اكتُشف هذا الدواء للمرة الأولى عام 1953 بواسطةإدموند كورنفيلد والذي كان يعمل آنذاك لدىإيلي ليلي وشركاءه،[19] وأُطلق عليه بدايةً اسم «Compound 05865» والتي تعني «المركب 05865»،[16] ثم تغيرت فيما بعد إلى تسميَّة «Vancomycin».اشتق الاسم من كلمتين «Vanco-mycin»، وهي بادئة «Vanco-» من «vanquish» وتعني «التغلب على شيءٍ ما»،[ar 1]ولاحقة «-mycin» والتي تضاف لأسماء المضادات الحيويَّة التي تنتجها سلالاتالمتسلسلة (الاسم العلمي:Streptomyces).[20] يُشير موقعميريام وبستر بأنَّ أصل بادئة «Vanco-» غير معروفٍ، وأنَّ الادعاءات بأنها مشتقةٌ من «vanquish» هي ادعاءاتٌ حديثةٌ معاصرةٌ غيرُ مدعومةٍ بمصادر أوليَّة.[21]
يُشار بأنَّ هذا الداء سوَّق تجاريًا للمرة الأولى بواسطةإيلي ليلي وشركاءه عام 1958 بتركيبة «هيدروكلوريد الفانكوميسين»[23] وعرف تجاريًا باسم «فانكوسين».[ar 2]
لعلَّ أول ذكرٍ لهذا المضاد الحيوي في المؤلفات العربية كان مقالةً عنوانها «ماذا في الطب من الجديد؟» نشرت في «مجلة الهلال» في 1 أبريل 1957، والتي ذكرت قسمًا عنوانه «عقاقير لأمراض الأمعاء» تسرد فيه الآتي «قرر الأطباء الدكاترة جوزيف جيراسي، فوردابس هيلمان، دونالد بكولز، وليام ولمان أنه قد ثبت لتجارب أنَّ فنكومايسين Vancomycin هو عقار جديد قوي مضاد للحيويات، علاج نافع ضد الأمراض المعوية وهو مستخرج من نفس صنف البكتيريا التي تنتج ستربتومايسين والتراميسين. ويعطى هذا العقار إما بتناوله بالفم وإما بالحقن في الوريد، فيسري بسرعةٍ إلى الرئة والقلب والفجوات المعوية فيقضي على ما يوجد من الجراثيم العنقودية Micrococcal. والميزة العظيمة لهذا العقار أن البكتيريا لا تستطيع أن تكون لنفسها مناعةً ضده بالسرعة التي تكونها بها في حالة العقاقير الأخرى المضادة للحيويات. وهو كذلك لا يحدث رد فعل سام في أغلب الناس، وهو لا يتعارض مع العقاقير الأخرى التي يجوز أن تعطى معه».[ar 3]
ورد ذكره أيضًا في «دستور الأدوية المصري» الصادر عام 1972 عنالهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية والذي أشار له تحت اسم «فنكوميسين - إيدروكلوريد (ڤنكوميسين هيدروكلوريدوم)» وعرفه بأنَّ «إيدروكلوريد الڤنكوميسين هو مضاد حيوي ينتج غالبا بنمو الفطر «استربتوميسيس أورينتالس» أو بأي طريقة أخرى».[ar 4] أيضًا نشر بحثٌ عنوانه «مضادات حيوية» في مجلة «رسالة العلم» الصادرة في يونيو 1973 نشره الطبيب المصريمحمد صادق صبور والذي كان يعمل آنذاك فيكلية طب جامعة عين شمس، وذكر بأنَّ «فانكومايسين: تم الحصول عليه من كائن حي من عينات من التربة من أندونيسيا ومن الهند عام 1956 وهو عقار قاتل لجميع المكورات السبحية والعنقودية والرئوية ومكورات السيلان».[ar 5]
