| علال الفاسي | |
|---|---|
| معلومات شخصية | |
| الميلاد | 10 يناير1910 فاس |
| الوفاة | 13 مايو 1974 (64 سنة) بوخارست |
| سبب الوفاة | مرض قلبي وعائي |
| مواطنة | |
| الديانة | الإسلام |
| عضوية | مجمع اللغة العربية بدمشق |
| الأولاد | عبد الواحد الفاسي |
| أقرباء | محمد الفاسي [لغات أخرى] (ابن عم(ة)/خال(ة)) عباس الفاسي (صهر) محمد الوفا (صهر) نزار بركة (حفيد) |
| عائلة | عائلة الفاسي |
| مناصب | |
| الحياة العملية | |
| الحركة الأدبية | وحدة عربية |
| المدرسة الأم | جامعة القرويين |
| المهنة | |
| الحزب | حزب الاستقلال |
| اللغات | العربية |
| التيار | وحدة عربية |
| تعديل مصدري -تعديل | |
علال بن عبد الواحد بن عبد السلام بن علال بن عبد الله بن المجذوب الفاسي الفهري، زعيم وطني، من كبارالخطباء العلماء فيالمغرب. ولدبفاس وتعلمبالقرويين.[1] (10 يناير1910 –13 مايو1974)،سياسيوكاتبمغربي، مؤسسحزب الاستقلال وزعيمالحركة الوطنية المغربية،
كان له دور محوري، في تشكيل المشهد السياسي والاجتماعي في المغرب على مدى أكثر من نصف قرن. كأحد القادة المؤسسينلحزب الاستقلال، قادالكفاح الوطني من أجل استقلالالمغرب عنالاستعمار الفرنسي والإسباني، مستخدمًا فكره الثوري وخطبه المؤثرة لتحفيز الشعب المغربي على النضال من أجلالحرية.
كان علال الفاسي أحد أعلام الحركة الإسلامية الحديثة التي ظهرت فيالقرن العشرين والتي دعت إلى نوع من السلفية التجديدية، رفقةمحمد عبدهورشيد رضاومحمد الطاهر بن عاشور وغيرهم.[2] دعا إلى مزج القيم الإسلامية معالحداثة، مما ساهم في تشكيل الهوية الوطنية المغربية وترسيخ مفهوم دولة المؤسسات القائمة علىالشريعة الإسلامية والمبادئالديمقراطية.
اعتمد علال الفاسيالوسطية كمنهج فكري يقوم على الاعتدال والإنصاف، ويضمن سلامة التصورات والمواقف التي تستند إلى المرجعية الدينية وتستشرف مستقبل الأمة.[3]
ولا يزال إرث علال الفاسي حاضرًا بقوة في المشهد السياسي المغربي، حيث تستمر عائلته في قيادة حزب الاستقلال، أعرق الأحزاب المغربية. ولا زال الحزب يواصل تأثيره في الحياة السياسية. هذا الامتداد التاريخي لعائلة الفاسي داخل الحزب يعكس تأثير علال الفاسي العميق والمستدام في بناء المغرب الحديث وتعزيز الوحدة الوطنية.
وُلد علال الفاسي في10 يناير1910 في مدينةفاس، ونشأ في بيت علم ودين، فأبوه عبد الواحد كان يشتغل بالتدريس فيجامعة القرويين، وعمل بالقضاء لعدة سنوات. وينتمي لأسرةعربية عريقة هاجرت منالأندلس إلىالمغرب واستوطنت بمدينة فاس تحت اسم بني الجد واشتهرت بآل الفاسي الفهري،[4] ومن هذه الأسرة السيدةفاطمة بنت محمد الفهري التي بنت بمالهاجامع القرويين الشهير، عام245هـ .
يقول علال الفاسي: "إنني واحد من إحدى الأسر التي عاشت سبعة قرون فيالأندلس المسلمة وهاجرنا منها حينما تغلبت النصرانية عليها ومنعت أسلافنا من إعلان ديانتهم وإقامة شعائرها، وها هي ذي قرون أخرى قد مضت علينا ونحن في المغرب نحس فيها بنوع من الشوق إلى ذلك الماضي الزاهر في الأندلس، ونتمنى بكل إخلاص لو أنقد الله تلك الديار مما أصابها، ولكننا لا نعتبر أبدا الأندلس وطنا لنا، وإنما نعتبر المغرب وطننا كأننا لم ننحدر إليه من غيره، لأنه الذي يحقق لنا مدلول هذه الآية القرآنية: (وَالذِينَ تَبَوَّءُو اُ۬لدَّارَ وَالِايمَٰانَ)."[5]
التحق علال الفاسي وهو دون السادسة من عمره بالكُتّاب، حيث حفظالقرآن الكريم كاملا، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ثم التحق بإحدى المدارس الابتدائية الحرة التي أنشأها زعماءالحركة الوطنية فيفاس، غيرة على اللغة العربية وانتشارها،[6] وكانتالمملكة المغربية آنذاك قد خضعت لما يسمىالحماية الفرنسية سنة (1330هـ =1912م) ووقعت في براثن الاحتلال.
انتقل بعد ذلك إلى جامعةالقرويين، وهي واحدة من أهم جامعاتالعالم الإسلامي، تخرج فيها كل زعماء الحركة الوطنية المغربية، وحفظت لبلادالمغرب لسانها العربي وثقافتها الإسلامية, برزت شخصية علال الفاسي في هذه الفترة وهو لا يزال طالبا، ولفت الأنظار بفصاحته وعذوبة لسانه وقدرته على التأثير في مستمعيه،[7] وجرأته في قول الحق، فشارك في الدفاع عن قضية تزويد مدينةفاس بالماء، وكانت سلطات الاحتلالالفرنسي تحاول حرمان السكان منها، وساعدعبد الكريم الخطابي في جهاده ضد الاحتلال الفرنسي، أسس أول جمعية سرية[7] أطلق عليها «جمعيةالقرويين لمقاومة المحتلين» جمع إليها زملاؤه من الطلاب، وظل علال الفاسي على نشاطه الدائب حتى نال شهادة العالمية من جامعة القرويين سنة (1351هـ=1932م) ولم يتجاوز الثانية والعشرين من عمره.
تتلمذ علال الفاسي على عدد من كبار العلماء في المغرب خلال أوائل القرن العشرين. ومن بين أشهر الأساتذة الذين يُذكرون عادة في سيرته نجد:
العلامة السلفيمحمد بن العربي العلوي والذي درس عليه المختصر بشرحالدردير، والتحفة بشرح الشيخ التاودي بن سودة، وجمع الجوامع بشرحالمحلي، والكامل في الأدبللمبرد، ومقامات الحريري، وعيون الأخبارلابن قتيبة، يقول في كتابهالنقد الذاتي: "كان أولَ من أثّر في حياتي العلمية والفكرية العلامةُ المجاهد محمد بن العربي العلوي، فقد كنتُ أرى فيه المثال الأعلى للعلم والجرأة والشجاعة الأدبية.”[8]
الشيخ العلامةالمحدثأبو شعيب الدكالي عالم القرويين الذي قرأ عليهصحيح البخاري؛ وقد حصل علىالشهادة العالمية عام1932، ولم يتجاوز عمره الثانية والعشرين.[9]
ادريس الجاي ومحمد بن الحسن الوزاني من شيوخ القرويين أيضا، ذكرهم علال الفاسي في كتابه" الحركات الاستقلالية"، عندما تحدث عن تعليمه بالقرويين قائلا: “تلقيتُ العلم في جامع القرويين على نخبة من العلماء الذين كان لهم أثرٌ عظيم في تكويني، وفي مقدمتهم الشيخ إدريس الجاي والشيخ محمد بن الحسن الوزاني…”[10]
وقرأ على الشريفالمفتي الحسين العراقيالألفية بشرحالمكودي، والتفسير، وعلىالقاضيأحمد بن المامون البلغيثيأحكام القرآنلأبي بكر ابن العربي، وعلى محمد ابن عبد المجيد أقصبي كتابمغني اللبيب عن كتب الأعاريب ، وعلى القاضي عبد الله الفضيليجمع الجوامع بشرح المحلي ، والمختصر بشرح الزرقاني ، والخرشي والرهوني وبناني ، وعلى الفقيه الرباني أحمد العمراني و الفقيه الشيخأبي شعيب الدكالي صحيح الإمام البخاري، وعلى الفقيه محمد بن عبد الرحمن العراقيألفية ابن مالك والاستعارة،
وقرأ منظومة السلم بشرح الشيخ بناني على الفقيه المعقولي القاضي العباس بناني ، وعلىالفقيه المحدث محمد بن الحاج السلميالتفسير، وعلى الفقيهمحمد بن حعفر الكتاني دروسا منمسند الإمامأحمد بن حنبل ، وسردالكتب الستة على أبيه وعمه القاضيعبد الله الفاسي . وعلى الشريف السلفي علي الدرقاويزاد المعاد في هدي خير العباد، وأدب الدنيا والدين، والشمائل المحمدية، وتابع دراسته إلى أن انتهى الموسم الدراسي فظفر بالفوز مكللا بأكاليل النجاح حاصلا على الشهادة العالمية ، وبعد التخرج صار يقوم بدروس تطوعية في مختلفالعلوم بجامع القرويين .[11]
عمل علال الفاسي مدرسًا بالمدرسة الناصرية خلال سنوات دراسته بالقرويين. وبعد تخرجه وحصوله على إجازة من والده، ومن عمه الفقيهعبد الله الفاسي، ومن شيخيه العلامتينأبي شعيب الدكاليومحمد بن جعفر الكتاني، وتولّى تدريسالتاريخ الإسلاميبجامع القرويين. وتوسّع نشاطه الأكاديمي لاحقًا، فاشتغل أستاذاً محاضراً بكلية الشريعة التابعةلجامعة القرويينبفاس، كما عمل محاضراً بكليتي الحقوق والآداببجامعة محمد الخامس بالرباط، ومحاضراً بدار الحديث الحسنيةبالرباط. وهو صاحب فكرة إنشاءوزارة للشؤون الإسلاميةبالمغرب. كما كان من أشد الداعمين لإنشاء دار الحديث الحسنية، إذ حثّ الملكالحسن الثاني على إحداثها سنة 1964. وكان له الدور البارز في تطوير جامعة القرويين واستحداث كليات الشريعة وأصول الدين واللغة العربية.
