في القرن السابع عشر، كتب روبرت برتون في عملهتشريح اليأس، «من هاتين [القدرتين المرغوبتين بشدة والساخطتين بشدة] تنبعث أحاسيس وتلهفات الغضب، والذي هو رغبة فيالانتقام، المختلطة؛ الكراهية، والتي هي غضب راسخ؛ الشغف، والذي ينزعج منه هو الذي يؤذي من يحب؛ والشماتة، إحساس مركب مكون من سعادة وكره، عندما نبتهج على أذية تصيب الرجال الآخرين، ونحزن لرخائهم؛ الفخر، حب النفس، التقليد، الحسد، العار، وغيره الكثير».
ذكرالفيلسوفأرتور شوبنهاور الشماتة كأشر ذنب في الشعور الإنساني، قائلاً بشهرة، «أن تشعر بالحسد هو أمر إنساني، أن تستمتع بالشماتة هو أمر شيطاني».
يصف الحبر هارولد كوشنر في كتابهعندما تحدث الأشياء السيئة للأناس الجيدين الشماتة كردة فعل كونية، وحتى صحية، لا يمكن التحكم بها أو كبحها: «هناك كلمة ألمانية في علم النفس، Schadenfreude، والتي تؤشر إلى ردة فعل الانشراح المخجلة التي نشعر بها عندما يحدث شيءٌ سيءٌ إلى شخصٍ آخر بدلاً منا». ثم يعطي مثالاً ويكتب، «الأناس لا يتمننون السوء لأصدقائهم، ولكنهم لا يمكنهم إلا أن يشعروا برعشة من الجذل لأن الأمر السيء حدث لشخص آخر لا لهم».
كتاب سوزان سونتاغبشأن ألم الآخرين، تم نشره في 2003، هو دراسة لقضية كيف أن ألم وسوء حظ البعض يؤثر على الآخرين، تحديداً ما إذا كان من الممكن لتصوير الحرب ولوحات الحرب أن يساعدان كأدوات رادعة للحرب أو، ما إذا كانا فقط يستحثان حس ما من الشماتة في بعض المشاهدين.
الفيلسوف وعالم الاجتماع ثيودور أدورنو عرف الشماتة ك«ابتهاج بشكل كبير غير متوقع لعذاب الآخرين، والذي يتم إدراكه كأمر سخيف أو/ وملائم».
«عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يتعوَّذ مِن سوء القضاء، ومِن درك الشَّقاء،ومِن شَمَاتَة الأعداء، ومِن جهد البلاء)).[6]»
(وقال الشَّوكانيُّ: استعاذﷺ مِن شَمَاتَة الأعداء وأمر بالاستعاذة منها؛ لعظم موقعها، وشدَّة تأثيرها في الأنفس البَشريَّة، ونُفُور طباع العباد عنها، وقد يتسبَّب عن ذلك تعاظم العداوة المفْضِية إلى استحلال ما حرَّمه الله سبحانه وتعالى. وقالابن بطال: شَمَاتَة الأعداء ما ينكأ القلب، ويبلغ مِن النَّفس أشدَّ مبلغ، وإنَّما تعوَّذ النَّبيُّﷺ مِن ذلك تعليمًا لأمَّته، فإنَّ الله تعالى آمنه مِن جميع ذلك. قال الحافظ: ولا يتعيَّن ذلك، بل يُحْتَمل أن يكون استعاذ بربِّه مِن وقوع ذلك بأمَّته).[7]
وفي الحديث عن النبيﷺ: (لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك ).[8]
- قالابن الكلبي: لـمَّا مات رسول اللهﷺ، شَمَتَت به نساءكِنْدةوحضرموت، وخَضَّبن أيديهن، وأظهرن السُّرور لموته، وضربن بالدُّفوف، فقال شاعر منهم[9].:
أبلغ أبا بكر إذا ما جئته
أنَّ البغايا رُمْن شرَّ مرام
أظهرن مِن موت النَّبيِّ شَمَاتةً
وخَضَّبن أيديهنَّ بِالْعَلَّام
فاقطع هُدِيت أَكُفَّهنَّ بصارم
كالبرق أَوْمَض من متون غمام
- (قالابن بطال: شَمَاتَة الأعداء ما ينكأ القلب، ويبلغ مِن النَّفس أشدَّ مبلغ، وإنَّما تعوَّذ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مِن ذلك تعليمًا لأمَّته، فإنَّ الله تعالى آمنه مِن جميع ذلك. قال الحافظ: ولا يتعيَّن ذلك، بل يُحْتَمل أن يكون استعاذ بربِّه مِن وقوع ذلك بأمَّته).[10]
وقالابن سيرين: (عيَّرت رجلًا بالإفلاس، فأفلستُ). قالابن الجوزي: (ومثل هذا كثير، وما نزلت بي آفةٌ ولا غمٌّ ولا ضيق صدر إلَّا بزللٍ أعرفه، حتى يمكنني أن أقول: هذا بالشَّيء الفلاني، وربَّما تأوَّلت تأويلًا فيه بُعْد، فأرى العقوبة).[11]
- وعنعمر بن عبد العزيز: (ما رأيت ظالـمًا أشبه بمظلوم مِن الحاسد؛ غمٌّ دائمٌ، ونفس متتابع. وقيل: إذا رأى الحاسد نعمةً، بُهِت، وإذا رأى عثرةً، شَمَت).[12]
1-تضعف روابط المجتمع، وتنشر الفرقة والعداوة بين الناس.