يُعربه الجزء الرابع من «معجم مصطلحات العلم والتكنولوجيا» الصادر عام 1988 عنمعهد الإنماء العربي إلى «فانكوميسين»، كما يُعرفه بأنه «مادة حيوية مضادّة مُعقَّدة ناتجة من النوع Streptomyces orientalis. وهي مفيدة لمعالجة الإصابات الحادّة التي تسببها المُكورات العنقودية».[ar 6] كما يُعربه «معجم الكيمياء والصيدلة» الصادر عام 1994 عنمجمع اللغة العربية بالقاهرة مصطلح «Vancomycin hydrochloride» إلى «هدروكلوريد فنكومايسين»، ويُعرفه بأنَّه «مضاد حيوي ينتجه فطر استربتومايسس أوريانتالس وهو مسحوق بني يذوب في الماء».[ar 7] أما «قاموس حتّي الطبي الجديد» الصادر عام 2011 عنمكتبة لبنان ناشرون فيعربه إلى «فَنْكُومَيْسين»، ويكمل بأنه «مضادٌ حيوي للعُنقوديات المنيعة على المضادات الأخرى».[ar 8]
يُلاحظ بأنَّ المؤلفات الطبية العربيَّة أجمعت تقريبًا في تعريب مصطلح «Vancomycin» إلى «فانكوميسين»،[ar 9] وبدرجةٍ أقل «فانكومايسين»[ar 10] و«فَنْكوميسين»[ar 11] و«فنكومايسين».[ar 7]
علاج العداوى التي تسببها كائناتٌ دقيقةٌ إيجابية الغرام في المرضى الذين يعانون من حساسيةٍ شديدةٍ تُجاه مضادات المكروبات البيتا لاكتاميَّة.[29]
الوقاية بالمضادات الحيويةلالتهاب الشغاف بعد بعض الإجراءات الطبيَّة لدى الأشخاص الذين يعانون منفرط التحسس للبنسلين والمعرضين لخطر أكبر لحدوث العدوى.[29]
الوقاية قبل الإجراءات الجراحيَّة الرئيسية التي تتضمنبِدْلاَتٍ (أعضاء بديلة) في المؤسسات التي ترتفع فيها معدلات الإصابة بالمكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميثيسيلين.[29]
في بداية العلاجمضادًا حيويًّا تجريبيًا لاحتمالية الإصابة بالمكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميثيسيلين، ريثما يُحدد الكائن المسبب للعدوى عبر الزراعة.
تتضمن إحدى آليات مقاومة الفانكوميسين تغيير بقايا الأحماض الأمينية الطرفيَّة لوُحيدات ببتيدNAM/NAG، في الظروف الاعتياديَّة، وهيD-ألانيل-D-ألانين، التي يرتبط بها الفانكوميسين. يؤدي تباينD-ألانيل-D-لاكتات إلى فقدان تفاعل رابطة هيدروجينية واحد (4، مقابل 5 فيD-ألانيل-D-ألانين) محتمل بين الفانكوميسين والببتيد. يؤدي فقدان نقطة تفاعل واحدة فقط إلى انخفاضٍ في الألفة بمقدار ألف ضعف. يؤدي تباينD-ألانيل-D-سيرين إلى فقدان ستة أضعاف في الألفة بين الفانكوميسين والببتيد، ويرجع ذلك على الأرجح إلىعائق فراغي.[47]
VanA - مقاومة المكورات المعوية للفانكوميسينوالتيكوبلانين، وهي قابلةٌ للتحريض عند التعرض لهاتين المادتين.
VanB - مقاومة المكورات المعوية منخفضة المستوى، وهي قابلةٌ للتحريض بواسطة الفانكوميسين، ولكن قد تبقى السلالات حساسةٍ للتيكوبلانين.
VanC - مقاومة المكورات المعوية للفانكوميسين فقط، وهي الأقل أهمية سريريًا، وتُعد مقاومة بنيويَّة.
اختُبر أحد متغيرات الفانكوميسين الذي يرتبط مع دي-حمض اللاكتيك المقاوم في جدران الخلايا البكتيرية المقاومة للفانكوميسين، ويرتبط أيضًا بشكلٍ جيد بالهدف الأصلي (البكتيريا الحساسة للفانكوميسين).[48][49]
استطاع فريقٌ منمستشفى هايدلبرغ الجامعي فيألمانيا عام 2020 استعادة فعالية الفانكوميسين المضادة للبكتيريا، وذلك عن طريق تحويّر الجزيءباستخدامقليل الببتيد الكاتيوني. يتكون قليل الببتيد من ست وحداتٍ منالأرجنين في الموضع VN. إذا قُورن مع الفانكوميسين غير المُعدّل، فإنَّ النشاط المضاد للبكتيريا المقاومة للفانكوميسين قد تعزز بعاملٍ قدره 1000.[50][51] لا يزال هذا الدواء في مرحلةالتجربة غير السريريَّة.
