العذراء،والدة الإله،والدة المسيح سلطانة السماء والأرض، أم النور، الممتلئة نعمة، وغيرها(في المسيحية)[1] سيدتنا مريم، العذراء، البتول، الصدّيقة مريم، أم عيسى المسيح، مريم بنت عمران، خير نساء العالمين(في الإسلام)
وفق المعتقدات المسيحية فإن مريم كانت مخطوبةليوسف النجار، عندمابشرهاالملاكجبرائيل بحملهابيسوع وظلت بقربه حتىالصلب.الكتب الأبوكريفية المختلفة وكتاباتآباء الكنيسة تتكلم عن حياتها المبكرة وحتى بداية الدعوة العلنيةليسوع، وقد قُبلت هذه الكتابات بنسب متفاوتة عقائدًا لدىالطوائف المسيحية، وقد صيغ عدد آخر من العقائد في المسيحية تعرف باسمالعقائد المريمية تتحدث عن العذراء ودورها، التي أغدقت عليها الكنيسة أيضًا عددًا كبيرًا من الألقاب، فهي الملكة والمباركة والشفيعة المؤتمنة وغيرها من الألقاب التي تندرج في إطار تكريمها، الذي تعتقد الكنائس التي تفرد لمريم مكانة خاصة أنه جزء من العقيدة المسيحية، وفي سبيل ذلك أيضًا أقامت عددًا كبيرًا من الأعياد والتذكارات في السنة الطقسية خاصة بها، وشُيِّدت أعداد كبيرة من الكنائس والمزارات على اسمها، إلى جانب طرق مختلفة أخرى من التكريم، ويسمى علم دراسة مريم ودورها فيالكتاب المقدسوالمسيحيةالماريولوجيا.
ولمريم العذراء أيضًا مكانة خاصة فيالإسلام وعندالمسلمين، فهي خير نساء العالمين، وتوجد قصتها وقصة عائلتها وابنها عيسى مذكورة في السورة الثالثة منالقرآن الكريم:سورة آل عمران وفيها وفق المعتقدات الإسلامية قصة ميلاد مريم وأنها كانت عذراء بتول اصطفاها الله على نساء العالمين وطهرها، وبشّرتها الملائكة بعيسى من غير أب، يُكلم الناس في المهد؛ وكذلك السورة التاسعة عشر منالقرآن تُدعى باسمها:سورة مريم، وهي السورة الوحيدة في القرآن المسماة باسمامرأة.
بحسب الموسوعة الكاثوليكية، اختلف المفسرون حول معنى اسم «مريم»، فذهب البعض إلى أنه منحدر من أصل مصري قديم هو «مر mr» بمعنى «محبوب/حميم/عزيز»، بينما فسره آخرون على أنه منحدر من الكلمة العبرية «مر mr» بمعنى «مُرُّ: أي ضِدُّ حُلْو»، وفسرجيروم الاسم على أنه مكون من كلمتين عبريتين هما «مار mar» التي تعني قطرة و «يم yam» التي تعني بحر، فيكون معنى الاسم هو «قطرة بحر»، وهناك تفسيرات أخرى كثيرة.[4] اسم «مريم» من الأسماء الواسعة الانتشار فيالمجتمع اليهودي القديم، وكان أول من دُعي به فيالعهد القديم هيالنبية مريم شقيقةالنبيموسى.[5](انظرسفر العدد 59/26.)
لا ترويالأناجيل أو أية كتابات مسيحية رسمية عن طفولة مريم العذراء أو حياتها قبلالبشارة، لكن هناك عدد منالكتب الأبوكريفية التي لم تعتمد في الكنيسة ككتب رسمية لعدم صحة نسبتها إلىالتلاميذ الاثني عشر أو شخصيات مقربة منهم، أو لكتابتها في تاريخ متأخر عن سائر المؤلفات التي تدعى بالقانونية أو حتى بسبب أسلوب كتابتها الشعبي،[6] تتناول حياة مريم المبكرة بشكل مفصل، هناك إنجيل خاص يعرف باسم إنجيل مريم، وآخر يدعى إنجيل يعقوب وطفولة المخلص إلى جانب إنجيل رحلة العائلة المقدسة، وإنجيل حياة مريم وموت يوسف، وهي الأناجيل الأكثر ذكرًا للعذراء وحياتها المبكرة.[7]
تقدمة العذراء للهيكل وفقًا لرواية إنجيل يعقوب، اللوحة لدنيس كالفرت،القرن السادس عشر.
ورغم عدم الاعتراف بها كأناجيل قانونية غير أن هذه الأناجيل كانت ذات انتشار بينالجمهور المسيحي فيالقرن الثانيوالقرن الثالث وأثرت بشكل أو بآخر على العقائد المسيحية، فرغم عدم ذكر الأناجيل الرسمية عن طفولة العذراء شيء يحوي تقويم الأعياد والمناسبات الدينية يوم21 نوفمبر سنويًا عيدًا خاصًا بتقدمة العذراء للهيكل،[8] ويذكر هذا الحدث في إنجيل بشارة يعقوب ويحدد عمر العذراء آنذاك بثلاث سنوات.[9] وقد اعتُمدَ الحدث رسميًا نظرًا لاعتماده من قبلآباء الكنيسة في كتاباتهم ومؤلفاتهم واتفاقهم عليه.
بحسب الرواية الواردة فيالكتب الأبوكريفية والمعتمدة رسميًا بين المسيحيين أيضًا فإن والدي العذراء كانا عجوزين لا أولاد لهما في حين كانت أمها عاقرًا لا تستطيع الإنجاب، الأمر الذي كان يعتبر عارًا في المجتمع اليهودي القديم ويجلب معايرة المجتمع، لكنالرب أجرى معجزة لوالدتها فحبلت وأنجبت مريم بعد أن نذرت نذرًا بأن تهبها لله. وهذا ما حصل فعلًا، فعندما ولدت مريم قدمتها والدتها للخدمة فيهيكل سليمان ولها من العمر ثلاث سنوات.[10]
إنإنجيل لوقا يذكر:عذراءً من الناصرة.لوقا 26/1] الواقعة فيالجليل دون أن يشير إلىالقدس أوهيكل سليمان، ما دفع البعض لاعتبار الحادث رمزًا أو تقليد واكتفوا بأن تغدق صفات الحمد والثناء على مريم خلال تلك الفترة من عمرها:كانت مريم فتاة من فتيات الناصرة، تقوم بالأعمال المنوطة بهنّ، وتتردد إلى المجمع وتسمع التعليم الديني، وتصلي، إن الله قد اختار مريم وزينها بأجمل المحاسن، مؤهلًا إياها لتلد ابنه في الجسد وتحضنه وترعاه وتخدمه كما يليق بالقدوس.[11] فالراجح إذن حسب النظرية الرسمية في المسيحية أن العذراء وإن قدمها ذويها إلى الهيكل حسب روايةالكتب الأبوكريفية والتقليد الكنسي، إلا أنها قد عادت إلى منزل ذويها فيالناصرة حيث قضت هناك عدة سنوات قبل خطبتهاليوسف النجار، خصوصًا أن النساء لم يكن المسموح لهنّ بالخدمة أو الإقامة فيالهيكل لدى تجاوزهنّ سن الإثني عشر عامًا وهو عمر البلوغ وفقالشريعة اليهودية.[12] في حين يذكر إنجيل بشارة يعقوب المنحول أن يوسف من كفل العذراء إثر قرعة قام بهازكريا بعد تجاوز مريم الثانية عشر من عمرها.
مع أن إنجيل يعقوب يذكر أن يهوياقيم (والد مريم) كان غنيًا، بيد أن عددًا من الباحثين يشيرون خلاف ذلك، أو أن عائلة خطيبهايوسف النجار أقله لم تكن كذلك، فعند تقدمةيسوع وفقالشريعة اليهودية قام يوسف ومريم بتقديم ذبيحة الفقراء.لوقا 24/1] يلفتاللاهوتيون النظر إلى كون:نشيد الفرح الذي شدت به لأليصابات يبيّن مدى معرفتها بالله وبالتقليد اليهودي وبكون أفكارها مملوءة بكلمات من العهد القديم.[13] ما يتفق معالكتب الأبوكريفية والتقليد الكنسي بكونها تلقت تعاليمًا ودورسًا دينية.
