تنقسم السَّلاحِفُ المُعاصرة إلى مجموعتين:مخفيَّات الرقبة (الاسم العلمي:Cryptodira)وجانبيَّة الرقبة (الاسم العلمي:Pleurodira)، والأنواع المُنتمية لكُلِّ مجموعةٍ منها يتميَّز بعضُها من بعض بكيفيَّة إخفائها رؤوسَها داخل أصدافها. يصلُ عددأنواع السلاحفالبريَّةوالبحريَّةوالنهريَّة الباقية والمُنقرضة حديثًا إلى ثلاثمئة وستين نوعًا، تنتشر في جميع القارَّات عداالقُطبيَّة الجنوبيَّة، وبعض الجُزُر، وأغلب المُحيطات. تستنشق السلاحف الهواء شأنها شأن سائرالسلويَّات، ولا تضع بُيُوضها إلَّا على البَرِّ وإن كان الكثير من أنواعها تعيش في المياه أو على أطرافها.
تتكوَّن أصداف السلاحف منالعظم غالبًا، وقسمها العُلويّذبلٌ مُقبَّب، أمَّا قسمها السُفليّ فصدرةٌ لوحيَّة أغلبها مُسطَّحٌ. السطح الخارجيّ مُغطَّىبحراشفكيراتينيَّة، وهي المادَّة ذاتها التي تتكوَّن منهاالشُعُور والقُرُون والمخالب. تنشأ أعظم الذبل من أضلاع السُلحفاة النامية جانبيًّا، ثُمَّ تتخذ شكل صفائح عريضة مُسطَّحة تتصل ببعضها لتُغطِّي جسد السُلحفاة. السلاحفخارجيَّة الحرارة، أي ما تُسمِّيه العامَّة «كائنات باردة الدم»، أي هي كائناتٌ تتبدل درجة حرارة أجسادها بتبدُّل حرارة مُحيطها. والسلاحفقوارت انتهازيَّة غالبًا، تقتات على النباتات وبعض الحيَوانات البطيئة مثلاللافقاريَّات. كثيرٌ من أنواع السلاحفتُهاجر موسميًّا لمسافاتٍ قصيرة، والسلاحف البحريَّة (اللجآت) هي الزواحف الوحيدة التي تُهاجر مسافاتٍ بعيدة لتضع بُيُوضها على شواطئَ تختارها.
صُوِّرت السلاحف في العديد من الأساطير والقصص الشعبيَّة حول العالم. يُربِّي البشر عدَّة أنواع من السلاحف البريَّة والمائيَّة لغرض الاستئناس والزينة، وبعض الناس يصطادونها لغرض الحُصُول على لُحُومها أو أصدافها أو لاستخدام بعض أجزاء أجسادها فيالطب التقليدي. كثيرًا ما تعلق السلاحف البحريَّة في شباك الصيدعرضيًّا، فتهلك، ومن المخاطر الأُخرى التي تواجهها تدمير موائلها الطبيعيَّة، وقد أدَّت هذه المخاطر وغيرها إلى اندثار بعض الأنواعوتهديد بعضها الآخر بالانقراض.
السُّلَحْفَاة[ar 3][ar 4] أوالسُّلَحْفِيَة أوالسُّلَحْفَاء أوالسُّلَحْفَى أوالسُّلْحَفَى[ar 4][ar 5] تسميةٌفارسيَّةمُعرَّبة وفقًا للعلَّامةأمين المعلوف،[ar 4] وأصلها «سُوْلَەپَای»، وهي تسميةٌ منحوتة من «سوله» أي النقب، و«پای» أي رِجْل، فيكون المعنى الحرفي: التي أرجلها في النقب، أي تخرج من الثُقُوب.[ar 6] وقال آخرون أنَّ التسمية مشتقَّة من الصِّيغةالآراميَّة غير الواردة المشابهةللسُّريانيَّة الفُصحى «سَلُّوفِيثَا =ܣܘܪܝܝܐ» وهي مُشتقَّة بدورها منالأكديَّة «شِلِپُّوم = 𒃻𒅮𒈾» ومن معانيها «سلحفاة» و«حيَّة» و«صدفة» و«بيض» و«علبة». والتسمية العربيَّةشقيقةالعبرانيَّة «شَلْحُوپَا =שַׁלְחוּפָה»، أي تشترك معها فيالتأثيل ذاته.[3]
ذكرها يُسمَّى «غَيْلَم»، والأُنثى «سُلَحْفاة»،[ar 7] وإن قيلت مُطلقًا فهي تعنيالسُلحفاة البريَّة تحديدًا،[ar 4] أمَّا السُّلَحفاة البحريَّة فتُسمَّى بالعربيَّة «لجأة» وجمعها «لجآت»،[ar 8] قالالدَّميري فيحياة الحيوان الكُبرى: «سُلَحْفِيَة مثل بُلَهْنِيَة، وهي بالهاء عند الكافة وعندابن عبدوس: السُّلَحْفَا، بغير هاء. وذكرها يُقالُ له غَيْلَم، وهذا الحيَوان يبيضُ في البرِّ فما نَزَل منه في البحرِ كَان لَجْأَةً، وما استمرَّ في البَرِّ كانَ سُلَحْفَاة».[ar 9] أمَّاسلاحف الأنهار والمناقع فتُسمَّى واحدتها «حَمَسَة» أو «رَقٌّ»،[ar 10] والأنواع ليِّنة الجلد منها تُسمَّى «تِرْسَة».[ar 4]
التسمية العلميَّة للسَّلاحف «تَسْتُودِينِس» (باللاتينية:Testudines) مُشتقَّة من الاسماللاتيني لهذه الكائنات «تَسْتُودُو» (باللاتينية:Testudo)؛[وب-إنج 1] وقد صاغهاعالم الطبيعيَّاتالألماني أوغست بَتش (بالألمانية:August Batsch) سنة1788.[2] أُطلق على هذه الرُتبة من الكائنات تسميات علميَّةً مُختلفة قديمًا، فسمَّاها عالم الحيوانات الفرنسيپيير أندريه لاتريل «اتْشِيلُونِي» (باللاتينية:Chelonii) سنة1800، وسمَّاها عالم التشريح الأيرلندي جيمس مكارتني «شيلونيا» (باللاتينية:Chelonia) سنة1802،[4] وكلتا التسميتين مُشتقتين من التسميةالإغريقيَّة للسُلحفاة «اتْشِيلُون =χελώνη».[وب-إنج 2][5] اعتُمدت التسمية الأولى، أي «تَسْتُودِينِس» على أساس الأقدميَّة كما هي العادة في التسميات العلميَّة للكائنات الحيَّة، ونُحتت منها صفةإنگليزيَّة جديدة هي «Chelonian» لتكون مُقابلًا آخرًا لتسميات أعضاء هذه الرُتبة.[6]
اللجأة جلديَّة الظهر، أكبر أنواع السلاحف الباقية في العالم اليوم.
