم». وغياب ذكر يوسف في الحياة العلنية إنما يشير إلى وفاته، فانتقل يسوع للعمل وتأمين مدخول البيت.[138][139] وكان لهعائلة كبيرة، سواءً بمعنى أولاد عمومته حسب التفسير الكاثوليكي والبروتستانتي، أو أولاد يوسف من زواج سابق حسب التفسير الأرثوذكسي.[140] ويذكر أن بعضالأناجيل المنحولة وكتاباتآباء الكنيسة، تنسب للمسيح اجتراح المعجزات، لعلّ أهمها إدباب الحياة في طيور صنعها من طين، والحكمة منذ طفولته، غير أن هذه الكتابات لا تعتبر رسميّة.[141][142][143][144]
كان العماد، وهو الغطس في المياه الجارية بعدالتوبة عن الخطايا رمزًا لولادة ثانية، حيث يموت الإنسان «ليولد من جديد» بشكل أقرب إلى الله؛[145] وهكذا فالتوبة تعطيه طهارة الروح والماء طهارة الجسد.[146][147] وكانت عملية العماد منتشرة في بعض المجتمعات اليهودية قبيل المسيح ومنهاجماعة الأسينيين، ولعلّيوحنا المعمدان قد تأثر بهم حين بدأ دعوته علىنهر الأردن.[148][149][150] وكانت دعوة يوحنا تستند إلى ضرورة التوبة والأعمال الصالحة (متى 3: 8) ورفض الشفاعة دون أعمال (متى 3: 9) والمساواة بين جميع الأمم (لوقا 3: 14)، وبيّن أنه ليس المسيح بل نبي يعدّ إمامة الطريق (لوقا 3: 15-16)، كما كانت علاقتهبهيرودوس الملك سيئة للغاية، وبعد عماد يسوع بفترة قصيرة، سجن يوحنا ثم أعدم (لوقا 3: 20).[151][152][153]
وفي هذه البيئة، قدم يسوع منالجليل ليعمد على يد يوحنا، أما عماد يسوع فكان اعترافًا بخطيئة الأمة بأكملها كما فعل أنبياء كثر قبلهكموسىودانيالوعزرا، واتخذها نقطة انطلاق لدعوته العلنية من جهة ثانية، فكان أن أكمل ما بدأه يوحنا.[154][155] وعند معمودية يسوع، حلّ عليهالروح القدس، روح الله، على هيئة طائر الحمام، في حين سمع صوت من السماء يعلن هذا ابني الحبيب الذي به سُررت تأييدًا لرسالته.[156][157] وطبقًا لإنجيل لوقا، فإن يسوع كان له من العمر ثلاثين عامًا حين بدأ دعوته العلنية، وكان الكاهن حسب شريعة موسى يبدأ خدمته في سن الثلاثين (العدد 4: 3)، ويعتبر عمر الكهولة والنضوج، وقد سجّل الكتاب أنيوسف حين ملك علىمصر (التكوين 41: 46) وكذلكداود حين ملك على فلسطين (صموئيل الثاني 5: 4)، كان لهما من العمر ثلاثين عامًا.
وبعد عماده بدأت المرحلة العلنية من حياة يسوع من بشارة يوحنا نفسها،[158] فانتقل بداية إلى البريّة، حيثصام أربعين يومًا وليلة كما فعل موسى النبي وفي ختام تلك الأيام جرّب الشيطان المسيح ثلاث مرات مقتبسًا منالكتاب المقدس نفسه، غير أنّ المسيح بكّته وردّ عليه بثلاث آيات منسفر التثنية،[159][160] وتعتبر التجربةخريستولوجيًا هامة للغاية، فبعد أن انتصر الشيطان على الإنسان فيجنة عدن وأغوىآدموحواء، انتصر الإنسان على الشيطان بالمسيح.[161][162] أخيرًا، فإن تجربة المسيح، كانت في وقت حرج بالنسبة له، بعد أربعين يومًا من الصيام، ورغم ذلك، فقد تمكّن من الانتصار على الشيطان وتجربته.[163][164][165]
بعد تجربة الجبل، وخلال المرحلة اللاحقة، أخذ يسوع يشكّل نواة مقربة من التابعين ليكونوا حلقة مقربة منه وسندًا يعاونه في رسالته،[166] وهمالتلاميذ الاثني عشر،[167][168] وضمن هذه الحلقة هناك حلقة أصغر مكونة منبطرسويوحنا بن زبديوأخاه يعقوب.[169] وقد تمت أغلب الدعوات فيالجليل، ودُعي بطرسوأندراوس بينما كان يلقيان الشبكة لصيد السمك فيبحيرة طبرية، وكذلك يوحنا ويعقوب (متى 4: 18-22).[170][171] وبشكل عام، فإن الخلفيّة الثقافيّة أو المراكز الاجتماعية للتلاميذ لم تكن مرموقة بشريًا، لعلّ أوفرهم ثقافة دنيويّة هومتى الذي دعاه يسوع من مكتب جباية الضرائب، وهي المهنة التي كانت ينظر إليها عوام اليهود بكونها خيانة وعمالة للرومان،[172] ما استدعى اعتراضًا منالفريسيين فأجابهم المسيح بأن ليس الأصحاء محتاجين إلى طبيب بل المرضى كما يوضح فيمتى 9: 9-12.[173]
وكذلك، فقد كان التلاميذ متنوعين في المشارب السياسية، إذ تسجل القائمةسمعان الغيورويهوذا الإسخريوطي على أنهما منشيعة الغيورين التي كانت تنتهج الكفاح المسلح ضد الرومان،[174][175] وترى المسيح قائدًا حربيًا قبل أن يكون مصلحًا دينيًا، ولعلّ ذلك هو السبب الأبرز الذي دفع يهوذا لخيانة معلمه. وتذكر الأناجيل، مجموعة أكبر كانت تتبعه، دون أن تحسب على التلاميذ، وكان من ضمن هذه المجموعة الأوسع نساء (لوقا 8: 2-3)،[176][177] كما عيّناثنين وسبعين آخرين وأرسلهم اثنين اثنين ليسبقوه إلى كل مدينة أو مكان كان على وشك الذهاب إليه؛ وقد منح المسيح التلاميذ سلطانًا لكي يشفوا الأمراض، ويطردوا الأرواح النجسة؛ ورغم مجاورتهم له، إلا أنه كان يرسلهم أيضًا مبشرين، وزودهم بمجموعة من النصائح (متى 10: 5-42)، فباتوا في أعقاب ذلك يدعون رسل المسيح،[178][179][180] وطالبهم بعد قيامته،بنقل تعاليمه لجميع الناس.[181]
وبشكل عام، لم يكن التلاميذ دومًا فاهمين لقصد المسيح أو الغاية التي اجترح بها أحد أعماله أو أمثاله. فتسجل الأناجيل عددًا من المناسبات التي وبخ بها المسيح تلاميذه على شكّهم أو قلة إيمانهم أو ترددهم، رغم الآيات والعجائب التي شهدوها (مرقس 8: 33؛مرقس 9: 32).[182] غير أنه وبعد قيامته، يذكرسفر أعمال الرسل دورهم التبشيري والشجاعة التي تحلوا بها، وفهم الكتاب وجميع أعمال يسوع، حتى قتل لإيمانهم به أغلبهم.[183] وسوى ذلك، فقد رفع تعليمهم وقبولهم على أنه منه هو شخصيًا كما فيلوقا 10: 16.
ومجمل الأمر، أن الكنيسة قامت بجهودهم؛[184][185] وبينما يرى الأرثوذكس والبروتستانت، أن التلاميذ متساوين في السلطة أو أن بطرس متقدم عليهم شرفيًا، يرى الكاثوليك أن لبطرس سلطة فعلية «كرأس للرسل» لا شرفيًا فقط استنادًا إلى مواضع منهامتى 16: 16.[186]
تسجل الأناجيل حلقات من وعظ المسيح وتعاليمه، ولربما كان يكرر تلك العظات في غير موضع من مواضع تبشيره، وأكبر هذه العظات وأشملها هي ما سجله إنجيلمتى 5- 7 والتي دعيت «عظة الجبل»، والتي شكلت لاحقًا، لاسيّما فاتحتها المسماة التطويبات، أحد أهم المواضيع والأركان التي ارتكز عليها التعليم الديني - الاجتماعي للمسيحية؛[187][188][189][190][191] لقد أعلن المسيح ثبوتشريعة موسى إلى الأبد وأنالكتاب لن ينقض (متى 5: 17)، وركز خصوصًا علىالوصايا العشرة؛[192][193] لكنه عدّل بها مطورًا أو أعاد تقديم قراءة جديدة، لبعض مواضيعها، مركزًا على الجوهر دونًا عن الشكل وبذلك كان كمال الناموس؛[194]فالزنا - عند المسيح - لا يتمّ فقطبالعملية الجنسيّة بل يبدأ من شهوة القلب؛[195] والبرّ وأعمال الخير والصلاة التي تتم أمام الناس هي لا شيء عند الله إن كانت تهدف لإرضاء الناس أو لفت أنظارهم (متى 6: 1-16). كما رفض المسيح مبدأ العين بالعين والعنف إجمالاً (متى 5: 38-39)، لكنه سمح بالدفاع عن النفس، وأعلى من شأن المحبة حتى جعلها الوصيّة العظمى والكبرى، وطالب بمحبة القريب، وهي عند المسيح تتسع لتشمل جميع البشر لتشمل حتى الأعداء، وكمالها هو الرحمة،[196][197][198] (مرقس 12: 28-34؛يوحنا 13: 34)، فحضّ على التسامح والغفران ونبذ الحقد مشددًا على العطاء فهذه كنوز الحياة الآخرة (متى 6: 19-21)؛ وفي المقابل نبذ المادية المفرضة وتقديم الحياة الأرضية على الحياة الآخرة (متى 6: 24-34). كما رفض بشكل بات، إدانة الآخرين دينيًا أو إساءة معاملتهم أو إظهار عيوبهم (متى 7: 1-12)، معلنًا المساواة بين جميع الأجناس والمراكز الاجتماعية (متى 10: 24)، فالعمل الصالح هو وحده الفيصل في قيمة الإنسان في هذا الزمان وفي الزمان الآتي (متى 7: 21-23؛12: 50)[199] وقد قال البابابندكت السادس عشر إن إنجيل المسيح، وهو مجمل تعاليم يسوع، خلافًا للأنظمة والمؤلفات الأخرى في عهده والعهود الأخرى، قد تميّز بكشفه للإنسان بصفته شخصًا فردًا ومدعوًا بصفته الشخصية للمشاركة مع الله، وبحسب رأيه، فإنه بذلك أثار الوعي للحرية الإنسانية بمفهومها الحديث، ولذلك لا يمكن فهم سيرورة التطور البشري وعصر الحرية الحالي دون إنجيل يسوع وتعاليمه.[79][200][201]
وفيما يخصّ ما طوره المسيح في شريعة سيناء والاستنباطات اللاحقة التي استقاها منهاالكتبة والربانيون، فهي تدور عن انتقاد حفظالسبت، فالسبت - كيوم راحة - وجد لخدمة الإنسان لا العكس؛ وبين أن أحكام النجاسة والطهارة ومحرمات الطعام قد ذهبت سدى، وكذلك الذبائح والمحارق التي تقدم يوميًا وفصليًا في الهيكل تكفيرًا عن الخطايا، بل أعلن إلغاء دورالهيكل كمركز للحياة الدينية (يوحنا 2: 21).[202] ورفض قتل البشر إذا ما ارتكبوا معاصي دينية كالزنا (يوحنا 8: 1-11)، وأكّد أن الطلاق قد أعطاهالنبي موسى «لقساوة قلوب البشر» أما في الأساس لم يكن هكذا، معلنًا أن أي انفصال بين الزوجين لغير الزنا هو زنا (متى 19: 7-9).[203] وتعتبر هذه التطويراتخريستولوجيًا شديدة الأهمية، إذ نقلت البشرية من شريعة الحرف إلى شريعة الروح.[204][205][206]
ركّز المسيح أيضًا في تعاليمه علىيوم القيامة ووراثة الملكوت،[207][208] مفهومملكوت السماوات يتخذ مكانة مركزية في تعاليم يسوع، ولا أدلّ على ذلك، أنه قد ورد نحو ثمانين مرة في الإنجيل،[209][210] وتوجزالصلاة الربية التي علّمها المسيح، جوهر تعاليمه عن الملكوت.[211][212][213] وفيما يخصّ التعليم الاجتماعي أيضًا، فقد أولى يسوع عناية خاصة في ذلك للفقراء وسائر أصناف المستضعفين،[214] وإن كانت عظاتالإزائية اجتماعية بالأحرى، فإنّإنجيل يوحنا يُظهر بشكل متزايد الصيغة اللاهوتية - الماورائية لكلام المسيح،[215] فالحديث معنيقوديموس يركز على المعاني الروحية للعمادكولادة ثانية (3: 4-12)،[216] ومحبة الله للعالم هي التي أرسلت المسيح (3:4-12)؛ ويشرح أيضًا علاقتهبالآب وشهادةالآب له (5: 17-47)؛ وشبه تعليمه وكلامه بالطعام الحقيقي والحي وهو ما دعّم لاحقًاسر القربان (6: 27-59)، وأيضًا يتكلم يسوع في عظاته، سيّما الأخيرة، عن محبته لخاصته الذين في العالم، وحبّه لهم إلى الغاية (10: 7-18).