بحسب التقليد المسيحي أيضًا، أي مجموع كتاباتآباء الكنيسة الأوائل، فإن والدي العذراء هماحنةويهوياقيم، ويحتفل بتذكارهما في9 سبتمبر من كل عام،[17] أي بعد يوم واحد من ذكرى ميلاد مريم العذراء في8 سبتمبر من كل عام حسب التقليد الكنسي أيضًا.[18]
هناك أيضًا جدل بين الباحثين حول نسب مريم العذراء وإلى أي سبط منأسباط بني إسرائيل تنتمي، فحسب بعضآباء الكنيسة كالقديس أمبروسيوس وبعض المفسرينالبروتستانتللعهد الجديد أمثال ديفيد فيرمان وجيمس جالفن، تُنسب العذراء إلى سبط يهوذا الملكي، وبالتالي فإنيسوع ينتسب إلى سبط يهوذا من ناحيتي أبيه وأمه كليهما، يرى هؤلاء أن سلسة نسبيسوع الواردة فيإنجيل لوقا 3/ 23-38 هي نسبه من ناحية أمه مريم ويعتقدون أن هالي المذكور بعديوسف هو حمي يوسف وليس والده،[19][20] البعض الآخر من الباحثين يرون أنها من سبط لاوي وذلك استنادًا إلى كونأليصابات قريبتها متزوجة من هذا السبط ولا يحق لليهود الزواج من غير سبطهم حسب تشريعسفر العدد، وتعتبر هذه النظرية الرسمية لدىالإسلام[21] وكذلكالكنيسة القبطية الأرثوذكسية،[22] غير أنالعهد القديم يحفل أيضًا بذكر زوجات شخصياته من غير أسباطهم، بل من غيربني إسرائيل رغم أنالشريعة اليهودية تحرّم ذلك، فلدى العودة منسبي بابل سقطت الكثير من الشرائع اليهودية. هناك أيضًا رأي ثالث يغلب عليه الطابع التاريخي،فالناصرة - حيث ترعرعت العذراء - واقعة ضمن حدود سبط منسّى، لذلك فقد تكون العذراء من هذا السبط، وهناك عدد آخر من الباحثين كالأب الباحث سليم يمّين ووديع بشور يرون أنيسوع وأمه وعائلته ليسوابيهود أصلًا وإنماسريان آراميون متهودون.[23] ً
إذاك تذكر رواية البشارة حسبإنجيل لوقا أن مريم قد اضطربت لكلام الملاك وتساءلت عن معنى هذه التحية،لوقا 29/1] فأجابها الملاك:لا تخافي يا مريم، فقد نلت حظوة من عند الله، فستحبلين وتلدين ابنًا تسميه يسوع؛ سيكون عظيمًا وابن العلي يدعى ويوليه الرب الإله عرش داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولن يكون لملكه نهاية.لوقا 30/1] فاستفسرت مريم من الملاك:كيف يحدث هذا وأنا لست أعرف رجلًا؟ فأجابها الملاك: الروح القدس يحلّ عليك وقدره العلي تظللك لذلك يكون المولد منك قدوسًا وابن الله العلي يدعى.لوقا 35/1] بيّن الملاك لمريم أيضًا أن قريبتها(بحسب التقليد الكنسي ابنة خالتها)أليصابات حامل:ها إن نسيبتك أليصابات قد حبلت هي أيضًا بابن في شيخوختها، وهذا هو الشهر السادس لتلك التي كانت تدعى عاقرًا.لوقا 36/1] إذاك قالت مريم:ها أنا أمة الرب فليكن لي حسب قولك.لوقا 39/1] عندها انصرف الملاك من عندها، وبحسب المعتقدات المسيحية قد حملت مريم مباشرة بعد ذلك، ويحتفل المسيحيون حول العالم بعيد البشارة في25 مارس كل عام أي قبل تسعة أشهر تمامًا من25 ديسمبر موعد الاحتفالبميلاد يسوع المسيح،[26] ويخصص الأحد الثاني من زمن الميلاد لاستذكار الحادث أيضًا،[27] كما أنكنيسة البشارة فيالناصرة لا تزال حتى اليوم المكان التقليدي وفق المعتقدات المسيحية لمكان حدوثالبشارة.[28]
وجد بعض المفسرينللعهد الجديد بقول الملاك قوة العلي تظللك إشارة إلىسفر الخروج حيث ظلل الغمام الشعب الذي قادهموسى منمصر،[29] في حين يوضح بعض المفسرين الآخرين:إن العذراء ربما واجهت الكثير من الهزء والافتراء بسبب حملها، كما أن خطيبها يوسف أراد أن يفك خطوبته سرًا لما علم بالأمر.[30] لكن كما يعلنإنجيل متى فقد ظهر لهملاك الرب في الحلم وقال له:يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأت بمريم عروسك إلى بيتك لأن الذي حبلى فيه إنما هو من الروح القدس.متى 20/1] فيعتقد المسيحيون إذاك:غير يوسف خطته بعد أن اكتشف أن مريم كانت أمينة ومخلصة له فأطاع الله وتمم إجراءات الزواج كما كان ينوي، وقبل انفضاح أمر الحمل.[31] إذ يقول القديس إمبروسيوس أحدآباء الكنيسة:لكي لا يُظن أنها زانية. ولقد وصفت بصفتين في آن واحد، أنها زوجة وعذراء. فهي عذراء لأنها لم تعرف رجلًا، وزوجة حتى تُحفظ ممَّا قد يشوب سمعتها، فانتفاخ بطنها يشير إلى فقدان البتوليّة في نظر الناس. هذا وقد اِختار الرب أن يشك البعض في نسبه الحقيقي عن أن يشكُّوا في طهارة والدته... لم يجد داعيًا للكشف عن شخصه على حساب سمعة والدته.[32] أما مريم إثر زواجها فقد انتقلت إلىأليصابات في جبال يهوذا حسبإنجيل لوقا،لوقا 39/1] ويحددها التقليد المسيحي بأنهاعين كارم إلى الجنوب الغربي منالقدس، وقد مكثت هناك إلى ما بعد ولادةيوحنا المعمدان، أي حوالي ثلاث أشهر.[33]
اعتقدالمسيحيونالسريان خصوصًا، أنه حالما حبلت مريم فقد تصوريسوع في أحشائها كاملًا بعد أن أخذ طبيعته البشرية منها، ولم ينم كما ينمو الجنين العادي، يلتقي هذا الاعتقاد السرياني مع بعضالفقهاءالمسلمين في تفسيرالقرآن،[34] ومع إنجيل مريم وطفولة المخلص المنحول،[35] غير أن الكنيسة لم تثبته ولم تنفه، ولا يزال يردد حتى اليوم طوال تسعة أيام قبلعيد الميلاد فيجميع الكنائس التي تتبع الطقس السرياني معنيث أينشيد يشير إلى هذا الاعتقاد.[36]
تعظم نفسي الرب، وتبتهج روحي بالله مخلصي، لأنه نظر إلى تواضع أمته، فها منذ الآن تطوبني جميع الأجيال، لأن القدير قد صنع بي العظائم، واسمه قدوس، ورحمته إلى أجيالٍ وأجيالٍ للذين يتقونه.
تعتبر زيارة العذراء إلىأليصابات من المحطات الهامة في أحداث الميلاد، وقد خصصت لها الكنيسة أسبوعًا خاصًا من أسابيع زمن الميلاد السبعة،[37] وكذلك تقيم تذكارًا لذلك في2 يوليو من كل عام.[38] ينفردإنجيل لوقا بذكر الحادثة، ويبدأ بذكر:في تلك الأياملوقا 39/1] دون مزيد من الإيضاح ما دفع بعضًا منآباء الكنيسة للقول بأن الحدث قد تم عقب الزواج الاسمي منيوسف النجار والبعض الآخر أنه قد تم عقبالبشارة ولحقه الزواجبيوسف، غير أن الرأي الأكثر شيوعًا أن الزيارة قد تمت بعد الزواج منيوسف،[39] يتابعإنجيل لوقا:قامت مريم وذهبت إلى الجبال قاصدة مدينة من مدن يهوذا ودخلت بيت زكريا وسلّمت على أليصابات، ولما سمعت أليصابات سلام مريم قفز الجنين في بطنها.لوقا 40/1] اكتسبت الآيات السابقة أهمية خاصة فيالمسيحية وفي كتاباتآباء الكنيسة فهي تشير إلى إكرام خاص للعذراء وتشير أيضًا اللقاء الأول بينيسوعويوحنا المعمدان وكلاهما في الحشا.[40] ثمّامتلأت أليصابات من الروح القدس وهتفت بصوت عالٍ قائلة: مباركة أنت بين النساء، ومباركة ثمرة بطنك.لوقا 42/1] وقد أخذت الكنيسة عبارةأليصابات هذه مع عبارةالملاكجبرائيل لدىالبشارة لتكوين الصلاة الأشهر للعذراء في المسيحية وهيالسلام الملائكي، وتابعتأليصابات:فمن أين لي هذا أن تأتي إليّ أم ربي؟ فإنه ما إن وقع صوت سلامك في أذني حتى قفز الجنين ابتهاجًا في بطني.لوقا 43/1] غير أن المعترضين منالطوائف البروتستانتية رؤوا في الأصل اليوناني للكلمة بعدم استخدامأليصابات مصطلحيهوه وإنما مصطلح الرب إشارة لعدم شرعية اللقب،[41] بجميع الأحوال فإن مختلف المواقف والتفاسير تتفق أن الآيات تحوي إكرامًا خاصًا لمريم العذراء:فطوبى للتي آمنت أنه سيتم ما قبل لها من الرب.لوقا 45/1]ينتقل لوقا حينه لذكرنشيد مريم الذي أنشدته خلال زيارتها لأليصابات وهو يتشابه مع المواضيع العامةللعهد القديم:صورت مريم في نشيدها الله نصيرًا للفقراء والأذلاء والمحتقرين.[42] وذكرت بوعده بالخلاص،لوقا 55/1] وبختام النشيد، يختمإنجيل لوقا زيارة العذراء:وأقامت مريم عند أليصابات نحو ثلاث أشهر ثم رجعت إلى بيتها.لوقا 55/1] والراجح أن مريم مكثت في بيت زكريا إلى أن وضعت أليصابات ولدها، لكنلوقا أراد أن يختم موضوع سفر مريم قبل أن ينتقل إلى موضوع آخر أي مولديوحنا المعمدان وتسميته وختانه،[43] أما في خصوص وقت الزيارة الطويل فهذا يعود:لصعوبة الانتقالات والمواصلات فضلًا عن ندرتها حينها، كانت الزيارات لفترات طويلة أمرًا عاديًا، ولا بدّ أن مريم كانت عونًا كبيرًا لأليصابات التي كانت تحتمل عناء حملها الأول وهي في سن متقدمة.[44]
يقدمإنجيل لوقا الإطار العام لميلاديسوع فقد أصدرأغسطس قيصر مرسومًا بإحصاء سكانالإمبراطورية الرومانية،لوقا 1/2] ولهذه المناسبة:ذهب الجميع ليتسجلوا كل واحدٍ إلى بلدته، وصعد يوسف أيضًا من مدينة الناصرة بمنطقة الجليل إلى مدينة داود المدعوة بيت لحم بمنطقة اليهودية، لأنه كان من بيت داود وعشيرته، ليتسجل هناك مع مريم المخطوبة له وهي حبلى.لوقا 3/2] لقد استخدمإنجيل لوقا مصطلح خطيبته رغم أنها كانت زوجته آنذاك أمام المجتمع،متى 24/1] وفي هذا إشارة إلى الاعتقاد المسيحي ببتولية مريم العذراء،[45] وبينما كانا هناك تمت أيامها لتلد،لوقا 5/2] فيذكرإنجيل لوقا كيف ولدتيسوع ولفته بقماط وأنامته في مذود،لوقا 7/2] إن ذكر المذود هو أساس الاعتقاد بأنيسوع ولد في حظيرة، فقد كانت الحظائر آنذاك كهوفًا تحوي مذودًا، ويعتبر هذا المكان مظلمًا وقذرًا، سبب ذلك لأن مريم لم تجد مكانًا لتضع فيه مولودها في منزل أو فندق،لوقا 8/2] ويرىآباء الكنيسة في ذلك دروسًا روحيّة عديدة،[46] أما القماط فيسود الاعتقاد بأنه إشارة سابقة لتكفينيسوع وبالتالي موته.[47]
بحسب إنجيل يعقوب المنحول، فإنسالومة وهي أيضًا إحدى قريبات العذراء إضافة إلى قابلة مشرفة على ولادتها حضرا الميلاد؛ بحسب الإنجيل المنحول أيضًا فقد كانتسالومة تشكك في أن مريم قد حبلت فعلًا منالروح القدس وأنها كانت وستبقى عذراءً، فعندما ولدت العذراء تعجبت القابلة وسالومة فقد ظلت مريم عذراءً على الرغم من ولادتها، إذاك هتفت سالومة وتهللت وآمنت بكل ما كانت مريم قد أخبرتها به.[48]
روايةالأناجيل المنتحلة عمومًا غير مأخوذ بها في الكنيسة أو في العقائد المسيحية غير أنها هامة لدراسة الفكر الديني لدى المسيحيين في القرون الأولى، كما أنها تعكس إكرام العذراء منذ العصور المبكرة في المسيحية،[49] أما في رواية الميلاد الرسمية لا تذكر سالومة أو القابلة، لكن يذكر رعاة وقد ظهر لهم ملائكة وأرشدوهم إلى مكان الميلاد:وجاؤوا مسرعين فوجدوا مريم ويوسف والطفل مضجعًا في مذود.لوقا 16/2] وتختم رواية الميلاد:وأما مريم فكانت تحفظ هذه الأمور جميعًا وتتأملها في قلبها.لوقا 19/2]
يبدو بحسب الأناجيل أن إقامة مريم ويوسف قد طالت في بيت لحم،[50] فختن الصبي وسمييسوع في يومه الثامن،لوقا 21/2] وبعد أربعين يومًا صعدا به إلىأورشليم ليقدماه فيالهيكل وفقالشريعة اليهودية، وترتبط التقدمة بأم المولود عمومًا، إذ تتم التقدمة بعد أربعين يومًا لأنها مدة تطهير المرأة التي وضعت مولودًا ذكرًا حسبالشريعة اليهودية، أما لو وضعت المرأة أنثى تطول مدة التطهير ثمانين يومًا،[51] وخلال التقدمة كانت فيالهيكل سمعان البار، والنبية حنّة بنت فنوئيل،لوقا 36/2] الذين أخذا حسبإنجيل لوقا بالتهليل والتسبيح لأنها أبصرايسوع،لوقا 26/2] وقدّم سمعان البار نبؤة:ثم باركهما وقال لمريم أم الطفل: ها إن هذا الطفل قد جعل سقوط كثيرين وقيام كثيرين في إسرائيل، وحتى أنت سيخترق سيف الحزن نفسك لكي تنكشف الأفكار عن قلوب كثيرة.لوقا 35/2] وستشكل الآيتين السابقتين أساس الاعتقادالكاثوليكي اللاحق بكون مريم “شريكة الفداء”.
