إنّ الماء هو أساس وجودالحياة على كوكب الأرض، وهو يغطّي 71% من سطحها، وتمثّلمياه البحار والمحيطات أكبر نسبة للماء على الأرض، حيث تبلغ حوالي 96.5%. وتتوزّع النسب الباقية بينالمياه الجوفيّة وبينجليد المناطق القطبيّة (1.7% لكليهما)، مع وجود نسبة صغيرة على شكل بخار ماء معلّق فيالهواء على هيئةسحاب (غيوم)، وأحياناً أخرى على هيئةضباب أوندى، بالإضافة إلىالزخاتالمطريّة أوالثلجيّة.[1][2] تبلغ نسبةالماء العذب حوالي 2.5% فقط من الماء الموجود على الأرض، وأغلب هذه الكميّة (حوالي 99%) موجودة في الكتل الجليديّة في المناطق القطبيّة، في حين تتواجد 0.3% من الماء العذب في الأنهار والبحيرات وفي الغلاف الجوّي.[1]
شكّل الحصول على مصدر نقي منمياه الشرب أمراً مهمّاً لنشوء الحضارات عبر التاريخ. وفي العقود الأخيرة، سجلت حالات شحّ في المياه العذبة في مناطق عديدة من العالم، ولقد قدّرت إحصاءاتالأمم المتّحدة أنّ حوالي مليار شخص على سطح الأرض لا يزالون يفتقرون الوسائل المتاحة للوصول إلى مصدر آمن لمياه الشرب، وأنّ حوالي 2.5 مليار يفتقرون إلى وسيلة ملائمة من أجلتطهير المياه.[3]
يمكن إيراد الخواص الكيميائيّة والفيزيائيّة الأساسيّة للماء على شكل النقاط التالية:
الماء سائل عندظروف الضغط والحرارة القياسيّة المحيطة وذلك عند 298.15كلفن (25°س) وضغط 100,000باسكال (1بار، 14.5بساي، 0.99جو)، وهو عديم المذاق، كما أنّه عديم اللون عندما يكون بكميات صغيرة، إلّا أنّه يأخذ لوناً أزرق عند ازدياد عمق الطبقات، وتلك خاصيّة في أصل وجوهر الماء، ويعود سببها إلىامتصاص انتقائي في المجال الأحمر منالطيف المرئيوتبعثر للضوء الأبيض،[4] أمّا بخار الماء فهو أساساً غاز عديم اللون.[5]
للماءبنية جزيئية منحنية غير خطّيّة، إذ تبلغزاوية الرابطة H-O-H مقدار 104.45°. تلك القيمة من زاوية الرابطة أصغر من القيمة النظاميّةلرباعي السطوح 109.47°، ويعود ذلك إلى تدافع الزوجين الإلكترونيين ليشغلا أبعد مسافة ممكنة عن بعضهما حسبنظرية فيسبر. يبلغ طول الرابطة O-H في جزيء الماء 95.84بيكومتر.
خاصّيّة التوتّر السطحي للماء
بما أنّكهرسلبية ذرّة الأكسجين حسب مقياس باولنغ (3.5) أعلى من ذرّة الهيدروجين (2.1)، تحمل ذرّة الأكسجين شحنة سالبةجزئية؛ في حين تحمل ذرّة الهيدروجين شحنة موجبة جزئية، بالتالي يكون الماءجزيئاً قطبيّاً ذاعزم ثنائي قطب يبلغ مقداره 1.84ديباي. يستطيع الماء على أساس ذلك أن يشكّلروابط هيدروجينيّةبين جزيئيّة. تؤدّي هذه العوامل إلى وجود قوّة ترابط بين جزيئيّة قويّة، ممّا يفسّر ظهور خاصيّةالتوتّر السطحي الكبيرة للماء،[6] بالإضافة إلىالخاصيّة الشعريّة. تفسّر خاصيّة التوتّر السطحي للماء ظاهرة إمكانيّة وقوف الحشرات خفيفة الوزن على سطح الماء، بالإضافة إلى إمكانيّة تشكّلالقطرات؛ في حين أنّ الخاصية الشعريّة، والتي تشير إلى ميل الماء إلى الصعود إلى أعلى أنبوب شعري رفيع بشكل معاكس لقوة الجاذبية، خاصية مهمة وحيوية عندالنباتات الوعائية مثل الأشجار.[7]
يعدّ الماء منالمذيبات القطبيّة الجيّدة، وعادةً ما يشار إليه على أنّه «مذيب عام». تعرّف المواد الكيميائيّة القابلةللانحلال (الذوبان) في الماء بأنّها موادمحبّة للماء (هيدروفيليّة)، مثلالأملاحوالسكّريّاتوالأحماضوالقلويّات وبعض الغازات مثلالأكسجينوثنائي أكسيد الكربون. بالمقابل، تعرّف المواد الكيميائيّة التي تكون غير قابلةللامتزاج مع الماء (مثلالدهنيّات (الزيوت والشحوم وغيرها) بأنّهاكارهة للماء (هيدروفوبيّة). من جهة أخرىيمتزج الماء مع العديد من السوائلكالكحولات (الإيثانول مثلاً) بكافة النسب مشكّلاً مزيجاً له صفات معيّنة، منها كونهثابت الغليان (مزيج أزيوتروبي). ولكن بالمقابل لا يمتزج الماء مع أغلبالزيوت العضويّة، إذ تشكّل الأخيرة طبقة ذات كثافة أقل تطفو على سطح الماء.
البنية الجزيئية للماءتمثيل للروابط الهيدروجينية بين جزيئات الماء
تعتمد قيمةنقطة غليان الماء (كما هو الحال في كافة السوائل) على قيمةالضغط الجوّي المحيط. على سبيل المثال، فإنّ الماء النقيّ يغلي عند مستوىسطح البحر عند الدرجة 100 °س، في حين أنّه يغلي عند الدرجة 68 °س عند قمّةجبل إيفرست (8,848 م فوق سطح البحر). عند إذابة المواد القابلةللانحلال في الماء ترتفع نقطة غليان الماء وتنخفض نقطةتجمّده.[8]
تبلغ قيمةالسعة الحراريّة النوعيّة للماء 4181.3 جول/(كغ·كلفن)، وهي قيمة مرتفعة نسبياً بالمقارنة مع باقي المركّبات الكيميائيّة، كما أنّحرارة التبخّر لديه مرتفعة (2257 كيلوجول/كغ) أيضاً. يعود ارتفاع هذه القيم إلىالروابط الهيدروجينيّة بين جزيئات الماء. تساهم تلك القيم المرتفعة في جعل مناخ الأرض معتدلاً وذلك بامتصاص التباينات والتأرجحات الكبيرة في درجة الحرارة.
للماءكثافة مقدارها 1000 كغ/م3 (تعادل 1 غ/مل) عند الدرجة 4° س، أمّا الجليد فكثافته تبلغ 917 كغ/م3. تكون لكثافة الماء قيمة أعظمية عند الدرجة 3.98 °س،[9] وبعد ذلك تميل للتناقص، وذلك على العكس من أغلب المواد النقيّة الأخرى، والتي تزداد كثافتها عندما تنخفض درجة حرارتها. يعود التناقص في قيمة الكثافة إلى البنية المفتوحة غير المتراصّة للجليد والذي يبدأ بالتشكّل تدريجيّاً في الماء ذي درجة الحرارة المنخفضة (دون 3.98 °س)، إذ لا توجد طاقة حرارية كافية لتأمين توجّهات الحركة العشوائيّة للجزيئات، ممّا يؤدّي إلى اصطفافها على المستوى الجزيئي ولكن ببنية مفتوحة منتظمة، ممّا يؤدّي إلى ازدياد الحجم العام للسائل؛ ولذلك فإنّه بين درجتي الحرارة 3.98 °س و 0 °س يزداد الحجم مع تناقص درجة الحرارة.[10] يتمدّد الماء ليشغل حجماً أكبر بنسبة 9% من حجم الجليد، بالتالي ستكون كثافة الجليد أقلّ من كثافة الماء، لذلك يطفو الجليد على سطح الماء السائل، كما هو الحال فيالجبال الجليديّة.
عند تطبيق طاقة كافية على الماء تفوق كمّيّةالحرارة القياسيّة للتكوين والتي تبلغ 285.8 كيلوجول/مول (15.9 ميغاجول/كغ) يحدث عندئذ انفصال لجزيء الماء إلى مكوّناته من الهيدروجين والأكسجين، وهذا ما يحدث عند تطبيق جهد مرتفع من التيّار الكهربائي بشروط معيّنة للحصول على ظاهرةالتحليل الكهربائي للماء. إنّ الطاقة اللازمة لفصل الماء إلى الهيدروجين والأكسجين عبرالتحليل الكهربائي أو وسيلة أخرى تفوق الطاقة المستحصلة من تفاعل اتحاد العنصرين المذكورين.[11] يمكن أن يتم التحليل الكهربائي للماء على مستوى تعليمي عبرجهاز هوفمان لتحليل الماء:
يوصف الماء بأنّهعَسِر عندما تكون نسبةالأملاح المعدنيّة في الماء عالية، وخاصّة أملاحالكالسيوم (Ca+2)والمغنسيوم (Mg+2)، بالإضافة إلى بعض الأملاح المنحلّة منالبيكربوناتوالكبريتات. بالمقابل، يوصف الماء غير العسر أنه «ماء يَسِر»، ويختلف تعريفه حسب الدولة، فهو الذي يكون تركيزه من الأملاح أقل من 100 مغ/ل في المملكة المتّحدة،[12] وأقل من 60 مغ/ل في الولايات المتّحدة الأمريكيّة.[13] لهذه الخاصّيّة أهميّة في الصناعة بشكل خاص وخاصة فيالمراجل عند التبخير، كما أنّ لها تأثير على الصحّة، لذلك تخضع عادة إلى عمليةإزالة للعسر.
