غزوة أُحُد هي معركة وقعت بينالمسلمينوقبيلة قريش في يوم السبت السابع من شهر شوال في العام الثالث للهجرة.[1] بين جيش المسلمين بقيادةالرسول محمد، وقبيلة قريش بقيادةأبي سفيان بن حرب.[2][3] غزوة أحد هي ثانيغزوة كبيرة يخوضها المسلمون، حيث حصلت بعد عام واحد منغزوة بدر. وسميت بهذا الاسم نسبة إلىجبل أحد بالقرب منالمدينة المنورة، الذي وقعت الغزوة على أحد السفوح الجنوبية له.[4]
السبب الرئيس للغزوة هو رغبة قريش في الانتقام من المسلمين بعد أن ألحقوا بها الهزيمة في غزوة بدر، ومن أجل استعادة مكانتها بين القبائل العربية التي تضررت بعد غزوة بدر، فجمعت حلفائها لمهاجمة المسلمين في المدينة المنورة. كان عدد المقاتلين من قريش وحلفائها حوالي ثلاثة آلاف، في حين كان عدد المقاتلين المسلمين حوالي ألف، انسحب منهم حوالي ثلاثمئة، ليصبح عددهم سبعمئة مقاتل.[1] قُتل سبعون من المسلمين في الغزوة، في حين قُتل اثنان وعشرون من قريش وحلفائها. يعتقد المسلمون أن نتيجة غزوة أحد تعلم وجوب طاعة النبي محمد، واليقظة والاستعداد، وأن الله أراد أن يمتحن قلوب المؤمنين ويكشف المنافقين كي يحذر الرسول محمد منهم.[5]
كان من نتائجغزوة بدر ازدياد قوة المسلمين،[6] وتهديدهم لطريق قريش التجاري إلى بلاد الشام، بل وشكلوا تهديدًا لنفوذها في منطقة الحجاز بأسرها؛[7] لأن اقتصاد قريش قائم على رحلتي الشتاء والصيف، وإن تم قطع أحد الطرق فذلك يلحق ضررًا بالآخر؛ لأن تجارتهم في بلاد الشام قائمة على سلع اليمن، وتجارتهم في اليمن قائمة كذلك على سلع بلاد الشام.[8] فأرادت قريش أن تهاجم المسلمين لتقضي عليهم قبل أن يصبحوا قوة تهدد كيانهم.
ذهب كل منصفوان بن أمية،وعبد الله بن ربيعة،وعكرمة بن أبي جهل إلىأبي سفيان ليطلبوا منه مال قافلته كي يستطيعوا تجهيز الجيش لمهاجمة المسلمين، حيث كان مقدار ربح القافلة حوالي خمسين ألف دينار، فوافق أبو سفيان، وبعثت قريش مندوبين إلى القبائل لتحريضهم على القتال، وفتحت باب التطوع للرجال من قبائلالأحباشوكنانةوأهل تهامة. فجمعت قريش ثلاثة آلاف مقاتل مع أسلحة و700 درع، وكان معهم أيضًا 3 آلاف من البعير و200 فَرسًا و15 ناقة ركبت عليهن 15 امرأة لتشجيع المقاتلين، وتذكيرهم بما حدث في غزوة بدر، ودعمهم في حال الحاجة.[9][10] وكانت القيادة العامة للجيش بيد أبي سفيان، في حين كانخالد بن الوليد قائد الفرسان بمعاونة عكرمة بن أبي جهل، أما قيادة اللواء فكانتلبني عبد الدار.