الحدث الآخر اللاحق للميلاد والذي تظهر في العذراء هو زيارةالمجوس الثلاثة ويظهرون في بعض الترجمات تحت اسم الحكماء،[52] على عكس ما هو شائع شعبيًا، يعتقد المسيحيون أن زيارةالمجوس قد تمت وقد تجاوز عمريسوع العام أو العامين،[53] وليس مباشرًا بعد الميلاد،(انظرإنجيل متى 16/2) يعتقد بعض اللاهوتيين المفسرين أنالمجوس الثلاثة جاؤوا منالعراق وربما كانوا مناليهود الذين ظلوا فيبابل بعد العودة منالسبي، غير أن بعضهم الآخر يعتقد أنهم جاؤوا منالأردن أوشبه الجزيرة العربية أي أنهم كانواعربًا لأن هداياهم التي قدموها،الذهبوالبخوروالمر هي من الأشياء التي اشتهرت بها بلاد العرب،[54] ويرى بعض اللاهوتيين أيضًا أن النجم الذي قادهم إلىبيت لحم هو اقتران كواكبالمشتريوزحلوالمريخ الذي تم بحدود العامين5 إلى6قبل الميلاد:[55]ودخلوا البيت فوجدوا الصبي مع أمه مريم، فجثوا وسجدوا له ثم فتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا ذهبًا وبخورًا ومرًا.متى 11/2]
بعيد رحيل المجوس أوحيليوسف عن طريقملاك فيالحلم:قم واهرب بالصبي وأمه إلى مصر وابق فيها إلى أن آمرك بالرجوع فإن هيرودس سيبحث عن الصبي ليقتله. فقام يوسف في تلك الليلة وهرب بالصبي وأمه منطلقًا إلى مصر.متى 13/2] يشرحإنجيل متى بشكل مفصل عن الأسباب التي دفعتهيرودس الكبير لقتليسوع ويذكر أنه أمر بأن يقتل جميع أطفالبيت لحم وجوارها من ابن سنتين فما دون لمحاولة القضاء عليه،متى 16/2] ورغم أن مذبحةهيرودس الكبير المذكورة فيالعهد الجديد لم يشر إليها في كتابات المؤرخين الأقدمين، إلا أن المؤرخ اليهودي يوسف يذكر أن هيرودس كان سفاحًا دون مزيد من الإيضاح.[56]
نشاطات العائلة فيمصر غير واضحة ولا يأت على أي ذكر لها فيالأناجيل الأربعة، غير أن التقليد القبطي يذكر أن مدة الإقامة في مصر دامت ستة أشهر وأن العائلة قد استقرت فيأسيوط، ويضيف التقليد القبطي خمسة وعشرين موقعًا أغلبها تحوّل إلىكنائسوأديرة شهدت فعاليات العائلة على طريق الذهاب إلى مصر ومن ثم العودة إلىفلسطين.[57]
جميع أحداث حياةيسوع اللاحقة، حتى بداية حياته العلنية لا يذكر عنها شيئًا فيالأناجيل الأربعة، باستثناء ما يذكر فيإنجيل لوقا من ضياعيسوع فيالهيكل خلال احتفالاتعيد الفصح وله من العمر اثني عشر عامًا،لوقا 44/2] وبعد أن بحثت مريمويوسف النجار عليه وجدته بعد ثلاث أيام في الهيكل:جالسًا وسط المعلمين يستمع إليهم ويطرح عليهم الأسئلة. فقالت له مريم: يا بني لماذا عملت هكذا؟ فقد كنا أبوك وأنا نبحث عنك متضايقين.لوقا 48/2] ويختم هذا المقطع أيضًا بعبارة:وكانت أمه مريم تحفظ هذه الأمور كلها في قلبها.لوقا 51/2] وهي العبارة التي ختم بها مقطع الميلاد؛ علمًا أن العائلة قد استقرت فيالناصرة منذ العودة منمصر.متى 23/3]
يتناقص ذكر العذراء فيالأنجيل خلال حياةيسوع العلنية، هذا يعود بشكل أساسي لكونالإنجيل:آيات دونت لكم لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم الحياة الأبدية إذ تؤمنون.يوحنا 31/20] فالأناجيل الأربعة تركز على شخصيسوع وأعماله وتعاليمه دونسائر الشخصيات على اختلاف أهميتها؛ سوى ذلك فإن العذراء لم تكن من الذين تبعوايسوع في جولاته وتبشيره فلا يذكرهاإنجيل لوقا 8/ 1-3 في إطار ذكره للنساء اللواتي تبعنّ يسوع، ويتضح ذلك بشكل جلي فيإنجيل متى 13/ 55-56 حيث يذكر أنها قد ظلت مقيمة فيالناصرة، يعتقد المسيحيون أن في ذلك دروسًا وعبرًا عديدة:
فإنها كانت تعيش على الأرض حياة ملؤها الاهتمام بالشؤون العالمية والأشغال، ومع ذلك كانت على الدوام متّحدةً بابنها اتحادًا صميمًا، مسهمةً في عمله الخلاصي إسهامًا لا مثلَ له على الإطلاق.[58]
إلى جانب ذلك فإنيسوع ينادى فيإنجيل مرقس بالنجار ابن مريم،مرقس 3/6] وينقلإنجيل لوقا مدحًا خاصًا لها خلال إحدى عظاتيسوع:طوبى للبطن الذي حملك وللثديين الذين أرضعاك.لوقا 27/11] ويرويإنجيل يوحنا أنه كان يزورها بين الفنية والأخرى ويقيم عندها عددًا من الأيام،[59] غير أن الحدث الأبرز الذي تظهر به في حياةيسوع العلنية هو فيعرس قانا الجليل:فلما نفذت الخمر، قالت أم يسوع له: لم يبق عندهم خمر! فأجابها: ما شأنك بي يا امرأة؟ ساعتي لم تأت بعد؛ فقالت أمه للخدم: افعلوا كل ما يأمركم به.يوحنا 2/2] حسبإنجيل يوحنا فإنيسوع استجابة لطلب أمه فقد أمر أن تملأ الأجران الستة المعدة للتطهير عنداليهود ماءً ثم أمر أن يقدم منها إلى كبير المدعوين، وإذ الماء قد تحول إلى خمر، فاستدعى كبير المدعوين العريس وقال له:الناس جميعًا يقدمون الخمر الجيدة أولًا، وبعد أن يسكر الضيوف يقدمون لهم ما كان دونها جودة، أما أنت فقد أبقيت الخمر الجيدة حتى الآن.يوحنا 10/2] ويصفإنجيل يوحنا هذه المعجزة التي تمت بناءً على طلب مريم:بالآية الأولى التي أجراها يسوع فيقانا الجليل.يوحنا 11/2]
الحدث الثاني الذي تظهر فيه العذراء حسبالأناجيل هو عندصليبيسوع، وقد انفردإنجيل يوحنا بذكرها، وعمومًا فإنالمسيحية تذكر أربع نساء هنّ: مريم العذراءوسالومةومريم المجدليةومريم امرأة قلوبا بأنهنّ النساء اللواتي وفقنّ عندصليبيسوع:[60]فلما رأى يسوع أمه والتلميذ الذي كان يسوع يحبه واقفًا بالقرب منها، قال لأمه: أيتها المرأة هذا هو ابنك، ثم قال للتلميذ: هذه أمك؛ ومنذ ذلك الحين أخذها التلميذ إلى بيته.يوحنا 26/19]
منحوتةلميكيلانجيلو تظهر المرحلة الثالثة عشر من دربالصليب"أنزل عن الصليب ووضع في حضن أمه المسكينة"، يشرف عليها المجلس البابوي لإدارة تراثالكرسي الرسولي.