قد يُراقب مستوى الفانكوميسين في الدم لتقليل الآثار الجانبية،[53] وإن أثيرت تساؤلات حول أهمية تلك المراقبة.[54] عادة ما تُراقب مستويات القمة والقاع، ويُستخدم أحيانًا لأغراض البحث قياس المساحة تحت منحنى التركيز.[55] أفضل طريقة لقياسالتأثير السمي هو قياسمستويات القاع[الإنجليزية].[55] يشيع استخدامالمقايسات المناعيَّة.[53]
سببت الإصدارات غير النقية المبكرة من الفانكوميسين أضرارًا على الكُلى (سمية الكلية) والسمع (سمية الأذن)، وبرزت هذه الآثار في التجارب السريرية في منتصف الخمسينيات،[16][23] ولكن أظهرت التجارب التي استخدمت صورًا أنقى من الفانكوميسين أنسمية الكلية أثرٌ جانبيٌّ نادرٌ (0.1% إلى 1% من المرضى)، ولكنه يزداد مع استخدامالأمينوغليكوزيدات.[58]
لا يزال الجدل قائمًا حول تسبب الفانكوميسين في حدوثسمية الكلية.[61] سُجل في ثمانينيات القرن العشرين حدوث سميَّة الكلية بين قرابة 5% من المرضى الذين تعاطوا عقارات يفوق نقاء الفانكوميسين فيها 90% حيث ارتفع مستوى الكرياتينين في بلازما الدم عن 0.5 ملغ/ديسيلتر،[61] وقد أوصت مع ذلك إرشادات الجرعات من الثمانينيات حتى عام2008 بمستويات قاع للفانكوميسين تتراوح بين 5 و15 مكغ/مل،[62] وقد أُوصِيَ بعد ذلك بزيادة الجرعات لعلاج العدوى الخطيرة بمستويات قاع تتراوح بين 15 و20 ميكروغرام/مل خوفًا من فشل العلاج ما أدى إلى ارتفاع معدلاتإصابة الكلى الحادة المرتبطة بالفانكوميسين.[63]
يزداد خطرإصابات الكلى الحادة مع تعاطي مواد أخرى معروفة بسميتها على الكلى مثلالأمينوغليكوزيدات، كما أن العدوى التي يعالجها الفانكوميسين قد تسبب أيضًا إصاباتٍ حادة للكلى حيث أنتعفن الدم يعد السبب الأكثر شيوعًا لإصابات الكلى الحادة بين المرضى المصابين بأمراض خطرة. يجدر الإشارة إلى أن الدراسات العلمية التي تُجرى على البشر تقوم أساسًا على دراسات الترابط، وأسباب إصابات الكلى الحادة عديدة العوامل.[64][65][66][67]
تجمع الآراء على ندرة الحالات التي يرتبط فيها الفانكوميسين بسمية الأذن ارتباطًا واضحًا،[71][72] وقد واجهت محاولات تحديد معدلات سمية الأذن الناتجة عن الفانكوميسين صعوبة كبيرة لنقص البيانات الدقيقة. العلاقة بين مستويات الفانكوميسين في الدم وحدوث سمية الأذن غير مؤكدة، فقد سُجّلت حالات سمية الأذن بين مرضى تجاوز مستوى الفانكوميسين في دمهم 80 مكغ/مل،[73] وسٌجلت أيضًا حالات السمية بين مرضى لديهم مستويات علاجية طبيعية، ولهذا الأمر فلا يُعرف حتى الآن إذا كانتمراقبة الأدوية العلاجية للفانكوميسين قادرةً على منع حدوث سمية الأذن عند الحفاظ على المستويات العلاجية للفانكوميسين أم لا،[73] ولكن يمكن استخدام مراقبة الأدوية العلاجية مع الفانكوميسين لتقليل خطر سمية الأذن المرتبط بالإعطاء المفرط للدواء.[53]
من الأمور التي يكثر حولها الخلاف أيضًا هو إمكانية أن يزيد الفانكوميسين من سمية الذيفانات الكلوية وإلى أي مدى يمكنه فعل ذلك، ولقد أظهرت الدراسات السريرية نتائج متباينة في هذا الأمر. أظهرت النماذج الحيوانية إلى ازدياد أثر سمية الكلية على الأرجح مع إعطاء مواد أخرى معروفة بسميتها على الكلى مثلالأمينوغليكوزيدات. لم يُثبت وجود علاقة مباشرة بين مستوى الفانكوميسين ودرجة سمية الكلية حتى الآن.[بحاجة لمصدر]
تفاعل الاحمرار للفانكوميسين (متلازمة الرجل الأحمر)