وكان له فضل إذ حث الملك سنة1964م على إنشاءدار الحديث الحسنية. كما كان له دور بارز في تطوير جامعة القرويين واستحداث كلية الشريعة وكلية أصول الدين وكليةاللغة العربية. وكان عضوًا ومقرراً عامًا في لجنة مدونة الفقه الإسلامي التي شُكلت في فجر الاستقلال المغربي. كما أن له باعًا طويلًا وقدماً راسخة في الفقه الإسلامي وخاصة الفقه المالكيوالفقه المقارن، وله اجتهادات فقهية يحتج بها علماءالمغربوالجزائروتونس. وانتخب عضوا مراسلا فيمجمع اللغة العربية بدمشقوبمجمع اللغة العربية بالقاهرة.[12]
عُيّن أستاذًا للقانون في جامعة الرباط حديثة النشأة بعدالاستقلال، وشارك في أبريل1957 في مأدبة رسميةبطنجة إلى جانبالحبيب بورقيبة وعبد الله كنون. وفي أكتوبر من العام نفسه شُكّلت لجنة لتقنين مدونة الأحوال الشخصية، فاختير علال الفاسي لرئاستها، بينما أُسندت إليه مهمة “المقرر”. وفي عام1960 عُيّنوزيرًا للدولة مكلفًا بالشؤون الإسلامية، قبل أن ينسحب من الحكومة مع بقية أعضاء حزب الاستقلال سنة1962،[12] وظل يشغل منصبي رئيس الحزب وأمينه العام بين عامي 1960 و1967.
في العقدين الأولين من القرن العشرين عمل علال الفاسي على تنظيم الطلبة[7] وحشدهم بهدف التحريض ضد الاحتلال الفرنسي وما خلّفه من فساد في ربوع الوطن. وقد أدّى هذا النشاط إلى تأسيس أول جمعية وطنية سرّية سنة 1925، التفّ حولها نخبة من الطلاب الرافضين للسياسات الاستعمارية. منذ انطلاقتها،[13]
"وقد عملت منذ البداية، على مقاطعة كل ما هو أجنبي؛ من بضائع وشاي ودخان وملابس وغيرها، وخصوصا منها الفرنسية"[14]
وظهر وعيه السياسي سنة1925 عندما حاولت السلطات الفرنسية الاستيلاء على مياه وادي فاس لتحويلها إلى الشركات الفرنسية. وعندما التحق بجامعةالقرويين، ارتبط بالطلبة الأكبر سناً الذين بدأوا نشاطهم الوطني منذ سنة1919. ويصف الفاسي تطور البدايات الأولى للنشاط الوطني في المغرب، وتأثير الحركة السلفية، في كتابه الحركات الاستقلالية في المغرب العربي[15] قائلاً:
«وجد الشباب المغربيّ في حركة السلفية ميداناً للعمل ومركزاً للتدريب على الخدمة المنضبطة والتضحية. وقد أنشؤوا مراكز في فاس والرباط وتطوان للمشاركة في الشؤون العامة، وكانت معارضة الشيوخ الذين استفادوا من نظام الحماية في طليعة برنامج عملهم. وظهرت مجموعات دراسية صغيرة تبحث القضايا العامة البارزة وتعمل على تنوير الرأي العام بشأنها. وكانت جامعة القرويين في فاس ملتقى للطلاب من مختلف أنحاء البلاد، وكنا نرى من واجبنا أن نغرس فيهم روح السلفية والمبادئ الوطنية».
وفي سنة1926، أنشأ الفاسي نشرة وطنية بعنوان«أمّ البنين». وفي سنة1927، أسّس مع طلبة آخرين في القروييناتحاد الطلبة الذي سعى إلى «تطهير الإسلام» وإلى إصلاح مناهج التدريس في الجامعة. وقد اتحد هذا الاتحاد سنة 1929 مع جماعة«أنصار الحق»، وهي مجموعة طلابية في الرباط يقودها أحمد بلافريج، لتشكيل«الرابطة المغربية».
وبحلول سنة1930، بدأ الفاسي يلقي دروساً في المساجد والمدارس القرآنية وجامعة القرويين، متناولاً سيرة النبي والخلفاء الراشدين. وتخرج في الفقه الإسلامي سنة 1930 أو 1932 وفق اختلاف المصادر. وقد استغل هذه الدروس والمحاضرات العامة للتعبير عن آرائه السياسية وانتقاد نظام الحماية الفرنسية، وهو ما اعتبرته الإدارة الفرنسية تهديداً. ولذلك أصدر المقيم العام سنة 1933 ظهيراً يمنعه — إلى جانب اثنين من أساتذة القرويين — من إلقاء الخطب والدروس العامة، كما مُنع من دخول المغرب في أغسطس1933 بعد زيارة لفرنسا، وتم تجريده مع زملائه من صفته كعالم في جامعة القرويين.

انخرط علال الفاسي فيالعمل الوطني المغربي ومقاومة المحتلالفرنسي، وتنقسم مسيرته الجهادية بعدة مراحل. في بداية نشاطته تأسيس جمعية من زملائه الطلبة فيالقرويين أطلق عليها «جمعية القرويين لمقاومة المحتلين» لدعم المجاهدالمغربيّعبد الكريم الخطابي. وأيّد موقف شيوخهالدكاليوالعلوي بمعارضةالظهير البربري،
وفي أعقاب صدور هذاالظهير، بدأعلال الفاسي تنسيق جهوده مع وطنيين آخرين مثلأحمد بلافريج لإثارة احتجاجات شعبية ضد الظهير. وقد رأى الفاسي أن هذا التدبير «همجي» و«محاولة لإبادة السكان الأصليين» من خلال قمع الثقافة العربية والإسلامية واستبدالها بعادات ما قبل إسلامية. وألقى الفاسي عدة خطب للتحذير من الظهير، وكانت فصاحته وخطاباته المؤثرة تحرك الجماهير للخروج في مظاهرات حاشدة، ما أدى إلى اعتقاله مرتين ونفيه إلىتازة أثناء دراسته فيجامعة القرويين.
ونفته إلى بلدةتازة، ثم عاد بعد الإفراج عنه إلىفاس سنة1931م، فمنعته من التدريس، فانصرف إلى جامع القرويين يلقي الدروس العلمية الليلية عن تاريخ الإسلام، وعن سيرة نبي الإسلام، مقارنا بين حالة المسلمين الأوائل وواقع إخوانهم المعاصر، وقد جذبت هذه الدروس اهتمام المغاربة من الرجال والنساء، ولم يكتف بهذا، فاختار نخبة من زملائه وأوفدهم إلى شتى القرى للتوعية وتأجيج الشعور الوطني.