بحسب التقليد الكنسي فإن التلميذ الذي كانيسوع يحبه هويوحنا بن زبدي كاتبالإنجيل الرابع نفسه،[61] وقد وجد المفسرون أنه بهذا الحادث تكون العذراء الإنسان الوحيد الذي رافقيسوع من ميلاده وحتى موته وهذا ما يزيد من أهميتها،[62] ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم في هذا الخصوص:
حتمًا في هذه اللحظات كان قلب القديسة مريم قد انشغل تمامًا بآلام ابنها، أما هو فآلامه لم تشغله عنها، بل هي ثمرة حبه الشديد لها ولكل البشرية. في بادرة حنان أخيرة نحو أمه أراد أن يَّؤمن لها عناية وعونًا بعد ذهابه، فسلّمها إلى من كان يحبه، والذي يعلم أنه الأقرب إليه من كل تلاميذه. بلا شك كان يوسف النجار قد تنيح منذ سنوات، ولم يعد من يهتم بالقديسة مريم، لذلك سلمها السيد المسيح وهو على الصليب للقديس يوحنا الحبيب بكونها أمه وهو ابنها.[63]
ينقل التقليد الكنسي أن مريم كانت عند دفنيسوع وقد جاء فيالسنكسارالكاثوليكي الروماني:يا مريم الأم الكلية الحزن، ما أمرّ سيف الوجع الذي ألم بقلبك عند نظرك ابنك يسوع العزيز مائتًا في حضنك.[64] غير أن الأناجيل لا تذكر مريم فيالقيامة حسب مختلف رواياتالعهد الجديد غير أنإنجيل مرقس يذكرسالومة،مرقس 1/16] ضمن حاملات الطيب اللواتي زرن قبريسوع فوجدنه خاليًا، ومن المعروف أنسالومة هي إحدى قريبات مريم.
التقليد الكنسي يذكر أن مريم قد انضمت فعلًا إلى بيتيوحنا بن زبدي كما كانيسوع أوصى وهو علىالصليب، ويذكر أيضًا أنها سكنت في بيته فيأورشليم أحد عشر عامًا، ثم انتقلت وإياه إلىأفسس فيآسيا الصغرى، حيث قضت هناك سائر سنواتها،[67] ولا يزال بيت العذراء فيأفسس المكان التقليدي الذي عاشت فيه مريم عند انتقالها منفلسطين.[68]
ورغم أن حياتها عمومًا كانت هادئة إذاك غير أن عددًا من الأحداث الهامة أشرفت عليها: لقاؤهابلوقا الذي نقل عنها أخبار الميلاد والطفولة ووضعها في إنجيله،[50] ومساهمتها في إنشاءكنيسةأفسس، وكذلك رسم أولى الأيقونات،[69] وتأسيسكنيسة فيليبي التي كانت أولى الكنائس التي تبنى على اسمها في المسيحية.[70]
عادت مريم إلىأورشليم في سنيها الأخيرة، ومن غير المعروف كيف توفيت أو طريقة وفاتها، هناك بضعة ميامير (قصائد شعبية) تذكر أنها مرضت ومن ثم توفيت، وتجمع الطوائف المسيحية التي تبجل العذراء أنها قد انتقلت منجبل الزيتون بحضور من تبقى حيًا منالتلاميذ الاثني عشر إلى السماء مباشرة؛ يأتي هذا الاعتقاد استنادًا إلى عدد من نبوءاتالعهد القديم، وتختلف الطوائف بتفاصيل الاعتقاد به؛[71] وبحسب التقليد المسيحي أيضًا فإن الانتقال قد تمّ بعد 13 إلى 15 عامًا منقيامة يسوع وبالتالي يكون قد تمّ بحوالي عام43، ويسع القول أنها كانت بحدود الستين من عمرها آنذاك.(3)
يعتقدالمسيحيون أن مريم قد مكثتبتولًا قبلالميلاد وفي الميلاد وبعد الميلاد،[72] ويعتبر هذا الاعتقاد أحد أركان الإيمان المسيحي لدى الطوائف التي تبجل مريم العذراء وأقدمها،[73] إذ قد ظهر في الكتابات المبكرة منذالقرن الثاني ويمكن رؤية ما يؤيده فيالأناجيل، وسوى ذلك فعندما دار الجدال حول تفسيرمتى 1/25:ولكنه لم يعرفها حتى ولدت ابنًا فسماه يسوع. أقرمجمع نيقية عقيدة الدائمة البتولية حسمًا لأي جدال فيها.[74][75]
غير أن النقاش قد فتح مجددًا في أعقابالانشقاق البروتستانتي فيالقرن السابع عشر معتمدين على آيةإنجيل متى ذاتها، أما الطوائف التي تقر بعقيدة البتولية الدائمة فهي ترى أن لكلمة “حتى” معاني عديدة قد يدخل بها الزمن القادم أو لا وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها كدليل نهائي(انظر الحاشية للاستزادة)؛(4) خصوصًا أن مريم لم تناد أبدًا بأنها زوجة يوسف على الرغم من أنها الصيغة الشرعية والقانونية،[76] غير أن مؤيدو نظرية عدم البتولية الدائمة للعذراء، يرون أن ما ذهب إليهإنجيل مرقس دليلًا على صحة آرائهم:أليس هذا هو النجار ابن مريم أخا يعقوب ويوسي ويهوذا وسمعان؟ أوليست أخواته تقيم عندنا.مرقس 9/6] بيد أن مؤيدو البتولية الدائمة يشيرون إلى أن كلمة “أخ” في المجتمعات السورية القديمة وكذلك فياللغة العبريةواللغة الآرامية تشمل جميع أبناء العائلة الواحدة لا تنحصر بالأشقاء فقط، وهكذا يدعىلوط أخًالإبراهيم فيسفر التكوين رغم كونإبراهيم عمه، يرى هؤلاء أيضًا ما يؤيد آرائهم، وهو أن اثنين من الأسماء الأربعة المذكورة في آية مرقس السابقة يذكرون فيمتى 56/27 أنهم أولادمريم زوجة قلوبا إحدى قريبات مريم،[76] هناك أدلة أخرى تؤيد هذه العقيدة فعندما ضاعيسوع فيالهيكل بعمر اثني عشر عامًا لا نجد ذكرًا لإخوته، وخلال نزاعه علىالصليب طلب منيوحنا بن زبدي رعاية أمه، وكان من باب أولى أن يعتني بها إخوته،[77] هناك أيضًا عدد من نبوءاتالعهد القديم الذي وجدآباء الكنيسة أنها تشير إلى بتولية العذراء الدائمة:حزقيال 2/44،نشيد الأناشيد 12/4، أماالقديس كيرلس الإسكندري ينحو منحى المقارنة للبرهان عن العقيدة:إن ملاكي القيامة لم يجسرا على الجلوس في المكان الذي وضع فيه الرب في القبر(إشارة إلىإنجيل يوحنا 12/20 حيث يذكر أن ملاكي القيامة جلسا الأول عند الرأس والآخر عند القدمين.)فكيف يجسر إنسان أن يوضع في بطن العذراء.[78]
فقال لي الرب،
هذا الباب يكون مقفلًا، ولا يدخل منه رجل، لأن الرب إله إسرائيل، قد دخل منه، فيكون مغلقًا.
—سفر حزقيال 2/44 يعتقد المسيحيون اللذين يؤمنون بالبتولية الدائمة، أن الباب المذكور في النبؤة، هو رحم العذراء حيث مكث المسيح تسعة أشهر.
كذلك تظهر هذه العقيدة فيالأناجيل المنتحلة إذ جاء في إنجيل متى الثاني:ترتيب جديد في الحياة اكتشف بواسطة مريم التي وعدت الله أن تظل عذراء. وفي إنجيل مريم وطفولة المخلص:لن تعرف إنسانًا أبدًا فهي وحدها بدون نظير نقية بلا دنس.[78] علمًا أن مؤسسيالبروتستانتية الأوائل أقروا بعقيدة البتولية الدائمة، ولم تظهر عندمارتن لوثروجان كالفن.[78]
ويظهر الاعتقاد بالبتولية الدائمة أيضًا فيالفقه الإسلامي، من خلال كونها مطهرة عن مسيس الرجال.[79]
عقيدة انتقال العذراء مريم بالنفس والجسد إلى السماء تعتبر أيضًا من أهم العقائد المريمية، وهي بدورها مشتركة بين مختلف الطوائف المسيحية وإن بأشكال مختلفة. أصول هذا الاعتقاد يعود للقرون الأولى ويظهر في كتاباتآباء الكنيسة،[80] والأساس الكتابي الغالب لها هونشيد الأناشيد 2: 10.[81] ويخصص يوم 15 أغسطس لتذكار هذه المناسبة، يسبقه صوم مدته أربعة عشر يومًا؛[82] غير أن هذه العقيدة لم تبحث فيمجمع، وفي الكنيسة الكاثوليكية قام البابابيوس الثاني عشر بإعلانها عقيدة رسمية في 1 نوفمبر 1950،[83] بعد دراسة لاهوتية استمرت أربع سنوات،[80]
تيتيان استغرق عامين (1516-1518) لإنجازجدارية انتقال مريم العذراء، المكونة من ثلاثة مستويات، وقد تكون أشهر الأيقونات المصورة للحدث.