سُلحفاة رأس الرجاء الصالح المُرقَّطة، أصغر أنواع السلاحف الباقية اليوم.
أكبر أنواع السلاحفالباقية في العالم (ورابع أكبر الزواحف) هياللَّجأة جلديَّة الظهر، إذ يصل طولها إلى 2.7 أمتار وتزيد زنتها عن خمسمئة كيلوغرام.[7] أمَّا أكبر السلاحف المعروفة عبر التاريخ فهياللَّجأة الأوليَّة الجبَّارة (الاسم العلمي:Archelon ischyros)، وهي نوعٌ انقرض في أواخرالعصر الطباشيري، ووصل طولها إلى 4.5 أمتار وعرضها (بين طرفي زعنفتيها الأماميَّتين) إلى 5.25 مترًا، ويُعتقد أنَّ زنتها وصلت لقُرابة 2,200 كيلوغرام.[وب-إنج 3] أصغر السلاحف حجمًا هيسُلحفاة رأس الرجاء الصالح المُرقَّطة، إذ لا يزيد طولها عن عشرة سنتيمترات[8] وتصل زنتها إلى 172 غرامًا.[9]
صدفة السُلحفاة فريدةٌ بينالفقاريَّات، وتُؤمِّنُ لصاحبتها حمايةً من الضواري والعوامل الطبيعيَّة.[10][11][وب-إنج 4] تتكوَّن الصدفة من عددٍ من العظام تتراوح بين خمسين وستين، وتتألَّف من قسمين: الذبل المُقبَّب الظهريّ، والصدرة اللوحيَّة البطنيَّة شبه المُفلطحة. يتَّصل القسمان بامتداداتٍ جانبيَّةٍ تخرج من الصدرة.[10][12]
الذبل مُنصهرٌ بالعمود الفقري والأضلاع، بينما تتكوَّن الصدرة من عظامحزام الكتفوالقص وأضلاع البطن.[10] تنمو أضلاع السُلحفاة جانبيًّا خلال تطوُّر الجنين في البيضة، وتستمر بالنُموّ حتَّى تلتقي فتُكوِّنُ سلسلة دِرْعيَّة تتفرّد بها السلاحف، فتدخلأدمة الظهر لتصير داعمةً للذبل. تحُثُّ بعضالپروتينات المُسمَّاة «عوامل نُمو الأرومة الليفيَّة» نُموَّ وتطوُّر الذبل، وأبرزها الپروتين «FGF10».[13] يتألَّف حزام الكتف عند السلاحف من عظمتين: اللوح الكتفيوالعظم الغرابي،[14] ويقع هذا الحزام إضافةً لحزام الحوض داخل الصدفة، فهي بالتالي مُضمَّنة ضمن القفص الصدري للسُلحفاة. أمَّا أضلع الجذع فتنمو فوق حزام الكتف خلال تطوُّر الجنين.[15]
صدفة السُلحفاة مُغطَّاة بحراشفبَشْرَوِيَّة تُعْرَف باسمالدَّرَقات (المفرد: دَرَقَة)، وهي متكونة من الكيراتين التي تتكوَّن منها الشُعُور والأظافر. يصل عدد درقات السلاحف غالبًا إلى ثمانيةٍ وثلاثين دَرَقَةً على الذبل، وستَّة عشر على الصدرة، فيصير مجموعها أربعةٍ وخمسين. تنقسم درقات الذبل إلى «هامشيَّة» تقع على الأطراف، وفقريَّة تمتد على طول العمود الفقري، على أنَّ تلك التي تُغطي العُنق تُسمَّى أحيانًا «عُنُقيَّة». أمَّا الدرقات الواقعة بين الفقريَّة والهامشيَّة فتُسمَّى «جنبيَّة».[16] أمَّا درقات الصدرة فتنقسم إلى حلقيَّة وعضُديَّة وصدريَّة وبطنيَّة وشرجيَّة. تمتلكالسلاحف جانبيَّة الرقبة درقاتٍ إضافيَّة بين لوحَيْهَا الحنجريين.[12][17] تتوزَّع درقات السلاحف بشكلٍ أشبه بالبلاطالمُزوَّق عادةً، غير أنَّ بعض الأنواع من شاكلةاللَّجأة صقريَّة المنقار تتمتَّع بدرقات مُتقاطعة على أصدافها.[12]
رسمٌ بياني يُصوِّرُ تطوُّر صدفة السُلحفاة أثناء نُمُّوها في البيضة.[13]