, في عام 1933م حاولت الإدارة الفرنسية اعتقاله مجددًا فسافر إلىإسبانياوسويسرا، واتصل بالمنظّر والقومي العربي اللبنانيشكيب أرسلان وجماعته، وتعاون معه.
في غشت 1933، قام الزعيم علال الفاسي بزيارة إلى تطوان وطنجة لتعزيز التنسيق مع مناضلي الكتلة الوطنيّة في الشمال، حيث أُقيم له حفل تكريم شارك فيه الأستاذعبد الخالق الطريس والحاجمحمد بنونة وثلة من روّاد الحركة الوطنية بالمنطقة الخليفية. وقد أكّد الفاسي خلال لقائه بهم على الهدف المشترك المتمثّل في تحرير البلاد، وانتزاع الاستقلال، وصيانة وحدة الوطن الترابية والسياسية.[16]
وعاد إلىالمغرب عام1934م. التقى الفاسي بالسلطان محمد بن يوسف, في يناير 1934، اقترحت السلطات الاستعمارية على علال الفاسي تولّي حقيبة العدل داخل الحكومة الشريفة بغرض كسب ولائه، إلا أنه رفض المنصب، مبرزاً أنّه لا يمكنه الاضطلاع بأي مسؤولية ما دام المغاربة مجردين من النفوذ الحقيقي ولا يتحكمون في شؤونهم الإدارية.[16]
في تلك السنة نشرت الكتلة الوطنية (الكتلة) برنامج الإصلاحات سنة باللغتين العربية والفرنسية. وكان علال الفاسي أحد الموقّعين العشرة على هذا البرنامج، وقد قدّم نسخة منه إلى المقيم العام الفرنسي رفقة محمد الديوري. وتضمّنت مطالب برنامج الإصلاحات إلغاء الظهير البربري، وتوحيد الأنظمة القانونية تحت مظلة المذهب المالكي، وتوسيع نظام التعليم المفتوح أمام المغاربة، وإنشاء مجالس بلدية، وترقية المغاربة إلى المناصب العليا، وجعل اللغة العربية لغة رسمية.
ولم يطالب البرنامج صراحةً بالاستقلال، بل دعا إلى الإصلاح وإعادة الثقة في الأهداف التي نصّ عليها معاهدة فاس لسنة 1912. وقد قال علال الفاسي في سياق شرحه لفلسفة هذا البرنامج:
«كان برنامج الإصلاح وسيلة بارعة للجمع بين المعاهدات القائمة ومصالح البلاد؛ ففي القسم الاقتصادي مثلاً، دعت الكتلة إلى سياسة الباب المفتوح وحرية التجارة، تماشياً مع مقررات مؤتمر الجزيرة الخضراء. وقد صُمّمت هذه المنصة لاستمالة دعم الأحزاب اليسارية في فرنسا، وكذلك الدول الموقعة على مؤتمر الجزيرة الخضراء، وفي الوقت نفسه كانت ملائمة لمصالح المغرب في تلك الظروف».
ساهم علال الفاسي سنة1936 في تأسيسكتلة العمل الوطني، التي تُعد أول تنظيم سياسي في المغرب الحديث، وقد نشأت من رحم الحركة الاحتجاجية ضد الظهير البربري، والمطالبة بالإصلاح الوطني وتولّى الفاسي رئاستها. هدفت الكتلة إلى إلغاء الظهير، توحيد الأنظمة القانونية تحت المذهب المالكي، توسيع التعليم، إنشاء مجالس بلدية، وترقية المغاربة إلى المناصب العليا مع جعل اللغة العربية رسمية. لعب الفاسي دور الرئيس والقائد الفكري للكتلة، مستخدماً المحاضرات العامة والدروس لنشر الفكر الوطني وتحفيز الحركة الاحتجاجية. كما شارك في صياغة برنامج الإصلاحات سنة 1934، الذي دعا للإصلاح وإعادة الثقة في أهداف معاهدة فاس، مساهماً بذلك في تشكيل الوعي الوطني والمطالبة بحقوق المغاربة. كما أسس أول نقابة للعمال سنة 1936م.
اندلعت أعمال شغب في مختلف مناطق المغرب سنة 1937 احتجاجاً على محاولة السلطات الفرنسية تحويل إمدادات المياه في منطقة مكناس لريّ المزارع الفرنسية. وبعد تقديم وثيقة مطالب الشعب المغربي سنة 1937م للسلطات الحماية، في 18 مارس 1937 أصدرت الإقامة العامة الفرنسية بالمغرب قرارا بحل الكتلة وأقفلت مكاتبها بالقوة. وتعذر الحصول على ترخيص لتأسيس حزب جديد، فعقد مؤتمر يمثل معظم فروع الكتلة بالرباط في أبريل 1937 تمخض عنه تأسيس الحزب الوطني،

نفي علال الفاسي سنة 1941 إلى الغابون،[17] ثم إلىالكونغو حتى سنة 1946.[18] وظل حبيساً في زنزانةٍ، ولم يسمحوا له بمصحفٍ إلا بعد عامٍ ونصف. وقد بررت الإدارة الاستعمارية هذا القرار، في إحدى الوثائق، باتهامه بالتآمر لإسقاطنظام الحماية وتنصيب نفسه ملكاً، غير أنّ هذا الأمر كان مستبعداً، لكون الفاسي لم يكن قد دعا بعدُ إلى الاستقلال ولا كان معارضاً للمؤسسة الملكية. وجاء نفيه نتيجة قيادته للجماهير الشعبية في تأكيد وحدة الشعب المغربي، ودوره في تأسيسكتلة العمل الوطني سنة 1934، إضافةً إلى أن نشاطه السياسي أخلّ بالاستقرار الذي كانالاستعمار الفرنسي يسعى إلى فرضه.[17][19]
خلال فترة نفيه فيالغابون (1937–1946). ورغم ظروف الإبعاد القاسية، ازدادت وطنيته صلابة، وظل وفيًّا لقضيةاستقلال المغرب. مع اندلاع الصراع بينحكومة فيشي و«فرنسا الحرة» سنة 1940، وانضمام الولاة العسكريين في الغابون إلى صفّديغول، بدأت «فرنسا الحرة» تدرك وزن الفاسي داخلالحركة الوطنية المغربية، فسعت إلى التواصل معه طمعًا في كسب دعمه. أوفدت سلطات ديغول مبعوثًا يطلب منه تقريرًا عن القضية المغربية مقابل وعود بتحسين وضعه وربما العفو عنه. غير أنّ الفاسي تمسّك بموقفه، وكتب مذكرة موجّهة إلى الجنرال ديغول يدين فيها السياسات الاستعمارية، ويطالب صراحةً باستقلال المغرب، مؤكدًا أن التعاون مع فرنسا الحرة لا يمكن أن يتم إلا في إطار يضمن حقوق بلاده الوطنية.[6] أثار موقفه اهتمام ديغول، فأمر بجولة مفاوضات ثانية، عُرض خلالها على الفاسي الانخراط فيمشروع «فرنسا الحرة». ورغم إبدائه الاستعداد للحوار، وضع شرطًا ثابتًا: إعلان استقلال المغرب.
أما ديغول فاكتفى بالتأكيد أن «ملف الفاسي» سيحظى بالاهتمام، دون التزام واضح، ما أبرز مكانة الفاسي وصلابته في مواجهة فرنسا الحرة. وقد أدّى تشبثه بمطلب الاستقلال إلى استمرار نفيه أربع سنوات إضافية، ليظل رمزًا للمقاومة السياسية المغربية.
وبموازاة ذلك، استمر تأثيره داخل الحركة الوطنية؛ فقد اعتبره الباحث إيان شو أن «سنوات نفيه أكسبته هالة الشهيد السياسي». عاش الفاسي في عزلة شبه كاملة لمدة تسع سنوات،[20] ولم يُتح له سوى اتصال محدود بعائلته. واصل الوطنيون خطّه السياسي بتأسيس حزب الاستقلال يوم 11 يناير 1944 وتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، مع اختياره رئيسًا للحزب وهو ما يزال في المنفى.

جاء تقديم عريضة 11 يناير 1944 للمطالبة بالاستقلال تتويجًا لتطور التنظيم الوطني، وشكّل ذلك اللحظة التي برز فيها حزب الاستقلال كقوة سياسية منظَّمة داخل الحركة الوطنية. اختارت قيادة الحزب علال الفاسي رئيسًا وهو لا يزال في المنفى، وهي خطوة أربكت سلطات الحماية ورسّخت تقارب الحزب مع السلطان محمد الخامس. وقد تلت العريضة موجة من التظاهرات والقمع قبل الإفراج عن القادة سنة 1946 وعودة الفاسي إلى المغرب، حيث تولّى قيادة الحزب بصفة رمزية كـ"الزعيم" وأسسجريدة العَلَم.