يأتي هذا الاعتقاد في الكنيسة الكاثوليكية متوافقًا مع الرؤية المسيحية لدواعي الموت، فالإنسان يموت بسببالخطيئة المتوارثة منذ آدم، وبصفة أن العذراء لم ترث هذه الخطيئة الأصلية فهي بالتالي لا داعي لموتها.[84]الكنائس الأرثوذكسية الشرقيةوالأرثوذكسية المشرقية وبعضالكنائس الكاثوليكية الشرقية يرون أن الانتقال قد تمّ بعد فترة قصيرة من وفاتها، فعندما توفيت حسب التقليد الشرقي فيبستان الزيتون، وشهد الحدث من بقي حيًا منالتلاميذ الاثني عشر، بعث جسدها بعد ثلاث أيام من جديد حيًا وانتقلت نفسها وجسدها إلى السماء، البعض من هذه الكنائس يرى أن جسدها انتقل إلى السماء من دون أن يبعث حيًا؛[85] تتعدد تفاصيل الروايات الأخرى باختلاف الأصول: فهي قدمت تذكارًالتوما أحد التلاميذ الإثني عشر ممثلًا بحزام ثوبها، وبحسب القديس كيرلس الأورشليمي فإنها قد نقلت من بستان الزيتون إلىالقدس ودفنت هناك،[86] وتعتقدالكنيسة القبطية الأرثوذكسية أن الانتقال قد تمّ بعد عدة أشهر من وفاتها وليس بعد فترة وجيزة،[87] أماالكنيسة الأنجليكانية فهي ذات موقف مختلف، فهي ترى أن الإنسان يفنى بعد موته حتىيوم القيامة والعذراء هي وحدها من لم تمت روحها، أي انتقلت روحيًا لا جسديًا.تلتقي عقيدة انتقال العذراء بمختلف أشكالها مع النظرة المسيحية بكونها أولى المخلَّصين،[88] كذلك تعتبر هذه المناسبةعطلة رسمية في عدد كبير مندول العالم.[89]
على الرغم من اختلاف المعتقدات المسيحية بكيفية انتقال العذراء إلى الملكوت، فإنها تجمع أنها قد باتت ملكة مكرمة فيها، ويشير البعضسفر المزامير: «جعلت الملكة عن يمينك بذهب وفير»،مزمور 9/45] بوصفها نوع من النبؤة، أما الأساس الكتابي هو ما ورد فيسفر الرؤيا: «امرأة لابسة الشمس والقمر تحت قدميها وعلى رأسها تاج من اثني عشر نجمًا».رؤيا 1/12] ولذلك تلقب مريم العذراء باسم ملكة السماء.[90]
ويرتبط مفهوم سلطانة السماء والأرض بمفهوم الشفاعة «الصلاة للذين هم على الأرض». ويتضح دورها كشفيعة فيالعهد الجديد من خلال دورها فيعرس قانا الجليل، حيث لعبت المحرك الأساس لاجتراح المعجزة.[91] كذلك يتضح دورها كشفيعة في الظهورات المريمية اللاحقة التي يؤمن المسيحيون بصحة وقوعها،[92] غير أنّ مفهوم شفاعة العذراء هي شفاعة عامة وليست شفاعة المسيح الكفارية(5)؛[88] وقد طوبت مريم كسلطانة للسماء والأرض مرات عديدة منذآباء الكنيسة حتى أعاد البابابيوس الثاني عشر في 1 ديسمبر 1942: «تكريس العالم أجمع لقلب مريم؛ وأعلن بأن تكريس العالم لقلب مريم الأقدس يعني تكريس العالم لمحبة مريم العذراء».[92]
هناك أيضًا التكريس المحلي عندما تكرّس بلد أو منطقة ما للعذراء بغرض نيل شفاعتها في المعتقدات المسيحية، كتكريسبلجيكا،[93] وتكريسالمكسيك،[94] وتكريسلبنان على يد البطريركإلياس حويك.[95] تضيف الكنيسة الكاثوليكية بأن مريم هي سلطانة المطهر، كما أعلن البابابيوس الحادي عشر سنة 1930.[96]
لا يمكن اعتبار رفضنسطوربطريركالقسطنطينية تسمية مريم والدة الله، مرتبطًا بها بشكل مباشر، بل إننسطور وكذلك الكنائس التي لا تزال تتبع عقيدته وهيكنيسة المشرق الآشوريةوكنيسة المشرق القديمة يقرون مبدأ تبجيل العذراء وإكرامها؛ غير أن الخلاف الناشئ حول اللقب يأت من الخلاف حوليسوع نفسه؛[88] آمننسطور كسائرالمسيحيينبالثالوث الأقدس لكنه رفض اعتبارالابن ثاني الأقانيم الإلهية حسب المعتقدات المسيحية هويسوع، بل ظهر الابن أو تجلى فييسوع وقت العماد، وبناءً على نظرته نحويسوع وجدنسطور أن لقب “والدة الله” يعتبر هرطوقيًا وأنه يجب استبداله بلقب “والدة المسيح”.[98]
عندما أدانمجمع أفسس عام431العقيدة النسطورية أقر رسميًا استعمال لفظ «ثيوتوكوس» (باليونانية:Θεοτόκος) للإشارة إلى مريم العذراء،تترجم فياللغة العربية غالبًا بوالدة الله أو أم الله أو والدة الإله، وتعني حرفيًا فياللغة اليونانية مانحة الإله. أضافالمجمع أيضًا القسم الأخير منالسلام الملائكي الصلاة الأشهر للعذراء في المسيحية، وهو:يا قديسة مريم، يا والدة الله، صلّي لأجلنا نحن الخطأة الآن وفي ساعة موتنا. آمين. كإقرار منآباء الكنيسة بمصطلح والدة الله وبعقيدة شفاعة العذراء.[99]
لا يشير المصطلح في العقيدة المسيحية إلى أن العذراء ذات طبيعة إلهية أو أنهاإله لكونها قد أنجبتالإله، بل يشير أنها حبلت وأنجبتبيسوع الذي هو وفق المعتقدات المسيحيةإله منذ الأزل، ولكونها قد حبلت بالإله تستحق أن تنادى والدة الله، وقد دعيت به صراحة فيلوقا 46/1 وورد أيضًا في مجمع الإسكندرية المحلي الذي انعقد عام320 لإدانةالآريوسية.[88]
تضيفالكنيسة الكاثوليكية خصوصًا عددًا من العقائد الأخرى لمريم إلى جانب العقائد العامة، فهي «شريكة في الفداء» من خلال موافقتها على الحمل بيسوع عندما طلب منهاالملاكجبرائيل ذلك فيالبشارة، إلى الجانب تفسيرلوقا 2: 34-35 بما يوافق كونها شريكة في الفداء؛[100] وهي «لاهوت الكنيسة» أي الحاضرة مع الجميع المراحل الهامة في الحياة الكنيسة منذ تأسيسها إلى الآن،[100] وهي أيضًا «أيقونة الروح القدس»، لأنها الوحيدة التي حبلت من الروح القدس وليس من ذكر؛[100] بيد أن أشهر العقائد الكاثوليكية تجاه مريم هما الحبل بلا دنس والوردية المقدسة.
تنص عقيدة الحبل بلا دنس، التي أقرهاالبابا بيوس التاسع عام1854 أن العذراء مريم قد ولدت من دون أن ترثالخطيئة الأصلية، التي يرثهاالجنس البشري، وذلك ليس بطاقاتها الذاتية بل باستحقاقات ابنها يسوع المسيح،[101] إنما بنوع فريد قبل تبشيره وصلبه، وذلك منذ اللحظة الأولى التي تشكلت بها في بطن أمها؛[102] والهدف من العقيدة هو تبرئة العذراء من أي علاقة بالخطيئة؛ أي أنها طاهرة تمامًا ليس لها خطية أصلية أو شخصية منذ اللحظة الأولى التي حبل بها وحتى وجودها كإنسان، نظرًا للمكانة التي ستحتلها مريم،[101]فعصمتها كاملة.
ترى الكنيسة الكاثوليكية أيضًا عدة شواهد منالكتاب المقدس تؤيد العقيدة مثلنشيد الأناشيد 7/4، يعتقد المسيحيون أن النبؤة السابقة تتعلق بمريم وبصفة أن لا عيب فيها، فمن ضمن العيوبالخطيئة الأصلية؛[103] وكذلك وصفها بالممتلئة نعمة فيلوقا 28/1 فالامتلاء من النعم يشمل التخلص من الخطيئة الأصلية. هناك عدد آخر من الشواهد يرتكز على سفر حكمة يشوع ابن سيراخ وغيره منأسفارالعهد القديم.[103] إضافة إلى كتاباتآباء الكنيسة الأوائل.[101]
المسبحة الوردية المقدسة هي صلاة مريمية في الكنيسة الكاثوليكية تمثل «مختصر الإنجيل»،[107] متألفة من خمسة عشر بيتًا يتأمل خمس منها في الفرح والحزن والمجد،[108] وقد أضاف يوحنا بولس الثاني خمسة أسرار جديدة تتأمل في النور.[108]
أصل المسبحة الوردية يعود للقرون الوسطى،[109] حين استعاض الرهبان عن تلاوةمزامير داوود بتلاوةسلام ملائكي، ويعود للقديس دومنيك القسمة إلى خمسة عشر بيتًا،[110] ثم ساهمت الرهبنة الدومينكانية التي أسسها في نشر هذه الصلاة،[111] ثم اختصرت إلى الثلث أي خمسة أسرار موزعة حسب أيام الأسبوع والسنة الطقسية.[112]أما عن أصل التسمية فالوردية اشتهرت قبل القديس دومنيك باسم المزامير المريمية،[113] ولاحقًا دعيت باسم الوردية لأنها تعاليم الكنيسة الكاثوليكية أشبه بالورود المقدمة.[114] اهتم البابوات المتعاقبون بالوردية فخصص لها بيوس الخامس عيدًا في7 أكتوبر،[115] وأضاف غريغوري الثالث عشر إلى ألقاب العذراء لقب “سلطانة الوردية المقدسة” سنة 1573،[115] ثم خصص إينوسنت الحادي عشر عام 1683 شهرأكتوبر برمته لمريم سلطانة الوردية،[116] أماليون الثالث عشر فقد أصدر اثني عشر إرشادًا رسوليًا(7) خلال حبريته للإشادة بالوردية ودورها،[117] وكذلك فعلالبابا بيوس التاسعوبيوس الحادي عشروبولس السادس وأخيرًا الإرشاد الرسولي الذي أصدره يوحنا بولس الثاني عام 2002 حول المسبحة الوردية. تعتقد الكنيسة الكاثوليكية أيضًا أن العذراء في ظهوراتها قد طلبت تلاوة الوردية بكثرة، كما حصل في ظهور لورد وظهور فاطمة وظهور سان دميانو.[118]
كذلك يظهر في كتاباتآباء الكنيسة المختلفة، يقول القديس برنردوس:إن مريم هي كوكب سني نيّر مرتفع فوق هذا البحر العظيم الواسع الأطراف، ساطع بالاستحقاقات مشرق بالأمثلة.[119] أما القديس بوناونتورا يقول:معظمة أنت يا سيدة وممجدة في مدينة الإله وبيعة مختاريه بأسرها ومراحمك وإنعاماتك شائعة في كل مكان.[120] أماالقديس أفرام السرياني فقد نظم فيالقرن الرابع عددًا من الأناشيد التي تعرف اليوم باسم الأفراميات في مدح مريم:نهديك السلام يا من أصبحت أم المختار، قبل كون الشمس وهي بتول فخر الأبكار.[121] ويسود الاعتقاد فيالكنيسة الكاثوليكية بأنها متميزة باثني عشر صفة عن غيرها من الخليقة،[122] أماالكنيسة القبطية الأرثوذكسية فترى أن مريم قد حققت عشر مستحيلات في حياتها، يعجز أن مخلوق آخر عن تحقيقها.[123]
كذلك فقد عبر العديد منالمؤرخين والباحثينغير الدينيين عن إعجابهم وإشادتهم بها، يقولويل ديورانت مؤلفقصة الحضارة:وتأتي شخصية مريم في القصة بعد شخصية ولدها في الروعة والتأثير؛ فهي تربيه وتحمله وتتحمل مسرات الأمومة المؤلمة، وتفخر بعمله في أيام شبابه وتدهش فيما بعد من تعاليمه ومطالبه، وشاهدته وهو يصلب وعجزت عن إنقاذه ثم تلقت جسده بين ذراعيها. فإن لم يكن هذا تأريخًا فهو الأدب السامي، لأن صلات الآباء والأبناء تؤلف أحداثًا أعمق مما تؤلف رابطة الحب الجنسي.[124]
تكريم العذراء في المسيحية واضح من خلال ذكرها الدائم في جميع الطقوس المسيحية وعلى رأسهاالقداس الإلهي وفي الصلوات اليومية،[125] إلى جانب رسم الأيقونات ونحت التماثيل التي تمثلها والتي توضع في جميع الكنائس وفي بيوت عدد كبير من المسيحيين، وقد مرّ فن رسم العذاء في الأيقونات بمراحل عديدة إذ قد بدأ برسمها مستقيمة الظهر وجادة الملامحفقد أسقط الفنّانون مشاهد العظمة والأبّهة الّتي كانوا يرونها في البلاط على مريم، للتعبير عمّا يكنّونه لها من إجلال واحترام فيالفن البيزنطي.[69] ثم أخذ يكتسب طابعًا بشريًا خصوصًا في مرحلةعصر النهضة التي شكلت مريم العذراء أبرز المواضيع التي تطرق إليها فنانيها.[126] ويرى بعض المسيحيين أن عددًا من هذه الأيقونات ذات صفة عجائبية كأيقونةالمعونة الدائمة وأيقونةمريم المتضرعة.[127]
أيقونةسيدة المعونة الدائمة، يعتقد بعض المسيحيين أنها عجائبية، وهي تعودللقرن الثالث عشر والنسخة الأصلية منها محفوظة اليوم فيروما.