تختلف أشكال أصداف السلاحف باختلاف أنواعها، إذ أنَّ لكُلِّ نوعٍ صدفة تتناسب مع تأقلماته مع بيئته، وفي بعض الحالاتتختلف باختلاف جنس الكائن. تتمتع السلاحف البريَّة بأصدافٍ أكثر تقبُّبًا من نسيباتها المائيَّة، ويُعتقد أنَّ سبب ذلك هو احتماليَّة تعرُّضها للدهس من طرف الحيوانات الضخمة. أمَّا السلاحف المائيَّة فصدفاتها أكثر تفلطُحًا ونُعُومةً، تُساعدها على السباحة، وللسلاحف البحريَّة تحديدًا صدفاتٌ انسيابيَّة تُقلل منمُقاومة الموائع وترفع من ثبات اللجأة أثناء سباحتها في المياه المفتوحة. تتمتَّع بعض السلاحف بأصدافٍ مُدبَّبة أو مُسنَّنةتحميها من الضواري أوتُموِّهها وسط الأرض المليئة بالأوراق اليابسة. تُساعد نُتُوءات الصدفة السُلحفاة على الوُقُوف مُجدَّدًا بحال انقلبت على ظهرها، وأطراف ذُبُل الذُكُور منها سميكة تستخدمها في نطح بعضها حينما تتقاتل.[18]
تختلف لُيُونة أصداف السلاحف باختلاف أنواعها، فبعض الأنواع من شاكلة اللَّجآت الصُندُوقيَّة تفتقد الإمدادات الجانبيَّة وأعظم ذبلها مُنصهرة تمامًا أومُتصلِّبة، ولبعض الأنواع مفاصل على أصدافها، خاصَّةً الصدرة، ممَّا يسمح لها بالتوسُّع والانقباض. أمَّاالترسيَّات فلها أطرافٌ جلديَّة لاعظميَّة، واللَّجآت جلديَّة الظهر تكاد لا تملك أي عظمٍ في أصدافها، لكنها تتمتَّعبنسيجٍ ضامٍّ سميك وطبقةٍ جلديَّةٍ ثخينة.[19]
جُمجُمة السُلحفاة فريدة بينالسلويَّات، فهي صلبة وليس فيهافجوات تتصل بها العضلات، بل إنَّ الأخيرة ترتبط بتجويفاتٍ موجودة في الجُزء الخلفي من الجُمجُمة.[20][21] تختلف أشكال جماجم السلاحف باختلاف أنواعها وفصائلها، فبعضها من شاكلة الترسات تتمتَّع بجماجم طويلة ضيِّّقة، وبعضها الآخر مثلالمَتَمَتَة لها جماجم عريضة مُفلطحة.[21] ولبعض الأنواع رؤوسٌ ضخمة ثخينة ترتبطُ بعضلاتٍ ثخينة تسمح للسُلحفاة أن تقضم بقُوَّةٍ كبيرة.[22]
تتمتَّع السلاحف اللَّاحمة وآكلة القواقع بأقوى العضَّات، فاللجأة العُلجُوميَّة ضخمة الأنف (الاسم العلمي:Mesoclemmys nasuta)، وهي من أكلة القواقع، تصل قُوَّة عضَّدتها إلى 1,920 نيوتن. أمَّا الأنواعالحاشرةوالسامكة والقارتة فعضَّتها أقل قُوَّة.[23] تفتقد أنواع السلاحف الباقية للأسنان، لكنَّها تمتلك مناقير مُكوَّنة من أغلفةٍ كيراتينيَّة تمتد على طول الفكَّين،[10][24] وحواف هذه الأغلفة قد تكون حادَّة تُستخدم في تمزيق اللحم أو تقليم النباتات، وقد تكون عريضة تُستخدم في تحطيم قواقعالرَّخويَّات.[25] تتمتَّع اللجآت والعديد من أنواع السلاحف المُنقرضة بحنكٍ ثانويّ يفصل تمامًا بين تجاويف الفم والأنف.[26]
أعناق السلاحف شديدة المرونة، ويُعتقد أنَّ غاية ذلك تعويضها عن متانة وصلابة أصدافها التي كانت لتُعيق حركة رؤوسها. ولبعض الأنواع، خاصَّةً البحريَّة، أعناقٌ قصيرة، بينما لأُخرى من شاكلةالسلاحف العُنقُوديَّة، أعناقٌ في غاية الطول. تمتلك السلاحف ثمانيفقراتٍ عُنقيَّة، وهذه خاصيَّة تتشاركها مع الثدييَّات عوض غيرها من الزواحف.[27] ولبعض أنواع السلاحف العُنقُوديَّة أعناقٌ طويلة ورؤوسٌ مُكتَّلة، مما يُعيقُ رفعها على البر، فلا تستطيع السُلحفاة ذلك إلَّا حينما تكون في المياه.[22] تمتلك بعض السلاحف هياكل مطويَّة فيحناجرها أومزاميرها ترتج لتُصدر أصواتًا، ولبعض الأنواع الأُخرىأحبالٌ صوتيَّة حقيقيَّة غنيَّةبالإيلاستين.[28]