يُنصح بإعطاء الفانكوميسين ببطء في محلولٍ مخفف في 60 دقيقةٍ على الأقل (المعدل الأقصى 10 مل/دقيقة في الجرعات التي تتجاوز 500 مل)،[28] وذلك لارتفاع معدلات حدوث الألموالتهاب الوريد الخثاري، وأيضًا لتفاديمتلازمة إفراز السيتوكين التي تسبب تفاعل الاحمرار للفانكوميسين. يُعرف هذا التفاعل أيضًا باسم متلازمة الرجل الأحمر، ويظهر عادةً بعد مرور من 4 إلى 10 دقائق من بدء إفراز السيتوكين أو بعد انتهائه بفترةٍ قصيرة، ويتسمبالتورد و/أوالحُمامى التي تصيب الوجه والرقبة وأعلى الجذع، وهذا بسبب خروجالهستامين منالخلايا البدينة. يحدث هذا التفاعل نتيجة تفاعل الفانكوميسين مع مستقبِلMRGPRX2[الإنجليزية].[74] قد يحدث نادرًاانخفاضٌ في ضغط الدم أووذمةٌ وعائيَّة. قد تُعالج الأعراض أو يوقى منهابمضادات الهستامين بما فيهاالديفينهيدرامين، كما أن إعطاء الفانكوميسين ببطءٍ يقلل هذا التفاعل.[75][76]
الجرعة الوريدية الموصى بها للبالغين هي 500 ملغ كل 6 ساعات أو 1000 ملغ كل 12 ساعة، مع إمكانية تعديلها للوصول إلى نطاقٍ علاجيٍ مناسب حسب الحاجة. أما الجرعة الفموية الموصى بهاالتهاب القولون الغشائي الكاذب الناتج عن المضادات الحيوية هي 125 إلى 500 ملغ كل 6 ساعات لمدةٍ تتراوح بين 7 إلى 10 أيام.[77]
يجب إعطاء الفانكوميسينوريديًا للعلاج الجهازي؛ وذلك نظرًا لصعوبة امتصاصه من الأمعاء. وهو جزيء كبيرٌ أليفٌ للماء، وينتشر بشكلٍ ضعيف عبرالغشاء المخاطي المعدي المعوي. يُعطى عادةً مرتين يوميًا، وذلك نظرًا لقصر عمره النصفي.[79]
الاستعمال الوحيد المُعتمد للعلاج بالفانكوميسينفمويًا هو علاجالتهاب القولون الغشائي الكاذب، حيث يُعطى فمويًا للوصول إلى موقع العدوى في القولون. بعد الإعطاء الفموي، يبلغ تركيز الفانكوميسين في البراز حوالي 500 مكغ/مل[80] (السلالات الحساسة منالمطثِّيَّة العسيرة لها متوسط تركيز تثبيطي ≤2 مكغ/مل[81]).
تُعدّ مراقبة مستوى الفانكوميسين في البلازما ضروريةً نظرًا لتوزيعه ثنائي الأسّ، وأُلفته المتوسطة للماء، واحتمالية سميته للأذن والكلى، خاصةً في الأفراد الذين يعانون من ضعفٍ في وظائف الكلى و/أو زيادةً في قابلية الإصابة بعدوًى بكتيريَّة. يرتبط نشاط الفانكوميسين بالوقت، أي أن النشاط المضاد للمِكروبات يعتمد على مدة تجاوز تركيز الدواء في المصلللتركيز التثبيطي الأدنى للكائن المستهدف. وبالتالي، لم يُثبت ارتباط مستويات الذروة في المصل بالفعالية أو السميَّة، بل إن مراقبة التركيز غير ضروريةٍ في معظم الحالات. تشمل الحالات التي تستدعيمراقبة الدواء العلاجي المرضى الذين يتلقون علاجًا مصاحبًا بالأمينوغليكوزيد، والمرضى الذين يعانون (ربما) من تغيراتٍ في معاييرالحركية الدوائيَّة، والمرضى الذين يخضعونلغسيل الكلى، والمرضى الذين يتلقون علاجًا بجرعاتٍ عالية أو لفتراتٍ طويلة، والمرضى الذين يعانون من ضعفٍ في وظائف الكلى. في مثل هذه الحالات، تُقاس التركيزات الدنيا (تركيزات القاع).[28][54][88][89]
كما تستخدم مراقبة الدواء العلاجي لتحسين جرعة الفانكوميسين في علاج الأطفال.[78]
تغيرت النطاقات المستهدفة لتركيزات الفانكوميسين في المصل على مر السنين. اقترح الباحثون الأوائل مستويات ذروةٍ تتراوح بين 30-40 ملغ/لترومستويات قاعٍ[الإنجليزية] تتراوح بين 5-10 ملغ/لتر،[90] إلا أن التوصيات الحالية تنص على عدم الحاجة إلى قياس مستويات الذروة، وأنَّ مستويات القاع التي تتراوح بين 10-15 ملغ/لتر أو 15-20 ملغ/لتر، حسب طبيعة العدوى واحتياجات المريض الخاصة، قد تكون مناسبة.[91][92] يُحسّن قياس تركيزات الفانكوميسين لحساب الجرعات العلاج لدى المرضى الذين يعانون منتصفيةٍ كلويةٍ مَزيْدة[الإنجليزية].[93]