يمكن إجراء تفاعل كشف عن الماء بأساليب لاعضويّة تقليديّة، إذ أنّ الماء يلوّن ملحكبريتات النحاس الثنائياللامائي أبيض اللون إلى اللون الأزرق، كما يتحوّل لون الورق المشبّع بملحكلوريد الكوبالت الثنائي اللامائي من الأزرق إلى الأحمر عند التماس مع الماء. أمّا تحليليّا فتحدّد كمّيّة الماء باستخدامطريقة كارل-فيشر.
التعادل الحمضي: الماء سائل متعادل كيميائيّاً، إذ أنّدرجة الحموضة أو القاعدية فيه هي 7، وهذا يعني أنّه لا يمكن اعتبار الماء مادّة حمضيّة أو قاعديّة، لأنه مادّة متعادلة كيميائيّاً.
حسب توزّعنظائر الهيدروجين وتركيبها فيمكن لجزيء الماء أن يكون بالإضافة إلى الشكل الشائع «الخفيف» على شكلماء ثقيل عندما يكون نظير الهيدروجينالديوتيريوم مكان الأول في جزيء الماء (D2O)، كما يمكن أن يكون على الشكلماء فائق الثقل عندما يحلّالتريتيوم مكان الهيدروجين في جزيء الماء (T2O).
الخاصّيّة
ملاحظات
الأهمّيّة
حالات المادّة
المادّة الوحيدة التي توجد طبيعياً في حالاتها الثلاثة (أطوار المادة) على شكل صلب وسائل وغازي على سطح الأرض
انتقال الحرارة بين المحيط والغلاف الجوّي عبر التحوّل الطوري.
قابليّة الإذابة
يستطيع الماء إذابة الكثير من المواد بكمّيّات جيّدة بشكل أكبر من أيّ مادّة سائلة معروفة
خاصيّة مهمّة جدّاً في العمليّات الكيميائيّة والفيزيائيّة والحيويّة.
الكثافة الكتليّة
تحدّد قيمة كثافة الماء حسب درجة الحرارة والملوحة والضغط (العوامل مرتّبة حسب الأهمّيّة). تبلغ كثافة الماء النقي قيمتها العظمى عند 4 °س، أمّا مياه البحر فإنّ نقطة التجمّد تتناقص مع ازدياد الملوحة
خاصيّة تتحكّم في الجريان العمودي للتيّارات المائيّة في المحيطات، وتساهم في توزيع الحرارة، وتساهم في التدرّج المائي الموسمي.
التوتّر السطحي
أعلى قيمة بين السوائل الشائعة
تتحكّم في تشكّل القطرات؛ مهمّة في علم وظائف الخليّة في جسم الإنسان.
الموصليّة الحراريّة
أعلى قيمة بين السوائل الشائعة
مهمّة على نطاق ضيّق خاصة على المستوى الخلوي.
السعة الحراريّة
أعلى قيمة بين السوائل الشائعة
تفيد في امتصاص التقلّبات في درجة الحرارة والحفاظ على اعتدال مناخ الأرض.
حرارة الانصهار
أعلى قيمة بين السوائل الشائعة
التحكّم في الحرارة وضبطها كأثر لانتشار الحرارة عند التجمّد وامتصاصها عند الانصهار.
قرينة الانكسار
تزيد مع ازدياد الملوحة وتتناقص مع ازدياد درجة الحرارة
تبدو الأشياء أقرب منها في الماء من الهواء.
الشفافيّة
عالية في المجال المرئي، والامتصاص يتم في المجال تحت الأحمر وفوق البنفسجي
باستثناء الماء الموجود على سطح الأرض، فإنّ معظم الماء الموجود في الكون هو نتاج ثانويلولادة النجوم، والتي يترافق حدوثها بنشوء رياح تندفع خارجاً بقوّة، حاملةً معها الغاز والغبار. عندما يصطدم ذلك الدفق من المواد بالغاز المحيط بالجرم المولود يؤدّي ذلك إلى نشوء أمواج صدمة، ما يعمل على تسخين الغاز. يتشكل الماء الملاحظ في الكون بتلك الطريقة وبشكل سريع في ذلك الغاز المتكاثف الساخن.[14] ظهر في سنة 2011 تقرير عن اكتشاف سحابة هائلة منبخار الماء في الكون وبكمّيّات تفوق الكمّيّة الموجودة على الأرض ب 140تريليون مرّة، في محيطنجم زائف يبعد حوالي 12 مليار سنة ضوئيّة عن الأرض. وقد استنتج من ذلك أنّ الماء موجود في الكون منذ بداية نشأته.[15][16]
يوجد الماء في الكون على العموم بحالاته الثلاثة الصلبة، والسائلة، والغازيّة، بالإضافة لإمكانيّة افتراضيّة لوجوده على شكل يدعى«ماء فائق التأيّن»، حيث يتبلور الأكسجين وتبقى أيونات الهيدروجين عائمةً بشكل حرّ داخل الشبكة البلوريّة للأكسجين.[17] يوجد هذا الشكل افتراضياً تحت ضغط ودرجة حرارة كبيرين كما هو الحال في البنية الداخليّة لكوكبيأورانوسونبتون.[18] يعد وجود الماء بحالاته الثلاثة في نفس الوقت أحد أسباب وجود الحياة على سطح كوكب الأرض. ويرجع ذلك لموقع الأرض فيالنطاق الصالح للحياة فيالنظام الشمسي، بحيث لو أنّها كانت أقرب إلى الشمس أو أبعد منها بنسبة 5% من المسافة الحاليّة (أي حوالي 8 ملايين كم) فإنّ الظروف التي تسمح بوجود الأشكال الثلاثة لن تكون متوفّرة، ممّا سيؤثّر على وجود الحياة.[19][20]
الغلاف الجوّي للأرض بنسبة تقارب 0.40% بالنسبة لكامل طبقات الغلاف الجوّي، إلّا أنّها تتراوح بين 1-4% بالقرب من السطح، بالإضافة إلى وجود كمّيّات نزرة فيالغلاف الجوّي للقمر.[25]
يغطّي الماء 71% من سطح الأرض؛ معظم ذلك الماء (حوالي 95%) في مياه المحيطات. تحويصفيحة القارّة القطبيّة الجنوبيّة الجليديّة على 61 % من الماء العذب الموجود على الأرض، في حين أنّ الماء المتكاثف على شكلسحاب يساهم فيضياء الأرض.
يوجد الماء السائل في الكون بشكل رئيسي على كوكب الأرض حيث يغطّي أكثر من 71% من مساحته، بالإضافة إلى ذلك توجد كمّيّات كبيرة من الماء داخل الأرض وذلك في الطبقات العميقة تحت القشرة الأرضيّة.[43] كما أنّ هناك دلائل على وجوده على سطح المريخ أيضاً ولكن بكمّيّات قليلة.[44] هناك أبحاث تشير إلى أنّ الماء السائل قد يوجد بكمّيّات معتبرة في قمرإنسيلادوس الذي يدور في فلك زحل، حيث توجد طبقة سماكتها حوالي 10 كم في عمق 30-40 كم تحت سطح القطب الجنوبي لذلك القمر،[45][46] كما يوجد في طبقة تحت سطح قمرتيتان، ومن المحتمل أن يكون ممزوجاً معالأمونيا.[47] أمّا قمر المشتريأوروبا فلسطحه ميّزات تشير إلى إمكانيّة وجود مياه محيط سائلة تحت سطحيّة،[48] كما يمكن للماء السائل أن يوجد على قمر المشتريغانيميد في طبقة محصورة بين الجليد مرتفع الضغط والصخر.[49]
توزيع المياه على الأرض. حوالي 3% فقط من مياه الأرض هي مياه عذبة. أغلب هذه المياه العذبة موجودة في الأغطيّة والجبال الجليديّة (69%) وفي المياه الجوفيّة (30%)، والكمّيّة المتبقيّة موجودة البحيرات والأنهار والجداول والتي يمثّل مجموعها نسبة صغيرة (0.3%) من النسبة الكلّيّة للمياه العذبة في الأرض.