في أثناء استعداد قريش وحلفائها للقتال، طلب أبو سفيان منالعباس بن عبد المطلب أن يشارك في قتال المسلمين، لكنه رفض وأخبر الرسولمحمد سرًا بالخطر الذي يتهدد المسلمين، فقال الرسول محمد: «قد رأيت والله خيرًا رأيت بقرا تذبح، ورأيت في ذباب سيفي ثلمًا، ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة» والمقصود بالبقر التي تذبح هو عدد من الصحابة يقتلون، أما المقصود بالكسر «الثلم» الذي يحصل للسيف فهو إصابة أحد أهل بيت النبي محمد.[11][12] وقامت فرقة من الصحابة منالأنصار بحراسة الرسول محمد، على رأسهم:سعد بن معاذ،وسعد بن عبادة،وأسيد بن حضير، وقامت مجموعات من الصحابة بحراسة مداخل المدينة المنورة وأسوارها.[12] وكانت خطة المسلمين في المعركة هي أن يجعل الرسول محمد المدينة أمامه، وجبل أحد خلفه، ووضع خمسين من الرماة على قمة هضبة عالية مشْرفة على ميدان المعركة، وكان قائدهم هوعبد الله بن جبير. وأمرَهم الرسول بالبقاء في أماكنهم وعدم مغادرتها إلا بإذن منه، حيث قال لهم: «ادفعوا الخيل عنا بالنبال»، وقام بتقسيم الجيش إلى عدة أقسام واستلم قيادة المقدمة.
سلكت قريش مع حلفائها الطريق الغربية الرئيسية، وعند وصولهم إلى الأبواء اقترحتهند بنت عتبة زوجة أبي سفيان على الجيش أن يقوم بنبش قبر أم الرسول محمد، لكنه رفض الطلب لما قد يكون له من عواقب وخيمة. وتابع الجيش مسيره حتى اقترب من المدينة المنورة، فعبر منوادي العقيق الذي يقع شمال المدينة المنورة بجانبأحد، ثم انحرف إلى جهة اليمين حتى وصل مكانًا يدعى عينين في منطقةبطن السبخة عند قناة على شفير الوادي، وعسكر هناك. وعندما علم المسلمون بتقدم قريش وحلفائها، أمر الرسول محمد السكان بالبقاء في المدينة، بحيث إذا أقامت قريش في معسكرها كانت إقامتهم بلا فائدة، وإذا قرروا دخول المدينة يدافع عنها الرجال في مداخل الأزقة، والنساء على سطوح البيوت، ووافقه على هذا الرأي «زعيم المنافقين»عبد الله بن أبي سلول كي يستطيع الانسحاب من المعركة دون أن يعلم أحد بذلك.
عندما تقارب الجمعان وقف أبو سفيان ينادي أهليثرب بعدم رغبةمكة في قتال يثرب واستناداً إلى سيرةالحلبي فإن عرضأبو سفيان قوبل بالاستنكار والشتائم وهنا قامت زوجتههند بنت عتبة مع نساءمكة يضربن الدفوف ويغنين:
وأعطى الرسول راية جيشهلمصعب بن عمير وهو أيضا منبني عبد الدار منقريش وجعلالزبير بن العوام قائدا لأحد الأجنحةوالمنذر بن عمرو قائدا للجناح الآخر ورفض الرسول مشاركةأسامة بن زيدوزيد بن ثابت في المعركة لصغر سنهما[14] ودفع الرسول سيفه إلىأبي دجانة الأنصاري وكان مشهورا بوضع عصابة حمراء أثناء القتال وكان مشهورا أيضا بالشجاعة والتبختر بين الصفوف قبل بدء المعركة وقال فيه الرسول واستنادا إلىالسهيلي في كتابه «الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية» «إنها لمشية يبغضهاالله إلا في مثل هذا الموطن».
وفي هذه الأثناء انتشرالمسلمون على شكل كتائب متفرقة واستطاعت نبالالمسلمين من إصابة الكثير من خيل أهلمكة وتدريجيا بدأ جيشمكة بإلقاء دروعهم وتروسهم تخففا للهرب وآخر وفي هذه الأثناء صاح الرماة الذين تم وضعهم على الجبل «الغنيمة، الغنيمة» ونزل 40 منهم إلى الغنيمة بينما بقيت ميمنةخالد بن الوليد وميسرةعكرمة بن أبي جهل ثابتة دون حراك وفي هجمة مرتدة سريعة أطبقت الأجنحة على وسطالمسلمين وتمكنت مجموعة من جيشمكة من الوصول إلى موقع الرسول.