الشكل 1: الوحدات والنطاقات في عملية تجميع الفانكوميسين
يحدثالاصطناع الحيوي للفانكوميسين بشكل رئيسي عبر ثلاثةإنزيمات مخلّقةببتيدية لاريبوزومية (NRPSs) وهي VpsA و VpsB و VpsC.[96] تحدد تلك الإنزيمات تسلسلالأحماض الأمينية أثناء عملية تجميع البروتين عبرالوحدات السبع. يسبق ذلك عملية اصطناع حيوي للببتيدات اللاريبوزومية؛ إذ يحوّرالتيروسين إلىهيدروكسي تيروسين (β-HT) و4-هيدروكسي فينيل غلايسين (4-Hpg)، في حين يستحصل على5،3-ثنائي هيدروكسي فينيل غلايسين (5,3-DPG) منالأسيتات الموافقة.[97] يساهم عدد من الإنزيمات الببتيدية اللاريبوزومية في عملية اصطناعهيدروكسي تيروسين (β-HT) من التيروسين، إذ يفعّل التيروسين ويحمّل على VpsD، ثميهدرل من OxyD، ثم يحرر عبر ثيوإستراز Vhp.[98]
الشكل 2: الببتيد السباعي الخطي الذي يمثل هيكل جزيء فانكوميسين
تتم عملية اصطناع الببتيد اللاريبوزومي عبر وحدات مميزة قادرة على تحميلالبروتين والتوسع في تركيبه من خلال الارتباط مع حمض أميني مميز لكل وحدة (طالع الشكل 1)، حيث تتشكلرابطة أميدية عند مواقع الارتباط فيالنطاقات المفعّلة.[99] تتكون كل وحدة نمطياً من ثلاثة نطاقات بروتينية، وهي نطاق (A) منأدينوسين أحادي الفوسفات، ونطاق (PCP)البروتين الحامل للببتيديل، ونطاق (C) وهو نطاقتكاثف. من النطاقات الأخرى الداخلة في الاصطناع الحيوي للفانكوميسين كل من نطاق (E) وهو نطاقالتصاوغ الصنوي والذي يساهم في تصاوغ الأحماض الأمينية منشكل فراغي لآخر؛ ونطاق (TE) وهو نطاقثيوإستراز. يتفعّل الحمض الأميني المحدد في النطاق A من التحويل إلى معقد إنزيمي منأمينو أسيل أدينيلات المرتبط إلىعامل مرافق من4'-فوسفوبانتيثين عبر تفاعلثيوأسترة.[100][101] ينقل المعقد بعدئذ إلى نطاق PCP عبر التخلص من وحدة أدينوسين أحادي الفوسفات. يستخدم نطاق PCP مجموعة 4'-فوسفوبانتيثين من أجل تحميل سلسلة الببتيد المتناميةوالمركبات الطليعية المتعلقة.[102]
الشكل 3: التحويرات الضرورية على جزيء فانكوميسين كي يصبح ذو فعالية حيوية.
تعد ثلاثةإنزيمات مخلّقةببتيدية لاريبوزومية (NRPSs) وهي VpsA و VpsB و VpsC مسؤولة عن تجميع الببتيد السباعي (طالع الشكل 2).[99] حيث يساهم VpsA في تشفير الوحدات 1 إلى 3، أما VpsB فيساهم في تشفير الوحدات 4 إلى 6؛ في حين أن الوحدة 7 تشفر عبر VpsC. يحتويالجزء اللاسكري من الفانكوميسين على أربع أحماض أمينية D، على الرغم من أن الببتيدات اللاريبوزومية حاوية على ثلاثة نطاقات للتصاوغ الصنوي، إذ لا يعرف مصدر البقايا الطرفية منD-ليوسين. تكون الإنزيمات المخلقة الثلاثة متموضعة في بداية منطقةالمجموع المورثي لبكترياالشعية الفطرية القادرة على اصطناع الفانكوميسين حيوياً؛ وتمتد على مجال من 27 ألفزوج قاعدي.[99] لم يحدد بعد التوقيت الذي تحدث فيه عمليةالكلورة بواسطة الإنزيمهالوجيناز VhaA أثناء عملية الاصطناع الحيوي، ولكن اقترح أن تحدث قبل إتمام عملية التجميع لسباعي الببتيد.[103] بعد اكتمال عملية الاصطناع الحيوي لسباعي الببتيد الخطي، ينبغي لجزيء فانكوميسين أن يخضع إلى تحويرات إضافية من أجل التحول إلى الشكل الحيوي الفعّال؛ وذلك يتم عبر تفاعلاتتشابك تأكسدي وعبرغلكزة (الارتباط بالغليكوزيل) المحفزة من إنزيمات نوعية (طالع الشكل 3). من ضمن هذه الإنزيمات المساهمة في عملية التفعيل الحيوي إنزيماتأكسجيناز مثل OxyA و OxyB و OxyC و OxyD، وهي إنزيماتسيتوكروم بي450 لكل منها دور محدد، إذ يحفز OxyB التشابك التأكسدي بين البقايا الطرفية للأحماض الأمينية في الموقعين 4 و 6؛ ويحفز OxyA في الموقعين 2 و 4؛ ويحفز OxyC في الموقعين 5 و 7. تحدث عملية التشابك التأكسدي تلك في الوقت الذي يكون فيه هيكل سباعي الببتيد الجزيئي مرتبطاًبرابطة تساهمية إلى نطاق PCP السابع؛ ويكون فعل إنزيمات أكسجيناز سيتوكروم بي450 نوعياً وفريداً في عملية الاصطناع الحيوي لهذا المضاد الحيوي.[104]