يوجد الماء على سطح الأرض فيالمسطّحات المائيّة والتي يمكن أن تكون على عدّة أشكال طبيعيّة مثلالمحيطاتوالبحاروالبحيراتوالأنهاروالجداولوالبرك وغير ذلك، مع العلم أنّ أغلب الماء الموجود على سطح الأرض هو على شكل مياه مالحة في المحيطات والبحار، وخاصة فينصف الأرض الجنوبي حيث يوجدنصف الكرة المائي. تعرف كمّيّة الماء الكلّيّة الموجودة على الأرض ككلّ باسمغلاف الأرض المائي، ويقدّر حجمه بحوالي 1338 مليون كم3،[1] ومعظم هذه الكمّيّة (97%) عبارة عنماء مالح في المحيطات، أما 3% المتبقيّة، والتي تكافئ حوالي 48 مليون كم3 فهيماء عذب، وحوالي ثلثي الماء العذب المتوفّر على الأرض هو جليد في القطبين على شكلمثالجوجبال جليديّة. تشكّلالمياه الجوفيّة أغلب نسبة الثلث المتبقي من المياه العذبة (23.4 مليون كم3)، بحيث أنّ النسبة المتبقيّة من الماء العذب الموجودة في مجاري الأنهار وفي البحيرات الداخليّة (190 ألف كم3) وفي الغلاف الجوّي على شكل بخار ماء (13 ألف كم3) وفي الغلاف الصخري (16 ألف كم3) تبدو صغيرة نسبيّاً. إنّ أغلب ماء الأرض هو على شكل سائل (98.2%)، والباقي على شكل صلب (1.8 %)، مع وجود نسبة ضئيلة (0.001 %) على شكل بخار ماء. تجدر الإشارة إلى أنّ هذه النسب تقريبيّة وتشير إلى الحالة الراهنة، إذ حدثت تفاوتات كبيرة فيتاريخ مناخ الكرة الأرضيّة.
يشير مصطلح دورة الماء إلى التغيّر المستمرّ لحالات الماء ضمنالغلاف المائي للأرض وذلك بين الغلاف الجوّي للأرضوالتربةوالمياه السطحيّةوالجوفيّة، بالإضافة إلى دور النباتات في تلك العمليّة.
تتضمّن دورة الماء انتقال الماء بشكل مستمر ودون انقطاع عبر العمليّات التالية:
تبخّر الماء من المحيطات والمسطّحات المائيّة، بالإضافة إلى عمليّةالنتح من نباتات اليابسة على شكل بخار ماء إلى الهواء.
تكاثف بخار الماء من الهواء وحدوثهطولات تضمن عودة الماء بالتساقط على الأرض.
يتكاثف أغلب بخار الماء الموجود فوق المحيطات ويعود إليها، ولكن أحياناً ما تحمل الرياح بخار الماء إلى اليابسة بحيث يمكن أن يحدث الهطول والتساقط عليها، وهذا الأمر يتعلّق بالمنطقة الجغرافيّة ومناخ المنطقة. يمكن للهطولات أن تكون على أشكال مختلفة، أشهرها الهطولات المطريّة، ولكن قد يحدث الهطول على شكلثلج أوبَرَد، كما يسهم تشكلالضبابوالندى في عملية الهطول أيضاً.[54] بالمقابل، يحدثالقحط والجفاف عندما تمرّ فترات زمنيّة طويلة نسبيّاً قد تصل لشهور وأحياناً لسنوات دون هطول، ممّا يؤدّي إلى نقصان في مخزونها المائي تحت المعدّل الطبيعي لتلك المنطقة الجغرافيّة.
عند حدوث جريان الماء تتجمّع المياه على شكلمستجمعات، والتي تنجرف إلى الأنهار ومنها تكمل طريقها حسب مصبّها إلى المحيطات أو تتبخّر منها مباشرة. يعرفنموذج النقل الهيدرولوجي بأنّه إجراء عمليّة نمذجة رياضيّة لمحاكاة تدفّق نهر أو جدول، وحساب العوامل المؤثّرة على جودة الماء. يمكن أن يؤدّي الجريان إلىتعرية البيئة المحيطة ممّا يؤدّي إلى تشكيلالوديان أو مناطق جغرافية مميّزة وخصبة مثلالدلتا على سبيل المثال. يحدثالفيضان عندما تهطل كمّيّة كبيرة من الأمطار الغزيرة على أراضي منبسطة، بحيث أنّ معدّل الهطول في فترة زمنية يكون أكبر من معدّل التصريف، ممّا يؤدّي إلى ارتفاع مستوى المياه في الأنهار وغمرها للمناطق المحيطة.
يقوم الماء بدور محوري في التأثير علىمناخ الأرض، وهو أساس كافّة الظواهر المتعلّقة بالطقس وحالة الجوّ، ويعود ذلك إلى خاصّيّة الماء المتميّزة والمتمثّلة بالحركيّةوالسعة الحراريّة العالية. يتمّ تخزين طاقة الشمس في مياه المحيطات، حيث يؤدّي ذلك إلى تبخّر المياه، إلّا أنّ نسبة التعرّض للشمس تتفاوت من مكان لآخر حسب المنطقة الجغرافيّة، ممّا يؤدّي إلى تفاوت في درجة حرارة المياه وفي نسبةالملوحة، والذي يسبّب في النهاية بحدوثتيّارات محيطيّة تنقل معها كمّيّات كبيرة من الطاقة (على شكل حرارة)، مثلتيار الخليجوتيار همبولت. إنّ حدوث تيار الخليج الدافئ له تأثير كبير على مناخ أوروبا، إذ لولاه لكان المناخ هناك قطبياً.
تؤدّيالهطولات المطريّة و/أو الثلجيّة إلى تأمين المحتوى المائي في المناطق الجغرافيّة، وتكون نسبةالنتح التبخرّي إلى الهطولات مهمّة في تحديد مناخ المنطقة الجغرافيّة إن كانت قاحلة (سهوبوصحاري) أو رطبة (غابات)، وذلك للتأثير المباشر علىالغطاء النباتي.
يحوي ماء البحر على نسبة من الأملاح الطبيعيّة (ما متوسطه 3.5%، أكثرها وفرةً ملح كلوريد الصوديوم)، بالإضافة إلى كمّيّات أصغر من مواد أخرى. تتراوح نسبة الملوحة في مياه البحار من 0.7% فيبحر البلطيق إلى 4.0% فيالبحر الأحمر، في حين تصل نسبة الأملاح فيالبحر الميّت إلى حوالي 35%.
يسمّى ارتفاع منسوب مياه البحر عند الشاطئ وانحساره باسم ظاهرة المدّ والجزر على الترتيب. ويعود سببها إلىقوّة ناشئة ومتولّدة عن قوّة جاذبيّة القمر والشمس، والتي تؤثّر على مياه المحيطات. يؤدّي حدوث ظاهرة المدّ والجزر إلى تغيّر في عمق المسطّحات المائيّة المجاورة للشواطئ وخاصة عند مصاب الأنهار، ممّا يؤدّي إلى حدوث تيّارات اهتزازيّة تعرف باسم المجاري المدّيّة. إنّ التغيّر في منسوب مياه البحر أثناء المدّ والجزر في مكان جغرافي ما يتعلّق بحركةالقمروالشمس وموقعهما في لحظة معيّنة بالنسبة للأرض، ويترافق ذلك معتأثير كوريوليس الحاصل من دوران الأرض حول نفسها، بالإضافة إلى العامل المتعلّقبمدى عمق تلك النقطة الجغرافيّة. تسمّى المنطقة الساحليّة التي تغمر تحت تأثير المدّ وينحسر عنها الماء أثناء الجزر باسمالبحر الوحلي، وهي منطقة ذات أهمّيّة بيئيّة كبيرة.
ماء قبل الاندفاع فيفوّارةستروكر الحارّة في آيسلندا
يعرف العلم الذي يعنى بدراسة المياه وتوزيعها فوق الأرض وصفاتها وخواصها الطبيعيّة والكيميائيّة وتفاعلها مع البيئة والكائنات الحيّة باسمعلم المياه، في حين أنّعلم وصف المياه يختصّ بدراسة التوزيع والحركة على الأرض، أمّا دراسة المياه الجوفيّة من حيث التوزيع والحركة فهو علمالهيدروجيولوجيا. في حال كان التخصّص في دراسة الجليد فيعرف العلم باسمعلم الجليد، وفي حال التخصّص بالمياه الداخلية فيعرف العلم باسمعلم المسطّحات المائيّة الداخليّة، أمّا دراسة توزّع الماء في المحيطات والخواص المتعلّقة فهو مجال اهتمامعلم المحيطات.
يدخل الماء في العديد من العمليّات الجيولوجيّة المهمّة، حيث يوجد الماء في العديد منالصخور، ويؤثّر ذلك في تشكيلالصدوع، كما يسهم الماء في حدوث عمليّاتالتجوية الكيميائيّة والفيزيائيّة. تستطيع مياه الأمطار أن تتخلّل بعض أنواع الصخور المشكّلة للقشرة الأرضيّة بحيث تصل إلىطبقات المياه الجوفية. عندما تكون المياه الجوفيّة الموجودة في أعماق الأرض ضمن طبقات جيولوجيّة ساخنة فإنّ الماء يصعد إلى سطح الأرض على شكلمياه حمئة أوفوّارات حارّة.
الماء هو الحياة، ويمكن تفسير تلك المقولة من وجهةحيويّة بناءً على عدة خواص مميّزة يقوم بها الماء، والتي هي أساسيّة لاستمرارالحياة على وجه الأرض. من بين تلك الخواص الحيويّة قيامه بدورمذيب عام، إذ أنّ أغلب المواد الحيويّة تكون مذابة أو معلّقة فيه، ولهذا الأمر أهمّيّة في العمليّاتالاستقلابيّة، كما يشكّل الماء وسطاً حيوياً يسمح بقيامتفاعلات عضويّةحيويّة تؤدّي في النهاية إلى تأمين التناسخ الذاتي، ممّا يضمن استمرار التناسل وبقاء الكائنات الحية.