عرف الحزب بين 1944 و1956 توسعًا كبيرًا؛ إذ ارتفع عدد أعضائه من بضعة آلاف إلى نحو 1.6 مليون مع بداية الاستقلال. وبعد سنة 1956 تبلورت داخله تيارات مختلفة: جناح يميني محافظ يمثله القادة المخضرمون مثل علال الفاسي وأحمد بلافريج، وجناح يساري يقوده شباب المقاومة والنقابيون مثلالمهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد، وكان الخلاف بينهما فكريًا وسياسيًا حول دور الدولة، ومسألة القواعد الأميركية، وطبيعة النظام السياسي بعد الاستقلال. رأس علال الفاسي الحزب حتى وفاته عام 1972، ثم خلفهمحمد بوستة حتى 1998 حيث تولى القيادةعباس الفاسي.

بسبب تشدد السياسات الفرنسية واشتداد الخلافات داخل الحركة الوطنية، غادر علال الفاسي المغرب في أواخر الأربعينيات متوجهًا إلى القاهرة حيث أقام سنوات طويلة. شكّل هذا الانتقال نوعًا من "المنفى الاختياري" الذي أتاح له الانخراط في العمل العربي المشترك. في القاهرة نسج علاقات مع عدد من القادة العرب، من بينهم أمين الحسيني، كما تواصل مع جماعة الإخوان المسلمين ضمن شبكة العلاقات السياسية التي كانت تجمع الفاعلين في قضايا التحرر الوطني كما شارك إلى جانبعبد الكريم الخطابي وعبد الخالق الطريس والحبيب بورقيبة في تأسيس لجنة تحرير المغرب العربي.
. في سنة 1952 قام علال الفاسي بجولة دولية واسعة شملت أوروبا والأمريكتين والشرق الأوسط، بهدف حشد الدعم للقضية المغربية. ومثّل بلاده أمام الأمم المتحدة في مسعى لتدويل ملف الاستقلال والضغط على فرنسا. وقد ساهمت هذه التحركات في توسيع الاعتراف الدولي بعدالة المطالب المغربية رغم محدودية الإصلاحات التي قدمتها فرنسا آنذاك.
يوم 20 غشت 1953، بعد ساعات قليلة من اعتقال ملك المغرب محمد الخامس وجه من منفاه نداء القاهرة للشعب المغربي عبر إذاعة صوت العرب، مكالبا المغاربة بإشهار السلاح في وجه إدارة الاحتلال الفرنسي.[7]
خلال إقامته بمصر ألّف أبرز كتبه، ومنها حركات الاستقلال في شمال إفريقيا العربية (1947) والنقد الذاتي (1951)
في 20 أغسطس 1953 نُفي السلطان محمد الخامس من طرف الفرنسيين. وقد أدى نفيه إلى صعود النزعة الوطنية المسلحة في المدن والبوادي, أمن علال الفاسي بأن الاستعمار لن يخرح إلا بالطريقة التي دخل بها، أي بالسلاح: فتأسسجيش التحرير المغربي، بزعامه علال الفاسي.[5] ,امن بأن المقاومة المسلحة لا يمكن أن تنجح إلا أذا شملت تونس والجزائر, لدلك اجتمع مع قادة من البلدين وأرسل السلاح للجزائر في بواخر سياحية مرت عبر مدينة الناضور.[5]
في 1 أكتوبر 1955 شنّ جيش التحرير هجومًا على المواقع الفرنسية في منطقة تازة انطلاقًا من المنطقة الخاضعة للحماية الإسبانية. ومن القاهرة أعلن علال الفاسي أن جيش التحرير يخوض نضالًا من أجل تحرير محمد الخامس وبقية شمال إفريقيا، ورفض الدخول في أي مفاوضات مع فرنسا قبل عودة الملك. وقد عاد السلطان بالفعل في نوفمبر من العام نفسه. في 17 أكتوبر توجّه الفاسي من القاهرة إلى تطوان وقام بجولة في المنطقة الإسبانية، واستُقبل بحشود كبيرة في مدن مثل تطوان والعرائش والقصر الكبير. وفي مارس، عُقد لقاء بين قيادة جيش التحرير وقيادة حزب الاستقلال، وبعده أعلن علال الفاسي انتهاء حرب التحرير، وفي 16 مارس 1956 التقى علال الفاسي بعبد الخالق الطريس واتفقا على دمج حزبيهما. وفي الشهر نفسه وُقّع إعلان استقلال المغرب، وتخلّت إسبانيا عن المنطقة الشمالية في أبريل.[21]
تكشف رسائل علال الفاسي عن المكانة المحورية للمؤسسة الملكية في مشروع التحرر الوطني، إذ أدرك مبكرًا أن الاستعمار يسعى إلى ضرب الوحدة الوطنية عبر فصل الحركة الوطنية عن الملك محمد الخامس. وقد حاولت السلطات الاستعمارية المناورة مع وفد الحركة الوطنية بإغرائه بتولّي الحكم بدل الملكية، وفي الوقت نفسه إشعال التوتر بينها وبين الملك من خلال الادعاء بأنها تطمح إلى الحلول محل السلطان. غير أنعلال الفاسي زعيم الحركة الوطنية أحبط هذه المساعي بتشبثه بمطلب “عودة الملك إلى عرشه أولًا” قبل أي تفاوض، ورفض أي تدخل فرنسي في شؤون البلاد. كما أكد الفاسي في مراسلاته أن الاستقلال لا يمكن تصوره دون عودة الملك، وانتقد الصيغ الاستعمارية الملتبسة مثل “الحكم الذاتي الداخلي” الهادفة إلى تفريغ مطلب الاستقلال من مضمونه.[22]

يتجلّى التضامن مع الثورة الجزائرية عند علال الفاسي في بعدين أساسيين: الموقف السياسي والموقف الفكري-النضالي. سياسياً، كان علال الفاسي من أوائل القيادات المغاربية التي أعلنت تأييدها الصريح للثورة الجزائرية منذ اندلاعها سنة 1954، معتبراً أن استقلال المغرب لا يكتمل إلا باستقلال الجزائر، وأن التحرر في المنطقة المغاربية «قضية واحدة ومصير مشترك». لذا لعب دوراً بارزاً في توحيد الموقف المغاربي داخل المحافل الدولية، وخاصة في الأمم المتحدة، حيث دافع بقوة عن حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره. فكرياً ونضالياً، اعتبر الفاسي الثورة الجزائرية امتداداً طبيعياً لمقاومة الاستعمار الفرنسي في المغرب، ورآها نموذجاً لحق الأمة في دفع الظلم ومواجهة الاحتلال. وقدّم دعماً معنوياً وإعلامياً للمجاهدين الجزائريين، مؤكداً أنّ الكفاح المشترك ضرورة لبناء اتحاد مغاربي قوي بعد الاستقلال.[23]
التقى علال الفاسي بقادة جبهة التحرير الوطني الجزائري، مثل العربي بن مهيدي، ومحمد بوضياف، وحسين آيت أحمد، في اجتماع أشرف عليه فتحي الديب.
بعد نيلالمغرب استقلاله سنة1375هـ/1955م ورجوع الملكمحمد الخامس إلى عرشه،[24] عاد علال الفاسي إلى المغرب بعد غياب عشر سنوات قضاها فيالقاهرة،[24][25] وعاود نشاطه القديم فتولى رئاسة حزب الاستقلال الذي أنشئ من قبل،[24] واختير عضوا رئيسيا في مجلس الدستور لوضعدستور البلاد، ثم انتخب رئيسا له،[26] وقدم مشروع القانون الأساسي، وشارك في وضع الأسس الأولى لدستور سنة 1962م، ودخل الانتخابات التي أجريت سنة1383هـ/1963م ودخل الوزارة، وإليه يرجع الفضل في إنشاء مشروعوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.[27] بعد وفاة الملك محمد الخامس، تولى وزارة الدولة للشؤون الإسلامية عام1961م،[24] ثم استقال عام1963م، وانضمّ بحزبه، حزب الاستقلال، إلى صفوف المعارضة.[24][28]
في يوليو 1956 نشر علال الفاسي في جريدة العَلَم خريطةً للمغرب تضم كامل موريتانيا وأجزاء من الجزائر الغربية وقسمًا من شمال مالي وكامل الصحراء الإسبانية.[29][30][31] وكان يرى أنّ استقلال المغرب لا يكتمل إلا باستقلال الجزائر واسترجاع المغرب لـ“حدوده التاريخية”.[29][31][32]
وفي صيف 1956 نجا من محاولة اغتيال قرب بولمان، إبان جولة في القرى الأمازيغية حيث ألقى خطبًا عن الخلفية التاريخية والدينية المشتركة بين الأمازيغ والعرب.