نجح الباحثون من إجراء عمليةاصطناع كامل للفانكوميسين، سواءًللجزء اللاسكري منه؛[108][109] أو للجزيء الكامل.[110] كان ديفيد إيفانز (David Evans) قد تمكن من ذلك أول مرة في أكتوبر 1998، ثم تلاه نيكولاو (KC Nicolaou) في ديسمبر 1998، ثم ديل بوغر (Dale Boger) في سنة 1999، وتمكن الأخير أيضاً في سنة 2020 من إجراء عملية اصطناع أكثر انتقائية.[108][111][112]
يستهدف الفانكوميسين تَخْليق جدار الخلية البكتيريَّة عبر الارتباط بالبنيَّة الأساسيَّة لجدار الخلية البكتيرية فيالبكتيريا إيجابية الغرام، سواءً أكانت من النوعالهوائي أواللاهوائي.[24] وتحديدًا، يُكوّن الفانكوميسين روابط هيدروجينية مع ببتيدD-ألانيل-D-ألانين (D-Ala-D-Ala) الموجود في طَليعة الببتيدوغليكان، وهي أحد مكونات جدار الخلية البكتيرية.[25]
الببتيدوغليكان هوبَلْمَر يوفر الدعم الهيكلي لجدار الخلية البكتيرية. يُصطنع طَليعة الببتيدوغليكان فيالسيتوبلازم، ثم يُنقل عبر الغشاء السيتوبلازمي إلى الحيز المحيط بهذا الغشتاء، حيث يُجَمّع في جدار الخلية. تتضمن عملية التجميع نشاطين إنزيميين، هما «نقل الغليكوزيل» (بالإنجليزية:Transglycosylation) و«نقل الببتيد» (بالإنجليزية:Transpeptidation). تتضمن عملية «نقل الغليكوزيل» بلمرة طَليعة الببتيدوغليكان في سلاسل طويلة، بينما تتضمن عملية «نقل الببتيد» ارتباطًا تشابكيًا لهذه السلاسل لتشكيل بنيةٍ تشبه الشبكة ثلاثية الأبعاد.[25]
يثبط الفانكوميسين تخليق جدار الخلية البكتيرية عبر الارتباط بأساس الببتيدD-ألانيل-D-ألانين لطلائع الببتيدوغليكان، مما يمنع معالجته بواسطة ناقِلة الغليكوزيل، وبالتالي، يُعطل الفانكوميسين نشاط «نقل الغليكوزيل» في عملية تخليق جدار الخلية. يؤدي هذا التعطيل إلى نقصٍ وخللٍ في جدار الخلية، مما يجعل البكتيريا المتناسخة عرضةً للقوى الخارجية مثلالضغط الإسموزي، مما يمنعها من البقاء على قيد الحياة ويقضي عليها الجهاز المناعي.[25]
البكتيريا سلبية الغرام غير حساسةٍ للفانكوميسين نظرًا لاختلاف شكل جدارها الخلوي. يحتوي الغشاء الخارجي للبكتيريا سلبية الغرام علىعديد السكاريد الشحمي، الذي يعمل حاجزًا يمنع اختراق الفانكوميسين. لهذا السبب، يُستخدم الفانكوميسين بشكلٍ رئيسي لعلاج الالتهابات التي تسببها البكتيريا إيجابية الغرام[25] (باستثناء بعض أنواعالنيسريَّة غيرالبُنِّيَّة).[114][115]
يستطيع جزيء الفانكوميسين الكبيرأليفٌ الماء تكوينروابط هيدروجينيَّة مع مجموعاتD-ألانيل-D-ألانين الطرفيَّة لببتيداتNAM/NAG. يتكون هذا التفاعل في الظروف الاعتياديَّة من خمس نقاطٍ. يمنع ارتباط الفانكوميسين معD-ألانيل-D-ألانين تخليق البوليمرات الطويلةإن-حمض أستيل الميوراميك (NAM)وإن-أسيتيل غلوكوز أمين (NAG) في جدار الخلية البكتيرية، وهي تشكل أساس جدار الخلية البكتيرية، كما يمنع البوليمرات الأساسيَّة من الارتباط التشابكي فيما بينها.[116]
«آلية عمل الفانكوميسين ومقاومته»: يُظهر هذا المخطط واحدةً من الطرق التي يعمل بهما الفانكوميسين ضد البكتيريا (تثبيط الترابط التشابكي لجدار الخلية)، وهي إحدى الطرق العديدة التي يمكن أن تُصبح البكتيريا مقاومةً له.