كذلك فقد أفردت الكنيسة للعذراء عددًا كبيرًا منالأعياد والتذكارات في السنة الطقسية، بعضها يعتبر عامًا لدى مختلف الكنائس وبعضها الآخر يعتبر منحصرًا بطائفة معينة أو منطقة أو بلد معين. وتعرف أشهر الأعياد المريمية باسمالأعياد المريمية السبع الكبرى.[128] إلى جانب ذلك تنتشر المزارات والكنائس المشادة على اسمها في جميع أنحاء العالم، ويسمي عدد كبر من المسيحيين أولادهم باسم مريم أو أحد مشتقات هذا الاسم تكريمًا لها وتوقيرًا لمنزلتها. ويرى البعض الآخر أن لمريم دورًا هامًا في تأسيس الرهبنة وقد تسمت العديد من الرهبنات والمؤسسات الكنسية على اسمها كالرهبنة المريمية المارونية وجمعية جنود مريم وجمعية عائلات مريم،[109]
يضيف المسيحيون إلى العذراء عددًا كبيرًا من الألقاب فهي أم النور وأم النعمة الإلهية وعذراء العذراى والطاهرة والعفيفة والأمينة ومرآة العدل،[129] الطائفة الثانية من الألقاب يرتبط بمفاهيم لاهوتية أو قادمة كرموز فيالعهد القديم؛[130] أما الطائفة الثالثة تأتي لطلب المعونة منها.[131] نظمت أيضًا في المراحل الطويلةللتاريخ المسيحي عدد كبير من القصائد والترانيم الدينية التي تمدح وتشيد بالعذراء ودورها. ويعتقد المسيحيون أن إكرام العذراء هو إكرامليسوع نفسه، فعند وصفها بأم النور إنما يشير المصطلح أيضًا إلى كونيسوع نور العالم.
وإن هذا الإكرام كما وجد دومًا في الكنيسة يحمل سمة فريدة جدًا، فإنه يختلف اختلافًا جوهريًا عن السجود الذي يؤدى بالتساوي للكلمة المتجسد والآب والروح القدس. والأشكال التقوية المختلفة نحو أم الله قد وافقت عليها الكنيسة ضمن حدود تعليم صحيح ومستقيم مراعية ظروف الزمان والمكان وميول الشعوب المؤمنة ومناقبهم. ومن خلالها يعرف الشعب بحق ويحب ويمجد ويحفظ وصاياه عن طريق إكرام أمه.[135]
تؤمن أغلب الطوائف المسيحية، بأن مريم العذراء تظهر على الأرض بهدف إيصال رسالة إلهية معينة، وترىالكنيسة الكاثوليكية أن تكاثر الظهورات المريمية دليل على اقترابيوم القيامة،[136] وتمر عملية تثبيت الظهورات وتثبيتها بشكل رسمي بمراحل عديدة:إن أي تقرير حول أي ظهور أو أمر غير طبيعي يجب أن يحظى أولًا بمصادقةالأسقفالمحلي الذي يبني قراره على تقييم تقدمه لجنة يعينها لتقوم بدراسة دقيقة لتتأكد أن الحدث لا يحمل شيئًا معاكسًا للإيمان أو الأخلاق وبأنه موحى به أو فوق الطبيعي وبالتالي مستحق أن يجتذب إكرام المؤمنين. عمل اللجنة يقوم على أسس علمية مثل إخضاع مَن يتلقى الرؤيا لفحوص نفسية، وفي حال حدوث أي أمر في الطبيعة كظهور نجوم أو تحرك الشمس. تُخضع اللجنة كل هذه الأمور للبحث العلمي مرتكزة على علوم الفيزياء والفلك والرياضيات وغيرها.[137]
يلي ذلك رفع القضية إلىالكرسي الرسولي فيالفاتيكان الذي ينظر بالقضية مجددًا ليثبتها بشكل رسمي،[138] فيالكنيسة الكاثوليكية في حين تختصّ المجامع المقدسة لدى سائر الطوائف بالتصديق على الأمر، على أن التشكيك عادة يرافق أي ظهور أو حدث عجائبي. والظهورات المريمية ليست بالأمر الحديث فيالمسيحية إذ إنّ عددًا كبيرًا من الظهورات المثبتة تعود لفترةالقرون الوسطى وما سبقها.[139]
تطوير صلاة المسبحة الوردية، والتأكيد على أهميتها في تذليل صعوبات الحياة اليومية ومرضاة الله وفق المعتقدات الكاثوليكية؛ يعترف بهذا الظهور فيالكنيسة الكاثوليكية فقط.
ظهرت العذراء وفق المعتقدات الكاثوليكية ثماني عشر مرة سنة1858 لبرناديت سوبيرو عندما كانت في الرابعة عشر من عمرها؛[142] الظهور يعتبر شديد الأهمية في العصور الحديثة إذ قالت فيه العذراء:أنا سيدة الحبل بلا دنس، تثبيتًا منها للعقيدة الكاثوليكية التي أعلنهاالبابا بيوس التاسع سنة1854 بكون العذراء قد حبل بها بلا دنس؛ اجترح في لورد عجائب عديدة لا تزال حتى اليوم وفق المعتقدات الكاثوليكية، أبرزها نبع الماء الذي قدمته العذراء كدليل على ظهورها؛[143] أما برناديت فقد التحقت برهبنةأخوات المحبة وبقيت كراهبة إلى أن توفيت عام1866 عن عمر 35 عامًا، وقد أعلنها البابا بيوس الحادي عشر قديسة سنة1933. ويبلغ عدد زوار محج لورد سنويًا خمسة ملايين نسمة، ولا يعترف بهذا الظهور سوى فيالكنيسة الكاثوليكية.
الحث على المواظبة على حضورالقداس الإلهي والصلاة إضافة إلى الدعوة للتوبة؛ حصلت عدد من العجائب وحالات الشفاء إثر هذا الظهور وفقًا للمعتقدات الكاثوليكية؛ وقد كان السبب الرئيس لمبادرة البابا بيوس الثاني عشر بتطويب مريم سلطانة للسماء والأرض.[144]
اعتبر البابا بيوس الحادي عشر الظهور:أعظم حدث روحي جدّ في أيامنا.[145] وقد طلبت العذراء في ظهوراتها حسب المعتقدات الكاثوليكية:ارفعوا إلى الرب بلا انقطاع تضرعات وتضحيات.[146]كفارة عن الخطايا الجمة التي تغيط العزة الإلهية.[147] وألحت أن يتلو الوردية كل يوم.[148] وترافق الظهور بحوادث شفاء عديدة، وكانت العذراء قد وعدت الرؤاة:إن الأشخاص الآخرين ينالون في غضون سنة النعم المبتغاة إذا ما ثابروا على تلاوة الوردية.[149] وخلال الظهور الثالث قدمت للرؤاة ثلاثة أسرار (انظر الحاشية)(9) وخلال الظهور السادس حصلت معجزة الشمس التي عاينها سبعون ألفًا. (انظر الحاشية)(10)
الحث على الصلاة والدعوة إلى الإيمان؛ وقد جرت عدة حوادث شفاء وفق المعتقدات الكاثوليكية في هذا الظهور وكانت العذراء قد أعلنت:جئت لأخفف المعاناة. تعرف سيدة بونو أيضًا باسمعذراء الفقراء.[150]
الدعوة إلىوحدة المسيحيين، التأكيد على أهمية التوبة والرجوع إلى الله، إضافة إلى التأكيد على أهمية الصلاة والتكفير عن خطايا الآخرين، وفقًا للمعتقدات المسيحية. أيقونة الظهور المحفوظة اليوم في كاتدرائية الصليب المقدّس فيدمشق يعتقد المسيحيون أنها رشحت زيتًا مباركًا تزامنًا مع الظهورات.[152]
يسود الاعتقاد لدى مختلفالطوائف المسيحية التي تبجل مريم، أنالعهد القديم منالكتاب المقدس قد أشار إليها بعدة نبؤات وإشارات، إلى جانب النبؤات التي اعتمد عليها في صياغة العقائد المريمية، هناك عدد آخر من الآيات التي تشير إليها:ترنمي وافرحي يا ابنة صهيون، لأني ها آنذا آتي وأسكن في وسطك يقول رب الجنود.زكريا 10/2] فابنة صهيون المذكورة فيسفر زكريا هي مريم التي حملتالابن في أحشائها؛[153] وقد تكون آيةسفر أشعياء:ها إن العذراء تحبل وتلد ابنًا.أشعياء 14/7] أشهر نبؤة تشير إليها وتقرأ في جميع الكنائس على اختلافها ضمن احتفالاتعيد الميلاد؛[154] سوى ذلك فقد وجد العديد منآباء الكنيسةواللاهوتيين أنسفر نشيد الأناشيد أشار إلى العذراء بطرق عديدة:من هذه الطالعة من القفر، المستندة على حبيبها.نشيد 5/8] حسب المعتقدات المسيحية فإن القفر يشير إلى الأرض والحبيب هويسوع وبالتالي تشير الآية السابقة إلى انتقال العذراء إلى السماء؛[80] هناك العديد من الآيات الأخرى التي اعتمد عليها في برهنة مختلف العقائد المسيحية وفي برهنة وجوب إكرامها فيالمسيحية:رأتها البنات فطوبنها، الملكات والسراري فمدحنها.نشيد 9/6] ومنسفر الأمثال:بنات كثيرات عملنّ فضلًا أما أنت ففقت عليهنّ جميعًا.أمثال 29/31] وفضل مريم إنجابهاالمسيح كما وجدآباء الكنيسة؛[155] ومنالمزامير:كلها مجد ابنة الملك في خدرها.مزمور 13/45] وفيسفر الملوك الأول:ووضع كرسيًا لأم الملك فجلست عن يمينه.1ملوك 19/2] وقد استخدمت الآيتان السابقتان للإشارة إلى عقيدة مريم سلطانة السماء والأرض من ناحية، وإلى الإشارة أيضًا إلى الدور الفريد لها في المسيحية فهي أم الملك أي أمالابن، وهي ابنة الملك أي أنها ابنةالآب.[156]
يسود الاعتقاد أيضًا أن عددًا من الأمور الحسية فيالعهد القديم كانت رمزًا لمريم، فتابوت العهد الذيالله يترائى من خلاله محدثًاأسباط بني إسرائيل هو رمز لمريم التي تجسدالمسيح منها؛[157] وهي أيضًا سلم يعقوب الذي رآهيعقوب في نومه وهو أداة الوصل بينالبشريةوالله؛[157]وأرزة لبنان فالأرز لا يصبه الفساد وبني منه أيضًاالهيكل، وعصا هارون وحواء الجديدة وغيرها.[157]وقد قال عدد كبير من العلماء ان الضهورات المعاصرة غير حقيقية وهي من أجهزة ثلاثية الابعاد ليس أكثر ولا أقلو اما الضهورات القديمة فلا دليل عليه ولا يوجد دليل عليه
تشتهرالبروتستانتية بتعدد المدارس والأفكار،[158] وبالتالي تعدد وجهة النظر تجاه مريم، هناكالكنيسة اللوثريةووالكنيسة الأنجليكانية وعموم الكنائس البروتستانتية الأسقفية، تكرم مريم بشكل مشابه لسائر الطوائف المسيحية؛[159] غير أن عددًا آخر من الطوائف خصوصًا فيالولايات المتحدة الإمريكية تختلف وجهة نظرهم عن وجهة النظر التقليدية في المسيحية، فهي ليست ببتول بعد ولادتهايسوع وربما أنجبت أولادًا وتابعت حياتها كسائر النساء بعد ولادته استنادًا إلى تفسير خاص لبعض آياتالكتاب المقدس،[160] ولا وجود لشفاعتها أو تخصيص أعياد أو تذكارات خاصة بها،[161] وغالبًا ما يعطيالبروتستانت مثلًا بكونها العلبة التي احتضنت الجوهرة، والتي فقدت أهميتها بعد ما أخذت الجوهرة.[158]
كتابات مؤسسيالبروتستانتية الأوائل مدحوا العذراء وكرموها، فدعاهامارتن لوثر ‘أعظم امرأة’ وقال أنه لا يوجد شيء كافي لتكريمها، واعترف بالبتولية الدائمة،[162] أما زونجلي في صرح:لدي احترام هائل لوالدة الله؛ وكلما زاد تكريم وتعظيم يسوع بين البشر كذلك يجب أن يكون لمريم. وكذلك فعلجون كالفن وعدد آخر منالقُسس.[163]
رسم فارسي يُصوّر مريم العذراء والطفل عيسى المسيح جالسًا في حجرها.