يعدّ الماء أساسيّاً لحدوث عمليةالتركيب الضوئي وبالتاليالتنفس الخلوي عند الكائنات الحيّة. تقوم خلايا النباتات أثناء عمليّة التركيب الضوئي باستخدام طاقة الشمس لفصمالهيدروجين عنالأكسجين في جزيء الماء، حيث يتحدّ الهيدروجين معثنائي أكسيد الكربون CO2 ليشكّلالغلوكوز ويحرّر الأكسجين. بالمقابل تستخدم الكائنات الحيّة الأكسجين لتحرق السكر (الكربوهيدرات بشكل عام) لتحرر الماء وغاز ثنائي أكسيد الكربون من أجل تأمين الطاقة لاستمرار الحياة. للماء أيضاً دور مهمّ في تأمين وسط معتدلأس هيدروجيني ~ 7، وبالتالي في عملالإنزيمات. بالنهاية تحتاج كلّ الكائنات الحيّة إلى كمّيّات من الماء للقيام بعمليّاتها الحيويّة، مثل التخلص من الفضلات على سبيل المثال.
التركيب الضوئي والتنفّس. ثنائي أكسيد الكربون (على اليمين) يشكّل مع الماء مركّبات عضويّة بالإضافة إلى الأكسجين (على اليسار) من خلال عمليةالتركيب الضوئي. هذه المنتجات تستهلك في عمليةالتنفّس الخلوي ليتشكّل الماء و (CO2) من جديد.
تلا ذلك وجودالبكتريا الزرقاء وجميع أنواعحقيقيّات النوى ذاتيّة التغذية التي استخدمت الماء وثنائي أكسيد الكربون في تفاعل إنتاج الطاقة بوجود الضوء للحصول على الأكسجين والسكّر:
من خلال هذه العمليّة ارتفع منسوب غاز الأكسجين في الماء وفي الغلاف الجوّي، وبذلك أصبح من الممكن الحصول على الطاقة عن طريقالتنفّس الخلوي.
على هذا الأساس أصبح الماء هو الوسط الرئيسي في جميع الكائنات الحيّة من أجل تمام عملياتالاستقلاب الكيميائيّة الحيويّة للحصول على الطاقة وتخزينها. ويتمثّل ذلك في العمليّات الحيويّة التالية:التركيب الضوئيوتحلّل السكّروتحلّل الدهنودورة حمض الستريكودورة اليوريا. يعود الفضل في ذلك إلى كون الماء من المذيبات القطبيّة ممّا يسهم في إذابة الإلكتروليتات والمركّبّات القطبيّة، ومن جهة أخرى تسهملزوجةوكثافة الماء الملائمة في كونه وسطاً ناقلاً للمركّبات اللاقطبيّة غير القابلة للذوبان في الماء، مثل المغذّيّات والدهون ونتائج التقويض والهدم الاستقلابيوالهرمونات. بالتالي فالماء هو أساس الأوساط الناقلة مثلالدموالبلازماواللمف عند الثديّياتوالنسيج الوعائي الخشبي عند النباتات.
يقوم الماء بالإضافة إلى ذلك في ضبط حرارة جسم الكائنات الحيّة وذلك على شكلإدماع (تعرّق النبات) أو على شكلعَرَق عند البشر والحيوانات. من جهة أخرى تستخدم النباتات وبعض الحيوانات اللافقارية ظاهرةضغط الامتلاء (أو ضغط الانتباج) بالاعتماد على امتلاء محتوى الخليّة بالماء للقيام بتحريك بسيط للأعضاء. تلاحظ هذه الظاهرة لدى بعض النباتات عند تحريك الأوراق، كما تلاحظ أيضاً عندشوكيات الجلد مثلقنفذ البحرونجم البحروخيار البحر.
تنمو بعض النباتات في الماء مثلالطحالب وتعدّ أساساً للعديد من النظم البيئيّة تحت سطح الماء؛ كما تعيشالعوالق (البلانكتون) أيضاً تحت سطح الماء، وهي متعضّيّات صغيرة جداً، وهي ذات أهمّيّة بالغة، إذ تعدّ الأساس في وجودالسلسلة الغذائيّة في المحيطات. إنّ أوّل ظهور للشكل البدائي للحياة كان في الماء؛ مع وجود أصناف عديدة منالأسماك والعديد مناللافقاريات التي تعيش في الماء فقط بالإضافة إلى وجودالبرمائيّات والتي تقضي حياتها بين اليابسة والمياه. يستمر التدرّج في كبر وحجم الأنواع حتى الوصول إلىالثديّيات البحريّة.
تحتاج الفقاريّات المائيّة إلىالأكسجين لحياتها، وهي تفعل ذلك بطرق مختلفة. للأسماك مثلاًخياشيم بدلاً منالرئتين والتي تتمكّن من خلالها أن تعيش تحت الماء، رغم أنّه يتوفّر لدى بعض الأسماك مثلالأسماك الرئويّة كلا نظامي التنفّس. أمّا الثديّيات البحريّة مثلالدلفينوالحوتوثعالب الماءوزعنفيّات الأقدام فهي تحتاج للصعود إلى السطح بشكل دوري لتنفّس الهواء. تقوم بعض البرمائيّات بالتنفّس عن طريق امتصاص الأكسجين من خلال جلدها. تمتلك اللافقاريّات العديد من التحويرات كي تبقى على قيد الحياة في بيئات ذات مياه فقيرة بالأكسجين وذلك باستخدام أنابيب تنفّس مثلاً.
يؤدّي تعلّق كثافة الماء بدرجة الحرارة إلى حدوث ظاهرةالتطبُّق وإلى حدوث تيّارات مائيّة داخل كتلة الماء الموجودة في المسطّح المائي، والتي تعد ذات أهمّيّة كبيرةللموائل والأمكنة الحيوية في المياه العذبة وفي مياه المحيطات المالحة على حد سواء. إنشذوذ الكثافة لدى الماء يمكّن الكائنات البحريّة من البقاء على قيد الحياة في فصل الشتاء، إذ أنّ البيئات المائيّة بذلك لن تهبط عند التجمّد إلى القاع إنّما ستطفو على السطح.
يتم الاستفادة من خواص الماء من قبل العديد من الكائنات الحيّة، فعلى سبيل المثال تستغلالحشراتوالعنكبيّات خاصّيّةالتوتّر السطحي للماء في حياتها اليوميّة بشكل كبير.
إنّ حوالي ثلثي جسم الإنسان وزناً هو ماء، ممّا يبرز الأهمّيّة الحيويّة له بالنسبة لبقاء البشريّة. تتراوح نسبة الماء في الجسم بين 55% إلى 78% وذلك حسب الحجم.[55] عندما تنقص كمّيّة الماء في الجسم يشعر الإنسانبالعطش؛ إذ لا يستطيع الإنسان أن يعيش دون شرب ماء لفترة طويلة. يؤدّي نقصان كمّيّة الماء في الجسم إلى آثار صحّيّة سلبيّة كبيرة، مثل حدوثالتجفاف، ممّا يؤدّي إلى تعطّل بعض وظائف الجسم التي تحتاج الماء كي تعمل بانتظام. يؤدّي عدم شرب كمّيّات كافية من الماء إلى حدوث شعوربالدواروالغثيان، واضطرابات فيالتروية الدموية، بالإضافة إلىتشنّجات عضليّة.[56]
تتفاوت التقديرات حول الكمّيّة الموصى بها لشرب الماء يوميّاً، ولكن لا ينبغي أن تقل عن 1.5ليتر من الماء يوميّاً، وهي كمّيّة تقديريّة وسطيّة لتجنّب حدوث الجفاف (6-7 كاسات من الماء يوميّاً).[57][58] وللآن لا توجد أدلّة علميّة كافية تلزم الإنسان بشرب كمّيّة محدّدة من الماء يوميّاً، مثل القول أنه ينبغي شرب 8 كاسات من الماء كلّ يوم.[59] من جهة أخرى، هناك عدد من الدراسات التي ربطت بين الاستهلاك المرتفع لماء الشرب مع حدوث اضطرابات ومشاكل في الوزن.[60][61][62][63][64][65] ربّما تزداد الكمّيّة الموصى بها حسب المناخ، ففي البلدان ذات المناخ الحارّ يرتفع الطلب اليومي على شرب الماء، كما تزداد حاجة الجسم إلى الماء عند مزاولة جهد عضلي مثل الرياضة. بالمقابل، يؤدّي شرب كمّيّات فائضة من الماء عن الحاجة بشكل مبالغ يزيد عن 20 ليتر في اليوم إلى حدوثتسمّم بالماء وذلك بسبب حدوث اختلال توازنالكهرليتات ونقصان كمّيّة الأملاح في الجسم، وخاصّةنقص صوديوم الدم، ممّا يؤدّي إلى حدوث حالة تلف دائم في الخلايا العصبيّة تنتهي بالوفاة.[66][67][68]
للماء دور حيوي في بقاء وتقدّم الحضارة الإنسانيّة؛ حيث ازدهرت الحضارات البشريّة عبر العصور في وديان الأنهار الكبيرة الرئيسيّة؛ كما هو الحال في حضارةبلاد الرافدين، والتي تعرف باسم مهدالحضارة، إذ أنّها شهدت ازدهار عدّة حضارات وذلك بسبب الموقع الجغرافي المتميّز بين نهريدجلةوالفرات، وقيل أنّها سمّيّت بالعراق أي «الشاطئ» لكثرة ووفرة مياهها، التي شكلت عامل جذب للعديد من الأقوام الذين سكنوها وشادوا فيها أرقى الحضارات.[ْ 1] كما أنّ حضارةالمصريّين القدماء كانت قد تركّزت على ضفاف مجرىنهر النيل. بالإضافة إلى واديالسند في الهند وباكستان، ووادي هوانج في الصين. أنشأت كلّ هذه الحضارات أنظمة ريّ ساهمت في تطوير الأرض وجعلتها منتجة. وقد انهارت الحضارات حين نضوب موارد المياه أو عند إساءة استخدامها؛ إذ يعتقد كثير من المؤرّخين أنّ سقوط حضارةالسومريّين في بلاد ما بين النهرين كان بسبب ضعف المهارة والخبرة في عمليّات الريّ. فقد تركّز الملح من مياه الريّ في الأرض بعد تبخّر المياه وأخذ يتراكم في التربة. وكان من الممكن تفادي تركّز الملح في التربة بغسل الملح بماء إضافي، وإذا لم يتمّ صرف ماء الأرض تصبح مشبّعة بالماء. فشل السومريون في تحقيق التوازن اللازم بين تركّز الملح في التربة وبين عمليات صرف المياه منها، وأدّت زيادة تركّز الملح في التربة وكذلك تشبّعها بالماء إلى الإضرار بالمحاصيل.[ْ 2] ومن ثم انخفض الناتج الزراعي تدريجيّاً وتفاقم نقص الغذاء، ومع انهيارالزراعة انهارت الحضارة السومريّة.