وللحفاظ على نفوذه، لجأ الحكم بقيادة حزب الاستقلال إلى ممارسات قمع سياسي أدت إلى اندلاع ثورة الريف. وبعدها بدأت التوترات تتصاعد داخل المجتمع المغربي بسبب الفقر الواسع ومعارضة استمرار القواعد العسكرية الأميركية، مما وسّع الهوة داخل الحزب.
بحلول ربيع 1958 استجاب الملك محمد الخامس لمعظم مطالب حزب الاستقلال، فعين أحمد بلافريج رئيسًا للحكومة ووزيرًا للخارجية، وعبد الرحيم بوعبيد وزيرًا للمالية والاقتصاد، مع احتفاظ القصر بمناصب أساسية. لكن في صيف العام نفسه انشق الجناح اليساري عن القيادة المحافظة،[33] وانتقد حكومة بلافريج ودعا إلى موجة إضرابات. استقال بوعبيد عقب ثورة الريف.
حاول الملك أولًا التوسط عبر علال الفاسي لرأب الصدع داخل الحزب. واقترح الفاسي منح اليساريين عدة حقائب وزارية، لكن بوعبيد رفض وطالب بتعيين إدريس المحمدي وزيرًا للداخلية نظرًا لمعرفته بالقبائل وقدرته على التحدث بالأمازيغية. وبعد فشل الفاسي، دعم الملك الجناح اليساري بتعيينعبد الله إبراهيم، زعيم الاتحاد المغربي للشغل، رئيسًا للحكومة. وقد نجحت هذه الخطوة في تعميق الانقسام وأدت إلى تقاعد علال الفاسي مؤقتًا من الحزب، وإقصاء المهدي بن بركة، مما تمخض عنه تأسيسالاتحاد الوطني للقوات الشعبية بقيادةالمهدي بن بركة. وبعد ذلك عاد علال الفاسي إلى قيادة حزب الاستقلال.
في الحكومة والمعارضة
بين يونيو 1961 ويناير 1963 تولى الفاسي وزارة الشؤون الإسلامية.[34] وكانت الوزارة حينها ذات دور محدود، مهمتها الأساسية الإشراف على الأوقاف. خلال فترة وزارته نص دستور 1962 على لقب “أمير المؤمنين” للملك، وأقرّ الملكية الدستورية والبرلمان.
وفي 1961 تأسست رابطة علماء المغرب في طنجة برئاسته. لكنه استقال بسبب “قضية البهائيين”، وهي توقيف 14 بهائيًا في الناظور سنة 1962 بتهمة التبشير. كان الفاسي من أبرز المؤيدين لمحاكمتهم، وحاول إظهار حماسه للدفاع عن الإسلام، حتى إنه ذهب إلى مدى أبعد مما قام به الملك. وبعد الانتقادات الدولية الواسعة استقال إحراجًا.
انتُخب نائبًا في البرلمان في مايو 1963 وبقي حتى 1965. وفي عهد الحسن الثاني أصبح من رموز المعارضة. فبرغم تبنيه الملكية الدستورية، فإنه عارض تزايد السلطوية في حكم الحسن الثاني.
وفي محاولتي الانقلاب العسكري سنتي 1971 و1972، كان الفاسي حاضرًا في الأولى وأصيب خلالها. وبعد ذلك دعا الحسن الثاني حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية لدخول الحكومة وشكلا معًا الكتلة الوطنية. بدأت محادثات مع القصر، لكنها انهارت حين أعلن الملك دستورًا جديدًا دون التشاور مع الأحزاب. فقاطعت الكتلة الاستفتاء الدستوري، ورفض الفاسي علنًا عرضًا جديدًا للمشاركة في الحكومة.

كان علال الفاسي يرى أن المغرب يجب أن يكون مستقلًا ومرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالثقافة العربية والإسلامية، وقد سعى إلى تعزيز الهوية العربية. وقد أثّر هو وحزب الاستقلال في صياغة السياسة الثقافية للمغرب، بما يعرّف الهوية الوطنية المغربية من خلال جذورها العربية والإسلامية، ودافع عن دعم اللغة العربية والتعليم الإسلامي. كان علال الفاسي يؤمن بأن التعليم سيؤدي دورًا حاسمًا في جعل المغرب دولة تقوم على الحضارة العربية والثقافة الإسلامية. وفي نظره، كانت سياسة التعريب، ولا سيما في المرحلة الابتدائية، ضرورية لتعزيز هوية مغربية متجانسة ثقافيًا، إذ كان يرى أن الحفاظ على اللهجات المحلية يطرح مشكلة أمام الوحدة السياسية والاجتماعية. وكان يعتقد أن اللغة، بوصفها وسيطًا لنقل الأفكار، تؤثر تأثيرًا بالغًا في عقلية الناس. وأطلق عدة حملات عامة، من بينها عريضة سنة 1970 مؤيدة للتعريب، وُقِّعت من قِبل 500 مثقف وعالِم إسلامي ونُشرت في جريدة العلم التابعة لحزب الاستقلال. واقترح أن يُضاف وصف "المملكة العربية" إلى دستور 1962، لكن الملك رفض الطلب. كما كان من الداعمين لجامعة الدول العربية.
دعا علال الفاسي إلى أن تكون الشريعة الأساس الذي يقوم عليه النظام القانوني في المغرب. كما سعى إلى إحياء الاجتهاد، طالب امة نظام قضائي قائم على الفقه المالكي، وكانت مدوّنة الأحوال الشخصية التي شارك في تقنينها معتمِدة على هذا الفقه.
عارض الفاسي القانون العُرفي السائد في بعض مناطق المغرب، ونعته بـالجاهلي، أي «عرف ما قبل الإسلام» الذي يجب إلغاؤه. ورأى أنه لا يقلّ «فظاعة» عن بعض عادات القبائل الإفريقية، وأنه يحرم النساء من حقوق منحها لهنّ الشرع، مثل حق الميراث. لذلك سعى إلى تطهير الشريعة من الابتكارات المتأخرة والعناصر العرفية التي رآها عائقًا أمام تحقيق العدالة الاجتماعية.
كان تقنين قانون الأسرة عبر المدوّنة بمثابة الخطوة الأولى نحو أسلمة النظام القانوني بأكمله. ورغم مشاركته المحورية في وضعها، لم ينجح في فرض الولاية الكاملة للمحاكم الشرعية. فقد كان يعتقد أن النخب ذات التوجه الغربي والمتخرّجة من المدارس الفرنسية في المغرب أصبحت تمثّل امتدادًا للأفكار الغربية، واستغلّت مواقعها في الدولة لحصر الشريعة في قضايا الأحوال الشخصية والميراث فقط. وفي نظر الفاسي، فإن الاستعمار الفكري استمرّ في المغرب خلال الستينيات رغم رحيل الفرنسيين عام 1956.
وفي سياق الفقه الإسلامي، يضع الباحثوائل حلاق علال الفاسي ضمن فئة الإصلاحيين النفعيين الذين حاولوا البقاء ضمن حدود النظريات والمنهجيات القانونية الإسلامية التقليدية، مع مراعاة حاجة النظام القانوني إلى التحديث.[35] وقد سعى الفاسي إلى تجديد الفقه الإسلامي اعتمادًا على مفاهيم مثل الاستحسان والمصلحة.
كان علال الفاسي أحد أبرز السلفيين في المغرب، وقد تأثر بالسلفية خلال دراسته في جامعة القرويين. ودعا إلى ما سمّاه «السلفية الجديدة» (السلَفية الحديثة). كما ارتبط اسم علال الفاسي في كتابات عدد من الباحثين بـالإصلاحية الإسلامية.[36] اختلف الفاسي اختلافًا كبيرًا عن «السلفيين النُّقَاة» الذين كانوا أقرب في مواقفهم إلىالوهابية في السعودية، وقد رفض هؤلاء تصوّره للسلفية. كان الفاسي يرى السلفية حركةً لإحياء الإسلام، وعرّفها تعريفًا واسعًا يشمل أي مُصلِح منذ القرن التاسع الميلادي ما دام يؤمن بالتوحيد، ويدعو إلى تطبيق الشريعة، ويسعى لمنع تدهوُر حال الأمة، ويقاوم الاستبداد. وهكذا، فإن كلًا منابن رشد ومحمد بن عبد الوهاب يمكن – في نظره – أن يُعَدّا سلفيَّيْن.