لوحة تصوّر من مثل العذارى العشر، أحد أبرزأمثال المسيح.
كان المسيح يتكلم بالأمثال،[217][218] ويستخدم الكثير من التشبيهات خلال مخاطبته الجموع، ولتوضيح غاية معينة أو تلقين فكرة بعينها، بحيث تساعد الحبكة القصصية أو خلاصة نهاية المثل في فهم الحقائق الروحية، وفي الوقت ذاته تبدو قصصًا بلا معنى لمن لم يتأمل بها. وأما مواد الأمثال فلم تكن فلسفيّة أو غريبة أن الوسط الاجتماعي البسيط، إذ استخدم المسيح أمثالاً من المحيط بعضها من الطبيعة مباشرة والبعض الآخر عادات اجتماعيّة، مأولة لإيصال حقيقة روحية، ولمعظم الأمثال نقطة جوهرية واحدة فقط، وبالتحليل العكسي، فإن كل مثل يعطي تطبيقًا روحيًا لأمر مألوف.
إن مجموع الأمثال، وأغلبها إزائية، ثمانية وثلاثون مثلاً،[219] تبوب في عشرة أبواب، فمنها عن الدينونة والمستقبل،[220][221] وعن الخدمة والطاعة، وعن الصلاة ومحبة الله ورحمته،[222] وعن محبة الإنسان لكل إنسان،[223][224][225] والقيم الأخلاقية.[226][227][228] وتشبك الأمثال أحيانًا، فإن عظة واحدة كما فيمتى 13 حيث ترد خمسة أمثال تختصّ مواضيع مختلفة، أو تأتي ردًا على سؤال وجّه للمسيح أو استكمالاً لما ورد في العهد القديم.[229][230][231][232]
تهدئة العاصفة التي ضربتبحر الجليل، بريشة ريمبرانت.يسوع يمشي علي الماء لإنقاذبطرس حسب ما ورد فيإنجيل متى 14:29.يسوع يحول الماء لخمر في أحد الأفراح.
سوى معجزة دخوله العالم ومعجزة خروجه من العالم، فإنه حسب الرواية الرسمية للعهد الجديد فقد اجترح المسيح عددًا كبيرًا من المعجزات والأعاجيب،[233][234][235] بل إن معجزاته لا سيّما الشفائية منها، لم تسجل كلها لكثرتها، وتذكر الأناجيل حوادث من هذا النوع كما فيمتى 4: 23-25، حيث يعلن النص «ذيوع صيته في سوريا كلها» وأن الناس «حملوا إليه مرضاهم المعانين من الأمراض والأوجاع على اختلافها»، في ما يدعى «شفاء جماعي».[236] وكان الشفاء يتم بالكلمة فقط،[237] وأول معجزة أجراها المسيح كما ترد فييوحنا 2: 1-23، هي تحويل الماء إلى نبيذ فيعرس قانا الجليل؛[238][239] وتركز الأناجيل على حوادث شفاء البرص، لكونه من أكثر الأمراض إثارة للخوف في الزمان القديم، وكانت الصفة تطلق على طائفة واسعة من الأمراض المتشابهة،[240][241] وفي كثير من الأماكن ومنهافلسطين، كان المصاب بالبرص ينفى من المدينة ليعيش في البرية مع غيره من البرص إلى أن يشفى أو يموت؛ كما شفى المسيح الرجل ذي اليد اليابسة، وأوقف نزيف امرأة مصابة بنزيف دموي مدة اثنتي عشر سنة - أي نجسة على الدوام حسب الشرع - وقد اكتفت هذه المرأة بأن تلمس طرف رداءه لتشفى؛[242][243] والكثيرون تكرر معهم الأمر ذاته دون أن تفصّل الروايات كما هو فيمرقس 3: 10؛ وإلى جانب ما شفي بالكلمة أو اللمسة فقط، فإن بعض المعجزات تطلبت ما هو أكثر من ذلك، ففي شفاء الأعمى منذ ولادته تفل المسيح على التراب وجبل منه طينًا ووضعه على عيني الأعمى،[244] وقد فتح المسيح عيون عمي كثيرين وكانت النبؤات السابقة للمسيح،كنبؤة أشعياء، أشارت إلى مقدرة المسيح أن يفتح عيون العمي حين يأتي. ولعلّ أشهر العميان الذين شفاهم المسيح، هو الشحاد بارتيموس الأعمى وابن الأعمى.[245][246] ومن المعجزات الأخرى التي استأثرت بالاهتمام، شفاء المرأة الحدباء يوم السبت، والمخلّع، ومشلول بيت حسدا الذي مكث في الشلل ثمانية وثلاثين عامًا،[247] وإعادة أذنملخس، عبد رئيس الكهنة المقطوعة.[248][249]
ولم تكن المعجزات هي غاية يسوع، فإن الأناجيل تذكر أنه أمر بعضًا من الذين شفاهم بالصمت (متى 9: 30)، ووبخالفريسيين لطلبهم آية (مرقس 8: 11-12)، والسبب الأبرز في تفسير ذلك، أنه لم يكن غرض المسيح أن يعرف كصانع عجائب أو طبيب، وإهمال الجانب الروحي في الأمر، وكان يكرر بأن الإيمان هو من يشفي، فضلاً أن الهدف الرئيسي للمعجزت هو إظهار سلطته، والدليل على أصله العلوي وتأييد السماء له.[250][251][252][253] وإن كانت هذه المعجزات، جزءًا أصيلاً من رسالته، ودليلاً على قدرته، وأنها سبب فرح للجموع (لوقا 13: 17)، وذهولهم (لوقا 9: 43)، وكانت في كثير من الأحيان سبب إيمانهم (يوحنا 2: 23)، بل والتعجب أيضًا: ما شوهد مثل هذا قط من قبل (متى 9: 33).[254]
وكان المسيح يأمر أيضًا بعضًا من الذين شفاهم بأن يقدموا القرابين التي أمر بهاموسى فيما يخص اليهود، ولم تتوقف معجزاته على اليهود وحدهم بل شفى أيضًا «من الأمم»،[255] مثل شفاء خادم قائد المئة، والأعاجيب التي قام بها في زيارتهالمدن العشروالسامرةوصيداوصور. وتذكر الأناجيل ثلاث حوادث لإقامة الموتى:ابنة رئيس المجمع يائير،وابن أرملة نائين،ولعازر، صديق يسوع.[256][257] وإلى جانب ذلك، كان يطرد الأرواح النجسة بكلمة منه، والشياطين، شافيًا من أصيب بقوى خبيثة؛[258] ومن الخوارق الأخرى التي سطرتها الأناجيل والتي تشير إلى علاقة المسيح مع الطبيعة، كتهدئة العاصفة التي ضربتبحيرة طبرية، ولعن إحدى أشجار التين فيبست، ومعرفة النوايا،[259] واصطياد بطرس ومن معه سمكًا كثيرًا بعد أن أمرهم بإلقاء الشباك، والمشي على الماء، وتكثير الأرغفة والسمكتان.[260][261] يذكر أن يسوع قد أعطى تلاميذه مثل هذه السلطة، ويذكرسفر الأعمال اجتراح التلاميذ باسم المسيح عددًا من المعجزات كما في3: 1-10 و8: 6-8.
