يتبوّأ نهر الراين مكانة مهمة فيالتاريخ الأوروبي بوجه عام، والألماني بوجه خاص، حيث كان يشكل على مدى 400 عام الحدود الرئيسية بين بلاد الرومان والقبائل الجرمانية، كما نشأت على الجانب الغربي منه العديد من المدنالألمانية، والعديد من المدنالفرنسية على ضفافه، لذلك ظلت المناطق المحيطة به مكانا للنزاع والصراع بين ألمانيا وفرنسا، بغرض السيطرة على منافذ النهر. ظل الأمر بينهما إلى أن انتهتالحرب العالمية الثانية، واستقرت الأوضاع السياسية في العالم، وصار النهر من أهم الممرات المائية العالمية.
منجبالجليدية توجد شرقيسويسرا بالقرب من الحدودالإيطالية ينبع مجريان هما الراين الأوسط والراين الخلفي، بمحاذاة الحدود الغربيةللنمسا، وعندبحيرة كونستانس يتحد المجريان في مجرى واحد هو الراين الكبير، الذي يتخلص من الطين والحصى الذي حمله من الجبال، يخرج من البحيرة باتجاه الغرب بانحدار يبلغ ارتفاعه حوالي 21 متراً، ثم يواصل جريانه بين ألمانيا وسويسرا باتجاه مدينةبال السويسرية، ويبلغ عرضه في هذه المنطقة حوالي 205 أمتار، ثم ينعطف شمالاً ليجري بينالغابة السوداء شرقاً،وجبال الفوج غربا ويسير وسطسهل يبلغ عرضه 32كيلومتر، وعند هذه المنطقة يشكل النهرحدودا طبيعية بين فرنسا وألمانيا، ثم يعبر ألمانياوهولندا، لينتهي به المطاف فيبحر الشمال ليصب فيه.
يبلغ الطول الإجمالي للراين حوالي 1230كيلومتر, يغطي مساحة تقدر بحوالي 252.000 كيلومتر مربع. يرتبط الراين بأنهار أوروبية مهمة مثلالدانوب،والرون،ومارن، مما يجعل منه مجرى ملاحيا داخليا عظيما، حيث تنقل المراكب الهولندية والألمانية من خلالهالفحم، ومشتقاتالنفط، وخاماتالمعادن،والحبوب.
على الرغم منتلوث بعض أجزائه بمخلفات السفن العابرة فيه، إلا أن هناك أجزاء أخرى لا تزال تحتفظ بجمالها الطبيعي الذي يستقطب اهتمام السياح من جميع أنحاء العالم، ولا يكاد يخلو برنامج سياحي لزيارة معالم أوروبا من رحلة نهرية عبر الراين، كما تقع العديد من القلاع التاريخية الألمانية والفرنسية على ضفاف النهر لتؤكد أهميته كمجرى مائي.
يرتبط بالنهر أيضا العديد من الأساطير الألمانية مثل أسطورةحورية البحر (لوريلي)) التي تظهر أحيانا للبحارة وعابري النهر، عند منحدر صخري شاهق يعرفبنفس الاسم، فتكون السبب في اختفاء سفن هؤلاء البحارة عند ذلك المنحدر.
لم يكن نهر الراين معروفًا لدىهيرودوت، وذُكر تاريخيًا لأول مرة في القرن الأول قبل الميلاد في وصف جغرافياالعصر الروماني. شكل النهر في ذلك الوقت الحدود بينبلاد الغال وجرمانيا. وتشير التقديرات إلى أن القبائل الجرمانية كانت تسكن المنطقة منذ عام 2000 قبل الميلاد.
كان نهر الراين العلوي جزءًا من المساحة التي سكنتهاحضارة هالستات المتأخرة منذ القرن السادس قبل الميلاد، وبحلول القرن الأول قبل الميلاد، سكنت حضارة لاتين محلها بشكل كامل تقريبًا، لتشكل منطقة اتصال معحضارة ياستورف؛ أي الاتصال الثقافي السلتي الجرماني المبكر.