السلاحف بطيئة الحركة على البر بسبب ثقل أصدافها،فسُلحفاة الصحراء مثلًا تتراوح سرعتها بين 0.22 و0.48 كيلومترًا في الساعة، أمَّا السلاحف البحريَّة فسريعة، ويُمكن أن تصل سُرعتها إلى ثلاثين كيلومترًا في الساعة.[10] أطراف السلاحف مُتأقلمة مع أشكالٍ مُتنوِّعةٍ من الحراك والعادات، ولمعظم الأنواع خمسة أصابع. السلاحف البريَّة شديدة التأقلم مع بيئاتها، فأرجلها مُستديرة كالعواميد، وأقدامها أشبه بأقدام الفيلة، وأصابعها قصيرة، وبعض الأنواع من شاكلةالسُلحفاة الحفَّارة تتمتع بأطرافٍ أماميَّةٍ مُفلطحة تُساعدها على نبش التُراب. تتمتَّعُ سلاحف المياه العذبة بقوائم أكثر لُيُونةً من نظيراتها البريَّة، وبأصابع أطول موصولة بغشاءٍ تسمح لها بالاندفاع سريعًا في المياه. إلَّا أنَّ بعض أنواعها، مثلالسلاحف النهَّاشةوالطينيَّة، تسير سيرًا على أرض المُستنقع أو النهر ولا تسبح، تمامًا كما تفعل حينما تخرج من المياه. وبعض الأنواع الأُخرى، مثل الحمسات، تسبح مُجدِّفةً بأطرافها الأربعة، فتُبدِّل بينها من خلاف، ممَّا يُبقي اتجاهها مُستقرًّا.[10][29]
صورة توضح الشكل الانسيابي للَّجأة (السُلحفاة البحريَّة) وأطرافها الزعنفيَّة المٌتأقلمة مع السباحة في المُحيطات.[30]
السلاحف البحريَّةواللَّجأة خنزيريَّة الأنف هي أكثر السلاحف تأقلمًا مع السباحة، فهي تتمتع بزعانف أماميَّة عوض القوائم، وأطرافها الخلفيَّة قصيرة أشبه بالدفَّات، فتدفع السُلحفاة بنفسها إلى الأمام بواسطة زعنفتيها وتوازن نفسها باستخدام طرفيها الخلفيتين.[10][31] تُدوِّر اللجآت، من شاكلةاللَّجأة الخضراء، زعنفتيها الأماميتين كما يفعلالطائر حينما يُحلِّق، لتُولِّد قُوَّةً دافعةً في كُلٍ ضربةٍ صُعُودًا وهُبُوطًا أثناء سباحتها، وهي بذلك تختلف عن سلاحف المياه العذبة من شاكلة الحمسة القزوينيَّة، فهذه الأنواع تستخدم أطرافها الأماميَّة كالمجادف. أضف إلى ذلك، فإنَّ الشكل الانسيابي للسلاحف البحريَّة يجعلها سبَّاحةً أكثر كفاءة، إذ يُقلِّل منمُقاومة الموائع، فتصير قُوَّة اندفاعها أعظم بمرَّتين من تلك الخاصَّة بسلاحف المياه العذبة، وتفوقها سُرعةً بست مرَّات. وصغار السلاحف البحريَّة سبَّاحة كفوءة أيضًا، تُقارب في سُرعتها بعض أنواع سُمُوك المياه المفتوحة، مثلالإسقمري.[30]
تمتلك السلاحف ذُيُولًا قصيرة مُقارنةً بسائر الزواحف، غير أنَّ طولها وثخنها يختلف باختلاف الأنواع وما بين الجنسين. تتمتَّع السلاحف النهَّاشةوالخنداعة كبيرة الرأس بذُيُولٍ أطول من سائر الأنواع، تستخدمه الأخيرة لتتوازن حينما تتسلَّق. يقعالمذرق أسفل الذيل وعند قاعدته، وتقبع الأعضاء التناسُليَّة داخل الذيل نفسه، وبهذا يصيرُ ذيل الذكر أطول كونه يحوي قضيبه. ذُيُول السلاحف البحريَّة أطول من نظيراتها البريَّة والمناقعيَّة، وهيقابضةٌ لدى الذُكُور، التي تستخدمها للإمساك بإناثها حين التزواج. تمتلك عدَّة أنواع من السلاحف أشواكٌ أو نُتوءات عظميَّة على أذيالها.[20][32]