النبؤة حسبعلم اللاهوت، هي أعجوبة عقليّة لا تقع تحت الحواس، وتقوم على معرفة المستقبلات الناشئة عن حرية الإنسان وكشف النقاب عنها قبل وقوعها،[262] قدم المسيح عددًا كبيرًا من النبؤات التي تختصّ بالمرحلة اللاحقة لوجوده الأرضي، ولعلّ أشهر النبؤات تدمير الهيكل وخراب القدس والذي تمّ خلال عام 70؛[263] وأشار إلىالاضطهادات على المسيحيين والتضييق الذي سيقع عليهم وهو ما تمّ حتى صدورمرسوم ميلانو، ودعا للثبوت في وجه الاضطهاد والمحافظة على الإيمان حتى لو وصل الاضطهاد إلى العائلة، بل قال فييوحنا 16: 2 أنه سيأتي وقت يظنّ من يقتلكم «يؤدي لله خدمة».وتنبأ عن موته وقيامته ثلاث مرات، وخيانةأحد تلاميذه، ووعد بإرسالالروح القدس المعزّي والمعين،[264][265] ليقوي المؤمنين ويذكرهم، وقال أن ما يقوله كأنه صادر عن المسيح شخصيًا، وقدّم وصفًا مسهبًاليوم القيامة، وما سيسبقه من ويلات، وظهور أنبياء ومعلمين وقادة دينيين كذبة يضلون الكثيرين وعلى رأسهمالمسيح الدجال،[266][267] إلى جانب تكاثر الحروب والمجاعات والكوارث وقيام أمّة على أمة، وسقوط الآلهة والقوات الأرضية قبل هزيمة الشيطان فيالمجيء الثاني، حيث لدى عودة المسيح ستشاهده «جميع الأمم وقبائل الأرض»، ودعا للسهر والترقب فلا أحد يعلم حين يحين الوقت. أخيرًا فإنّسفر الرؤيا كما يصرح بذلك في1:1-2 هو وحي من قبل المسيح.[268]
يعتبر حدث التجلي حديثًا بارزًا في حياة المسيح وفق نظرةالعهد الجديد،[269][270] وبحسب روايةمتى 17: 1-13، فبعد نحو أسبوع من اعتراف بطرس بيسوع على أنه المسيح، اصطحب يسوع ومعه بطرس ويوحنا بن زبدي وأخاه يعقوب، وانفرد بهم على جبل عال لعلّه أحدجبال حرمون،[271][272] وهناك تجلّى أمامهم، فشعّ وجهه كالشمس، وصرت ثيابه بيضاء كالنور، ثم ظهر لهموسىوإيليا، وكلاهما يمثلان أعظم نبيين في الفكر الديني اليهودي.[273][274] وكان موسى وهو يمثل الشريعة قد تنبأ عن مجيء عظيم (عدد 24: 17؛تثنية 18: 15-19) أما إيليا وهو يمثل الأنبياء قد تنبأ أيضًا عن مجيء المسيح (ملاخي 4: 5-6). وكان ظهورها مع يسوع تأييدًا لرسالته، بصفته المسيح، بحيث يتمم شريعة موسى وأقوال الأنبياء. وكما أعطى صوت الله من السحابة علىجبل سيناء السلطان لشريعة موسى (خروج 19: 9) فإنّ صوت الله على جبل التجلي كان مقاربة حديثة لما تمّ مع موسى وإضفاءً لسلطان خاص على المسيح.[275][276]
أمر يسوع من شهد التجلي بالصمت حتى نهاية رسالته، وكذلك فقد منع التلاميذ أو من شفاهم، في مناسبات عددية من أن يذيعوا كونه المسيح. يعود ذلك بشكل أساسي، إلى أن النبوات المسيانيّة، التي تحفل بهاالكتب المقدسة، قد قدمت حلقتين عن «المخلص المنتظر» أو «النبي الآتي»، الأول هي العبد المتألم، والثانية هي الملك المظفر. طبقًا للتعاليم المسيحية، فإنّ الملك المظفر يأتي في آخر الزمان، ليحوّل العالم الفاسد إلى عالم مفتوح على الأبدية لا يدخل فيه الشر أو الشيطان أو الموت، وهو ما سيتم فيالمجيء الثاني؛ أما المجيء الأول فقد ركّز على صورة العبد المتألم، وما كان للأولى أن تتم لولا الثانية.[277][278] كلا الصورتين، في كلا الأحوال، تنطبقان في شخص المسيح، الذي دأبت كتابات العهد الجديد على إظهاره بوصفه متمم النبؤات، لكونها، إلى جانب الخوارق والمعجزات، الدليل الأبرز على أصله العلوي، وإنمامًا لذلك، فقد أعلن المسيح أنه يندرج في خط من سبقه، فهو ما جاء ليلغي بل ليُكمل، وأكثر من الاستشهادات بسير السابقين والاقتباس من الكتب المقدسة،[279] ودعا أتباعه للتمثل بهم.[280]
كان للسلطات الدينية في أيام المسيح، شأن كبير، لا على الصعيد الديني فقط بل على الصعيد الإداري أيضًا، فالإمبراطورية الرومانية سمحت للجماعة اليهودية، أن تنظم طقوسها وعباداتها، وإصدار التشريعات الخاصة لها، ورغم هذا الحكم الذاتي، ظلّ ليهود ينظرون إلى الرومان كسلطة احتلال، وثنية. أكبر الأحزاب الدينيّة - السياسيّة، في أيام المسيح، كانالصدوقيونوالفريسيون.[281][282][283]
شكّل الصدوقيون أغلبيةالمجلس الأعلى وعرفوا بكونهم الأقلية الثرية والمثقفة والمحتكرة لتجارة الهيكل، والتي اكتفتبأسفار موسى الخمسة فقط ما دفعها لرفض مفاهيم مثل القيامة والملائكة، ونظرًا لثرائهم فقد تحالفوا مع الرومان.[284] أما الفريسيين، وهم أقلية في المجلس الأعلى، فعلى العكس من ذلك، كانوا ذوي شعبية واسعة لمقارعتهم الرومان، غير أنهم اشتهروا بتعصبهم، والقول بالتبرير الذاتي، والتعلق بالمظاهر الخارجية كإطالة أهداب الثياب، واحتقار سائر فئات الشعب لاسيّما الوضيعة،[285][286] فكان أحد ميادين خلافاتهم معه اهتمامه بالطبقات الدنيا من الشعب، والتي كان ينظر إليها على أنها غير مشمولة برحمة الله.[287] ويمكن أن يضاف سبب خلاف آخر، فسلطة يسوع التعليمية ومعارفه لم تأت من الدراسة الطويل على يد الفقهاء المعترف بهم، بل إن هذا التعليم كان من الله مباشرة: «تعليمي ليس من عندي بل من عند الذي أرسلني» كما قال لهم فييوحنا 7: 16، وأسلوبه المختلف والأكثر بساطة جعل شعبيته تطغى على شعبيتهم، فطبقًالمرقس 1: 22: «ذهل الحاضرون من تعليمه لأنه كان يعلمهم كصاحب سلطان وليس كالكتبة».[288]
وبشكل عام فإنّ كلا الفريقين، كان محط نقد يسوع وتعنيفه،[289][290] وكان على صدام دائم معهم فيما يخصّ قضايا استنبطهاالكتبة - وهم متحالفين مع الفريسيين، كانت مهمتهم الأساسية نسخ التوراة - من الشريعة، كالتدواي في يوم السبت (لوقا 5: 6-11). وقد بدأ الصدام مع السلطة الدينية التقليدية باكرًا،[291] فقالوا أن شيطانًا يسكنه (متى 9: 34)، وتآمروا على قتله منذ بداية نشاطه العلني (متى 12: 38-39). وفي المقابل، جاء رهط منهم إلى يسوع طالبًا آية فوصفهم بالجيل الشرير والخائن (متى 12: 38-39) وأنهم يخالفون وصايا الله من أجل المحافظة على تقاليدهم الشكلية والقشرية (متى 15: 1-8؛ 23: 5-7) وحذر منهم (متى 16: 6)، وقصدهم في بعض أمثاله التي ضربها (متى 21: 45-46) ولعلّ أقسى ما سجلته الأناجيل من توبيخ المسيح لهم ما فيمتى 23، حيث هددهم بنار جهنم ووصفهم بالمرائين، ووصف النصّ بأنه أعنف ما واجه به المسيح القادة الدينيين؛[292] كما قلب موائد الصيارفة وموائد باعة حمام الذبيحة كما فيمرقس 11: 15-19، ووصف الصدوقيين الذين ينكرون القيامة بأنهم في ضلال عظيم.
على أن بعضًا منهم، آمن بالمسيحكنيقوديمسويوسف الرامي،[293][294] وبعضهم آمن سرًا لكنه لم يجهر الإيمان خوفًا من الطرد من المجمع حسبيوحنا 12: 34-44 أما القسم الثالث، لا سيّما أعضاءالمجلس الأعلى، تآمروا على قتله خلال عيد الفصح، لانشغال الشعب من جهة ولتواجد الحاكم الروماني في القدس من جهة ثانية[295]
بعد حوالي ثلاث سنوات من النشاط العلني، عبر المسيح ومعه تلاميذه، رحلته الأخيرة عن مناطقنهر الأردنوأريحا ومنها قرروا التوجه إلىالقدس. كرّست الأناجيل ثلث صفحاتها للحديث عن الأسبوع الأخير في حياة يسوع، حيث قدّم ملخصًا لمجمل تعاليمه فيما بات يعرف باسم الأسبوع المقدس أوأسبوع الآلام. أقام المسيح في بيت عنيا وبيت فاجي ردحًا من الزمن، ودخل القدس راكبًا على حمار تطبيقًا للنبوءة الواردة فيسفر زكريا، واستقبلته الجموع بشكل حافل معلنة «مبارك الآتي باسم الرب». وطبقًا للرواية المسيحية، فإن حدثان بارزان، سرّعا مخططات أحبار اليهود الأولإقامة لعازر من الموت، بما حقق شعبية بارزة للمسيح، والأمر الثاني طرد الباعة من الهيكل، والذي شكّل تهديدًا صريحًا لنفوذ ومصالح الطبقة الدينية - السياسية السائدة؛ فضلاً عن رمزية استقراره في القدس، رغم أنه أقام في ضواحي المدينة خارج سورها، في الجثمانية.
حسب يوحنا 11: 45-57، فإنه وقبيل دخول يسوع إلى القدس، كانالمجلس الأعلى قد تباحث بأمره وأقرّ الأعضاء بأنه «إذا تركناه وشأنه، يؤمن به الجميع، فيأتي الرومان ويدمرون هيكلنا المقدس، وأمتنا»، ولذلك قالقيافا: «ألا تفهمون أنه من الأفضل أن يموت رجل واحد فدى الأمّة، بدل أن تهلك الأمة كلها». وبهذا الشكل، فإن قرار الموت على يسوع، كان قد صدر قبل محاكمته حتى، وهو ما يجعل محاكمته حتى، غير شرعيّة وفق أحكامالشريعة اليهودية.[296][297]
تعاليم يسوع عنيوم القيامة، ولعن إحدى أشجار التين، والإنباء بخراب الهيكل، ومدح داود، وفلسا الأرملة، وسكب العطر على رأسه وقدميه، تصنّف ضمن أحداث الأسبوع الأخير. يوم الأربعاء حسب التقليد، كانيهوذا الإسخريوطي، قد بدأ التفاوض مع المجلس الأعلى حول تسليم المسيح، وقبض ثمن ذلك مبلغ ثلاثين قطعة من الفضة سجلت في متى 26: 14-16، وهو العمل الذي تمّ بوحي من الشيطان، وأتفق أن يكون بعيدًا عن الجموع في لوقا 22: 2-6.
استذكارًالليلة خروجهم من مصر، يقيم اليهود حسبشريعة موسى في أول أيام الفطير، عشاءً خاصًا يتناولون فيه خبزًا فطيرًا لأن أسلافهم ليلة الخروج لم يجدوا الوقت لتخمير الخبز فأكلوه فطيرًا.[298] هذه المناسبة، الخامة في التقليد اليهودي، احتفل بها المسيح معالتلاميذ الاثني عشر فيالقدس.[299] وبعد أن تناولوا العشاء، قدّم المسيح الخبز على أنه جسده، وكأس النبيذ على أنها دمه، وطلب استذكار هذا الحدث إلى أنيأتي ثانية، مؤسسًا بذلكالقداس الإلهيوسر القربان.[300][301][302][303] حَفل العشاء الأخير بالعديد من الأحداث، فقد تنبأ يسوع أن يهوذا سيخونه،[304] وأنبطرس سينكره ثلاث مرات قبل صياح الديك،[305] وقدّم خطبته الأخيرة للتلاميذ، والتي تدون بشيء من التفصيل فيإنجيل يوحنا «التلميذ الذي كان متكئًا على حضن يسوع خلال العشاء» حسب التقليد. وركّز يسوع في هذه الخطبة، على المحبة معتبرًا إياها العلامة الفارقة: «بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي: إن كنتم تحبون بعضكم بعضًا»، (يوحنا 13: 35).[306][307] وكان يسوع قد بدأ العشاء بأن غسل أقدام التلاميذ حسب عادة العبيد، ليعلمهم بالفعل لا بالقول فقط، الاتضاع والعطاء وروح الخدمة.[308][309][310] وكان الختام بتلاوةالمزامير 115-118 المرتبطة تقليديًا بعيد الفصح حسب ما يذكرإنجيل متى.[311]
بعد العشاء، غادر يسوع ومعه التلاميذ إلى خارج المدينة نحوجبل الزيتون، حيث كان يمضي أغلب وقته، وفي الجثمانية، أخذ معه بطرس وابنا زبدي، ثم انفرد بنفسه لكي يصلي، وأعلن عن حزنه وقد ظهر له ملاك من السماء يشدده؛[312] وعندما فرغ من صلاته، عاد إلى التلاميذ، فوجدهم نيام، وبعد برهة قصيرة، حضر يهوذا الإسخريوطي برفقة حرس الهيكل وجند رومان وعدد من الشيوخ، وكانت العلاقة المتفق عليها بين يهوذا والجند، أن من يقبله يكون هو المطلوب اعتقاله، وإذا قبّله، حاول بطرس الدفاع عنه وقطع أذن عبد رئيس الكهنةملخس، فأعادها يسوع بمعجزة، وفي حين هرب القسم الأكبر من التلاميذ، سيق يسوع إلى مقر رئيس الكهنة.[313]
أيقونة آلام المسيح، وهي مركبة من تصور أربعة أحداث: من الأعلى وإلى اليمين: القبض على يسوع على جبل الزيتون من الأعلى وإلى اليسار: جلد يسوع من الأسفل وإلى اليمين: حمل الصليب من الأسفل وإلى اليمين: الصلب
تلخص مراحل محاكمة يسوع، التي بدأت قبل أن يبزغ فجر الجمعة حتى ما بعد ظهوره، في سبع مراحل.[314][315] فبعد أن ألقى الجنود القبض عليه، ساقوه إلى منزلحنّان الرئيس السابق للكهنة،[316] ثم إلىالمجلس الأعلى برئاسةقيافا،[317][318] وكان قد اجتمع عنده عدد كبير من أعضاء المجلس. وبحثوا عن شهادات ضده ولكنها كانت متناقضة،[319][320][321] وعندما اعترف أنهالمسيح «شقّ رئيس الكهنة ثيابه وصرخ، قد جدّف لا حاجة بنا بعد إلى شهود» كما فيمتى 26: 65. وقد قضى يسوع تلك الليلة في بيت قيافا الواقع في المدينة العليا، وتعرض للضرب واللطم والإهانة، وتزامنًا كان بطرس تحقيقًا لنبؤة يسوع قد أنكره ثلاث مرّات، أما يهوذا مُسلمه، فندم ثم مضى وشنق نفسه.[322][323]
أيقونة «هذا هو الرجل» وهي حسب الإنجيل العبارة التي نطق بهابيلاطس البنطي أمام الحشد، بعد أن جلد يسوع. بريشة أنطونيرو كيسري،القرن التاسع عشر.