يُضاف الفانكوميسين إلى البيئة البكتيرية أثناء محاولتها تكوين جدار خلوي جديد. هنا، تكون خيوط جدار الخلية قد صُنعت، ولكنها لم تترابط تشابكيًا بعد.
يتعرف الفانكوميسين على بقايا «D-ألانين» في نهاية سلاسل الببتيد ويرتبط بها. ومع ذلك، في البكتيريا المقاومة، تُستبدل آخر بقايا «D-ألانين» ب«D-لاكتات»، لذلك لا يستطيع الفانكوميسين الارتباط بها.
في البكتيريا المقاومة، تتشكل الروابط التشابكيَّة بنجاح، ومع ذلك، في البكتيريا غير المقاومة (الحساسة)، يمنع الفانكوميسين المرتبط بسلاسل الببتيد هذه البكتيريا من التفاعل بشكلٍ صحيح مع إنزيم الترابط التشابكي لجدار الخلية.
في البكتيريا المقاومة، تتشكل روابط تشابكيَّة مستقرة. أما في البكتيريا الحساسة، لا يمكن تكوين روابط تشابكيَّة وينهار جدار الخلية.
يُعد الفانكوميسين أحد المضادات الحيوية القليلة المستخدمة في زراعة الأنسجة النباتية للقضاء على عدوى البكتيريا إيجابية الغرام، كما أنَّ سُميته منخفضة نسبيًا على النباتات.[117][118]
عُزل الفانكوميسين للمرة الأولى عام 1953 بواسطةإدموند كورنفيلد، والذي كان يعمل آنذاك لدىإيلي ليلي وشركاءه، من بكتيريا في عينة تربةٍ جمعها المبشر ويليام بوو من الأدغال الداخلية لجزيرةبورنيو.[19] سُمي الكائن الحي الذي أنتج الفانكوميسين لاحقًا باسم «Amycolatopsis orientalis».[16] كان الغرض الأصلي من الفانكوميسين هو علاج المكورات العنقودية الذهبية المقاومة للبنسلين.[16][23] كما أنَّ المُركب سمي بدايةً «المركب 05865»، وُأطلق عليه لاحقًا اسم «فانكوميسين».[16]
من المزايا التي ظهرت سريعًا للفانكوميسين أنَّ المكورات العنقودية لم تُطور مقاومةً كبيرةً له، وذلك على الرغم من مرورها المتكرر في أوساط زراعة تحتوي على الفانكوميسين. وقد أدى التطور السريع لمقاومة البنسلين لدى المكورات العنقودية إلى تسريع اعتماده من قِبلإدارة الغذاء والدواء الأمريكية. قامت شركة إيلي ليلي في عام 1958 بتسويق «هيدروكلوريد الفانكوميسين» لأول مرةٍ تحت الاسم التجاري «فانكوسين».[23]
لم يُصبح الفانكوميسين العلاج الأول للمكورات العنقودية الذهبية لعدة أسباب:
يمتلك توافرًا حيويًا فمويًّا ضعيفًا، لذلك يجب إعطاؤه وريديًا لمعظم العداوى.
طُوِّرت لاحقًا البنسلينات جزئية الاصطناع المقاومة للبيتا لاكتام، مثلالميثيسيلين (وما تبعه،النافسيلينوالكلوكساسلين)، والتي تمتلك فعاليةً أفضل ضد المكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميثيسيلين (MRSA).
استُخدم في التجارب الأولى أشكالٌ أوليَّة وغير نقيةٍ من الدواء (طين المسيسيبي)، والتي وُجد أنها سامةٌللأذن الداخليَّة والكلى.[119] أدت هذه النتائج إلى اعتبار الفانكوميسين دواءً يُلجأ إليه ملاذًا أخيرًا.[23]
قد يؤدي الجمع بين مسحوق الفانكوميسين وغسول اليود والبوفيدون إلى تقليل خطر الإصابة بعدوى المفصل المحيط بالبدلة (الطرف الصناعي) في عمليات رأب مفصل الورك والركبة.[123]
^استَحوَذَت شركةشاير على شركة فيروفارما في نوفمبر من سنة 2014 مقابل 4.2 مليار دولار.[120] ثم لم تلبث إلا أن استُحوِذَت هي نفسها من قبلشركة تاكيدا الدوائية في يناير 2019.[121]
^World Health Organization (2023).The selection and use of essential medicines 2023: web annex A: World Health Organization model list of essential medicines: 23rd list (2023). Geneva: World Health Organization.hdl:10665/371090. WHO/MHP/HPS/EML/2023.02.