استنادا إلىالطبري فإنه عند الهجوم على الرسول تفرق عنه أصحابه وأصبح وحده ينادي «إليّ يا فلان، إليّ يا فلان، أنا رسول الله» واستطاععتبة بن أبي وقاص الزهري القرشي أن يصل إلى الرسول ويكسر خوذة الرسول فوق رأسه الشريف وتمكنعبد الله بن شهاب الزهري القرشي من أن يحدث قطعا في جبهة الرسول وتمكنعبد الله بن قمئة الليثي الكناني من كسر أنفه وفي هذه الأثناء لاحظ أبو دجانة حال الرسول فانطلق إليه وارتمى فوقه ليحميه فكانت النبل تقع في ظهره وبدأ مقاتلون آخرون يهبون لنجدة الرسول منهممصعب بن عمير وزياد بن السكن وخمسة من الأنصار فدافعوا عن الرسول ولكنهم قتلوا جميعا وعندما قتل عبد الله بن قميئة الليثي الكناني الصحابيمصعب بن عمير ظن أنه قتل الرسول فصاح مهللا «قتلت محمدا» ولكن الرسول في هذه الأثناء كان يتابع صعوده في شعب الجبل متحاملا علىطلحة بن عبيد اللهوالزبير بن العوام واستنادا إلى رواية عنالزبير بن العوام فإن تلك الصرخة كانت عاملا مهما في هزيمةالمسلمين حيث قالابن العوام «وصرخ صارخ: ألا إن محمدا قد قتل، فانكفأنا وانكفأ القوم علينا»[15]
هناك آراء متضاربة عن الشخص الذي أطلق تلك الصيحة التي اشتهرت عندالمسلمين باسم صرخة الشيطان فيقولالبيهقي «وصاح الشيطان: قتل محمد» بينما يقولابن هشام «الصارخ إزب العقبة، يعني الشيطان» وهناك في سيرةالحلبي الصفحة 503 المجلد الثاني، رواية عنعبد الله بن الزبير أنه رأى رجلا طوله شبران فقال من أنت؟ فقال إزب فقال بن الزبير ما إزب؟ فقال رجل منالجن[16]
وقد أقبلأبي بن خلفالجمحي القرشي على النبي عليه الصلاة والسلام -وكان قد حلف أن يقتله- وأيقن أن الفرصة سانحة، فجاء يقول: «يا كذّاب أين تفر!» وحمل على الرسول بسيفه، فقال النبي: بل أنا قاتله إن شاء الله، وطعنه في جيب درعه طعنة وقع منها يخور خوار الثور، فلم يلبث إلا يوماً أو بعض يوم حتى مات. ومضى النبي يدعوالمسلمين إليه، واستطاع -بالرجال القلائل الذين معه- أن يصعد فوق الجبل، فانحازت إليه الطائفة التي اعتصمت بالصخرة وقت الفرار. ووجد النبي بقية من رجاله يمتنع بهم، وعاد لهؤلاء صوابهم إذ وجدوا الرسول حياً وهم يحسبونه مات.
ويبدو أن إشاعة قتل النبي سرت على أفواه كثيرة، فقد مرأنس بن النضر بقوم منالمسلمين ألقوا أيديهم وانكسرت نفوسهم فقال: ما تنتظرون: قالوا: «قتل رسول الله صلَّى الله عليه وسلم» فقال: «وما تصنعون بالحياة بعده؟. قوموا فموتوا على ما مات عليه».. ثم استقبلالمشركين فما زال يقاتلهم حتى قتل.