لقطة مُقرَّبة لعين حمسةٍ حمراء الأذن. تتميَّز هذه السلاحف عن غيرها بامتلاكها سبعة أنواعٍ من الخلايا كاشفة الألوان.[33]
تعتمد السلاحف علىبصرها لتعثر على طعامها وأزواجها وتتجنَّب الضواري ولتُوجِّه نفسها أثناء حركتها. تشتمل الخلايا الحسَّاسة للضوء فيشبكيَّة السُلحفاة تلكالعصويَّةوالمخروطيَّة ذات ثلاثة أصباغٍ ضوئيَّة، ممَّا يسمح لهذه الكائنات أن ترى بالألوان. يُحتملُ أنَّ للسلاحف خليَّة مخروطيَّة إضافيَّة تسمح لها برؤيةالأشعَّة فوق البنفسجيَّة، فقد أُجريت تجربة على صغار اللجآت حديثة الفقس وتبيَّن أنَّها تتفاعل مع الأشعَّة المذكورة المذكور، ولكن لا يُعلم إن كانت تستطيع تمييزها عنموجاتٍ ضوئيَّةٍ أطول. تتمتَّعالحمسة حمراء الأذن بسبعة أنواعٍ من الخلايا المخروطيَّة، ممَّا يُميِّزها عن سائر أنواع السلاحف.[33][34]
أعين اللجآت مُتأقلمة مع النور الخفيف، وهذا ما يُتيحُ لها التحرُّك على البر حينما تخرج ليلًا. وهي قادرة على استخدام أعينها في المياه السطحيَّة النقيَّة، والساحليَّة الطينيَّة، والمُظلمة في أعماق المُحيطات، وكذلك على السطح. وعلى العكس من السلاحف البريَّة، فإنَّقرنيَّة اللَّجأة لا تلعب دورًا في تركيز الضوء على شبكيَّتها، لذا فإنَّها تعتمد اعتمادًا كُليًّا على عدستها لترى بوُضوحٍ تحت الماء. تحوي الخلايا المخروطيَّة قطراتٍ زيتيَّة مُهمَّتها تحويلالإدراك البصري للَّجأة نحو الجُزء الأحمر من الطيف، ممَّا يُحسِّن من تمييزها الألوان. ولمَّا درس العُلماء دقَّة بصر هذه الكائنات من خلال فحص بعض صغارها حديثة الفقس، تبيَّن أنَّ لها شريطًا عموديًّا يحوي خلايا شبكيَّة كثيفة يفوق تلك الموجودة في سائر العين، ممَّا دلَّ على أنَّ نظرها يكون في أقوى حالاته عند الأُفق البصري. لا يُعتقد أنَّ اللجآت تستخدمالضوء المُستقطب لتعرف اتجاهها كما تفعل باقي الحيوانات. تفتقد اللَّجأة جلديَّة الظهر، المُختصَّة بالغوص عميقًا، لأيَّة تقلُماتٍ تُساعدها على الرؤية بالضوء الخافت، كأعينٍ أو عدساتٍ كبيرة، أوغلافٍ عاكسٍ، ويُعتقد أنها تعتمد علىالضياء الحيوي لطرائدها حينما تصطاد في المياه العميقة.[33]
لا تمتلك السلاحف فتحاتٍ أُذُنيَّة،وطبلاتها مغطاة بحراشف عوض ذلك، يُحيطُ بهاتيهٌ عظميّ تفتقده سائر الزواحف.[27] الحُدُود السمعيَّة للسلاحف مُرتفعة مُقارنةً بغيرها من الزواحف، فتصلُ إلى خمسمئةهرتز في الهواء، لكنها قد تكون أكثر انسجامًا مع الموجات المُنخفضة تحت الماء.[35] لوحظ أنَّاللَّجأة مُكتَّلة الرأس تتفاعل مع الأصوات الضعيفة، وأنَّ حساسيَّتها السمعيَّة القُصوى تتراوح بين مئةٍ وأربعمئة هرتز.[36]
تمتلك السلاحف مُستقبلاتٍشميَّةوميكعيَّة (لاستشعار الإشارات الكيميائيَّة) على طول تجويفها الأنفي.[37] أظهرت التجارب على اللَّجآت الخضراء أنها قادرة أن تتعلَّم التفاعل مع مجموعةٍ من المواد الكيميائيَّة مُختلفة الروائح، مثل ثلاثي إيثيلأمينوألدهيد القرفة، وأنَّها تلتقطها بحاسَّة شمِّها، ويظهر أنَّ استشعار مثل هذه الإشارات يُساعدة اللجأة في تحديد اتجاهها أثناء سباحتها.[38]
ترسة هنديَّة مغمورة بالمياه وقد أخرجت أنفها لتتنفس.