مريم فيالإسلام هي أمالمسيح ولدته دون أن يمسسها بشر، يحترمها المسلمون كثيرًا ويؤمنون بأن المسيح خُلق بكلمة من الله ألقاها إليها، ويذكرهاالقرآن على أنها صِديقة ومن أشرف نساء العالمين، كذلك جاءبالحديث النبوي:"كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم ابنة عمران، وآسية امرأة فرعون".[164]
يذكرالقرآنمريم بلفظ «مريم ابنة عمران»،وآل عمران هي عائلة مُكرّمة في القرآن، وذهب المفسرين أنه عمران هو والد مريم ونبي من الأنبياء وأنه نفسه «يواقيم» المذكور في الرواية المسيحية، بينما يرى فريق آخر من المُفسرّين أنه نفسه عمران والد النبيموسى، وأن مريم تُنسب إليه كونها من نسله.[165] كذلك تُلقب مريم في القرآن بـ «أخت هارون»، واختلف المُفسرون في تفسيرها، فقالوا نسبتها لهارون نسبةً لها إلى الصلاح، حيث كان بنو إسرائيل يطلقون اسم هارون على أهل الصلاح، وقيل أنه معناه أنها شبيهة النبيهارون في الصلاح. وقيل أنها كانت من نسل النبي هارون.[166] وفيسورة آل عمران العديد من التفاصيل عن ولادة مريم وكيف حملت بولدها النبيعيسى المسيح، وفي هذه التفاصيل شبه كبير يصل إلى حد التطابق أحيانًا مع ما ورد فيالعهد الجديد، حيث يقول علماء الشريعة والباحثين، أن الزمن مرّ علىعمران وزوجته حَنّة بنت فاقوذ دون أن يُرزقا بولد، وفي يوم من الأيام جلست حنة بين ظلال الأشجار، فرأتعصفورة تطعم صغيرها، فتحركت بداخلها غريزة الأمومة، فدعت الله أن يرزقها ولدًا حتى تنذره لخدمةبيت المقدس:[167]﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ٣٥﴾ [آل عمران:35]، فاستجاب الله لدعائها ورزقها بجنين أنثى،﴿فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ٣٦﴾ [آل عمران:36]. وقد جاء في الحديث النبوي:"كل بني آدم يمسه الشيطان يوم ولدته أمه إلا مريم وابنها".
توفي والدها وهي لا تزال بعد طفلة صغيرة، وأخذتها أمها إلى بيت المقدس؛ استجابة لنذرها، ودعت الله أن يتقبلها،﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا﴾، ولما رآها الأحبار تعلقوا بها واستبشروا فيها امرأة صالحة مستقبلًا، فكفلها أكبرهم سنًا، ألا وهو النبيزكريا،[167] فعلّمها تعاليم الدين والأخلاق الحسنة وأنشأها على الأخلاق الفاضلة، فنشأتمريم صالحة عفيفة طاهرة من الذنوب والمعاصي عارفة بالله وتقية وولية تداوم على طاعة ربها أناء الليل وأطراف النهار. فأكرمها الله، وفقًا لما جاء فيسورة آل عمران، وجعل لها آيات خاصة، فكان زكريا يرى عندها في المحراب، وبعد أن يغلق عليها أبواب المسجد، كان يرى فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف، فيسألها: يا مريم من أين يأتي لك هذا؟ فتقول: رزقني به الله:﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ٣٧﴾ [آل عمران:37].[167]
وبعد أن تقدم زكريا في السن ولم يعد يقدر على خدمة مريم كما في السابق، خرج علىبني إسرائيل، يطلب منهم كفالة مريم، فتقارعوا بينهم حتى كانت مريم من نصيب ابن خالهايوسف النجار، كما تفيد بعض المصادر، فظل يخدمها حتى بلغتسن الشباب، فضربت مريم عندئذ على نفسهاالحجاب، فكان يأتيها بحاجتها من الطعام والماء من خلف الستار. وبعد ذلك ابتعدت مريم عن الناس، وأصبح لا يراها أحد ولا ترى أحدًا. وفي هذه المرحلة من حياتها، نزل عليها الملاكجبريل يُبشرهابالمسيح ولدًا لها.[168] ويذكر القرآن كيفية حملها للمسيح وولادتها العذرية بمعزل عن قومها ثم حملها لطفلها ورجوعها إلىبني إسرائيل، الذين تعجبوا من حملها لطفل ولم يعرفوا عنها سوى أنها كانت عفيفة طوال حياتها ولم يمسّها الرجال، فنطق المسيح عندئذ، ليُنجي والدته من الشبهة،﴿إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ٥١﴾ [آل عمران:51].[169]
ولمريم العذراء مكانة كبيرة عند المسلمين، فهي مصطفاة مطهرة من الله، اصطفاها لا على نساء عصرها فحسب بل على نساء العالمين جميعا:﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ٤٢﴾ [آل عمران:42]، وهي الشريفة الطاهرة العفيفة التي أحصنت فرجها وحافظت على عرضها وأطاعت ربها فكانت من القانتين:﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ١٢﴾ [التحريم:12]. ومن مكانة مريم في الإسلام أن اسمها الصريح ذُكر أربعًا وثلاثين مرة فيالقرآن دون غيرها من النساء بأسمائهن الصريحة،[169] كما وردتسورة من سور القرآن باسمها تعظيمًا لها، وهي المرأة الوحيدة التي سميت باسمها سورة في القرآن.[169] ويُعظّم المسلمون مريم العذراء وتتسمى البنات المسلمات باسمها، ولا يُرمز إليها باسمها فقط احترامًا لها، فيُقال لها: «سيدتنا مريم عليها السلام»، «سيدتنا مريم ابنة عمران» كما جاء اسمها في القرآن، أو «سيدتنا مريم العذراء»، كذلك فإن أغلب المسلمين لا يُصورون مريم ولا يرسموها، على الرغم من وجود بعض الرسوماتالفارسية التي تصورها والمسيح. ويؤمن بعض المسلمين أن مريم ستكون زوجة لمحمد فيالجنة، ومن ذلك حديث أبي إمامة، الذي يُصنّف كحديث ضعيف من قبل أغلب العلماء، وجاء فيه: «سمعت النبي يقوللعائشة: أشعرت أن الله قد زوجني في الجنة مريم بنت عمران وكلثم أخت موسى وامرأة فرعون».[170] وهذا هو اعتقادالشيعةالإثني عشرية حيث ينقلعلي بن بابويه القمي حديثًا، جاء فيه: «دخل رسول اللهﷺ على خديجة وهي لما بها، فقال لها: "بالرغم منا ما نرى بك يا خديجة. فإذا قدمتِ على ضرائرك فأقرئيهنّ السلام". فقالت: من هُنَّ يا رسول الله؟ قالﷺ: "مريم بنت عمران، وكلثم أخت موسى، وآسية امرأة فرعون". قالت: بالرِّفاء يا رسول الله».[171]
(4) بسبب آثام البشرية المتلاحقة، تؤمن أغلب الطوائف المسيحية، أن الله قد أرسل ابنه مولودًا من امرأة بهدف تخليص العالم من الخطيئة وبدء عهد جديد بين الله والإنسان، وهذا دوريسوعالمسيح؛ أما شفاعة القديسين وعلى رأسهم العذراء فهي مختلفة، فالكنيسة المنتصرة وفق المصطلح الرسمي، أي مجموعة المؤمنين الذين أصبحوا مع الله في الجنة، تقوم بالتضرع في سبيل الكنيسة المجاهدة أي مجموعة المؤمنين الذين لا يزالون على الأرض، وقد ورد هذا فيرؤيا يوحنا، انظرشفاعة القديسين، موقع الأنبا تكلا وشفاعتان: شفاعة المسيح وشفاعة القديسين، موقع الأنبا تكلا.