روىمسلم: «أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم أفرد يومأحد في سبعة منالأنصار ورجلين منقريش، فلما أرهقهالمشركون قال: من يردهم عني ولهالجنة؟ فتقدم رجل منالأنصار، فقاتل حتى قتل، ثم رهقوه، فقال من يردهم عني ولهالجنة، فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة. فقال رسول الله: ما أنصفنا أصحابنا -يعني من فَرُّوا وتركوه». وقتل من جيش أهل مكة أولاد سفيان بن عويف الكناني الأربعة: أبو الحمراء وأبو الشعثاء وخالد وغراب.[17] فتركت هذه الاستماتة أثرها، ففترت حدَّةقريش في محاولة قتل الرسول، وثاب إليه أصحابه من كل ناحية وأخذوا يلمون شملهم ويزيلون شعثهم. وأمر النبي صحبه أن ينزلواقريشاً من القمة التي احتلوها في الجبل قائلاً: ليس لهم أن يعلونا، فحصبوهم بالحجارة حتى أجلوهم عنها.
وقد أصابالصحابة التعب والنعاس فقد داعب الكرى أجفان البعض من طول التعب والسهر، فإذا أغفى وسقط من يدهالسيف عاودته اليقظة فتأهب للعراك من جديد ويقولالمسلمون ان "هذا من نعمة الله على القوم فقد جاء فيالقرآن﴿ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ١٥٤﴾ [آل عمران:154].
وظن المسلمون -لأول وهلة- أنقريشاً تنسحب لتهاجمالمدينة نفسها، فقال النبيلعلي بن أبي طالب: اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون؟ فإن هم جنَّبواالخيل وامتطواالإبل فإنهم يريدونمكة، وإن ركبوا الخيل وساقواالإبل فهم يريدونالمدينة؛ فوالذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرنَّ إليهم ثم لأناجزنهم فيها. قال علي: فخرجت في آثارهم فرأيتهم جنبواالخيل وامتطواالإبل واتجهوا إلىمكة.
ومن المواقف الشهيرة في هذه المعركة موقفأبو دجانة فقد روى ثابت "عن النبي صلَّى الله عليه وسلم قال أنه أمسك يوم "أحد" بسيف ثم قال: من يأخذ هذا السيف بحقه؟ فأحجم القوم. فقالأبو دجانة: أنا آخذه بحقه، فأخذه ففلق به هامالمشركين". قالابن إسحاق "كانأبو دجانة رجلاً شجاعاً يختال عند الحرب، وكانت له عصابة حمراء إذا اعتصب بها عُلِم أنه سيقاتل حتى الموت، فلما أخذ السيف من يد رسول الله صلَّى الله عليه وسلم تعصَّب وخرج يقول:
أنا الذي عاهدني خليلـي
ونحن بالسفح لدى النخيـل
ألاَّ أقوم الدهر في الكيول
أضرب بسيف الله والرسـول
وموقفحنظلة بن أبي عامر خرجحنظلة بن أبي عامر من بيته حين سمع هواتف الحرب، وكان حديث عهد بعرس، فانخلع من أحضان زوجته، وهرع إلى ساحة الوغى حتى لا يفوته الجهاد وهو جنب فاستشهد وسمي بغسيلالملائكة.
ومنها ما فعلهسعد بن الربيع فقد روىابن إسحاق: «قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم : من رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع؟ أفي الأحياء هو أم في الأموات؟ فقال رجل من الأنصار: أنا. فنظر، فوجده جريحاً في القتلى وبه رمق. فقال له: إن رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) أمرني أن أنظر، أفي الأحياء أنت أم في الأموات؟ فقال: أنا في الأموات، فأبلغ رسول الله صلَّى الله عليه وسلم سلامي! وقل له: إن سعد بن الربيع يقول لك: جزاك الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته! وأبلغ قومك عني السلام وقل لهم: إن سعد بن الربيع يقول لكم: إنه لا عذر لكم عند الله إن خُلِص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف».[18]
قالابن أبي الحديد: «وقد روى هذا الخبر جماعة من المحدّثين، وهو من الأخبار المشهورة، ووقفتُ عليه في بعض نسخ مغازي محمد بن إسحاق، ورأيت بعضها خالياً عنه، وسألت شيخي عبد الوهّاب بن سكينة عن هذا الخبر، فقال خبر صحيح، فقلت: فما بال الصحاح لم تشتمل عليه؟ قال: أو كلّما صحيحاً تشتمل عليه كتبُ الصحاح؟ كم قد أهمل جامعوا الصحاح من الأخبار الصحيحة».