هناك عدد جيّد منحواضر المدن الكبيرة في العصر الحديث والتي يعود جزء من نجاحها إلى الموقع الجغرافي المائي المميّز، الذي يمكّن من الحركة التجاريّة كما هو الحال فيهونغ كونغوطوكيووشنغهايوروتردامومونتريال.
يستخدم الماء العذب بشكل رئيسي في المجتمعات البشريّة كمصدر آمن لمياه الشرب، بالإضافة إلى استخدامه في قضاء الحاجات المنزليّة الأساسيّة فيما يخصّ الطبخ والنظافة الخاصّة والاستحمام. أمّا على صعيد خارجي فسيتخدم الماء بشكل أساسي في الزراعة، وخاصة من أجل الريّ، وكذلك في الصناعة وخاصة صناعة الغذاء.
منذ فجر الحضارة البشريّة أولى الإنسان أهمّيّة كبيرة لتطوير وسائل وطرق من أجل جلب المياه وتخزينها وذلك للأهمّيّة الحيويّة الكبيرة لهذه المادّة في حياة الإنسان. خلالالعصر الحجري الحديث تمكّن الإنسان لأوّل مرة من حفرالآبار الدائمة، حيث كان يرفع الماء إلى الأعلى باستخدامالشادوف أوالسواقي أوالنواعير. كما انتشرتالآبار المدرّجة في عدّة مناطق في الهند، بالإضافة إلى وجود نظام تصريف معقّد للمياه في بعض المناطق في شبه القارة الهنديّة، كما هو الحال فيموهينجو دارو فيحضارة وادي السند.[69] كما عثر على نظام تصريف متقن للمياه أيضاً في آثارسكارا براي في إسكتلندا، والتي تعود إلى العصر الحجري الحديث.
كانت حضارة الإغريق القدماء فيكريت، والتي تعرف باسمالحضارة المينوسيّة، من أوائل الحضارات التي استخدمت أنابيب من الخزف من أجل تزويد وتصريف المياه.[70] كما استخدم الإغريق فياليونانوالأناضول نظام تصريف منزلي على شكل رشّاشات مضغوطة لغرض الاستحمام.[71] شقّالرومان القدماءقنوات لجرّ الماء، وأنشأوا القنوات والخزّانات المائيّة في أرجاء إمبراطوريّتهم، ولا تزال العديد من الآثار الرومانيّة في مجال صرف المياه حاضرةً في العديد من الدول العربيّة على سبيل المثال فيبلاد الشام وعلى طول ساحلالشمال الإفريقي. تمكّن الرومان بذلك من إنشاء نظام لجلب وتصريف المياه للمنازل وفي الساحات العامّة، حيث صمّمت النوافير والسبل العامّة. استخدم الرومان قديماًالرصاص لصنع الأنابيب، ممّا أدّى إلى انتشار حدوث حالات من تسمّم الرصاص في ذلك الوقت.[72] حفر الفرس أيضاً القنوات المائيّة في المدن والبلدات،[73] كما قاموا ببناء خزّانات من اللِّبْن تدعى باسم «آب انبار».
استمرّ التوسّع في شقّ القنوات وحفر الآبار مع ازدهار الحضارة الإسلاميّة، ومع التوسّع في إنشاء المواضئ في المساجد لأداء الصلوات، كما أنشئت الترع وحفرت العيون في الطرق والسبل العامّة، كما هو الحال فيعين زبيدة التي حفرت خصيصاً للحجاج. بالإضافة إلى ذلك انتشر براعة المهندسون فيالأندلس على وجه الخصوص في تصميم النوافير وإيجاد حيل هندسيّة أضفت لمسات بديعة في فنّ العمارة كما هو الحال في نافورةبهو السباع فيقصر الحمراء في غرناطة.
كان التطوّر في تقنيّات استخدام المياه متزامناً في عدد من الحضارات، حيث تمكّن شعبالمايا فيبالينكي من تطوير قنوات مائيّة تحت أرضيّة ومن تصميم نظام تصريف شبيه بنظامالمرحاض الحديث.[74][75] مع تقدّم العلوم والتطوّر في مواد البناء وعلوم الهندسة، بالإضافة إلى تحديث أساليب معالجة المياه أصبح من الممكن توفير أشكال مناسبة لتخزين المياه وتمديدها إلى البيوت وأماكن الإقامة، بحيث أصبح الوصول إليها سهلاً في العديد من المدن المتحضّرة.
كانماء الشرب في السابق يجمع عادةً منالينابيع والجداول أو من حفر الآبار أو بضخّه من البحيرات والأنهار. في العصر الراهن يتطلّب الأمر معالجة المياه وتنقيتها لإزالة الشوائب باستخداممرشّحات المياه والتي تكون عادة من الرمل، كما يتطلّب الأمر أيضاً تعقيم المياه للتخلّص من المواد الضارّة المنحلّة والميكروبات وذلك باستخدامكلورة المياه أو أساليب أخرى. يمكن معالجة المياه أيضاً باستخدامالتناضح العكسي أوبتحلية مياه البحر.
يعدالري الاستخدام الأهمّ للماء فيالزراعة، وهو أساسي لإنتاج المحاصيل الغذائيّة. قد يصل سحب الماء من أجل ريّ المزروعات في بعض البلدان الناميّة إلى حوالي 90% من السحب الإجمالي،[76] وحتى في الدول المتقدّمة تصل نسبة سحب المياه من أجل الريّ إلى نسبة معتبرة، إذ أنّه في الولايات المتّحدة الأمريكيّة تصل نسبة السحب من المياه العذبة من أجل الري إلى حوالي 30%.[77]
ازدادت أهمّيّة الوعي حول الترشيد في استخدام الموارد المائيّة في العقود الأخيرة، خاصّة مع ازدياد عدد سكان الأرض وازدياد حاجتهم بالتالي إلى الماء للشرب وللري للحصول على الغذاء، ممّا دعا إلى حاجة تطوير وسائل مثلالري بالتنقيط. أدّىالتمدّد الحضري بالإضافة إلى ارتفاع الطلب على المياه من قطاعات أخرى، مثل إنتاج الطاقة البديلة (الوقود الحيوي)، إلى الحديث عن مفهومذروة الماء.[78] يتوقّع في المستقبل أن يزداد الطلب على الماء بشكل أكبر ممّا هو عليه الآن وذلك لتأمين غذاء كاف مع تزايد عدد سكان الأرض، والذي يخمّن أن يصل إلى 9 بلايين في حلول سنة 2050.[79]
أجري تقييم لأسلوب إدارة المياه في الاستخدام الزراعي سنة 2007 من طرفالمعهد الدولي لإدارة المياه فيسريلانكا من أجل معرفة إن كان للعالم موارد من الماء كافيّة لتأمين الغذاء للعدد المتزايد من السكان في العالم.[80] قامت عملية التقييم على أساس وفرة المصادر المائيّة في تلك السنة لاستخدامها في الزراعة على صعيد العالم، وقدّمت تحديداً للمواقع التي تعاني منندرة المياه، حيث وجد أن خمس تعداد السكان في العالم، أي أكثر من 1.2 مليار نسمة، يعيشون في مناطق تعاني منندرة مادّيّة للمياه حيث لا توجد كمّيّة كافية من الماء لتلبية كافّة الحاجيّات الضروريّة. كما وجد أنّ 1.6 مليار نسمة في العالم يعيشون في مناطقندرة اقتصاديّة للمياه، حيث أنّ نقص الاستثمارات وضعف الحالة الاقتصاديّة يجعل من المستحيل على الهيئات الحكوميّة في تلك المناطق أن تلبّي حاجة الطلب إلى المياه. خلص التقرير إلى أنّ الاستمرار على نفس الوتيرة الحاليّة من إنتاج الغذاء واستخدام مياه الري من أجل زراعة المحاصيل ستؤدّي بالنهاية إلى حدوث أزمات في العديد من المناطق في العالم، وأنّه يمكّن تجنّب ذلك عندما يقوم المزارعون بزيادة الكفاءة والإنتاجيّة وذلك بالتقليل قدر الإمكان من الهدر بالترشيد واستخدام وسائل حديثة في الريّ.[81]
في العمليّات التقنيّة المختلفة يستخدم الماء كوسط لربط وتشكيلالجبسوالإسمنت، بالإضافة إلى استخدامه فيالتصديعوالقطع والتنظيف عندما يوضع تحت ضغط مرتفع، بالإضافة إلى استخدامه كوسط لنقل الضغط في بعض التطبيقاتالهيدروليكيّة.