في الصباح، انعقد المجلس الأعلى للمرة الثالثة - وهي الرسميّة الأولى حسب الشرع - وأقرّوا رسميًا عقوبة الموت بتهمة التجديف،[324] ولما كانت السلطة الرومانية قد قصرت على نفسها حق إصدارعقوبة الإعدام، وجب تسليم يسوع إلىبيلاطس البنطي، الحاكم الروماني المقيم في قلعة أنطونيا، ليصدر الحكم بنفسه.[325] ضغط الأحبار أن تكون محاكمة يسوع بأسرع ما يمكن، كي يصلب قبل سبت الفصح العظيم. ونظرًا لكون القانون الروماني لا يلحظ عقوبة التجديف، فقد وجب تقديم تهمة سياسية لقتله، ولما كان المسيح المنتظر من أحد ألقابه الملك، فقد شددوا على هذه النقطة: «تبيّن لنا أن هذا يضلل أمتنا، ويمنع أن تدفع الجزية للقيصر، ويدّعي أنه المسيح الملك» في لوقا 23: 2، وأيضًا: «إن أطلقت هذا، فلست محبًا للقيصر، فإنّ كل من يجعل نفسه ملكًا يعادي القيصر»، في يوحنا 19: 2، وبالتالي فما يفهم من الحكم والإدانة، أنه أدين بصفة الثائر السياسي على روما.[326][327][328]
أراد بيلاطس تبرئة يسوع، إذ علم أنهم سلّموه عن حسد، وبناءً على ترجي زوجته،[329] وإذ علم أنه منالجليل أحاله إلىهيرودس أنتبياس، والي الجليل المتواجد في القدس للاحتفال بالعيد، غير أن هيرودس لم يبد به رأيًا؛[330][331] كما أن يسوع خلال أي مرحلة من مراحل المحاكمة لم يدافع عن نفسه، وكان قليل الكلام. وبعد أن أعاد هيرودس يسوع إلى بيلاطس، جلده ثم عرضه على الجمهور، ثم خيّر بين إطلاقه أو إطلاقباراباس، اللص والقاتل،[332] كما هي العادة في العيد، «ولكن رؤساء الكهنة، حرضوا الجموع أن يطالبوا بالأحرى، بإطلاق سراح باراباس» حسب تصريحمرقس 15: 11. وبعد أن غسل يديه أمامهم، ملعنًا براءته من دمه، سلّمه ليصلب.
لكن أحزاننا حملها، وأوجاعنا تحملها؛ ونحن حسبناه مصابًا مضروبًا من الله ومذلولاً. وهو مجروح لأجل معاصينا ومسحوق لأجل آثامنا، وبجبره شفينا. كلنا كغنم ضللنا، مال كل واحد إلى طريقه، والربّ وضع عليه إثم جميعنا. ظلم، أما هو فتذلل ولم يفتح فاه! كشاة تساق إلى الذبح وكشاة صامتة أمام جازيها لم يفتح فاه! سكب للموت نفسه، وأحصي مع الأثمة؛ حمل خطيئة كثيرين وشفع في المذنبين.
بعد أن سلّم بيلاطس يسوع «لإرادتهم» في أن يصلب، اقتاده الجند إلى الفناء الداخلي حيث أعادوا جلده ووضعوا على رأسه تاجًا من شوك هزءًا بوصفه ملك اليهود، وكان الجلد يتمّ بسوط ثلاث الرؤوس، وفي حالات كثيرة مات المحكومون خلاله؛[333] وإذا فرغوا من الجلد والسخرية حمّلوه صليبه ليسير به إلى خارج المدينة نحوتل الجلجثة، وإذ عجز عن متابعة السير ساعدهسمعان القيرواني في حمل الصليب، «وتبعه جمع كبير من الشعب، ونساء كنّ يولولنّ ويندبنه» على ما ذكر فيلوقا 23: 27؛ وفي الجلجثة صلب مع لصين، آمن به أحدهما، وكانت تهمته معلقة فوق رأسه «يسوع الناصري ملك اليهود» حسبيوحنا 19: 19، وكانت عند الصليبمريم أمهويوحنا بن زبديومريم المجدليةوسالومة، وفي حين اقترع الجند على ثيابه، رفض أن يٌخفف من آلامه بأن يسقى خلاً وخمرًا، وتعرض للسخرية، وألقى سبعة كلمات على الصليب، ثم مات بعد نزاع دام ثلاث ساعات.[334][335]
وإذ كان ذلك،حلّ الظلام على الأرض كلّها، وانشق ستارالهيكل شطرين الفاصل بين قسم العامة، وقدس الأقداس، دلالة على انتفاء الحاجة على وسيط مع الله وفقعلم اللاهوت، وتزلزلت الأرض، وطعن جنبه بحربة، فسال منه دم وماء، ولم تكسر عظامه، إذ كان بيلاطس قد طلب أن تكسر عظام المصلوبين لتسريع موتهم، فلا تبق جثثهم على الصليب في سبت الفصح، وآمن به قائد المئة، بينما «الجموع الذين احتشدوا ليراقبوا مشهد الصلب، لما رأوا ما حدث، رجعوا قارعين الصدور» فيلوقا 23: 28.
في أعقاب الموت، طلبيوسف الرامي، أحد أعضاء المجلس الأعلى وتلميذ سرّي للمسيح، بأخذ الجثمان، فسمح له بيلاطس بذلك بعد أن تعجب بأنه مات سريعًا. أخذ يوسف الرامي ومعهنيقوديموس الجثمان إلى جانب يوحنا بن زبدي ومن شهد الصلب من النسوة، وقاماتكفينه ووضع الطيوب على جسده، ثم نقله إلى بستان قريب من مكان الصلب، فيه قبر جديد لم يكن قد دفن به أحد بعد.[336]
تعتبر قيامة المسيح أحد أركان الإيمان الأساسية للإيمان المسيحي، وتتمحور حولها معظم الطقوس، وفيها قُبِلَ التكفير عن خطايا البشر وسقطت مفاعيلالخطيئة الأصلية الروحية، ومنها بات مسيحًا ومعلمًا وشفيعًا،[337] وافتتح معها العهد الجديد إلى مجيئه الثاني، وهي أكبر معجزاته، والدليل الأبرز على قيامة الموتى. حفظت في الذاكرة الجمعية «للشهود» وأول وثيقة مكتوبة حولها تعود لحوالي عشرين عامًا بعد حدوثها.[338]
حسب العقائد المسيحية، فإن جسد المسيح المقام هو ذو الطبيعة نفسها التي ستحملها أجساد البشر في القيامة في اليوم الأخير، فمع كونه «مادي» إلا أنه غير قابل للفساد، أو مقيد بحدود الزمان والمكان، وبذلك «لا سلطان للموت عليه».[339] تمت القيامة فجريوم الأحد، وكانتمريم المجدلية أولى المبشرات، والكفن بقي مجمعًا سالمًا ملفوفًا في مكانه؛ في حين دحرج الحجر عن باب القبر.[340][341] خلال الأربعين يومًا التالية ظهر المسيح لتلاميذه وجماعات أخرى من المؤمنين اثني عشر مرة، قبل أن يصعد إلى السماء حيث هو «حي»، وينتظر المسيحيون «عودته» في «تمام الوقت».
وقد أجلسه عن يمينه في الأماكن السماوية، أرفع جدًا من كل رئاسة وسلطة وقوة وسيادة، ومن كل اسم يُسمى، لا في هذا العالم فحسب، بل في ذلك الآتي أيضًا، وأخضع كلّ شيء تحت قدميه، وإياه جعل فوق كل شيء، رأسًا للكنيسة.
يؤمن المسيحيون أن يسوع هو حي في السماء، وأن جسده بحالة ممجدة فيها،[342][343] وأنه سيعود في آخر الزمان ليقيم حكمًا ألفيًا يبلغ فيه الملكوت ذروته وينتهيبقيامة الموتى وانفتاح العالم المؤقت والفاني على الأبدية والخلود.[344] هذا الملكوت، قد افتتح عن مجيء المسيح الأول وهو مستمر بأشكال جزئيّة داخل الكنيسة وخارجها، حتى تمام الإعلان الإلهي في آخر الأزمنة. يعتقد المسيحيون أيضًا، أن يسوع هو بكر القائمين من بين الأموات، وقد عزّا بموته الإنسان وفتح أبواب الهاوية - وتترجم أيضًا القبر وهي مكان انتظار الأرواح بعد موتها - وبذلك غدا الإنسان بحالة روحية إما يتعذب تكفيرًا أو يتنعم اتحادًا مع الله فيما يشبه نعيم الأرواح، وهذا هو رأيالكنيسة الكاثوليكية وأغلبالكنائس البروتستانتية؛ وانطلاقًا من ذلك، يدعى المخلص، إذ به كما يقولالكتاب المقدس قد صالح الله البشرية مع نفسه، وألغى بقيامته المفاعيل الروحيةلسقوط الإنسان، وأعاد بنوّة البشر لله، فيما يعرفبسر الفداء،[345][346][347] أما المفاعيل الجسدية للسقوط أي الموت والألم والشر فستنتهي مع المجيء الثاني تزامنًا مع اكتمال البشرية التي أعدّها الله من قبل تأسيس العالم.