انتهت المعركة بأخذقريش ثأرها فقد قتلوا 70مسلما بسبعين مقاتلا منمكة يوممعركة بدر وفيسورة آل عمران إشارة إلى هذا حيث ينص الآية 165 :﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ١٦٥﴾ [آل عمران:165].[19] وكان من القتلى 4 منالمهاجرينومسلم قتل عن طريق الخطأ على يدمسلمين آخرين وكان اسمه اليمان أبا حذيفة فأمرهم الرسول أن يخرجوا ديته وكانت خسائر أهلمكة حوالي 23 مقاتلا.[20] وأمر الرسول أن يدفن قتلى المسلمين حيث أستشهدوا بدمائهم وألا يغسلوا ولا يصلى عليهم وكان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد.
وقد حزن الرسول على مقتل عمهحمزة، قالابن مسعود: «ما رأينا رسول اللهﷺ باكياً قط أشد من بكائه علىحمزة بن عبد المطلب، وضعه في القبلة، ثم وقف على جنازته، وانتحب حتى نشع من البكاء"[21] وروي أنه "كان رسول اللهﷺ يعزحمزة، ويحبه أشد الحب، فلما رأى شناعة المثلة في جسمه تألم أشد الألم، وقال: لن أصاب بمثلك أبداً، ما وقفت قط موقفاً أغيظ إليَّ من هذا».
روىالإمام أحمد: "لما كان يوم أحد، وانكفأالمشركون قال رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم): استووا حتى أثني على ربي عز وجل!. فصاروا خلفه صفوفاً فقال: اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لما أضللت، ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت؛ ولا مقرِّب لما باعدت، ولا مبعِّد لما قربت. اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك.اللهم إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول. اللهم إني أسألك العون يوم العَيْلة، والأمن يوم الخوف. اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا وشر ما منعتنا. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين. اللهم توفنا مسلمين وأحينا مسلمين وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين. اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك ويصدون عن سبيلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك. اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب إله الحق".
أنس بن النضر سمع في غزوة أحد أن الرسول قد مات، وأنه قتل، فمر على قوم منالمسلمين قد ألقوا السلاح من أيديهم، فقال لهم: «ما بالكم قد ألقيتم السلاح؟» فقالوا: «قتل رسول الله»، فقال أنس : «فما تصنعون بالحياة بعد رسول الله؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله».
واندفعأنس بن النضر في صفوف القتال، فلقيسعد بن معاذ، فقال أنس: «يا سعد والله إني لأجد ريح الجنة دون أحد»، وانطلق في صفوف القتال فقاتل حتى قتل، وما عرفته إلا أخته ببنانه، وبه بضع وثمانون ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ورمية بسهم. وقد كان أنس لم يشاركغزوة بدر فعزم النية لله على أنه في الغزوة القادمة سوف يفعل ما لا يفعله أحد وصدقت نيته إذا كانت غزوة أحد بعد بدر بسنة واحدة.
سعد بن الربيع الأنصاري سأل عنه النبيزيداً بن ثابت قائلاً: «يا زيد ! ابحث عنسعد بن الربيع بين القتلى في أحد فإن أدركته فأقرئه مني السلام، وقل له: يقول لك رسول الله: كيف تجدك؟» أي: كيف حالك؟. وانطلقزيد بن ثابت ليبحث عنسعد بن الربيع الأنصاري فوجده في آخر رمق من الحياة، فقال له: «يا سعد! رسول الله يقرئك السلام، ويقول لك: كيف تجدك؟» فقالسعد بن الربيعلـزيد بن ثابت: «وعلى رسول الله وعليك السلام، وقل له: إني والله لأجد ريح الجنة»، ثم التفت سعد وهو يحتضر إلىزيد بن ثابت، وقال: «يا زيد بلغ قومي من الأنصار السلام، وقل لهم: لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله مكروه وفيكم عين تطرف».