(قال الشَّوكانيُّ: استعاذ صلى الله عليه وسلم مِن شَمَاتَة الأعداء وأمر بالاستعاذة منها؛ لعظم موقعها، وشدَّة تأثيرها في الأنفس البَشريَّة، ونُفُور طباع العباد عنها، وقد يتسبَّب عن ذلك تعاظم العداوة المفْضِية إلى استحلال ما حرَّمه الله سبحانه وتعالى).[10]
2-الشماتة بمن ارتكب معصية، أعظم من ذنب مرتكبها:
قال ابن القيِّم: (إنَّ تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثمًا مِن ذنبه، وأشدُّ مِن معصيته).. (فذنب تَذِلُّ به لديه أحبُّ إليه مِن طاعة تدلُّ بها عليه، وإنَّك أن تَبِيتَ نائمًا وتصبح نادمًا خيرٌ مِن أن تَبِيتَ قائمًا وتصبح مُعْجَبًا؛ فإنَّ المعْجَب لا يَصْعَد له عملٌ، وإنَّك إن تضحك وأنت معترفٌ، خيرٌ مِن أن تبكي وأنت مُدِلٌّ، وأنين المذنبين أحبُّ إلى الله مِن زجل المسبحين المدِلِّين، ولعلَّ الله أسقاه بهذا الذَّنب دواءً استخرج به داءً قاتلًا هو فيك ولا تشعر..).[13]
3-قد يبتلي الله الشامت بما شمت به:
قال ابن سيرين: (عيَّرت رجلًا بالإفلاس، فأفلستُ).[14]
ويقولإبراهيم النخعي: (إنِّي لأرى الشَّيء أكرهه، فما يمنعني أن أتكلَّم فيه إلَّا مخافة أن أُبْتَلَى بمثله).[15]
قال السعدي: (فإنَّ في قلوبهم من الحنق والغيظ عليهم ما يكون قتالهم وقتلهم شفاء لما في قلوب المؤمنين من الغم والهم، إذ يرون هؤلاء الأعداء محاربين لله ولرسوله ساعين في إطفاء نور الله، وزوالًا للغيظ الذي في قلوبهم، وهذا يدل على محبة الله لعباده المؤمنين، واعتنائه بأحوالهم، حتى إنه جعل -من جملة المقاصد الشرعية- شفاء ما في صدورهم وذهاب غيظهم).[16]
(فإنَّ خُلُق الشماتة يقوم في النَّفس حين تخلو مِن المودَّة والحبِّ والعطف، وتمتلئ بالكراهية والحقد والبغض، فإنَّ الإنسان يتألَّم لألم الغير إلَّا إذا كان يحبُّ هذا الغير، ويودُّ الخير له، أمَّا إذا مقته وأبغضه، فإنَّه يفرح لحزنه، ويَشْمَت في مصيبته).[17]
3-ضعف الإيمان:
قالﷺ: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)).[18]
4-الكِبْر:
قال ابن القيِّم: (إنَّ تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثمًا مِن ذنبه، وأشدُّ مِن معصيته، لما فيه مِن صولة الطَّاعة، وتزكية النَّفس وشكرها، والمناداة عليها بالبراءة مِن الذَّنب).[19]
5-العداوة:
((فلا تُشمت بي الأعداء)) [سورة الأعراف: 150].
6-النفاق:
فمن صفات المنافقين كانت الشماتة بما يقع للمؤمنين، بل حتى الشماتة برسول الله صلى الله عليه وسلم.
القول في تأويل قوله: ((إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ))
قالأبو جعفر: (يقول تعالى ذكره لنبيهمحمدﷺ: يا محمد، إن يصبك سرورٌ بفتح الله عليك أرضَ الروم في غَزاتك هذه، (25) يسوء الجدَّ بن قيس ونظراءه وأشياعهم من المنافقين، وإن تصبك مصيبة بفلول جيشك فيها، (26) يقول الجد ونظراؤه: (قد أخذنا أمرنا من قبل)، أي: قد أخذنا حذرَنا بتخلّفنا عن محمد، وترك أتباعه إلى عدوّه (من قبل)، يقول: من قبل أن تصيبه هذه المصيبة (ويتولوا وهم فرحون)، يقول: ويرتدُّوا عن محمد وهم فرحون بما أصاب محمدًا وأصحابه من المصيبة، (27) بفلول أصحابه وانهزامهم عنه، (28) وقتل من قُتِل منهم).[20]
(قال أبو جعفر: وهذا نعت من الله تعالى ذكره للمنافقين، نعتهم لنبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه ووصفهم بصفتهم فقال: «وإن منكم»، أيها المؤمنون، يعني: من عِدَادكم وقومكم، ومن يتشَّبه بكم، ويظهر أنه من أهل دعوتكم ومِلَّتكم، وهو منافق يبطِّئ من أطاعه منكم عن جهاد عدوكم وقتالهم إذا أنتم نفرتم إليهم =«فإن أصابتكم مصيبة»، (34) يقول: فإن أصابتكم هزيمة، أو نالكم قتل أو جراح من عدوكم =«قال قد أنعم الله عليّ إذ لم أكن معهم شهيدًا»، فيصيبني جراح أو ألم أو قتل، وسَرَّه تخلّفه عنكم، شماتة بكم).[21]