صدفة السُلحفاة قاسيةٌ صلبة، فهي لا تتمدَّد وتسمح للرئتين بالتوسُّع كما في سائر السلويَّات، لذا فإنَّ السلاحف تتمتَّع بتأقلُماتٍ أُخرى مُميَّزة تسمح لها بالتنفُّس تنفسًا طبيعيًّا.[39][40][41] تتصلُ الرئتين بالذبل في الأعلى، وترتبط بسائر الأعضاء في أسفل الجسد عبر أنسجةٍ ضامَّة.[42] وفي الرئتين عدَّة حُجرات جانبيَّةٍ ومركزيَّة (يختلف عددها باختلاف نوع السُلحفاة) وحجرةٌ طرفيَّةٌ واحدة.[43]
يُشفط الهواء لداخل الرئتين بواسطة مجموعةٍ مُعيَّنةٍ من عضلات البطن المُتصلة بالأعضاء التي تضغطها وتسحبها.[39] والكبدُ الضخم للسُلحفاة هو العُضو الأساسيُّ الذي يضغط الرئتين، فهو يتَّصلُ بالرئة اليُمنى عبر جذرٍ خلالالفراغ السيلومي. وتتصلُ المعدة بالرئة اليُسرى مُباشرةً، وتتصل بالكبد عبرمسراق، وحينما يُسحبُ الكبد نُزولًا يشرع الكائن بالشهيق.[40] الرئتان مُدعَّمتانبحاجز، ويُعتقد أنَّ غايته الحيلولة دونانكماشهما.[44] تنقبضُالعضلة المُستعرضة البطنيَّة حين الزفير، فتدفع بالأعضاء نحو الرئتين، فتنضغطان وتُخرجان الهواء. أمَّا حين الشهيق، ترتخيالعضلة المائلة الخارجيَّة وتتفلطح، ممَّا يسحب العضلة المُستعرضة نُزولًا ويسمح بدُخُول الهواء للرئتين مُجددًا.[40]
تُمضي العديد من السلاحف وقتًا كبيرًا من حياتها تحت الماء، لكنَّها جميعها تتنفس الهواء، وعليها الصُعُود إلى السطح دوريًّا لاستنشاق المزيد، وتتراوح فترة بقاء السُلحفاة تحت المياه بين دقيقةٍ عند بعض الأنواع وساعةٍ عند أُخرى.[45] تتنفَّسُ بعض الأنواع من خلال مذرقها الذي يحوي أكياسًا كبيرة مُبطَّنة بالعديد من النُتُوءات الأصبعيَّة التي تُحلِّلالأكسجين المُذاب في الماء.[46]
سُلحفاة نهَّاشة مألوفة تخرج من جحرها الطينيّ حيثُ كانتتسبت. تتمتَّع السلاحف بتكيُّفاتٍ عدَّة تُمكِّنها من البقاء لفتراتٍ طويلة دون أن تحتاج للتنفس.[47]
تمتلك السلاحفجهازًا دورانيًّا وتنفُسيًّا مُماثلًا لأجهزة جميع الفقاريَّات، فقلبها ثُلاثيّ الحجرات يضخُّ الدم غير المؤكسج عبر الرئتين ثُمَّ يضخ الدم العائد المؤكسج لسائر أنسجة الجسد. وللنظام القلبي الرئوي للسُلحفاة تأقلُماتٌ بُنيويَّة ووظيفيَّة تُميِّزه عن أجهزة باقي الفقاريَّات، فحجم الرئتان كبير، يُمكِّنها من نشر الدم عبر الأوعية الدمويَّة غير الرئويَّة، بما فيها بعض الأوعية القلبيَّة، ممَّا يُغذي الجسم بالأكسجين خلال الفترة التي يمضيها الكائن دون أن يتنفَّس، مثل حينما تكون السُلحفاة في أعماق النهر أو البحر. والسلاحف قادرة على حبس أنفاسها لفترةٍ أطول بكثير من سائر الزواحف، وهي قادرة على الصُمُود رُغم قلَّة الأكسجين في جسدها، وعلى تعديل ارتفاع نسبة الحُمُوضة الناجمة عنتنفُّسها اللاهوائي بواسطةمحلولٍ مُنظِّم تُفرزه، ممَّا يسمح لها بالإسبات شُهُورًا طويلة،صيفًا أوشتاءً.[47]
لقلب السُلحفاةأُذينينوبُطينٌ وحيد ينقسم إلى ثلاث حُجرات. يسمحُ نُتوءٍ عضليّ للدم بالتدفُّق وفق نمطٍ مُعقَّد، فيُوجَّه إمَّا للرئتين بواسطةالجذع الرئوي، أو للجسد بواسطةالأبهر، وتختلف قُدرة الفصل بين التدفُّقين هذين باختلاف أنواع السلاحف. تتمتَّع اللجأة جلديَّة الظهر بنُتوءٍ عضليٍّ متين ممَّا يسمح لها بالفصل فصلًا تامًّا تقريبًا بين نوعيّ التدفُّق المذكورين، وهذا ما يُساعدها في عيش نمط حياتها القائم بأكثره على السباحة. ويُلاحظ أنَّ هذا النُتوء أقل بُروزًا لدى سلاحف المناقع من شاكلةالمُنزلقات.[47] السلاحف قادرة على تحمُّل فتراتٍ طويلةٍ من التنفُّس اللاهوائي تفوق أي فقاريٍّ آخر. وهذه العمليَّة تفكِّك السُكِّر في الدم تفكيكًا غير كامل فتُحوِّله إلىحمض اللبنيك عوضثنائي أكسيد الكربون والمياه كما يحصل في عمليَّةالتنفس الهوائي،[47] وتستفيد السلاحف من أصدافها فتختزن بها بعض العناصر الكيميائيَّة الطبيعيَّة لتحد من ارتفاع نسبة الحُمُوضة بأجسادها، وتطرح فيها فائض حمض اللبنيك.[48]
مثانة السلاحف البحريَّة عديمة الأقسام، بينما هي مُزدوجة الفُصُوص عند مُعظم الأنواع قاطنة المياه العذبة،[49] ومثاني اللَّجآت تتصل بمثانتين إضافيتين تقعان عند جانبيّ عنق المثانة البوليَّة وأعلىعظم العانة.[50] أمَّا السلاحف البريَّة قاطنة المناطق القاحلة فمثانيها تحفظ المياه، فتختزن ما تصل نسبته إلى 20% من إجمالي وزنها. والسوائل المحفوظة في المثانة قليلةالمحاليل عادةً، لكنَّ نسبتها ترتفع خلال فترات الجفاف حينما يكتسب الكائن مُلُوحاتبوتاسيوميَّة نتيجة الاقتيات على النباتات، فتختزن المثانة المُلُوحات هذه إلى أن تعثر السُلحفاة على مصدر مياهٍ عذبة فترتوي منه.[51] تفرز اللَّجآتوالسلحفاة معينيَّة الظهر قاطنةالمياه المسوسة فائض الملح في أجسادها عبرغُددها الدمعيَّة، فيخرج بهيئة مادَّة لزجة سميكة، مما يجعل اللجأة تبدو وكأنها تبكي حينما تخرج إلى الشاطئ.[52]
حمستان حمراوتا البطن تتشمَّسان على جذعٍ يابسٍ لرفع درجة حرارة جسديهما.