يستفاد منالطاقة المائيّة على هيئةطاقة كهرمائيّة فيتوليد الكهرباء، وذلك من القوّة الناشئة عن دفع المياه للعنفات التي تكون موصولة بمولّد كهربائي. تعدّ الطاقة الكهرمائية إحدى الطاقات النظيفةالمتجدّدة، والتي يحصل عليها عادة من إنشاءالسدود على الأنهار.
تستخدمالمعابر المائيّة كوسيلةلنقل البضائع وللسفر. كان السفر في الماضي بواسطة السفن لغرض الاستكشاف والتجارة وسيلة أساسيّة لقطع المسافات البعيدة التي تفصل بينها البحار. في الوقت الحالي يقتصر السفر بواسطة السفن الكبيرة لغرضالسياحة، في حين أنّ النصيب الأكبر من حركة السفن في الوقت الحالي هو لغرض تجاري. تمتاز بعض المعابر المائية بموقع إستراتيجي يمنحها أهمّيّة تجاريّة كبيرة مثلقناة السويسوقناة بنما.
مياه معدنيّة معبّأة
يدرج في الوقت الحالي استخدام الماء كسلعة تجاريّة، إذ تتمّ في بعض المناطق شراء الحقوق التجاريّة لينابيع وجداولالمياه المعدنيّة العذبة أو المياه الجوفيّة وتعبئتها في قارورة (قنينة)زجاجيّة أوبلاستيكيّة وبيعها على هيئةمياه معبّأة، قد تكون أحياناًمكربنة (فوّارة) بإضافة غازثنائي أكسيد الكربون إليها. ينتشر استخدام المياه المعبّأة بشكل أساسي في البلدان التي تعاني من شحّ في الموارد الطبيعيّة للمياه العذبة، ممّا أدى إلى انتشار مفهوم «خصخصة المياه».
مع قلّة الموارد المائيّة واضطرار الدول الناميّة إلى تصدير المنتجات الزراعيّة التي استخدمت المياه العذبة لريّها؛ ظهر مفهومالماء الافتراضي، وهو الكمّيّة المستهلكة من المياه لإنتاج محصول زراعي معيّن.[82] على سبيل المثال يتطلّب 1600متر مكعّب من الماء وسطيّاً لإنتاجطن واحد منالقمح. يفيد هذا المفهوم في ضرورة معرفة اختيار نوع المحاصيل الزراعيّة وتصنيفها إلى التي ينبغي زراعتها وتصديرها والتي ينبغي استيرادها.[83]
يستخدم الماء من أجلمكافحة الحريق وذلك بسبب وفرتهوخموله الكيميائي النسبي ولارتفاعحرارة التبخّر. يعود التأثير الإخمادي للماء بسبب استهلاك الطاقة الناتجة عن تفاعل الاحتراق في تبخيره وتحويله إلى بخار ماء وبذلك يخمد الحريق. بالمقابل ينبغي تجنّب استخدام الماء عند إخماد حرائق الزيوت والوقود والمذيبات العضويّة، إذ أنّه في تلك الحالة يستخدممطافئ الحريق التي تعتمد على حجبالأكسجين.
لدى استخدام الماء في إخماد الحرائق ينبغي الأخذ بالحسبان مخاطر حدوثانفجار بخاري، والذي يعود سببه إلىفرط الإحماء في زمن قصير وتشكّل كمّيّات كبيرة من البخار في حيّز مكاني ضيق. كما ينبغي توخّي الحذر من حدوث انفجارات بسبب غازالهيدروجين الناتج عن تفكّك الماء، والذي يحدث عندما يستخدم الماء لإطفاء حرائق مواد قابلة للتفاعل معه؛ مثل حرائقالفلزّاتوالفحم.
استخدم الماء في السابق كأساس لتعريف وحدة الوزنالغرام، وذلك سنة 1795 في فرنسا، إذ عُرّف حينها أنّه يساوي «الوزن المطلق لحجم ماء نقي مساو لحجم مكعّب طول ضلعه واحد على المئة من المتر عند درجة حرارة ذوبان الجليد».[84] لدوافع عمليّة ارتأى العلماء آنذاك صنع مقياس معدني كتلته أكبر بألف مرة، وهوالكيلوغرام. كما تمّ الاعتماد علىالنقطة الثلاثيّة للماء في تعريفمقياس كلفن لدرجة الحرارة، وبذلك نشأ مفهومدرجة الحرارة المطلقة، والتي لها نفس مقياس درجاتسيلزيوس ولكن تجعل نقطة تجمد الماء (0 °س) عند 273.15 كلفن. يتكوّن الماء الطبيعي مننظائر هيدروجين-1 وأكسجين-16، ولكن هناك كمّيّات ضئيلة من النظائر الأثقل لعنصري الهيدروجين والأكسجين والتي تدخل في تركيبالماء الثقيل، ممّا قد يؤثّر على خواص الماء. ممّا استدعى من الهيئات العلميّة وضع مقياس أو معيار اتّفق عليه وسمّي باسممعيار فيينا لمياه المحيط.
للماء دور هام ومحوري في مجالعلم الغذاء، ويستخدم للتعبير عن ذلك مفهومالنشاط المائي (أو فاعليّة الماء). تؤثّر المواد المذابة في الماء على النشاط المائي، ممّا يؤثّر في النهاية على التفاعلات الكيميائيّة وعلى نموّ الميكروبات في الطعام.[85] يعرّف النشاط المائي على أنّه نسبةضغط البخارالجزئي للماء في المادّة الاستهلاكيّة إلى ضغط البخار للماء النقي.[8] يفيد معرفة النشاط المائي للأغذية في معرفة كيفيّة حفظ الأغذية ووقايتها من الميكروبات وفي تقديرفترة الصلاحية.[85]
يستخدم الماء كعنصر مهمّ في التزيين والديكور الخارجي وذلك بإنشاء الجداول والشلّالات الصناعية بالإضافة إلىالنوافير في الساحات والحدائق العامّة. تعدّ المناطق وفيرة المياه أماكن جذب للناسللنزهات والاصطياف ولقضاء الوقت وللترفيه عن النفس، وذلك على ضفاف الأنهار والبحيرات وعلىالشواطئ؛ كما يقصد الناسالمتنزّهات المائيّة لغرض التسلية والاستمتاع.
يضطّر العديد من الناس للمشي إلى الأماكن البعيدة لإحضار مياه الشرب.
يقصد بإدارة المياه المفهوم الشامل المتعلّق بإدارةالموارد المائيّة من حيث التخطيط والتطوير والتوزيع بالشكل الأمثل بشكل يوافق نهجالترشيد في الاستهلاك وأسلوب التعامل مع الأزمات ونقص الموارد وتلوّث المياه. كما يمكن التوسّع في مفهوم الإدارة أيضاً بحيث يشمل مراعاة الظروف البيئيّة التي تؤمّن حدوث دورة المياه في الطبيعة ودورة الاستهلاك البشريّة على أفضل وجه.[86][87][88] تتولّى الهيئات الحكومية المختصّة عادةً مسؤولية وضع آليات ناظمةلتنقية المياهومعالجتها وتوزيعها إلى المنازل في المدن عبرشبكات، والتي يتم ضبط معدّل الاستهلاك الفردي أو الصناعي للماء فيها عن طريقعدّادات، والتي تفيد في معرفة كلفة الاستهلاك مقابل خدمة التمديد. كما تتولّى تلك الهيئات أيضاً مسؤوليةتصريف المياه بإنشاءمجاري مخصّصة لنقلها، بالإضافة إلى إنشاء محطّات مخصّصةلمعالجتها.
تسمّى مجموعة القوانين التي تضبط وتنظّم شؤون إدارة الموارد المائيّة على صعيد محلّي باسمقانون المياه، والذي يمكن تعميمه عند حدوث تقاطعات مع دول أخرى مشاركة للمورد المائي أو عند ضرورة انتهاج سياسة حكوميّة في هذا الصدد فتصنّف القوانين والمعاهدات تحت بندالسياسات المائيّة. تعاني دول المنطقة العربيّة عموماً من شحّ في مواردها المائيّة، ممّا دفع العديد منها لسنّ سياسات مائيّة متعلّقة كما هو الحال فيالمغربومصر على سبيل المثال.