يعتقد المسيحيون أن المسيح هو الموعود به منذآدم في العهد القديم مرورًابإبراهيموإسحاقويعقوبوموسىوداود وسواهم من الأنبياء،[348] هذا الموعود قد نال منذ داود لقبمسيح الرب، وتنبأت الأسفار المقدسة بأعماله وكفاحاته ومعجزاته، وبشكل عام فإنّالنبؤات المسيانيّة كانت على الدوام أحد أبرز مواضيع الدراساتوالعقائد اليهودية - المسيحية، وبهذا المعنى كان انتظار اليهود للمسيح محوريًا في الديانة وهو ما حققه يسوع إذ أتمّالنبؤات والوعود السابقة،[349] وافتتحالعهد الجديد، بعد سلسلة منالعهود السابقة، وقدّمالعمادوالافخارستيا على أنهما رموز العهد الجديد، كما كانالختان رمز العهد الإبراهيمي وحفظ السبت رمز العهد الموسوي،والهيكل رمز العهد الداودي، غير أن هذا العهد الجديد غير ملغ لما قبله بل مكمّل ومطوّر ومتمم له.[350][351]يؤمن المسيحيون أن المسيح حاضر في العالم، حضور سري وروحي لكنه حقيقي، وذلك عن طريق مجموع المؤمنين به أيالكنيسة الجامعة التي تدعى «جسد المسيح السري»،[352] وأيضًا عن طريقسر القربان التي يحتفل به ضمنالقداس الإلهي حيث يعتقد أغلب المسيحيين بوجود المسيح السرّي أيضًا فيه «تحت أعراض الخبز».[353]
إن لقب المسيح في جذوره اليهودية - المسيحية، إنما يشير إلى ثلاث صفات في المختار، هي النبي والملك والكاهن، وإن كان النبي قد ظهرت أجلى أطواره في المجيء الأول، والملك في المجيء الثاني، فإن الكاهن هي صفة ما بين المجيئين، وتشير بالمعنى الكتاب لاسيّماالرسالة إلى العبرانيين إلى الشفاعة الخاصة بالمسيح وهي كمال الشفاعات، بل الشفاعة الوحيدة ذات البعد الكفاري؛[354] على أن كلا الصفتين الأخريتين يترافقان، والإشارة هنا إلى الصفة الأجلى. هناك مفهومان آخران يرتبطان في الفكرين الديني اليهودي والمسيحي عن المسيح، وهوابن اللهوابن الإنسان، أما ابن الإنسان، فقد وردت عنه النبؤة فيسفر دانيال، بوصفه ملك قادم في آخر الأزمنة لتجتمع تحت رايته كافة الشعوب والقبائل في الأرض، ويجري حكمًا وقضاءً وعدلاً في الأرض، فهو يرتبط إذن باللقب الثاني في المسيح أي الملك؛[355][356] وكذلك حال ابن الله، فإن الفكر الديني اليهودي كان يعتبر المسيح حين يأتي يتمتع بلقب ابن الله إشارة أو استعارة لقربه منه.[344][357]
وأيضًا فإن المسيحيين يؤمنون، بأن المسيح هو رأس البشرية،[358][359] وبكرها،[360] وفيه قد هدمت الحواجز بين الشعوب،[361][362] وأن الأمم قد أعطيت له ميراثًا، وأن الجنة المقبلة، أورشليم الثانية، سيكون رئيسها وفي وسطها.[363][364] وأنّ الله به قد كشف عن ذاته وأعلن سرّ إرادته، وأعتق الجنس البشري من العبودية، وباتوا يدعونأبناء الله، وتستفيض أسفار العهد الجديد في وصف كينونةأبناء الله وإخوة المسيح.[365][366] وأخيرًا، يعتقد المسيحيون أيضًا أن المسيح هو الإنسان الكامل،[367] ومن يتبعه يغدو أكثر كمالاً، وأنالإنجيل الذي قدمه يسوع للعالم يشكل «شريعة العهد الجديد» وهو أساس التعاليم المسيحية إلى جانب مصادر أخرى تستخدم للتفسير ومنها ما يعرف باسم القانون الطبيقي، فالمسيح هو «المعلم» وتعاليمه هي الأصل والأساس الذي يجب أن يُبنى عليه حياة كل إنسان مؤمن بالمسيح.[368]
يؤمن المسيحيون أن المسيح هوكلمة الله، اللوغوس، أي نطق الله،[369] وهي صفة داخلية ذاتية قائمة في الله بلا كيف ولا ابتداء ولا زمان،[370] وبالتالي لا يمكن فصلها عن جوهر الله أو طبيعته، وبالتالي فهي من الإله الحي ذاته دون أن تكون إلهًا قائمًا بذاته، وهو ما اصطلح عليه لفظ «أقنوم».[371][372]ألكسندر الأولبابا الإسكندرية كتب في القرن الرابع يقول، أن «كلمة الله» و«حكمة الله»، هما صفتان إلهيتان لا تتوقفان على مخلوق، وإلا صار الله عرضة للتغيّر كمثل سائر الخلائق في حال اعتبرت الكلمة مخلوقة من العدم.[373]
يؤمن المسيحيون، أن محبة الله للبشر الغير المحدودة وفي ذروة إعلانه عن ذاته لهم، قد دفع لتأنس هذه الكلمة بأن اتخذت فيمريم جسدًا بطريقة عجائبية، غير أنها كاملة، أي قبلت التواضع والافتقار والمحدودية التي هي للإنسان الطبيعي، ومجمل هذه العلاقة تترجم بكون المسيح «ابن الله الوحيد» إنما بالصدور، لا بالاتخاذ ولا بالانقسام خلافًا للمعتقدات الوثنية من حيث المنطوق؛ هذا الصدور لا زمن له فهو «منذ البدء»، لأن عالم الألوهة منزّه عن الزمن، وهو صدور باطني كصدور النور من الشمس أي أن المعلول بقي داخل علته كالفكرة في داخل العقل.[374][375][376]
التوسع في الشروح والفلسفات خلال القرون الأولى، قد دفع لظهور مدارس فلسفية كان أشهرها في الزمن القديم مدرسة أنطاكيةومدرسة الإسكندرية، وبينما شددت الأولى على الجانب الإنساني، شددت الثانية على الجانب الإلهي. تزامنًا، ظهر خلافات دفعت - لأسباب وقضايا تنظيمية أخرى - لعقدمجامع مسكونية؛ لقد اقترحتالحركة الآريوسية على سبيل المثال، أن كان هناك زمن لم تكن كلمة الله موجودة - تدعى أيضًا حكمة الله استنادًا إلى نبؤة سفر الأمثال 8 - وبالتالي فهي خليقة وذات جوهر أدنى من الجوهر الإلهي العام،[377] فحرمت وصيغ بسببهاقانون إيمانمجمع نيقية.[378] لاحقًا ارتكز الخلاف على علاقة الطبيعتين ببعضهما البعض، قبل أن توضح المجامع اللاحقة لاسيّمامجمعي أفسسوخلقيدونية هذه العلاقة بكونها قد اتحدت بلا امتزاج ولا اختلاط ولا انفصال ولا تبديل في شخص المسيح،[379][380] وتشبّه عادة بعلاقة النور مع النار أو علاقة الحديد الملقى في النار فهو يحمل في آن توهج النار وطبيعة الحديد، وبينما كان المجيء الأول مرتكزًا على الطبيعة الإنسانيّة فإن سفر الرؤيا 1 يوضح الطبيعة الثانية التي تظهر بجلاء في المجيء الثاني.
خلالالقرن الرابع، نادىآريوس، بأنّ الابن والروح لا يشاركان الآب في كلية القدرة والأزلية في الزمن، ونفى المساواة في الجوهر الإلهي؛[381] فعقد في للتباحث في قضيته عدة مجامع محليّة ثممجمع نيقية والذي أفضى لحرمه. حسب العقيدة الآريوسية، فإنه لو كانالابن أزليًا، فإن هذا سيقود حكمًا لاعتباره كماالآب مبدأً وأساسًا لكل مخلوق، وبما أن العقل لا يمكن أن يقر بمبدأين وأساسينفالابن إذًا بالرغم من أنه موجود قبل كل الخليقة وقبل كل الأزمنة، إلا أنه يرتبطبالآب الذي كان قبله وأخذ منه كيانه؛ هذا يعني أن الابن لم يكن موجودًا في وقت من الأوقات، أي أنهوالروح القدس لا يشتركان معالآب في صفة الأزلية.[382][383]
فيالنسطورية يسوع مكون من طبيعتين لا تقبلا المزج، إلهية وهو الكلمة، وإنسانية أو بشرية هي الجسد، فبحسب النسطورية لا يوجد اتحاد بين الطبيعتين البشرية والإلهية في شخص يسوع. بل هناك مجرد صلة بين إنسان والألوهة، وبالتالي لا يجوز إطلاق اسم والدة الإله على مريم كما تفعل الكنائس المسيحية الكاثوليكية والأرثوذكسية، لأن مريم بحسب النسطورية لم تلد إلها بل إنسانا فقط حلت عليه كلمة الله أثناء العماد وفارقته عند الصليب.[384]
فيالقرن التاسع عشر، نادى القس شارل تاز بكون المسيح المخلوق البشري الأقرب إلى الله،[385] وظهرت طائفةالمورمون التي اعتقدت بأن يسوع، التي شاركت عموم المسيحيين في مختلف العقائد، فهو ابن الله الوحيد المولود بالجسد، وهو المخلص الذي من خلاله أعد الآب السماوي طريقًا لجميع البشر لكي يكونوا مثله ولكي يعودوا ويحيوا معه للأبد؛ وأن به قد تم الخلق، وأنه ولد من مريم العذراء وخلال حياته على الأرض قدم للإنسان حياة مثالية لكي يحتذى بها، وعلم الجموع بالكلمة وبالأمثلة، واجترح المعجزات؛ غير أن الجديد لدى المورمون فهو أنّ العهد الجديد قد دوّن جزءًا من حياة المسيح، وفي كتاب المورمون تكملة لحياة يسوع على الأرض بعد قيامته حيث ظهر لشعبه في القارة الأمريكية القديمة، حيث يعتقد المورمون بأنكتاب مورمون الذي دونهجوزيف سميث بطريق الوحي هو شاهد آخر إضافة للكتاب المقدس على حياة وتعاليم المسيح. أيضًا فإنه بالنسبة للمورمون، فإن يسوع هو أحد أعضاءالثالوث الأقدس الذي هو الإله المتحد في العلة والسبب وليس في الجوهر.[386]
أماشهود يهوه، فقد وضعوا يسوع في مرتبة منتصفة، فهو ليس إنسانًا وليس إلهًا، بل مخلوق روحاني قدير وملك سيحكم العالم في يوم ما باسميهوه، وقد نال لقب المسيح فينهر الأردن على المعمدان، كذلك فإن الشهود يؤمنون بأنّ الله خلق المسيح قبل كل الخليقة، وبه خلق كل شيء، أي أن يسوع هو المخلوق الوحيد الذي خلق مباشرة من قبل الله، وهو الناطق باسمه. يعتقد الشهود أنه قتل صلبًا على عمود وليس على صليب وأنّ قيامته كانت كشخص روحاني وليس مادي، وصعد إلى السماء وجلس عن يمين يهوه منتظرًا أن يستلم حكمه الملكي والذي ناله وبدأ يحكم كملك، وسوف يأتي في يوم ما ليشن حرباً ليهلك الأمم الشريرة وليحفظ أتباعه الأبرار، بعد انتصاره في معركةهرمجدون، وبعدها سيحيا أتباعه في كنفه بسلام عظيم كرعايا أرضيين لملك يهوه السماوي حيث سينهي المرض والموت والجوع.[387]
لا يعتبر يسوع فياليهودية شخصية مرسلة من قبل الإله، فهو ليسالماشيح ولا حتى نبي بوصفه لم يتممالنبؤات الكتابية حوله ولم تقبل اليهودية أبدًا أيًا من الإنجازات المزعومة للنبوة التي تنسبهاالمسيحية إلى يسوع؛ وفقًا للمعتقداتاليهودية، تستبعدالتوراة وجودإله ثالوثي في التثنية (6: 4): "اسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا، إله واحد" تعلماليهودية أنه منالهرطقة أن يدعي أي إنسان أنه الله، أو جزء من الله، أو ابن الله الحقيقي. يذكرالتلمود المقدس صراحة: "إذا ادعى الإنسان أنه الله فهو كاذب".[388] الانتقادات اليهودية لشخص يسوع بدأت منذ رسالته، إذ تذكر الأناجيل وصفه من قبل رجال الدين اليهود بالممسوس من قبل الشيطان؛ وأراد الحاخام الأكبر جمالائيل الثاني بعد خراب الهيكل عام 70 أن يضيف في الصلوات اليومية لعنات ضد المارقين على اليهودية ومن بينهم حسب رأيه يسوع، إلا أنه عاد وعدل عن ذلك؛[389] في حين قالالرابيموسى بن ميمون في كتابه «ميشناه التوراة»،[390]
أما عن يسوع الناصري الذي ادعى أنه المسيّا، وقُتل بأمر المحكمة، كانالنبي دانيال قد سبق وتنبأ عنه:"وأطفال ثوار شعبك سيرفعون أنفسهم لمرتبة النبوة فيتعثرون"، فهل يمكن أن توجد صخرة عثرة أكبر من هذه؟ كل الأنبياء أجمعوا على أن المسيّا سوف يخلصإسرائيل وينقذه وبأنه سيجمع المشتتين ويقيم الوصايا، بينما سبب الناصري ضياع إسرائيل بحد السيف وتفرق من تبقى منهم في كل مكان، كما أنه غيّرالتوراة وتسبب بحصول خطأ فظيع."