قُدرة السلاحف علىالتحكُّم بحرارة أجسادها محدودة، شأنها شأن سائر الزواحف. وتختلف هذه القُدرة باختلاف أنواع السلاحف وأحجامها، فحمسات المناقع الصغيرة ترفع من حرارتها عبر الخُرُوج من المياه والمُكُوث في الشمس، بينما تُخفِّضها السلاحف البريَّة الصغيرة الهائمة على وجهها طيلة النهار والشمس ساطعة، بالمُكُوث في الظل، وإن رغبت برفعها مُجدَّدًا سارت. أمَّا الأنواع الكبيرة، سواء البريَّة أم البحريَّة، فأحجامها الضخمة تمنحهاسعةً حراريَّةً بارزة، أي إنَّها ترفع من حرارة جسدها أو تُبرِّده طيلة ساعاتٍ طويلة.فسُلحفاة الدبرة العملاقة التي تصل زنتها إلى ستين كيلوغرامًا، قادرة على رفع حرارتها إلى ثلاثةٍ وثلاثين درجةٍ مئويَّة خلال الأيَّام الحارَّة، وتُخفِّضها إلى تسعةٍ وعشرين درجةٍ ليلًا. وبعض أنواع السلاحف البريَّة العملاقة تسعى إلى الظل نهارًا للحيلولة دون ارتفاع حرارتها ارتفاعًا فاحشًا، ومن الأمثلة البارزة على ذلك سلاحف الدبرة سالفة الذكر،فجزيرتها نادرة الغذاء في داخلها، مما يدفعها للبحث عن الطعام قُرب الساحل حيثُ تقل الأشجار، فتُشاهد وهي تتصارع حول أحقيَّة المُكُوث في ظلالها خلال الأيَّام الحارَّة، وبعض الذُكُور تدفع الإناث الأصغر حجمًا وتقبع مكانها، فترتفع حرارة بعضها وتهلك.[53]
تتمتع السلاحف البحريَّة البالغة بقُدرةٍ محدودة أيضًا على التحكُّم بحرارة أجسادها، فأكبرها حجمًا، أي اللَّجأة جلديَّة الظهر، قادرة على السباحة في مياهٍ ساحليَّةٍ باردة، كالمياه المُقابلة لجزيرةنوڤا سكوشاالكنديَّة التي تصلُ حرارتها إلى ثماني درجاتٍ مئويَّة، وتظل درجة حرارة جسدها تصل إلى اثنتي عشرة درجة، أي تكون أدفئ من المياه المُحيطة بها. وهذه اللجآت قادرة على الحفاظ على حرارتها من خلال نظامٍ للتبادل الحراري المُعاكس في أوعيته الدمويَّة، يربطُ بين لُب أجسادها وأطراف زعانفها، وأوعيتها الدمويَّة التي تُغذِّي الرأس معزولة بالدُّهون الموجودة حول رقبتها.[53]
لجأة خضراء ترعى عشب البحر، رغم أن اللحوم تغلب على غذاء السلاحف المائية.
معظم أنواع السلاحفقارتة انتهازية، ويغلبالنبات على غذاء الأنواع التي تعيش على اليابسة،واللحوم على غذاء الأنواع المائية.[22] ولا تتصف السلاحف بالسرعة أو القدرة على المطاردة، لذا فإنها تغتذي إما على النباتات أو على الحيوانات البطيئة أو قليلة الحركة، مثلالرخوياتوالديدانويرقات الحشرات.[10] وتقتات بعض أنواعها على الأسماك والبرمائيات والطيور والثدييات والزواحف (بما فيها السلاحف الأخرى)، فإما أنتصطادها بُغْتةً أوتقتات على الجيف، ومن هذه الأنواعالسلحفاة المخوذة الإفريقيةوالسلاحف النهَّاشة.[54] وللسانسلحفاة القاطور النهاشة امتدادٌ أسطواني يُقلِّد في شكله الديدان، فتستدرجُ به الأسماك نحوها لالتهامها. وأما سلاحف اليابسة فتتناول الأعشاب وأوراق الشجر والفواكه،[55] وقد تقتات كذلك (مثل السلاحف المائية) على قشور البيض وعظام الحيوانات والشعر ومخلفات الكائنات الأخرى لاستكمال احتياجاتها الغذائية.[56]
لبعض أنواع السلاحف طرق متخصِّصة في الاقتيات.[10]فسلحفاة الأنهار صفراء البقعوالسلحفاة المزركشة تحصلان على طعامهمابترشيح الكائنات الدَّقيقة من المياه، فهي تَجْرِفُ أولاً سطح الماء بفمٍ مفتوح وتبتلعه بما فيه، ثم تُغْلِقُ فمها وتُخْرِجُزفيرًا يدفع الماء من منخريها والفراغات بين أسنانها، فتَحْفَظُ بذلك دقائق الطعام.[57] كما أن بعض الأنواع تتغذَّى بأسلوبٍ يُسمَّى «الفَغْر والسحب»، إذ تفتح فكَّيها وحنجرتها بزاوية منفرجةٍ واسع، ثم تَسْحَبُ فريستها إلى داخل فمها.[10][58]