ذُكر انعمرو بن الجموح رجل أعرج لا جهاد عليه، فقد أسقط الله عنهالجهاد، لكنه سمع نداء: يا خيل الله اركبي، حي على الجهاد، وأراد أن ينطلق للجهاد في المعركة فقال أبناؤه الأربعة: «يا أبانا لقد أسقط الله عنك الجهاد، ونحن نكفيك». فبكىعمرو بن الجموح وانطلق إلى النبي ليشتكي قائلاً: «يا رسول الله! إن أبنائي يمنعوني من الخروج للجهاد في سبيل الله، ووالله إني لأريد أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة»، فقال النبي: «يا عمرو فقد أسقط الله عنك الجهاد، فقد عذرك الله جل وعلا». ومع ذلك رأى النبي رغبة عارمة في قلبعمرو بن الجموح لخوض المعركة، فالتفت النبي إلى أبنائه الأربعة قائلاً لهم: «لا تمنعوه! لعل الله أن يرزقه الشهادة في سبيله». وانطلقعمرو بن الجموح يبحث عن الشهادة في سبيل الله، وقتل في المعركة. ومر عليه النبي بعدما قتل فقال: «والله لكأني أنظر إليك تمشي برجلك في الجنة وهي صحيحة».
لم يشترك من نساءالمسلمين في تلك المعركة إلا امرأة واحدة هيأم عمارةنسيبة بنت كعب النجارية الخزرجية فلما رأت النبي في أرض المعركة قد تكالب عليه أعداؤه من يمنة ويسرة رمت القراب التي كانت تسقي بها جرحىالمسلمين، وأخذت تدافع عنه. فقال الرسول عنها: «ما رأيت مثل ما رأيت من أم عمارة في ذلك اليوم، ألتفتُ يمنة وأم عمارة تذود عني، والتفت يسرة وأم عمارة تذود عني»، وقال لها النبي في أرض المعركة: «من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة ؟! سليني يا أم عمارة» قالت: «أسألك رفقتك في الجنة يا رسول الله» قال: «أنتم رفقائي في الجنة».
لما رأى النبي هجومالكفار قال لنفر ممن حوله من شبابالأنصار: «من يردهم عنا وهو رفيقي في الجنة»، فتسابقوا حتى قتلوا جميعاً واحداً تلو الآخر وهم ستة من الرجال.
قالابن إسحاق: «وكان ممن قتل يوم أحدمخيريق، وكان أحد بني ثعلبة بنالفطيون من اليهود، قال : لما كان يوم أحد، قال :يا معشر اليهود، والله لقد علمتم أن نصر محمد عليكم لحق، قالوا : إن اليوم يوم السبت، قال : لا سبت لكم. فأخذ سيفه وعدته، وقال : إن أصبت فماليلمحمد يصنع فيه ما يشاء، ثم غدا إلى الرسول، فقاتل معه حتى قتل؛ فقال رسول الله - فيما بلغنا – مخيريق خير اليهود».
لقد جمعمحمد الناس حوله على أنه عبد الله ورسوله، والذين ارتبطوا به عرفوه إماماً لهم في الحق، وصلة لهم بالله. فإذا مات عبد الله، ظلَّت الصلة الكبرى بالحيِّ الذي لا يموت باقية نامية:
^الراوي: محمد بن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي صعصعة | المحدث: الألباني المصدر: فقه السيرة | الصفحة أو الرقم: 269 خلاصة حكم المحدث: إسناده معضل| توضيح حكم المحدث: إسناده لا يصح موقع الدرر السنية