تقدير للأشخاص في البلدان الناميّة الذين تمكّنوا من الحصول على مياه الشرب 1970 -2000
يمثّل الماء مورداً إستراتيجيّاً مهمّاً لجميع دول العالم، وكان ولا يزال سبباً للعديد من النزاعات السياسيّة. تعاني حوالي 50 دولة، أي حوالي ثلث سكان العالم، من نقص متوسّط إلى حادّ في المياه، مع وجود 17 دولة من تلك الدول والتي تقوم باستخراج كمّيّات من الماء سنوياً تفوق التي تُستردّ إليها من دورة الماء الطبيعيّة.[89] في سنة 1990 تمكن 1.6 مليار نسمة فقط من الحصول على مصدر آمن للماء العذب.[90] مع ازدياد الوعي طرأ تحسّن في نسبة الأشخاص في الدول الناميّة القادرين على الحصول على المياه المأمونة، وذلك من مجرد 30% سنة 1970،[91] إلى 71% سنة 1990، و 79% سنة 2000 و 84% سنة 2004، وهذا الميل آخذ في الاستمرار؛[3] خاصّة أنّه كان أحدالأهداف الإنمائيّة للألفيّة التي وضعتها الأمم المتّحدة.
مع ازدياد عدد السكان في الأرض ومع حدوث شحّ في الموارد المائيّة في عدد من دول العالم، وخاصةالناميّة منها، أقدمتالأمم المتّحدة بطلب من بوليفيا على سنّ قانونحقّ المياه (أو بشكل مفصّلحق الإنسان في المياه والصرف الصحي HRWS) وذلك في 28 تموز/يوليو 2010، وعدّ ذلك حقّاً منحقوق الإنسان.[92] قدّمت الأمم المتّحدة تقريراً سنة 2006 مفاده أنّ الموارد المائيّة الموجودة كافية للجميع، ولكن الوصول إليها يعطّل بسبب سوء الإدارة والفساد.[93] كما قُدّمت دعوات إلى الهيئات الإغاثية المانحة برفع كفاءة المساعدات والمشاريع التنمويّة في البلدان التي تعاني من شحّ الموارد المائيّة،[94] وإلى حكومات الدول بوضع سياسات فعّالة في إدارة المياه.[95]
يعرّفماء الشرب بأنّه الماء الصالح للاستخدام والاستهلاك البشري في الأمور الأساسيّة كالشرب والاستخدامات المنزليّة الأساسيّة. يمكن تحويل الماء غير الصالح للشرب وجعله صالحاً لذلكبالترشيح أوبالتقطير أو بوسائلمعالجة المياه الأخرى. يدعى الماء غير الصالح للشرب والصالح للاستخدام المنزلي لأمور النظافة باسم «مصدر ماء آمن» (أو مياه مأمونة)، وهي مياه يمكن تعقيمها بعد استخدامها بواسطة معالجة كيميائيّةبالكلور أوالأوزون أوالأشعّة فوق البنفسجيّة. تحدّدجودة الماء وملاءمته للاستخدام عادةً بإجراءالتحاليل الكيميائية الموافقة فيالمختبرات الاختصاصية.
يشار إلى المياه غير الصالحة للشرب والناتجة بعد الاستهلاك البشري لها باسمالمياه الرماديّة، وهي التي يمكن معالجتها بسهولة نسبيّاً، في حين أنّ تعبيرالمياه السوداء يشير إلى مياهالصرف الصحّي التي تتطلّب معالجة شاملة، مع الإشارة إلى وجود اختلاف في تعريف هذه المسمّيات وذلك حسب القوانين الناظمة لكل بلد. عند غياب المعالجة الكافية والرقابة الحكومية تحدث حالات تلوّث للمياه على مستوى فردي وصناعي، خاصّة في الدول الناميّة، حيث أبرز تقرير سنة 2002 أنّ 90% من مياه الصرف تترك بلا معالجة لتصب في الجداول والأنهار الجارية أو تترك لترشح إلى المياه الجوفيّة لتلوّثها.[96]
يحظى الماء فيالإسلام بمكانة كبيرة، إذ به يتمّالوضوء قبل كلصلاة، وفي حال تعذّر وجوده يستعانيالتيمّم بالتراب الطاهر. كما يستعمل الماء للتطهّر من النجاساتبالغسل ولغسل الأموات قبل الدفن. وردت كلمة الماء في القرآن 63 مرة وغالباً ما كان ورودها بمعنى النعمة، لما للماء من أهمّيّة بالغة. ومن أبرز الآيات التي ذكر الماء فيها:﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾، وقد فسّر العلماء هذا بأنّالله جعل الماء سبباً للحياة.[ْ 3] وقال بعض المفسّرين في ذلك: «وجعلنا من الماء كلّ شيء حيّ، أي: وأحيينا بالماء الذي ينزل من السماء كلّ شيء حيّ، أي من الحيوان ويدخل فيه النبات والشجر، يعني أنه سبب لحياة كلّ شي»، وقال آخرون أنّه تذكير بنعمة الله على البشر.[ْ 4] وورد كذلك فيسورة النور﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ﴾ وفسّر هذا على أن المقصود هوالنطفة، وجاء أيضًا:﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا﴾ وكذلك:﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ﴾. ويتّفق العلماء المعاصرون أنّ تلويث الماء بشتّى طرق التلوّث المختلفة هو إفساد في الأرض لما يترتّب عليه من أضرار جسيمة لكلّ من يستخدم هذا الماء الملوّث من البشر إلى جانب بقيّة الأحياء الحيوانيّة والنباتيّة والمائيّة، وهو بالتالي أمر حرام نظراً لأنّ الإسلام نهى عن الإفساد في الأرض نهياً قاطعاً.[ْ 5] كما أجمع العلماء على أنّالتبوّل في المياه أوالتغوّط فيها أمرٌ منهيٌّ عنه نظراً للمفاسد التي تترتّب على ذلك والأضرار التي تلحق بعامّة الناس، وسندهم في ذلك الحديث النبوي: «لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُم في الماءِ الدائمِ الذي لا يَجْرِي، ثم يَغْتَسِلُ مِنْهُ».[ْ 6] وإلى جانب هذه الأهمّيّة لمصادر المياه عموماً في الإسلام، تأتي أهمّيّة خاصّةلبئر زمزم، الواقع ضمنالحرم المكّي على بعد 20 متراً منالكعبة، إذ يعتبر ماء تلك البئر مباركاً عند المسلمين لما يحمله من معانِ دينيّة، فوفق المعتقد الإسلامي كان الملاكجبريل هو من فجّر تلك البئر بعقبهلإسماعيل وأمّههاجر، حيث تركهما نبي الله وخليلهإبراهيم بأمر من الله في ذلك الوادي القفر الذي لا زرع فيه ولا ماء، وذلك حين نفد ما معهما من زاد وماء.[ْ 7]
تصوير لطقوسمعمودية على زجاج كنيسةسانت تشابيل، تعود إلى القرن الثاني عشر الميلادي.
فيالمسيحيّة يستعمل الماءللتعميد، إذ يعتقد أنّه منالأسرار المقدسة. والتعميد هو غمر الجسد أو قسم منه بالماء ضمن طقوس كنسيّة، ومن خلاله يبقى المرء مسيحيّاً للأبد. وقد فسّر العلماء ذلك عبر ربطهم المياه بخلق الحياة، بشكل شبيه بما ورد في القرآن، فقد جاء فيسفر التكوين: «وَقَالَ اللهُ: "لِتَفِضِ الْمِيَاهُ زَحَّافَاتٍ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ وَلْيَطِرْ طَيْرٌ فَوْقَ الارْضِ..."» وجاء أيضاً في وصف الأرض قبل الخليقة: «وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً، وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ، وَرُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ»، وقال المفسّرون أنّ الحياة خرجت من الماء على هذا الشكل، وأنّ هناك ربطًا ما بين الماء وروح الله.[ْ 8] ويستند المسيحيّون إلى ما ورد فيإنجيل يوحنا من أنّ التعميد بالمياه ضروري للميلاد الثاني، أي دخول الشخص في المسيحية، فقد ورد في هذا المجال: «إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ»، وفسّر العلماء ذلك بأنّ الولادة المذكورة هنا إنّما ذكرت صراحة وليس رمزيّاً.[ْ 9] كذلك، يعدّ التبرّكبالماء المقدّس من الأمور ذات الأهمّيّة والمكانة عند أغلب الكنائس المسيحيّة.
وكذلك في الديانةاليهوديّة، يستعمل الماء للتطهّر والاغتسال، كما يتمّ غسل الموتى قبل الدفن أيضاً. وقد قدّستالتوراة المياه بسبب ما ذكر سلفاً في سفر التكوين عن بداية الخليقة، فـ«رُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ». وفي اليهوديّة أيضاً يستخدم الماء لتطهّر الفرد من نجاسات الدنيا وخطاياه، وتغسيل اليدين قبيل الأكل مثلاً واجب في اليهوديّة، للتطهّر قبل تذوّق نعمة الربّ، واليهود أيضاً لهم شكل من أشكال الغسل وهوالميكفاه، والرجل اليهودي المتديّن يمارس الميكفاه كلّ نهار جمعة وقبل الاحتفالات الدينيّة المهمّة، أمّا المرأة، فتغتسل قبل الزواج، وبعد الإنجاب، وبعد عبورهالدورتها الشهريّة أيضاً.