كان مجددا،[37] يشجع طلابه على قراءة كتاباتمحمد رشيد رضا ومحمد عبده، ويَعدّهما من المؤثرين في البرنامج السلفي المغربي، إلى جانبجمال الدين الأفغاني. ويرى الباحثان فريدريك ويري وأنور بُوخَرْص أن الفاسي نظر إلى السلفية باعتبارها «قوة بنّاءة تُنمّي التقدّم وتُوَقِد الوعي الثوري الوطني». كما اعتقد أن السلفية مرادف للوطنية.[38] لم تكن السلفية عند الفاسي مرتبطة بمسائل الصفات الإلهية أو بعقيدة كلامية محددة؛ بل كان يعتبرها الالتزام بالقرآن والسنة مع مواكبة «تطور طرائق التفكير»، والاعتناء بالعقل، والتأمل في المبادئ الإنسانية في القرآن. وكان معجبا بالمالكية وكتب في هذا الصدد:
"إنّ قراءة أخبار مالك ورجال مذهبه تطهر النفس، وتزكي القلب، وتفتح الذهن، وتنمي المعرفة، وتعطي القدوة الحسنة لمن أراد أن ينهج منهج الصالحين".[39]
رأى أيضًا أن المغرب مهيّأ بطبيعته للسلفية الإصلاحية بسبب تراثه الصوفي في الورع والانضباط، على الرغم من معارضته للصوفية في القرن العشرين. فقد كان يعتبر الصوفية – في صورتها الحديثة – مناقضة لتصوره للإسلام بوصفه دينًا عقلانيًا، تقدميًا، وموافقًا للحداثة. وبسبب نزوعه الوطني، كان يعتقد أن التصوف المغربي ظلّ أرثوذكسيًا حتى القرن الخامس عشر، بخلاف سلفيين آخرين مثل محمد رشيد رضا الذين انتقدوا الصوفية.
تكشف كتابات الفاسي حسب الباحث حمزة صالح، على هيمنة الفكر السلفي الذي يعتبر الماضي والإسلام وسيلتين لاستعادة نهضة حديثة على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية، مع الميل إلى الرؤية الديمقراطية في مشروعه السياسي.[40]
اعتمد علال الفاسي الوسطية كمنهج فكري يقوم على الاعتدال والإنصاف، يضمن سلامة التصورات والمواقف، و تستند إلى المرجعية الدينية وتستشرف مستقبل الأمة.[3] وصف الباحث محمد أكياس علال الفاسي بالسلفي المنفتح والليبرالي المحافظ، الذي راهن على المزاوجة بين الموروث والحداثة.[41] مضيفا بأن علال الفاسي ساهم في تطوير خطاب إصلاحي يدعو إلى تحديث المجتمع وتحريره من البدع والخرافات، والاستفادة من الثقافة الغربية بما لا يتعارض مع قيم الدين الإسلامي الصحيح.[41]
شكّل الفكر المقاصدي أحد المكونات الأساسية في مشروع علال الفاسي الفكري والإصلاحي. ويعدّ الفاسي من أبرز من أعادوا إحياء مقاصد الشريعة في المغرب خلال القرن العشرين، من خلال التركيز على ربط التشريع بالمصلحة العامة، وتوسيع مجالات المقاصد لتشمل الفرد والمجتمع والدولة.
فقد جعل التفكير في الأمة والعالم أولى من فكرة المصالح والمفاسد التي تعد محور النظر المقاصدي، وقد عبر على هذا التوجه الجديد الدكتور جمال الدين عطية أتناء حديثه عن المقاصد العالية للشريعة والمفاهيم التأسيسية، حيث قال: «وهنا كذلك نجد في عبارة الفاسي أن عمارة الأرض وحفظ نظام التعايش هو المقصد، وأن صلاح المستخلفين فيها هو وسيلة لتحقيق ذلك، ثم يتابع متسائلا: « ترى هل عبارات كل من ابن عاشور وعلال الفاسي هي محاولة لمزيد من تجريد المقاصد العالية بجعل فكرة المصالح والمفاسد مجرد وسيلة وإبراز فكرة الأمة والعالم وعمارة الأرض ربما...»[42]
ولعلَّ إحدى أهمّ إضافات علّال الفاسي في المقاصد، تركيزه على الوظائف التشريعيَّة الممكنة لفقه المقاصد. يقول رضوان السيّد في هذا الصدد: «فإنَّ الفاسي يُركّز على فلسفة التَّشريع أو نظريَّة الشَّريعة، ولذلك فقد عقد للمرَّة الأولى فصلاً طويلاً عن حقوق الإنسان في الشَّريعة مؤسّساً إيَّاها على الضرورات الخمس، ومضيفاً إليها أصل الحريَّة باعتباره من المصالح الأساسيَّة»[43]
ظهر وعي علال الفاسي السياسي تجاه فلسطين منذ أواسط عشرينات القرن العشرين، حين تابع أحداثها الكبرى وشهد معاناة شعبها، وتوطدت قناعته بعد دعمه لثورة 1936 واعتباره السياسات البريطانية تمكينًا واضحًا للمشروع الصهيوني. وشارك بقوة في الدفاع عن القدس والمقدسات خلال أحداث البراق سنة 1929، إذ حشد الوطنيين للتوقيع على عريضة احتجاج ضد السياسة البريطانية. وقد رافق هذا الوعي المبكر نضالٌ واسع عبر الساحة العربية، إذ حاضر في المغرب ومصر والجزائر وإسبانيا وفرنسا، وأقام علاقات وثيقة مع المقاومين الفلسطينيين، بمن فيهم ياسر عرفات، وساهم في دعم منظمة التحرير الفلسطينية ماديًّا وفكريًّا وإعلاميًّا، معتبرًا القضية جهادًا مقدسًا.
تعزّز هذا الانخراط أكثر خلال إقامة الفاسي في القاهرة زمن تقسيم فلسطين سنة 1947، وما تلاه من تهجير وقتل، فرأى في ذلك «نكبة لم يمر بها العرب من قبل» وقضية تحرّر للأراضي المقدسة. وبعد هزيمة 1967، ازداد تشبثه بالدفاع عن فلسطين، متأثرًا ببروز المقاومة المسلحة وبالحراك المغربي الداعم للقضية عبر التبرعات وتأسيس الجمعيات.
انعكست مواقفه في مؤلفاته وخطبه، مثل كتب:«القضية الفلسطينية والقدس في الفكر والوجدان» و**«دائمًا مع الشعب»** و**«كي لا ننسى»**، حيث تناول مأساة النكبة وأسبابها ومواقف العرب والدول الأجنبية. وحذّر من الاستعمار الصهيوني بوصفه أداة للاستعمار الغربي، وربط القضية برفضه للقومية العربية التي رأى فيها بدعة غربية مفرّقة، وبالدعوة إلى الخلافة الإسلامية باعتبارها الإطار القادر على توحيد المسلمين وتحرير فلسطين.