“كان يسوع الناصري، الذي أرجو أن تُسحق عظامه، أول من تبنى هذه الخطة. كان يهودياً لأن أمه كانت يهودية، مع أن أباه كان من الأمم. لأنه بحسب مبادئ شريعتنا، فإن الطفل المولود من يهودية وأحد أبناء الأمم، أو من يهودية وأحد العبيد، هو شرعي. وعلى نحو رمزي فقط دعي يسوع ابن حرام. لقد دفع بالشعب إلى الاعتقاد أنه كان نبياً مرسلاً من الله لإيضاح الإلتباسات في التوراه، وأنه كان المشيح الذي تنبأ به كل المتنبئين. وراح يفسر التوراه ووصاياها بطريقة تقود إلى إلغائها بالكامل، وإلى إبطال كل أوامرها وانتهاك محرماتها. أما الحاخامون، طيب الله ذكراهم، وقد أدركوا خططه قبل انطلاق شهرته بين الشعب، كان دانيال قد لمح إليه حين أنذر بسقوط أحد الأشرار من بين هراطقة اليهود والذي سيحاول القضاء على الشريعة، مطالباً لذاته بالنبوة، زاعماً أنه يقوم بالمعجزات، ومدعياً أنه المشيح، كما هو مكتوب”.
الانتقاد اليهودي ليسوع يعود فترة طويلة؛ ويتضمنالتلمود، والذي كتب وجمع منالقرن الثالث إلىالقرن الخامس الميلادي،[391] قصصًا كانت تعتبر خلال العصور الوسطى حكايات مسيئة عن يسوع.[392] وفي واحدة من هذه القصص، يوصف («يسوع الناصري»)، كمرتد بذيء من قبل المحكمة اليهودية العليا واتُّهم بنشر عبادة الأصنام وممارسة السحر.[393] وغالبية العلماء المعاصرين يعتبرون أن هذه المادة لا توفر أي معلومات عنيسوع التاريخي.[394] ويعتبر علماء التلمود المعاصرين هذه تعليقات تتطرق إلى العلاقة بيناليهود والمسيحيين أو الطوائف الأخرى، بدلاً من التعليقات علىيسوع التاريخي.[395][396] ويحتوي الأدب العبري في العصور الوسطى على «حياة يسوع» القصصية والمعروفة أيضًا باسم طليدوت يشو (بالعبريَّة: ספר תולדות ישו)، والتي وصف فيها يسوع بأنه ابنيوسف النجار، كابن بانديرا الروماني. ويصور النص يسوع كمحتال.[397]
كذلك فإناليهودية الإصلاحية تعلن بشكل صارم بأن كل يهودي يصرح بأن يسوع هو المسيح المخلص فهو ليس بيهودي بعد، فبحسب التقليد اليهودي فإن السماء لم ترسل أنبياء بعد عام 420 ق.م،[398] فيكون بذلك النبي ملاخي هو آخر الأنبياء في اليهودية وهو سابق للمسيح بأربعة قرون. لم يمنع ذلك، مدح بعض الشخصيات اليهودية يسوع والكتابة عنه بشكل إيجابي، منهم الفيلسوف التشكيكيباروخ سبينوزا الذي اعتبره لا نبيًا فحسب بل «صوت الله»،[399]وموسى مندلسون وهو من مفكرينحركة التنوير اليهودية الذي اعتبر يسوع معلمًا أخلاقيًا ويهوديًا،[400] والفيلسوف اليهوديمارتن بوبر الذي اعتبر يسوع شخصية ذات شأن.[401]
يُظهر الرسم التوضيحي النبيعيسي المسيح (يسوع) وهو يقاتل ضد المخلص الكاذبالمسيح الدجال. الملثم في الصورة هوالمهدي، ويعتقدالشيعة أنه غائب وسيعود قبل يوم القيامة.عيسى ينزل مائدة من السماء(سورة المائدة 111-115وإنجيل يوحنا 6)، رسم تركي عثماني منالقرون الوسطى، وقد وُضِعَ قماش أبيض على وجه عيسى احترامًا له، حيث أن تصوير الأنبياء ممنوع فيالإسلام.
يسوع فيالإسلام يدعىعيسى بن مريم، ويقول الباحثفراس السواح أن القرآن أعطى ألقابًا لعيسى تزيد عما أعطي لأي شخصية دينية أخرى فهو النبي والمبارك ورسول الله وكلمة الله وروح الله وقول الحق وآية للناس ورحمة من الله ووجيه في الدنيا والآخرة ومن المقربين لله.[402] وقد حفلت بأخباره بشكل رئيسي ثلاث سور فيالقرآن هيسورة آل عمرانوسورة مريموسورة المائدة، بالإضافة إلى ما ورد متفرقًا في سور أخرى. وقد ورد ذكره فيالقرآن نحو خمس وثلاثين مرة بخمس صيغ هي عيسى أو عيسى ابن مريم أو المسيح ابن مريم أو المسيح أو المسيح عيسى بن مريم؛ ليحلّ بذلك ثالثًا من حيث عدد المرات التي ذكر بها أشخاص فيالقرآن بعدإبراهيموموسى.[403]
من الصعب العثور على جذر عربي واضح لاسم عيسى، ويرى عدد من الباحثين أنه تعريب لاسم إيسوس اليوناني (باليونانية: Ιησούς)، أو إيسَ نظرًا لكون لازمة «وس» تلحق بجميع أسماء الأعلام فياللغة اليونانية،[51][404] ويرى العدد الآخر من الباحثين أن اللفظ هو اللفظ الذي كان سائدًا في شمالشبه الجزيرة العربية وهي ظاهرة متكررة مع سائر أسماء الأنبياء، فالقرآن يقوليحيى لايوحنّاوإلياس لاإيلياوإدريس لا أخنوخ.[405]
في الواقع، فإن نقاط الائتلاف بين الرواية المسيحية والرواية الإسلامية لحياته وطبيعته تفوق نقاط الاختلاف، رغم كون نقاط الاختلاف جوهرية عند وقوعها. فكيفية الحبل به وبشارة مريم ومكانتها هي واحدة في الروايتين،[406] وذكر القرآن لكونها قد ولدته تحت جذع نخلة لا يناقض الإنجيل الذي لا يذكر به لحظة الولادة، ما يؤدي أقله لكون الرواية القرآنية لا تنفي الرواية الإنجيلية أو تخالفها. أما حديث عيسى في المهد وظهور براءة مريم كما تذكر فيالقرآن فتغيب عن الأناجيل الرسمية لكنها تظهر فيالأناجيل المنحولة خصوصًا «أناجيل الطفولة» ومن هذه الأحداث نفخ عيسى في طيور مصنوعة من طين فتحولت إلى طيور حقيقية، وهي مذكورة فيإنجيل توماوسورة آل عمران. ومن المعلوم، أن الكنيسة وإن رفضت هذه الأناجيل غير أن بعضًا من أحداثها قد أثبتهآباء الكنيسة وأدرج في إطار التقاليد الكنسية اللاحقة.[407]
أما عن أعماله اللاحقة فتتفق الروايتان حول إقامة الموتى وإبراء البرص والعميان وإنزال مائدة من السماء والتي وجدها البعض تقابل تكثير الخبز فيالأناجيل الأربعة وتحليل بعض ما حرمتالشريعة اليهودية،[408] وملخص القول، أنه على الرغم من عدم تفصيل القرآن لأي معجزة من معجزاته إلا أنه يتفق مع ما جاء في الإنجيل من حيث العناوين العريضة لهذه المعجزات دون خلاف
أيضًا فإنفراس السواح يعرض في كتابه «الإنجيل برواية القرآن» قائمة من خمسين قولاً منسوبة في الإنجيل ليسوع وترد في القرآن بالسياق والمعنى نفسه دون أن تكون منسوبة لشخصه، ما يدلّ - حسب رأي السواح - إلى تشابه في الجوهر المشترك لتعاليم يسوع وتعاليمالقرآن؛ على سبيل المثال يقول يسوع فيإنجيل لوقا:"تأملوا الطيور، إنها لا تزرع ولا تحصد... والله يقيتها. كم أنتم بالحري أفضل من طيور كثيرة."لوقا 12/24] ويقابلها في القرآن:﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ٦٠﴾.[409] كما أن تفاصيليوم القيامة وما سيسبقه من زلزلة ونفخ في الصور وظهور الدجال هي متطابقة في تعليم يسوع وتعليمسفر رؤيا يوحنا والرواية الإسلامية للأحداث، مع بعض الاختلافات في التفاصيل، وتفسير الكنيسة لبعض هذه الأحداث بالمعنى المجازي في حين تمسك الإسلام بحرفيتها.[410]
أما الاختلافات الجوهرية تحصر في نطاقين، النطاق الأول هو موضوعالصلب، فقد جاء فيالقرآن:﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا١٥٧ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا١٥٨﴾ [النساء:157–158].[411] وقد اختلف فقهاء المسلمين في تفسير الآية السابقة فمال البعض للقول بأن أحدالتلاميذ الاثني عشر أوالحواريين كما يدعو في القرآن قد صلب مكان عيسى برضاه لقاء دخول الجنة، وذهب البعض الآخر حديثًا للقول بأنيهوذا الاسخريوطي مسلّم المسيح هو من تمّ صلبه كعقاب له على خيانة معلمه.[412] أما الجدل الأعمق فهو بخصوص موت المسيح وبعثه اللاحق، ومن الآيات التي أشارت إلى ذلك:﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا٣٣﴾[413] وفي موضع آخر:﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ٥٥﴾[414] فقال البعض من الفقهاء أن الوفاة المذكورة هي وفاة النوم لا وفاة الموت، وأشار البعض الآخر إلى نوع من التقديم والتأخير، أي أن معنى الآية ارتفاع عيسى إلى السماء أولاً على أن يكون موته بعد عودته قبيليوم القيامة، وجاء الرأي الثالث بأن وفاةً طبيعية حدثت لعيسى وأن بعثه لم يتم إنما سيتم في اليوم الأخير، أما الرأي الرابع مفاده أن الله قد أمات عيسى ثم بعثه من الموت بعد ذلك ورفعه إليه. يلاحظ التقارب بين عناصر الرواية الإنجيلية والرواية القرآنية في عدد من التفاسير السابقة فكلاهما ينصّ على موت ثم بعث ورفع.