في الجغرافيا الرومانية، شكل نهر الراين الحدود بين غاليا وجرمانيا، فبحسب تعريف ماوروس سيرفيوس أونوراتوس في تعليق علىالإنيادة لفيرجيل (8.727) (رينوس) «يفصل نهر الغال (أي نهر الراين) الشعب الجرماني عن الغال».
في الجغرافيا الرومانية، شكل نهر الراين وغابة هيركينيا سيلفا حدود العالم المتحضر، التي حرص الرومان على استكشافها. يتجسد هذا الرأي في «أعمال أغسطس الإلهي»، وهو نقش طويللأغسطس، يتباهى فيه بمآثره، بما في ذلك إرسال أسطول استكشافي شمال نهر راينماوث إلى ساكسونيا القديمة وجوتلاند، وهو ما ادعى أنه لم يفعله أي روماني من قبل.
أمر أغسطس ابن زوجته الجنرال الروماني دروسوس بإنشاء 50 ثكنة عسكرية على طول نهر الراين، مما أدى إلى بدء الحروب الجرمانية في عام 12 قبل الميلاد. في هذا الوقت، كان سهل نهر الراين السفلي هو إقليم أوبي، وكانت أوبيدوم أوبيوروم (تُعرف اليوم بمدينة كولونيا) هي أول مستوطنة حضرية على طول نهر الراين، والتي تأسست في عام 38 قبل الميلاد على يد الأوبيين. أطلق الرومان علىكولونيا اسم كولونيا كلوديا آرا من أجريبيناس في عام 50 م.
منذ وفاة أغسطس عام 14 م وحتى ما بعد عام 70 م، قبلت روما الحدود المائية لنهر الراين والدانوب العلوي كحدودها الجرمانية. خلف هذه الأنهار، كانت تسيطر فقط على سهل فرانكفورت الخصب، مقابل قلعة موغونتياكوم الحدودية الرومانية (ماينز)، والمنحدرات الجنوبية للغابة السوداء. وظل الجزء الشمالي من هذه الحدود، حيث نهر الراين عميقًا وواسعًا، هو الحدود الرومانية حتى سقوط الإمبراطورية. ولكن كانت الأمور مختلفة في الجزء الجنوبي. إذ يمكن عبور نهر الراين العلوي والدانوب العلوي بسهولة، فالحدود التي يشكلونها طويلة، وتحيط بإسفين حاد الزاوية من الأراضي الأجنبية بين بادن وفورتمبيرغ. ويُعتقد أن عدد السكان الجرمانيين في هذه الأراضي كان ضئيلًا في العصر الروماني، وقد انتقل الرعايا الرومان من منطقة الألزاس واللورين الحديثة عبر النهر شرقًا.
احتفظ الرومان بثمانية فيالق في خمس قواعد على طول نهر الراين. انخفض العدد إلى أربعة مع نقل المزيد من الوحدات إلى نهر الدانوب. اعتمد العدد الفعلي للجيوش الموجودة في أي قاعدة أو جميعها على ما إذا كانت هناك حالة حرب أو تهديد بالحرب.
أثرت المنطقتان العسكريتان الأصليتان، جرمانيا الدنيا وجرمانيا العليا على القبائل المحيطة، فقد اندمجتالشعوب الجرمانية العليا في الألمانية. توقف نهر الراين لبعض الوقت عن كونه حدودًا عندما عبر الفرنجة النهر واحتلوا بلاد الغال السلتية التي يهيمن عليها الرومان، حتى باريس.
عبرت القبائل الجرمانية نهر الراين في فترة الهجرة، وبحلول القرن الخامس تأسست ممالك فرانسيا على نهر الراين السفلي، وبورغوندي على نهر الراين العلوي، وألمانيا على نهر الراين العالي. ينعكس هذا «العصر البطولي الجرماني» في أساطير العصور الوسطى، مثل نيبيلونغنليد التي كانت عن البطل سيغفريد وهو يقتل تنينًا على صخرة التنانين بالقرب من بون عند نهر الراين وعن البورغنديين ومحكمتهم في فورمز، عند نهر الراين وكنز كريمهيلد الذهبي، الذي ألقاه هاجن في نهر الراين.