وقد طرح الفاسي تصورًا «مبتكرًا» للحل، يقوم على إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية غير دينية، يتعايش فيها العرب واليهود على أساس المساواة وعودة اللاجئين، مع قبولها في جامعة الدول العربية، معتبرًا القضية ليست نزاعًا سياسيًا فحسب، بل قضية تحرّر روحي وتاريخي تتطلب وحدة المسلمين ونبذ القومية الضيقة.[44]
كتب في وصف الاحتلال للأراضي الفلسطينية كتب في كتابه “القضية الفلسطينية والقدس في الفكر والـوجدان":[45]
“استعمار مُرَكّب، صهيوني، إسرائيلي، ديني، غربي؛ يَسْتَعْمِل إسرائيلَ والصّهيونيةَ أداةً مُسَخّرَةً لخِدمتِه مُقابِلَ إسنادِها وتأييدِها”(الكتاب، ص: 35)
كما وظف الفاسي الشعر والأدب لنشر الوعي بالقضية الفلسطينية، محذرًا من الانقسامات العربية وموجّهًا الدعوة إلى الوحدة والتضامن. وقد ظل موقفه ثابتاً حتى أواسط سبعينيات القرن العشرين، مؤكداً أن صون القدس والدفاع عن حقوق الفلسطينيين مسؤولية أخلاقية ووطنية، تجمع بين العمل السياسي، الفكري، والثقافي:[46]
لَبّيكَ إنّا مُجمِعونَ على الفِدا
ومُصَمِّــمون على اقـتِــحـــامِ العَودَةِ
لا بُدَّ مِـــن يَومٍ يَرِفُّ لواؤنـــــا
بالقُدْسِ في المسْرى وعندَ الصّخْرةِ
مِن وقاطِع ثُّم قـــاوِم إنـــــــــها
سُبُــل النّـــجــاةِ لَـــنَـا وأجْـــــدَى عُـــدّةِ
قاطِعْ عَدُوّكَ في المرافِق كُلِها
واصْبِر على تِـلكَ الطّريقةِ واثْبُــــتِ
قاوِم عَدُوّكَ لا تُرِحْهُ فإنّمــــــــــا
يَــطْـغَـى بِـراحَــتِــه التي لَـم تَــفْــــــلِـــــتِ
واثْبُت بأرْضْكَ لا تُفارِقْها فما
يَقضي علينا غيرُ تلْك الـفُرْقةِ
إيهٍ فلسطينُ الحبيبةُ إنّــنا
أبناؤُكِ الأحرارِ أهْلُ الـعَزْمَةِ
سنَخوضُ فيكِ معاركاً موصولةً
تَقْضِي بنَصْرٍ للعُروبةِ صَيِّتِ[47]
في كتابه «النقد الذاتي» يقدّم علال الفاسي[8] رؤية واضحة وحاسمة في مجابهة التغريب، أو ما يسميه التبعية غير الواعية للغرب، ويرى أن خطورته لا تكمن في الاحتكاك بالحضارة الغربية ذاتها، بل في الاستلاب الفكري الذي يجعل بعض المثقفين ينقلون الأفكار الغربية إلى الواقع الإسلامي دون تمحيص أو مراعاة للخصوصيات الحضارية والدينية للمجتمع. يؤكد الفاسي أن التغريب ليس تطوراً ولا تحديثاً، بل هو تشبّه فارغ يقطع الأمة عن جذورها الفكرية ويعمّق أزمة الهوية. فالمشكل عنده ليس في الأخذ من الغرب، بل في الأخذ بلا روح وبدون منهج نقدي. لذلك يدعو إلى الاستفادة الواعية من منجزات الحضارة الغربية عبر غربلتها ووزنها بميزان القيم الإسلامية ومقاصد الشريعة.ويحمّل الكاتب النخب مسؤولية استمرار مظاهر التغريب بسبب ضعف الثقة بالذات وإهمال الاجتهاد والتجديد المنطلق من الداخل. كما يحذّر من أن التقليد الأعمى يؤدي إلى التبعية السياسية والاقتصادية، ويجعل الأمة عاجزة عن بناء مشروعها الحضاري المستقل. وبالمقابل، يطرح الفاسي بديلاً يقوم على النهضة من داخل الثقافة الإسلامية مع الانفتاح المدروس على العالم، مؤكداً أن التجديد الحقيقي لا يكون بمحو الذات، بل بإحياء العقل، وترسيخ الحرية، وإقامة العدل، واستعادة القدرة على الإبداع المستقل.[48]

كان رأي علال الفاسي في قضية تحرير المرأة رأيًا واضحًا ومتكاملًا، يقوم على المزاوجة بين الإصلاح الاجتماعي والمرجعية الإسلامية. كان يرى أن تحرّر الأمة مرتبط بتحرّر المرأة، وأن المرأة ليست تابعة للرجل، بل شريكته في بناء المجتمع. قال في كتابه النقد الذاتي صفحة 289:[49]
«إن من حقّ المرأة أن تتساوى مع الرجل المساواة التي لا تتنافى مع طبائع الأشياء، ولذلك يمكنها أن تشارك في الصالح العام بالخدمة والفكر والإرشاد، ويمكنها أن تشغل مركز العمل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في الجماعة وفي الدولة.»[8]
وقد كان علال الفاسي أحد أبرزالعلماء والسياسيين الذين دافعوا عن ضرورة وضعمدوّنة شرعية حديثة تضبطالزواج والطلاق والنفقة والحضانة، مع الحفاظ على المرجعية المالكية، وقد كان له دور بارز في اللجنة التي شكلت لتقنين مدونة الأحوال الشخصية المغربية فيأكتوبر1957؛إذ كان رئيسًا لها. وقد مُنح صفة “مقرر” فيها.
كان هدف المدونة، كما تقول الأنثروبولوجية جميلة بركاش، العودة إلى “المصادر الإسلامية الصافية غير المحرّفة، ونزع التفسيرات غير الإسلامية، وصياغتها في شكل أكثر حداثة”. وكانت متأثرة بالاتجاه السلفي، ورغم قولها بالاعتماد علىالفقه المالكي فقد تضمنت أحكامًا تخرج عنه. ورأى الفاسي أنها شكّلت “عملًا تقدميًا بارزًا” فيالفقه الإسلامي. ومع ذلك، لم تُدرج في المدونة آراؤه التقدمية حولالمرأة."
وقد مثل التصور الفكري لعلال الفاسي عن المرأة أحد المكونات البارزة في مشروعه الإصلاحي. فقد تناول مكانتها وحقوقها من منظور فقهي اجتماعي يعتمد علىمقاصد الشريعة، ويرتكز على ضرورة إصلاح وضع المرأة داخلالأسرة والمجتمع بما ينسجم مع التحولات الحديثة. "إذ يرى في إهمالها إهمالا لشعب بأكمله، وفي جهلها جهلا لأجيال، وفي استعبادها استعبادالأمة، وفرصة المستعمر أن تبقى المرأة المغربية أسيرة الجهل، فتتربى الأجيال الناشئة كما يريد في خوف وعبودية وجهل.لم تشغل الزعيم علال ظروف البلاد السياسية، وتردي الأوضاع الاقتصادية، عن المطالبة بتعلم المرأة وتحريره فكرها.[50]
ويمكن تلخيص موقفه في النقاط التالية:
اهتم علال الفاسي في بعض كتبه مثل كتاب مقاصد الشريعة الإسلامية و مكارمها" بدارسة مقاصد حقوق الإنسان, ذكر علال الفاسي الحق في الحرية، الحق في التعليم، الحق في الكرامة، الحق في العمل و حفظ ثروة الأمة.[52] ويُعد علال الفاسي من بين المفكرين الذين تناولوا مفهوم الحرية بالبحث والدراسة، في كتابه «مقاصد الشريعة»، و في كتابه «النقد الذاتي». كما خصص له مجموعة من المحاضرات.[53] كما دافع عن الحق في المعلومة حيث قال في مداخلة له بالبرلمان :
“... وإننا لا نعرف شيئا عما يجري لا في السياسة الداخلية ولا في السياسة الخارجية إلا ما نراه في بعض الصحف أو نسمعه في بعض الإشاعات… من حقنا نحن نواب الأمة ومن حق هذه الأمة أن تعرف من المسؤولين عن تسيير دواليب حكمها ما هي سياستهم وما هي الخطة الني يسيرون عليها؟[54]
يبرز علال الفاسي في تجربته الشعرية شاعراً ذا رسالة، سخّر موهبته لخدمة مبادئه الدينية والوطنية والاجتماعية. لم يكن الشعر عنده غاية جمالية خالصة، بل أداة للتعبير عن موقف، وتحريك الوعي، وبثّ روح النهضة والمقاومة. لذلك جاء شعره مباشراً واضحاً، يعكس صفاء قصده وحرارة إيمانه، ويغلب عليه نفسٌ طويل يدلّ على غزارة إنتاجه وامتداد تجربته منذ شبابه إلى آخر حياته. ركّز علال الفاسي في شعره على قضايا الأمة، فجعل من الكلمة صيحة إنذار ودعوة إلى العمل، محرضاً الشباب على النهوض، ومؤكداً أنّ خلاص الوطن لا يكون إلا بالعلم والجهاد والوحدة. وتمثّل قصائده المبكرة صورة لشاب يافع يعي أزمة بلاده ويستعد للتضحية من أجلها، كما تجسد قصائده المتأخرة ثباته على المبدأ واستمراره في الدعوة إلى التحرر الفكري والسياسي، وحفظ اللغة العربية والهوية الإسلامية من هجمات المستعمر ومقلديه. وبذلك يتجلى علال الفاسي شاعراً مُجاهداً، وظّف الشعر ليكون منبراً للإصلاح ورسالة لترسيخ القيم، فكان شعره امتداداً لفكره وجهاده السياسي والاجتماعي.[55]