^Murray BE (مارس 2000)."Vancomycin-resistant enterococcal infections".The New England Journal of Medicine. ج. 342 ع. 10: 710–21.DOI:10.1056/NEJM200003093421007.PMID:10706902.مؤرشف من الأصل في 2022-09-11. اطلع عليه بتاريخ2022-09-11.The first reports of vancomycin-resistant enterococci (later classified as VanA type of resistance) involved strains of E. faecium that were resistant to vancomycin and teicoplanin (another glycopeptide) and that were isolated from patients in France and England in 1986. Vancomycin-resistant E. faecalis, subsequently classified as VanB type, was recovered from patients in Missouri in 1987.
^Bager F، Madsen M، Christensen J، Aarestrup FM (يوليو 1997). "Avoparcin used as a growth promoter is associated with the occurrence of vancomycin-resistant Enterococcus faecium on Danish poultry and pig farms".Preventive Veterinary Medicine. ج. 31 ع. 1–2: 95–112.DOI:10.1016/S0167-5877(96)01119-1.PMID:9234429.S2CID:4958557.
^EP 3846854A2, Mier W, Umstätter F, Uhl P, Domhan C, "Improved polypeptide coupled antibiotics.""نسخة مؤرشفة". مؤرشف من الأصل في 2021-10-08. اطلع عليه بتاريخ2025-03-26.{{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: BOT: original URL status unknown (link)
^ابجدهوPatel S، Preuss CV، Bernice F (2023)."Vancomycin".StatPearls [Internet]. Treasure Island (FL): StatPearls Publishing.PMID:29083794.مؤرشف من الأصل في 2023-04-11. اطلع عليه بتاريخ2023-07-19.
^Blumenthal KG، Patil SU، Long AA (1 أبريل 2012). "The importance of vancomycin in drug rash with eosinophilia and systemic symptoms (DRESS) syndrome".Allergy and Asthma Proceedings. ج. 33 ع. 2: 165–71.DOI:10.2500/aap.2012.33.3498.PMID:22525393.
^ابCafaro A، Stella M، Mesini A، Castagnola E، Cangemi G، Mattioli F، Baiardi G (مارس 2024). "Dose optimization and target attainment of vancomycin in children".Clinical Biochemistry. ج. 125: 110728.DOI:10.1016/j.clinbiochem.2024.110728.PMID:38325652.S2CID:267502279.
^Van Bambeke F (أغسطس 2006). "Glycopeptides and glycodepsipeptides in clinical development: a comparative review of their antibacterial spectrum, pharmacokinetics and clinical efficacy".Current Opinion in Investigational Drugs. ج. 7 ع. 8: 740–9.PMID:16955686.
^Samel SA، Marahiel MA، Essen LO (مايو 2008). "How to tailor non-ribosomal peptide products--new clues about the structures and mechanisms of modifying enzymes".Molecular BioSystems. ج. 4 ع. 5: 387–93.DOI:10.1039/b717538h.PMID:18414736.
^Dewick PM (2002).Medicinal natural products: a biosynthetic approach. New York: Wiley.ISBN:978-0-471-49641-0.
^Herzner H، Rück-Braun K (2008). "38. Crossing the Finishing Line: Total Syntheses of the Vancomycin Aglycon".Organic Synthesis Highlights. John Wiley & Sons. ج. IV. ص. 281–288.DOI:10.1002/9783527619979.ch38.ISBN:978-3-527-61997-9.
^Pazuki A، Asghari J، Sohani MM، Pessarakli M، Aflaki F (2014). "Effects of Some Organic Nitrogen Sources and Antibiotics on Callus Growth of Indica Rice Cultivars".Journal of Plant Nutrition. ج. 38 ع. 8: 1231–1240.DOI:10.1080/01904167.2014.983118.S2CID:84495391.
^Martin VT، Zhang Y، Wang Z، Liu QL، Yu B (يناير 2024). "A systematic review and meta-analysis comparing intrawound vancomycin powder and povidone iodine lavage in the prevention of periprosthetic joint infection of hip and knee arthroplasties".J Orthop Sci. ج. 29 ع. 1: 165–176.DOI:10.1016/j.jos.2022.11.013.PMID:36470703.S2CID:254215681.
تتضمَّن هذه المقالة معلوماتٍ طبَّيةً عامَّة، ليس بالضرورة أن يكون كاتبها طبيبًا متخصِّصًا، وقد تحتاج إلى مراجعة. لا تقدِّم المقالة أي استشاراتٍ أو وصفات طبَّية، ولا تُغنِي عن الاستعانة بطبيبٍ أو مختص. لا تتحمل ويكيبيديا و/أو المساهمون فيهامسؤولية أيّ تصرُّفٍ من القارئ أو عواقب استخدام المعلومات الواردة هنا. للمزيد طالعهذه الصفحة.