غير أن الجدال لم يحسم حتى الآن بين مؤيدي النظريات الأربع السابقة، وربما ما يساهم في استمرار الجدال كونالقرآنوالحديث لا يقدمان أية إجابات واضحة وحاسمة حول الطريقة التي نجا بها عيسى من الصلب وأين كان بعد نجاته وأين توفي أو متى؟ بل أين موقعه الحالي؟.[417] وبكل الأحوال فإن القرآن لا يشير إلى دور خلاصي في وفاة عيسى والتي تعتبر أحد أركان العقيدة المسيحية؛ على أنالكتابات الغنوصية وهي طائفة مسيحية مزجت بين الديانات الإغريقية القديمة والمسيحية رفضت صوفيًا موت يسوع وهو ما أشار إليه القرآن:﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا١٥٧ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا١٥٨﴾.[418]
أما النطاق الثاني للخلاف، فهو موضوع ألوهة يسوع أو كونهالابن، حيث تظهره العقائد الإسلامية بمظهر النبي والرسول إنما تحت إمرة الله؛ ومن الملاحظ أنالمسيحية لا تنفي كون يسوع نبيًا أو رسولاً فبوصفه «المسيح» فقد جمع ثلاث صفات هي النبي والكاهن والملك.[419] أما نقد كونه ذو طبيعة إلهية أو ابن الله فهناك العديد من الآيات التي تفيد ذلك:﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ٩١﴾.[420] وفي موضع آخر:﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ٧٢﴾.[421]
يعتقد المسلمون أن المسيح رسول الله من أولي العزم من الرسل. ويجلّون ذكراه ويسلّمون عليه وعلى كل الأنبياء، ويتسمون باسمه عيسى وباسم أمّه مريم كما يعتقدون بأن المسيح سيأتي لينصر المسلمين والمؤمنين بالله، آخر الزمان، فيملأ الأرض عدلاً وقسطًا.[422] كما يؤمن المسلمون أن المسيح قد تنبأ بقدوممحمد ليكون آخر الأنبياء وخاتمهم،[422] لما جاء في القرآن:﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ٦﴾[423] ويقول علماءالشريعة الإسلامية أن «أحمد» المذكور هو نفسه محمد لعدّة أسباب منها أن هذه البشارة بهذا الاسم نزلت في لغة غير عربية، واللغات لا تتطابق فيها الأسماء تمام المطابقة، فقد يقرأ الاسم الواحد بأكثر من لفظ لضرورة الترجمة، مثل «إبراهيم»، فهو يُقرأ «إبراهام» ويقرأ «إبراهوم» في قراءاتالقرآن الكريم، ولم يقل أحد أن الاسم الأول غير الاسم الثاني، ولكن جرى التسامح في رسمها ونطقها لاختلاف اللغة.[424]
وفقًالابن حَيُّون، وهو فقيه مسلم شهير منالعصر الفاطمي، يُشار إلى عيسى بن مريم في القرآن على أنه المَسِيح لأنه أُرسل إلى الأشخاص الذين استجابوا له من أجل إزالة شوائبهم وأمراض إيمانهمالظاهريَّة أو الباطنيَّة. يتطرقابن حَيُّون في عمله «أساس التأويل الباطن» عن الولادة الروحية لعيسى بن مريم، كتفسير لقصته عن ولادته الجسدية الظاهرة المذكورة في القرآن. ويقول إن مريم، والدة عيسى، هي استعارة لشخص رعى وعلم يسوع، بدلاً من أمه التي ولدته جسديًا. يُوضحابن حَيُّون أن عيسى كان من ذريةإبراهيم الطاهرة، تمامًا كما كانعلي بن أبي طالب وأبناؤه من ذريةمحمد الطاهرة عبرفاطمة الزهراء.[425]
الجماعة الإسلامية الأحمدية لها العديد من التعاليم المتميزة عن يسوع (عيسى بن مريم).[426] ويعتقد الأحمديون أنه مات ميتة عادية فلم يُقتل ولم يُصلب، ونجا من صلبه وتوفي بموت طبيعي عن عمر يناهز 120 عامًا فيكشميربالهند، ودُفن في روزا بال.[427]
تتضمن عقيدةالموحدين الدروز بعض العناصرالمسيحية،[430] في العقيدة الدرزية، يُعتبر يسوع المسيح المنتظر وأحد أنبياء الله المهمين،[428][429] ويُعتبر يسوع أوعيسى بن مريم من الأنبياء السبعة الذين ظهروا في فترات مختلفة من التاريخ حسبالمذهب الدرزي.[9][431][432][433] وتُعلم العقيدة الدرزية أنَّالمسيحية يجب «تقديرها ومدحها»، كما ويُكرّم الدروز يسوع «ابنيوسفومريم»وأربعة من تلاميذه الذين كتبواالأناجيل.[434] في التقليد الدرزي، يُعرف يسوع بثلاثة ألقاب: «مسيح الحق»، و«مسيح الأمم»، و«مسيح الخطاة». ويرجع هذا، على التوالي، إلى الاعتقاد في الديانة الدرزية بأن يسوع قد أوصل رسالة الإنجيل الحقيقية، والاعتقاد بأنه كان مخلص جميع الأمم، والاعتقاد بأنه من يغفر الخطايا.[435]
أما النظرة الدرزية ليسوع أوعيسى بن مريم كما يَقُولالقرآن، فهي تتفق مع المسيحية بكونه المسيح وبصحةالميلاد العذري، واجتراح عجائب وآيات،والعودة في آخر الزمان، وتعتبره نبيًا بيد أنها تنفي الصلب، وأنه إله أو ابن إله، والدور الكفاري، والبعد الماورائي. وفقًا للمخطوطات الدرزية، فإن يسوع هو الإمام الأكبر وتجسد العقل المطلق (عقل) علىالأرض والمبدأ الكوني الأول (الحد)،[434] كما ويُعتبر كل من يسوعوحمزة بن علي بن أحمد الزَّوزَني تجسيدًا لواحد من خمس قوى سماوية عظيمة، والتي تُشكل جزءًا من نظامهم.[436] يعتقد الدروز أنحمزة بن علي بن أحمد الزَّوزَني كانتناسخًا أو تقمصًا ليسوع،[437] وأنَّ حمزة بن علي بن أحمد هو المسيح الحقيقي، الذي وجه أعمال المسيح يسوع «ابن يوسف ومريم»، ولكن عندما انحرف المسيح يسوع «ابن يوسف ومريم» عن طريق المسيح الحقيقي، ملأ حمزة بن علي قلوب اليهود حقدًا عليه - ولهذا السبب صلبوه بحسب المخطوطات الدرزية.[434][438] وعلى الرغم من ذلك، أنزله حمزة بن علي عن الصليب وسمح له بالعودة إلى أهله، لتهيئة الرجال للدعوة في دينه.[434]
لوحة "المسيح وبوذا" (بالفرنسية:Christ et Buddha)، بريشة الفرنسي بول رونسون عام1880.
العديد منالبوذيين - بما فيهمتينزن غياتسو،الدالاي لاما الرابع عشر - ينظرون إلى يسوع على أنهبوديساتفا عظيم،[441] أي أنهم يعتقدون بوصوله إلى أقصى درجات البوذية الروحية، وبأنه قضى حياته بصنع الخير لبني البشر، وقد لاحظ الحكماء البوذيون دائما التشابه الكبير بين تعاليم يسوعوبوذا، ليس من ناحية أن كلا الرجلين دعا للمحبة والتسامح فقط بل أيضًا من ناحية أخذهما ذات الموقف من الأديان التي كانت سائدة في أيامهما فقد احترماها وانتقداها في نفس الوقت وقد يكون تشبيه يسوع لرجال الدين اليهود «بالأعمى الذي يقود أعمى» والوارد في كتاب سوترا بيتاكا البوذي أبرز نقاط التشابه؛ وكخلاصة يمكن القول أنهما كانا مصلحين دينيين أيضًا. بيد أنه في العقائد الدينية، لا يوجد أي تشابه بين الشخصين، فلم يؤثر عنبوذا أنه مخلص لشعبه أو ولادته من عذراء ولم تقدره البوذية كإله أو كابن الله، وكذلك فقد ركزبوذا على التمارين الصوفية المعمقة وتنمية المعرفة الحسيّة في حين لا وجود لمثل هذه التعاليم لدى يسوع.[442]وعندما اكتشفإنجيل توما ـ أحد الكتب غير القانونية بالنسبة للكنيسة ـ عام1945م، ربط بعض الباحثين بين محتواه وما بين التصورات الروحية البوذية والشرقية عمومًا.[443]
للهندوس اعتقادات مختلفة عن يسوع، فالبعض يعتقد بأنه كان رجلا عاديًا، والبعض منهم ينظرون إلى يسوع على أنه "جورو" – أي المعلم الهندوسي الذي قطع شوطا طويلا في بلوغ الحكمة،[444] أو بأنه "يوجي" – أي خبير بممارسةاليوغا، ولكنه لم يكن إلهاً، والعديد من أتباع تقليد "يوغا سرات شبدا"، أي اتحاد الروح مع الكائن الأسمى" مثلسوامي فيفيكانادا، أحد كبار القادة الروحيين لفلسفةالفيدانتا والذي عاش فيالقرن التاسع عشر، يعتبرون يسوع بأنه منبع للاستقامة وبأنه خلاصة الكمال.
أما بالنسبة لباراماهانسا يوجاناندا الذي لعب دورًا رئيسيًا في جلب فلسفةاليوغا إلى الغرب وكان يعتقد بأن يسوع كان إعادة لتجسد النبياليسع وبأنه كان تلميذًاليوحنا المعمدان الذي كان بدوره إعادة لتجسد النبيإيليا، حيث النبياليسع كان تلميذًا للنبيإيليا، وكلاهما من أنبياءالعهد القديم.
موعظ في ساحةتايمز سكوير بمدينةنيويورك يحمل لافتة تدعو إلى التوبة والمحبة اقتداءً بحياة يسوع.