ومن أبياته الخالدة التي ترسم ملامح شخصية فذة في تاريخ المغرب الحديث:
أبعد مرور الخمس عشرة ألعب
وألهو بلذات الحياة وأطرب
ولي نظر عال ونفس أبية
مقاما على هام المجرة تطلب
وعندي آمال أريد بلوغها
تضيع إذا لاعبت دهري وتذهب
ولي أمة منكودة الحظ لم تجد
سبيلا إلى العيش الذي تتطلب
قضيت عليها زهو عمري تحسرا
فما ساغ لي طعم ولا لذ مشرب
سيعرفني قومي إذا جد جدهم
كما عرفوني اليوم إذا قمت أخطب
في مسار علال الفاسي السياسي والفكري، عاش عدة خيبات، أهمها خيبة الاستقلال المبتور بعد اتفاقياتإيكس ليبان، إذ رأى أن استقلال المغرب جاء منقوصًا ولا يرقى إلى طموحات الحركة الوطنية، وأنه أقرب إلى تسوية سياسية فرضتها فرنسا أكثر مما هو انتصار حقيقي. تلت ذلك خيبة انشقاق رفاق الأمس داخل حزب الاستقلال، حين تحوّل بعض النضاليين الذين شاركوه معارك التحرير إلى خصوم سياسيين ينازعونه الشرعية والرؤية، مما زاد من شعوره بالمرارة. كما عاش خيبة استمرار الاستعمار بطرق جديدة، إذ اعتبر أن النفوذ الفرنسي عاد «من النافذة» عبر الاقتصاد والتعليم والإدارة رغم رحيل القوات سنة 1956، وهو ما سمّاه الاستعمار الفكري. وأخيرًا، أصابته خيبة ابتعاد الشباب عنه، بعدما رأى أن الجيل الجديد الذي ناضل لأجله اختار طرقًا أخرى، وتراجع عن مشروعه الإصلاحي الذي كان يعدّه مستقبل المغرب.[57]
جعل علال الفاسي من التأليف جزءًا أساسيًا من مشروعه الفكري والوطني. إذ لم يكن التأليف عنده مجرد نشاط علمي، بلرسالة إصلاحية تهدف إلى توعية المجتمع وبناء فكر وطني حديث. وتعتبر خزانة كتب مؤسسة علال الفاسي من أغنى الخزانات الخاصة بالمغرب.[58]فرغم انشغاله بالنضال السياسي أيام مقاومة الاستعمار وبعد الاستقلال، استطاع أن يؤلف كتبا عديدة تزيد على الثلاثين في مجالات مختلفة، بالإضافة إلى مئات المحاضرات والمقالات والمذكرات والخطب السياسية والقصائد الشعرية.[59] ومنها:
أصدر عدة مجلات وجرائد منها
بحث مفصل عن النظريات الفلسفية المختلفة ومقابلتها بالحرية الإسلامية، ومستندات لتاريخ المقاومة المغربية. ومحاضرتان عن مهمة علماء الإسلام. هذا زيادة على مجموعة أخرى من الخطب والمحاضرات والمذكرات السياسية والقصائد الشعرية والبحوث والمقالات المنشورة في أمهات الصحف اليومية والأسبوعية والمجلات الدورية. كما خط قلمه مجموعة من الكتب باللغة الفرنسية.
علال الفاسي، هل الإسلام في حاجة إلى فلسفة؟ مجلة الإيمان الصادرة عن جمعية شباب النهضة الإسلامية، العدد الأول والثاني، السنة الأولى دجنبر 1963 يناير .1964[98]

سد علال الفاسي، يقع على نهر سبو، بجهة فاس مكناس، على بُعد 18 كيلومتراً شمال شرق صفرو، وانتمل بناءه سنة 1991
تنظم الجائزة كل سنة، وتنقسم إلى صنفين، الأول جائزة علال الفاسي الثقافية: وهي جائزة وحيدة، مجالها البحوث والدراسات في الآداب والعلوم الإنسانية، تحدد مؤسسة علال الفاسي موضوعها لكل دورة، ببلاغ للعموم.
الصنف الثاني يتعلق بجائزة علال الفاسي لإبداعات الشباب: وهي جائزة وحيدة، موجهة للشباب، ومجالها مختلف إبداعات الشباب، في الميادين الأدبية والفنية، وتحدد مؤسسة علال الفاسي، مجالها لكل دورة، ببلاغ للعموم.[111]
خلاف بين علال الفاسي ومحمد بن الحسن الوزاني من خلال الحركات الإستقلالية في المغرب العربي : بعض المذكرات الوطنية جامع بيضا، من خلال "الحركات الإستقلالية في المغرب العربي" : بعض المذكرات الوطنية، مجلة الجمعية المغربية للبحث التاريخي، 31-12- 2005، العدد 3 صفحات 63-72
كان علّال الفاسي من أبرز العلماء الذين شاركوا في الدروس الحسنية التي تُقام في شهر رمضان بالمغرب، وهي دروس دينية تُلقى بين يدي الملك الحسن الثاني ويحضرها كبار العلماء والمفكرين من المغرب والعالم الإسلامي. ألقى الدرس الرمضاني[112] في 1964، كما ألقى أحدالدروس الحسنية في شهرأكتوبر1973، وكان الدرس الوحيد الذي تفرغ له وكتبه تحريرًا.[113]
توفّي علّال الفاسي يوم 13 مايو 1974 في بوخارست – رومانيا، بسبب نوبة قلبية مفاجئة أثناء قيامه بمهمة رسمية خارج المغرب وهي مهمة دبلوماسية على رأس وفد من حزب الاستقلال.[59] لشرح وبيان قضيةالمغربوالصحراء المغربية،والقضية الفلسطينية. . نُقل جثمانه إلى المغرب ودفن في الرباط، وعمّ الحزن البلاد لاعتباره أحد أبرز قادة الحركة الوطنية ورجال الفكر والسياسة.
“إن قوة الأرض أعظم القوات تأثيرا، وأقدمها تاريخا، كما أنها أقوى صمودا من قوة الدم” مقدمة كتاب “الحركات الاستقلالية” (ص132)
في كتاب “علال الفاسي ينبوع فكري متجدد، قال عنهعباس الفاسي وهو سياسي مغربي
"فكر الرجل فكر أصيل استشرافي، انبثق معينا صافيا واستمر ينبوعا متجددا” (ص 5).
قال عنهحسن أوريد، مفكر وروائي مغربي
“لن أنعت هذه الفترة بفترة النضج، لأنه لم يكن أقل نضجا في المرحلة الأولى، ولن أنعته بالشيخوخة، لأن الفكر دوما شاب يحمل دفق الحياة وحيويتها” نفس الكتاب (ص 122).[114]
وقال عنه عبد الواحد الراضي :
أنه "العالِمُ المتنوِّر، والفقيهُ المُجتهِد، والسياسيُّ المُحنَّك، والوطنيُّ المتصوِّف، والمثقَّفُ العضوي، والشاعرُ المُلهِم."[115]
{{استشهاد بدورية محكمة}}:تحقق من التاريخ في:|تاريخ= (مساعدة){{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: BOT: original URL status unknown (link){{استشهاد بدورية محكمة}}:تحقق من التاريخ في:|تاريخ-الوصول= (مساعدة){{استشهاد بكتاب}}:تحقق من التاريخ في:|سنة= و|تاريخ= (مساعدة)صيانة الاستشهاد: التاريخ والسنة (link){{استشهاد بكتاب}}:الوسيط|الأول= يفتقد|الأخير= (مساعدة)صيانة الاستشهاد: التاريخ والسنة (link){{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: أسماء عددية: قائمة المؤلفين (link){{استشهاد بكتاب}}: صيانة الاستشهاد: أسماء عددية: قائمة المؤلفين (link){{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: لغة غير مدعومة (link){{استشهاد بكتاب}}:تحقق من التاريخ في:|تاريخ= (مساعدة){{استشهاد ويب}}:تحقق من التاريخ في:|تاريخ-الوصول= (مساعدة){{استشهاد بدورية محكمة}}:تحقق من التاريخ في:|تاريخ= (مساعدة){{استشهاد بدورية محكمة}}:تحقق من التاريخ في:|تاريخ-الوصول= (مساعدة) وتحقق من قيمة|مسار= (مساعدة){{استشهاد بكتاب}}: صيانة الاستشهاد: لغة غير مدعومة (link){{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: لغة غير مدعومة (link){{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: لغة غير مدعومة (link){{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: BOT: original URL status unknown (link)