6 الإرشاد الرسولي هو عبارة عن وثيقة أو رسالة يبعثهاالبابا فيالفاتيكان إلى مختلف كنائس العالم الكاثوليكية في موضوع ما، وتكون قرارتها ملزمة فيالكنيسة الكاثوليكية.
7 غالبًا ما تتراءى العذراء لشخص أو أكثر بعينهم أما البقية من الحاضرين فلا يرونها، باستثناء ظهور كنيسة الزيتون في مصر؛ غير أن الحاضرين يشعرون وفقًا للمعتقدات المسيحية، بحضورها من خلال علامات حسيّة في الطبيعة، وقد يترافق ذلك بمعجزات، كميدان الشمس في ظهور فاطمة والزيت المقدس في ظهور الصوفانية.
(8) أسرار فاطمة الثلاث التي استودعتها العذراء للرؤاة وفق المعتقدات الكاثوليكية، كشف اثنان منهما بداعي اليوبيل الفضي للظهورات، السر الأول رأى فيه الرؤاة جهنم بشكل مباشر وعبروا عن هلعهم وخوفهم من مظهرها؛ السر الثاني يتعلق باندلاعالحرب العالمية الثانية وازدياد المضايقات الخاصة للبابا في روما؛ أما السر الثالث فلم يتم الكشف عنه حتى الآن لأسباب مجهولة، وربما لكونه يشير إلى نهاية العالم، كما يتوقع البعض.[172]
الجماهير تراقب معجزة الشمس في فاطمة يوم13 أكتوبر1917.
(9) هذه شهادة أغنطايوس ليريا أحد شهود العيان في معجزة الشمس أو ميدان الشمس أو الشمس الراقصة كما تسمى بعض الأحيان:كنت أتأمل مليًا الشمس في كبد السماء وكانت تبدو لناظري شاحبة بلا بهاء، كأنها كرة من ثلج تدور على نفسها ثم بدا للجميع أنها تهوي في تكسر وهي توعد أرضنا بالهبوط عليها، خلال الدقائق الطويلة التي تجلى فيها الحدث الشمسي برزت الأشياء القريبة منها متشحة بألوان قوس قزح وبدت الوجوه تارة حمراء وتارة زرقاء وطورًا صفراء، فضاعفت هذه المظاهر هلعنا. عقب عشر دقائق عاودت الشمس قطبها في تكسر وميدان كما كانت قد نزلت ولم تزل شاحبة دون تألق.[173] أما أسقف ليريا في رسالته التي ثبّت بها الظهورات يوم13 أكتوبر1930 قد تكلم ما يلي عن معجزة الشمس:وقع الحادث الشمسي في الثالث عشر منأكتوبر1917 ووصفته الصحف في حينه، لقد كان ذلك الحادث أعظم خوارق فاطمة وأشدها موقعًا في قلوب من سعدوا برؤيتها. كان الفتية الثلاثة قد سبقوا وعينوا المكان وأشاروا إلى الساعة التي سيجري فيها، فسرى النبأ لحاله وبلغ أقاضي البرتغال، فوجد في فاطمة ساعة الظهور الأخير ألوف وألوف من البشر. لم يكن مظهر الشمس من المظاهر الطبيعية إذ لم يسجل وقوعه في مرصد من المراصد الفلكية ومع ذلك فقد عاينته تلك الجماهير الغفيرة وفيها كل العناصر وكل الطبقات، من مؤمنين وجاحدين، ونقلته الصحف البرتغالية، وشهده أناس منعزلون على مسافة كليومترات، فهذي الأمور كلها تنفي كل تحليل يرتكز إلى إيحاء شخصي أو إلى أي نوع من أنواع الهذيان.[174]الكنيسة الكاثوليكية تؤمن أن الشمس لم تتحرك، وإنما العذراء كما سبقت ووعدت بتقديم دليل حسي على ظهورها، جعلت المشاهدين يرون الشمس بهذه الطريقة؛ الناقدون يرون أن الحادث ربما يكون حادثةالشمس الوهمية حصلت مصادفة مع موعد الظهورات، النقاد الكاثوليك يرون إمكانية حصول شمس وهمية فعلًا لكنهم يشيرون إلى أن وقوع الشمس الوهمية تزامنًا مع إشارة لوسيا هو بحد ذاته معجزة؛ عدد آخر من النقاد يشير إلى أن الحدث قد يكون تخريب مؤقت في شبكية العين ناجم عن النظر إلى الشمس.
^مدخل إلى العهد الجديد، لجنة من اللاهوتيين بموافقة الخورأسقف بولس باسيم النائب الرسولي للاتين في القدس، دار المشرق، الطبعة السادسة عشر، بيروت 1989، ص.21-22
^جاء في السنكسار القبطي: تزوج متثات من سبط لاوي من بيت هارون من صوفية وأنجب ثلاث بنات حسب الترتيب الآتى: مريم(أم سالومي)، التي اهتمت بالعذراء مريم أثناء ميلاد المسيح؛ صوفية (أم أليصابات) والدة يوحنا المعمدان؛ حنة(أم مريم العذراء) وهي أم يسوع المسيح. انظرنسب العذراء مريم.نسخة محفوظة 12 يناير 2012 على موقعواي باك مشين.
^مدخل إلى العهد الجديد، مرجع سابق، ص.24"نسخة مؤرشفة". مؤرشف من الأصل في 2020-04-22. اطلع عليه بتاريخ2010-10-09.{{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: BOT: original URL status unknown (link)
^ابالتفسير التطبيقي للعهد الجديد، مرجع سابق، ص.212"نسخة مؤرشفة". مؤرشف من الأصل في 2020-04-22. اطلع عليه بتاريخ2010-10-09.{{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: BOT: original URL status unknown (link)
^التفسير التطبيقي للعهد الجديد، مرجع سابق، ص.211"نسخة مؤرشفة". مؤرشف من الأصل في 2020-04-22. اطلع عليه بتاريخ2010-10-09.{{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: BOT: original URL status unknown (link)
^التفسير التطبيقي للعهد الجديد، مرجع سابق، ص. 9-10"نسخة مؤرشفة". مؤرشف من الأصل في 2020-04-22. اطلع عليه بتاريخ2010-10-09.{{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: BOT: original URL status unknown (link)
^التفسير التطبيقي للعهد الجديد، مرجع سابق، ص.10"نسخة مؤرشفة". مؤرشف من الأصل في 2020-04-22. اطلع عليه بتاريخ2010-10-09.{{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: BOT: original URL status unknown (link)
^مدخل إلى العهد الجديد، مرجع سابق، ص.52"نسخة مؤرشفة". مؤرشف من الأصل في 2020-04-22. اطلع عليه بتاريخ2010-10-09.{{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: BOT: original URL status unknown (link)
^جاء فيتفسير اللباب لابن عادل: وفي التطهير أيضا وجوه : أحدها : أنه - تعالى - طهرها عن الكفر والمعصية، كقوله تعالى في أزواج النبي: (4/70)﴿ويطهركم تطهيرا﴾ [ الأحزاب : 33 ]. وثانيها : طهرها عن مسيس الرجال. وثالثها : طهرها عن الحيض والنفاس. ورابعها : طهرها عن الأفعال الخسيسة. وخامسها : طهرها عن مقال اليهود وكذبهم وافترائهم. وأما الاصطفاء الثاني، فالمراد منه أنه - تعالى - وهب لها عيسى عليه السلام من غير أب، وأنطق عيسى حين انفصاله منها وحين شهد لها ببراءتها من التهمة، وجعلها وابنها آية للعالمين. وقال علي - رضي الله عنه - سمعت النبي يقول: «خير نسائها مريم ابنة عمران، وخير نسائها خديجة» رواه وكيع وأشار وكيع إلى السماء والأرض.نسخة محفوظة 4 مارس 2016 على موقعواي باك مشين.
^معجزةعرس قانا الجليل، كيرلس السادس، 13 تشرين أول 2010.[وصلة مكسورة] [http://web.archive.org/web/20120402040047/https://popekirillos.net/forum/index.php?topic=3096.0 نسخة محفوظة 02 أبريل 2012 على موقعواي باك مشين.
^نظم القديس بوناونتورا عددًا كبيرًا من القصائد في مدح مريم تعرف باسم مزامير بوناونتورا، انظر مورد العابدين، مرجع سابق، ص.340؛ والمزمور المقتبس منه أعلاه هو المزمور رقم -1-.
^مورد العابدين، مرجع سابق، ص.346-347؛ الاثني عشر صفة هي: درجة أم الله والصيانة من الخطيئة الأصلية والعصمة عن الخطيئة الفعلية والقدرة والحكمة والبتولية بلا عيب والسلام بلا اضطراب والولادة بلا دنس والحكمة الفائقة والممتلئة نعمة ومرشدة البيعة وملجأ الخطأة وسلطانة السماء والأرض.
^انظر دستور المجمع الفاتيكاني الثاني،نور الأمم، دستور عقائدي في الكنسية، مادة عدد 66. الموسوعة العربية المسيحية، 16 تشرين أول 2010.نسخة محفوظة 18 يناير 2012 على موقعواي باك مشين.
^هذا ما صرح به البابا بيندكتوس السادس عشر عندما كان رئيسًا لمجمع العقيدة الإيمان سنة1986: إن أحد علامات الأزمنة هو أن الظهورات المريمية تتكاثر في كل العالم؛ انظرظهرات السيدة العذراء مريم المقدسة، مؤسسة صفحات مريم، 17 تشرين أول 2010.نسخة محفوظة 21 يوليو 2017 على موقعواي باك مشين.[وصلة مكسورة]
^رواه الطبراني، وفيه خالد بن يوسف السمتي وهو ضعيف اهـ. وضعفه الألباني. وذكره الحافظ ابن كثير في تفسير سورة التحريم (4 / 391) وكذلك في البداية والنهاية (2 / 62)"نسخة مؤرشفة". مؤرشف من الأصل في 2015-09-23. اطلع عليه بتاريخ2010-10-08.{{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: BOT: original URL status unknown (link)
^سر العذراء في بلدة فاطمة، مرجع سابق، ص.9 وص.91"نسخة مؤرشفة". مؤرشف من الأصل في 2015-09-23. اطلع عليه بتاريخ2010-10-08.{{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: BOT: original URL status unknown (link)
^سر العذراء في بلدة فاطمة، مرجع سابق، ص.183-185 بتصرف.
^سر العذراء في بلدة فاطمة، مرجع سابق، ص.177-181 بتصرف