اشتغل الفلاسفة اليونان في تفسير وجود الماء في الحياة، فاقترحطاليس، والذي كان يتّبع المدرسة الفلسفيّةالأحاديّة (أو الواحدية)، أنّ الأرض قدانبثقت من الماء، ولم يقتصر الأمر على الأرض وحدها بل اعتقد أنّ كلّ الأشياء مصنوعة من الماء. أمّا أفلاطون فتصوّر أنّ شكل الماءعشرونيّ السطوح، ولذلك فهو قادر على الجريان بخلاف الأرض مكعّبة الشكل حسب اعتقاده آنذاك.[98]
كان الفيلسوف اليونانيإيمبيدوكليس أوّل من قدّم مفهومنظرية العناصر الأربعة التي يتكوّن منها العالم، والتي سادت لفترة طويلة من الزمن. تعتمد النظرية على أربعة مواد وهي الماء والنار والهواء والتراب.[98] أمّا في نظريّةالأخلاط الأربعة فاقترن الماء معالبلغم بكونه بارداً ورطباً. كان الماء أيضاً منالعناصر التقليدية فينظريّة العناصر الخمسة حسبالفلسفة الصينيّة التقليديّة، وذلك بالإضافة إلى النار والتراب والمعدن والخشب. كما أنّ الماء يدخل في العديد من الفلسفات والمعتقدات مثلالطاوية، حيث ضرب به المثل في كتابداوديجنغ بجمعه للأضداد كيف أنّه ضعيف ورئيف في حين؛ وكيف أنّه قويّ وشديد في حين آخر.[99]
دخل الماء في العديد من الأساطيروالخرافات والحكايا الشعبيّةوالروحيّات، منها أسطورةماء الحياةللأخوين غريم الألمانيّين، والتي فيها إشارة إلىينبوع الشباب، الذي يعيد الشباب لكل من يشربه أو يستحمّ به.
يعود الأصل اللغوي لكلمة ماء فياللغة العربية إلى الجذر: (م وهـ)، تحرّكت الواو وانفتح ما قبلها فقُلبت ألفاً، فصار: (ماه)، ثم أبدلت الهاء همزة فصار: (ماء)، وتجمع الكلمة علىمياه وأمواه.[ْ 10]
ورد للماء عدد من المرادفات، ذُكرت في كتاب معجم أسماء الأشياء المسمّى «اللطائف في اللغة»؛[ْ 11] ومنها:الأبَاب،البِلال،العَتيق؛ ويقال عن الماء الكثير أنّه:السَّعْبَر، والطَرطَبِيس، والغُذارِم، والغَمْر، والجُباجِب؛ أمّا الماء القليل: فهو:الشَّوْل، والسَّمَلَة، والجُزْعَة. يقال عن الماء العذب البارد أنه:زلُال، ويسمّى أيضاً:البُسْر، والقَرُور، والسَّلْسال؛ في حين أن الماء الحار هو:السَّخين، والحَنيذ. يسمّى الماء العذب:الرَواء، والفُرات، والبَضيع، والفظيع، والنَّمير. بالمقابل، فإنّ الماء غير العذب هو:الآجِن، والصُّقْعُر، والطاهِل، والآسِن، والماج، والزُّعَاق.
يستخدم لفظ الماء في العديد منالتعابيروالأمثال العربية؛ فمثلاً يقالماء الوجه للدلالة علىالحياء أوالكرامة، ومن ذلك تعبير «أراق ماء وجهه»، ويقابله «حفظ ماء وجهه».[ْ 12] يقال أيضاً «عادت المياه إلى مجاريها» للإشارة إلى حدوث صلح بعد نزاع، وعند عجز الإنسان عن التكلّم في موقف ما، يقال: «في فمي ماء!»، ويقال «فسَّر الماء بالماء» للدلالة على إسفاف الكلام وعدم تقديم إضافة معرفيّة للسامع أو للقارئ، ويعود التعبير الأخير إلى وصف بيت الشعر:
كَأنَّنَا وَالمَاءُ مِنْ حَولِنَا
قَومٌ جُلوسٌ حَولَهَمْ مَاءُ
والذي ردّ عليه القاضي ابن الذروي قائلاً:
أقَامَ يُجْهِدُ أيَّامَاً قَريحَتَهُ
وَفَسَّرَ المَاءَ بَعْدَ الجُهْدِ بالمَاءِ
وذلك في حادثةٍ مشهورة؛[ْ 13] على الرغم من أن البيت الأخير نسبه البعض إلىابن الوردي، مثلما فعل البهاء العاملي في كتابهالكشكول.[ْ 14]
بسبب دخوله في كافة أشكال الحياة اليومية، كان للماء نصيب وحضور فيالأغنية العربية وذلك سواء بالفصحى أو بمختلفباللهجات.
ربما من أشهر الأغاني العربية بالفصحى التي تتضمن لفظ الماء أغنية «رسالة من تحت الماء»لعبد الحليم حافظ، من كلمات الشاعرنزار قباني وألحانمحمد الموجي. ومن الأغاني الشهيرة بالعامية المصرية أغنيةمحمد عبد الوهاب «المي تروي العطشان». كما درج استخدام لفظ الماء بالعامية في أغاني بلاد الشام، وذلك بشكل مقترنبعين الماء على الأغلب، مثل أغنية «عين المي عين» و«ديروا المي» للسيّدةفيروز وأغنية «على عين المي»لنصري شمس الدين، بالإضافة إلى أغنيةذياب مشهور «عالماية عالماية».
^Kotz, J. C., Treichel, P., & Weaver, G. C. (2005).Chemistry & Chemical Reactivity. Thomson Brooks/Cole.ISBN:0-534-39597-X.{{استشهاد بكتاب}}: صيانة الاستشهاد: أسماء متعددة: قائمة المؤلفين (link)
^Sridharan، R.؛ Ahmed، S.M.؛ Dasa، Tirtha Pratim؛ Sreelathaa، P.؛ Pradeepkumara، P.؛ Naika، Neha؛ Supriya، Gogulapati (2010). "'Direct' evidence for water (H2O) in the sunlit lunar ambience from CHACE on MIP of Chandrayaan I".Planetary and Space Science. ج. 58 ع. 6: 947.Bibcode:2010P&SS...58..947S.DOI:10.1016/j.pss.2010.02.013.
^Near-IR Direct Detection of Water Vapor in Tau Boo b: Alexandra C. Lockwood, John A. Johnson, Chad F. Bender, John S. Carr, Travis Barman, Alexander J.W. Richert, Geoffrey A. Blake"نسخة مؤرشفة". مؤرشف من الأصل في 2017-11-22. اطلع عليه بتاريخ2018-01-04.{{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: BOT: original URL status unknown (link)
^Deutsche Gesellschaft für Ernährung e. V. الجمعيّة الألمانيّة للتغذية (28 Jul 2006)."In der Hitze des Sommers viel trinken" (بالألمانية). Dge.de. Archived fromthe original on 2019-01-31. Retrieved2010-07-06..
^Stookey JD, Constant F, Popkin BM, Gardner CD (نوفمبر 2008). "Drinking water is associated with weight loss in overweight dieting women independent of diet and activity".Obesity. ج. 16 ع. 11: 2481–8.DOI:10.1038/oby.2008.409.PMID:18787524.{{استشهاد بدورية محكمة}}: صيانة الاستشهاد: أسماء متعددة: قائمة المؤلفين (link)
^Dubnov-Raz G, Constantini NW, Yariv H, Nice S, Shapira N (أكتوبر 2011). "Influence of water drinking on resting energy expenditure in overweight children".International Journal of Obesity. ج. 35 ع. 10: 1295–300.DOI:10.1038/ijo.2011.130.PMID:21750519.{{استشهاد بدورية محكمة}}: صيانة الاستشهاد: أسماء متعددة: قائمة المؤلفين (link)
^Linda F. Fried, Paul M. Palevsky:Hyponatremia and Hypernatremia, Medical Clinics of North America Volume 81, Issue 3, 1. Mai 1997, S. 585–609.دُوِي:10.1016/S0025-7125(05)70535-6.
^Mughal, Muhammad Aurang Zeb. 2011.Mohenjo-daro’s Sewers. In Kevin Murray McGeough (ed.),World History Encyclopedia, Vol. 3. Santa Barbara, CA: ABC-CLIO, pp. 121-122.نسخة محفوظة 2 نوفمبر 2018 على موقعواي باك مشين.
^Andrew Wilson (2008). John Peter Oleson (المحرر). "Hydraulic Engineering and Water Supply".Handbook of Engineering and Technology in the Classical World. New York: Oxford University Press. ص. 291f.ISBN:978-0-19-973485-6.
^UNEP International Environment (2002).Environmentally Sound Technology for Wastewater and Stormwater Management: An International Source Book. IWA Publishing.ISBN:1-84339-008-6.OCLC:49204666.
^ابLindberg, D. (2008).The beginnings of western science: The European scientific tradition in philosophical, religious, and institutional context, prehistory to A.D. 1450. (2nd ed.). Chicago: University of Chicago Press.
^"صَوَابٌ مَهْجُورٌ". مجلة الوعي الإسلامي العدد 558، وزارة الأوقاف دولة الكويت؛ نص:حياة الياقوت. ديسمبر- يناير 2012. مؤرشف منالأصل في 30 يونيو 2017.{{استشهاد ويب}}:تحقق من التاريخ في:|تاريخ= (مساعدة)