وقد اعتبرالمهاتما غاندي يسوع كأحد معلميه الرئيسيين وبأنه ملهمه في فلسفةالمقاومة السلمية أو فلسفةاللاعنف، ومن أقواله الشهيرة عن يسوع قولهللإنكليز: «أحب مسيحكم، ولكني لا أحب مسيحييكم فهم بعيدون جدًا عن أن يكونوا كالمسيح.[445]»
فيالغنوصية المسيحية (والتي أصبحت الآن حركة دينية منقرضة إلى حد كبير)،[446] أُرسل يسوع من العالم الإلهي وقدم المعرفة السرية (غنوسيس) اللازمة للخلاص. يعتقد معظم الغنوصيين أن يسوع كان إنساناً أصبح يمتلكه روح «المسيح» فيمعموديته. وتركت هذه الروح جسد يسوع أثناءصلبه، لكنها انضمت إليه عندماقام من الأموات. لكن بعض الغنوصيين، على الرغم من ذلك، كانوا منالدوسيتيين، اعتقدوا أن يسوع ليس له وجود حقيقي لأن الجسد مادي والمادة ليس لها وجود فعلي حقيقي في اعتقادهم. وقبلتالمانوية، وهي طائفةغنوصية، يسوع كنبي، بالإضافة إلى تبجيل كل منغوتاما بوداوزرادشت.[447][448]
تعتبرالديانة البهائية يسوعومحمد بن عبد اللهوجواتاما بوذا وآخرين بأنهم جميعًا أنبياء لله، وبينما يوجد هناك وجهات نظر بهائية تتفق مع تلك المسيحية عن يسوع فإن المسيحيين يرفضونها تمامًا.[449] وتعتبر التعاليم البهائية أن يسوع هو مظهر من مظاهر الله، وهو المفهوم البهائي للأنبياء - الوسطاء بين الله والبشريّة،[8] ليكون بمثابة الرسول الذي يعكس صفات الله.[450] ويُؤمن البهائيونبالولادة العذرية والصلب،[8] لكنهم يرون أن قيامة ومعجزات يسوع رمزية.[8]تنظرالديانة المندائية إلى يسوع على أنه نبي مخادع أو المسيح الكاذب أنتجته خرافات إلهاليهود في كتابالعهد القديم، وبأنه كان خصمًا للنبي الصالحيوحنا المعمدان، ومع هذا فإنهم يؤمنون بأن يوحنا قد عمَّد يسوع.[451]
أما حركةالعصر الجديد (بالإنجليزية:The New Age) آراء وتصورات عديدة عن شخصية يسوع، فالبعض منهم يعتبره المعلم العظيم أو السيد العلِّي على غرار بوذا، الذي علم الناس بأن المسيحانية هي شيء يمكن لأي إنسان بلوغه. وفي نفس الوقت العديد من مبادئ حركة العصر الجديدكالتقمص تتعارض وتتضارب مع تعاليم المسيحية التقليدية، وهناك بعض جماعات هذه الحركة تعتقد بأن يسوع درس الحكمة فيجبال الهملايا أو فيمصر خلال سنوات حياته الضائعة، أي خلال فترة تقريبية ما بين طفولته وبداية عمله التبشيري عندما بلغ الثلاثين والتي لم يتحدث عنهاالكتاب المقدس. ويعتبريسوع في السيناتولوجيا (إلى جانب شخصيات دينية أخرى مثلزرادشتومحمدوبوذا) جزء من «تراثها الديني».[10][452] ويعتبر يسوع إلى جانب كل منغوتاما بوداولاوتزه وفوشى من الشخصيات المبجلة في معتقداتكاو دائية.
هناك العديد منعلماء الأخلاق ممن شددوا على القيمالأخلاقية التي نادى بها يسوع، مثلجاري ويلس الذي بين أن هناك تمايز بين أخلاقيات يسوع والأخلاقيات المعتادة للمسيحية، وقد صور يسوع على أنه الواعظ المتجول، الذي علّم عن السلام والمحبة وحقوق المرأة والأطفال، وخاصم القادة الدينيين والمرائين والأغنياء، وقد أيَّد وأكَّد على هذه المبادئ الأخلاقية الكثير من المدافعين عنحقوق الإنسانوالملحدينواللاأدريين. ويرفضالملحدين ألوهية يسوع، لكن لدى العديد منهم آراء مختلفة حول تعاليم يسوع الأخلاقيّة. على سبيل المثال، أطلق ريتشارد دوكينز على يسوع «معلم أخلاقي كبير».[453]
^يكتب إيرمان: "وجهة النظر بأن محتويات الأناجيل هي غير دقيقة بالكامل ولكن ما زالت مهمة من أجل الحقائق الدينية التي تسعى إلى نشرهاهي وجهة النظر الشائعة بين الباحثين، على الرغم من أن وجهة النظر تلك غير معروفة على نطاق واسع بين غيرهم ."[15]
^يكتب ساندرز: "المسيحيون الأوائل لم يكتبوا سردا عن حياة يسوع، بل استغلوا (وبالتالي حافظوا على) وحدات فردية—مقاطع قصيرة حول كلماته وأفعاله. هذه الوحدات تم بعد ذلك نقلها وتنظيمها من قبل مؤلفين ومحررين ... بعض هذه المحتويات تمت مراجعتها وبعضها تم إنشاؤها من قبل المسيحيين الأوائل."[16]
^ابجDana، Nissim (1980).The Druse, a religious community in transition. Turtledove Pub.ISBN:9789652000286. مؤرشف منالأصل في 2019-09-05. اطلع عليه بتاريخ2019-10-28.... Druze belief, there were seven prophets at different periods in history: Adam, Noah, Abraham, Moses, Jesus, Mohammad and Muhammad Ibn Isma'il — the founder of Isma'iliyya....
^Van Voorst, Robert E (2000).Jesus Outside the New Testament: An Introduction to the Ancient Evidence. Eerdmans Publishing.ISBN 0-8028-4368-9 page 16 states that modern scholarship views the theories of non-existence of Jesus as effectively refuted.
^معجم المجمع الفاتيكاني المسكوني الثاني، مرجع سابق، ص.4
^الإنسان والكون والتطور بين العلم والدين، هنري بولاد، دار المشرق، الطبعة الرابعة، بيروت 2008، ص.313
^"anno Domini".Merriam Webster Online Dictionary. Merriam-Webster. 2003. مؤرشف منالأصل في 2007-12-22. اطلع عليه بتاريخ2016-11-03.Etymology: Medieval Latin, in the year of our Lord
^BBC Team (8 فبراير 2005)."History of Judaism 63 BCE–1086 CE".BBC Religion & Ethics. British Broadcasting Corporation. مؤرشف منالأصل في 2019-06-27. اطلع عليه بتاريخ2016-04-20.
^الإنجيل براوية القرآن، فراس السواح، دار علاء الدين، طبعة أولى، دمشق 2004، ص.218
^انظر نبؤات زكريا بن برخيا الواردة فيسفر زكريا حول اجتماع الصفات الثلاثة: الملك والنبي والكاهن في شخص المسيح المنتظر:زكريا: الكاهن والنبي والملك، كنيسة الإسكندرية الكاثوليكية، 27 كانون الأول 2010.نسخة محفوظة 7 أبريل 2020 على موقعواي باك مشين."نسخة مؤرشفة". مؤرشف من الأصل في 2020-04-07. اطلع عليه بتاريخ2020-04-07.{{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: BOT: original URL status unknown (link)
^مدخل إلى العهد الجديد، العهد الجديد، لجنة من اللاهوتيين، دار المشرق، الطبعة السادسة عشر، بيروت 1988، بإذن الخور أسقف بولس باسيم، النائب الرسولي للاتين في لبنان، ص.37
^جاء في قرارات المجمع "مولود غير مخلوق، مساو للآب في الجوهر، مولود من الآب قبل كل الدهور"، انظربعض قرارات مجمع نيقية الأول، الموسوعة العربية المسيحية، 27 كانون الأول 2010.نسخة محفوظة 18 يناير 2012 على موقعواي باك مشين.
^Matthew B. Hoffman, From rebel to rabbi: reclaiming Jesus and the making of modern Jewish culture, Stanford University Press, 2007,ISBN 0-8047-5371-7, p. 22: "Mendelssohn depicts Jesus as a model rabbinical Jew... as a loyal rabbi"; p. 259: "Mendelssohn was not the first to make such claims. Jacob Emden (1696-1776), a leading figure of traditional Judaism in eighteenth-century Germany, also looked vary favorably on Jesus"; p. 50: "Elijah Benamozegh (1823-1901) showed the resemblance between parables and ethical imperatives in the gospels and the Talmud, concluding that 'when Jesus spoke these words he was in no way abandoning Judaism'"; p. 258: "Levinsohn avowed that Jesus was a law-abiding Jew"
^الإنجيل برواية القرآن، فراس السواح، دار علاء الدين للنشر، دمشق 2011، ص.91 انظر بعضًا من أماكن ورود هذه الألقاب: مريم 30 والنساء 171 ومريم 34 ومريم 21 والزخرف 59 وآل عمران 45.
^النساء 157؛ يعتقد الغنوصيون بموت شبحي للمسيح، فهو في الشكل تألم أما في الجوهر فلا. جاء في مخطوطة "شيت الكبير" إحدى المخطوطات المكتشفة فينجع حمادي على لسان يسوع ما يلي: "فاعلم إذن أني لم أسلم إلى إيديهم كما ظنوا، ولم أتألم أبدًا. لم أمت في الحقيقة بل في المظهر فقط." وقد انقضرت الطائفة الغنوصية أواخرالقرن الثاني، ويقولفراس السواح أن إشارة القرآن حول الاختلاف على موت يسوع نابع من الكتابات الغنوصية التي ظلت بشكل أو بآخر حتى زمنالبعثة النبوية. الإنجيل برواية القرآن، مرجع سابق، ص.132
^ابHitti، Philip K. (1928).The Origins of the Druze People and Religion: With Extracts from Their Sacred Writings. Library of Alexandria. ص. 37.ISBN:978-1-4655-4662-3.
^ابDana، Nissim (2008).The Druze in the Middle East: Their Faith, Leadership, Identity and Status. Michigan University press. ص. 17.ISBN:978-1-903900-36-9.
^Seddon، David (2013).A Political and Economic Dictionary of the Middle East. Routledge.ISBN:9781135355616.... Druze believe in seven prophets: Adam, Noah, Abraham, Moses, Jesus, Muhammad, and Muhammad ibn Ismail ad-Darazi....
^Khuri Hitti، Philip (1928).The Origins of the Druze People and Religion: With Extracts from Their Sacred Writings. Library of Alexandria.ISBN:9781465546623.... The prophetic succession tallies in general with the preceding Ismā'īliyyah series of seven. Adam heads the list which includes Noah, Abraham, Moses, Jesus (ëĪsa ibnYūsuf), Muḥammad, and Muḥammad ibn Ismāëil.....
^The Encyclopaedia Judaica.ISBN:9781465546623.... The basic element in the Druze faith, according to the author, is the belief in seven prophets — Adam, Noah, Abraham, Moses, Jesus, Muhammad, and Muhammad ibn Ismai.....
^ابجدDana، Nissim (2008).The Druze in the Middle East: Their Faith, Leadership, Identity and Status. Michigan University press. ص. 47.ISBN:978-1-903900-36-9.
^Swayd، Samy (2019).The A to Z of the Druzes. Rowman & Littlefield. ص. 88.ISBN:9780810870024.Jesus is known in the Druze tradition as the "True Messiah" (al-Masih al-Haq), for he delivered what Druzes view as the true message. He is also referred to as the "Messiah of the Nations" (Masih al-Umam) because he was sent to the world as "Masih of Sins" because he is the one who forgives.
^S. Sorenson، David (2008).The Princeton Encyclopedia of Islamic Political Thought. Routledge. ص. 239.ISBN:9780429975042.They further believe that Hamza ibn Ali was a reincarnation of many prophets, including Christ, Plato, Aristotle.
^Massignon، Louis (2019).The Passion of Al-Hallaj, Mystic and Martyr of Islam, Volume 1: The Life of Al-Hallaj. Princeton University Press. ص. 594.ISBN:9780691610832.
^Nettler، Ronald (2014).Muslim-Jewish Encounters. Routledge. ص. 140.ISBN:9781134408542....One example of Druze anti—Jewish bias is contained in an epistle ascribed to one of the founders of Druzism, Baha al-Din