قد يتفاوت غذاء سلحفاتَيْن من النوع نفسه، بل وقد يتغيَّر غذاء السلحفاة الواحدة بمرور الزمن، فمن العوامل التي تَدْخُل في ذلك: عمر السلحفاة والوقت من العام وجنس السلحفاة (ذكر أو أنثى)، كما أن جمهرات السلاحف في بعض المناطق لها غذاءٌ غير أقاربها التي تسكن منطقة أخرى، ولو كانت من نفس النوع. تبدأ كثيرٌ من أنواع السلاحف حياتها بغذاءٍ تغلب عليه اللحوم، ثم تتزايد نسبة النبات في طعامها تدريجيًا مع تقدّمها بالسن.[10][59] على سبيل المثال، أهم قسمٍ من غذاء إناث سلحفاة بابور هوالرخويات (مثل الحلازين)، وأما الذكور فهي تتناول غالبًاالمفصليات (مثل الحشرات)،[10] وأماحمسة بلاندينغ فهي تتناول إماالحلازين أوجراد المياه العذبة حسب المنطقة التي تسكنها، وتدلُّ الأبحاث على أنحمسة المناقع الأوروبية تبقى لاحمة جُلَّ السنة، لكن طعامها الأساسي يتبدَّل إلى أزهارالنيلوفر الأبيض صيفًا.[60] ولبعض أنواع السلاحف غذاء ضيّق متخصِّصْ، مثلاللجأة صقرية المنقار التي لا تأكل سوىالإسفنج،واللجأة جلدية الظهر التي لا تأكل سوىقناديل البحر، وكذلكسلحفاة الميكونغ آكلة الحلازين.[10][61]
قد يخال معظم الناس أن السلاحف كائنات صامتة، لكنها تتواصل بأصواتٍ كثيرة.[63][64] فعلى سبيل المثال، تتبَّعت إحدى الدراسات سلاحف من ثلاثةٍ وخمسين نوعًا، وسجَّلت أصواتًا لها كافة.[65] فقد تُصْدِرُ سلاحف اليابسة أصواتًا أقرب إلى الخوار حينما تتزاوج،[64][66] ولأنواع عِدّة من سلاحف البحر والماء العذب نداءاتٌ قصيرةمتدنيّة التردد تُصْدِرُها منذ مهدها في البيضة وحتى البلوغ، ولعلَّ الهدف منها هو إقامة أواصر بين بني جنسها أثناءرحلات الهجرة.[64] وتتميَّز سلحفاة أوبلونغ بتنوّع أصواتها الهائل، فقد توصف أصواتها بأنها طقطقةٌ وقرقعةٌ وزعيقٌ ونعيبٌ وزقزقةٌ وعويلٌ ونخيرٌ وزمجرةٌ وعواءٌ وزفيرٌ وقرع طبول.[62]
تشير الأبحاث إلى أن بعض أنواع السلاحف تُلاعِبُ بعضها البَعْض.[67] وأظهرت تجارب المختبرات أن سلاحف فلوريدا حمراء البطن قادرة على أن تتعلَّم حيلًا ومهامًا عديدة، ولها ذاكرةٌ تدوم لما لا يقلّ عن سبعة شهورٍ ونصف.[68] والسلاحف العملاقة كذلك قادرةٌ على تعلُّم وتذكُّر مهام عديدة، ويتسارع تعلُّمها كثيرًا حينما تشترك فيه مع مجموعةٍ من بني جنسها،[وب-إنج 5] وتشير الأبحاث إلى أن سلاحف اليابسة قد تذكر تدريبها فيبالإشراط الاستثابي (أداء حركةٍ معيَّنة للحصول على الطعام مثلًا) لتسع سنواتٍ كاملةٍ بعد انقضاء التدريب.[69] كما تشير الدراسات إلى أن سلاحف المياه تُحدِّد الاتجاهات وفقًا لذكرياتها عن المعالم ولخريطة ذهنية، ولهذا فإنها تسلك طرقًا دقيقةً ومباشرةً حينما تسعى نحو وجهةٍ ما،[70] ويعتقد أن قدرتها هذه على تحديد الاتجاهات ترجع إلى قدرةٍ عقلية عالية فيقشرة فص الجبهة المخيّة.[70][71]
حينما تشعر السلاحف بخطر، فهي تهرب أو تتجمَّد مكانها أو تختفي داخل صدفتها. عادةً ما تهرب سلاحف الماء العذب نحو أقرب مصدر للمياه (مثل بحيرة أو نهر)، وأما سلحفاة سونورا الطينية فقد تلجأ إلى اليابسة لأن برك الماء الضحلة والمؤقتة التي تسكنها ليست آمنةً لها.[72] وحينما تشعرالسلاحف ملساء الصدفة بالخطر فقد تغوص إلى قاع البحر وتدفن نفسها في رماله.[73] وحينما يستمر حيوان مفترسٌ بمطاردة السلحفاة فقد تدافع الأخيرة عن نفسها بالعضّ أو بإصدار رائحة منمذرقها، وتُفْرِزُ عدة أنواع من السلاحف روائحمسكية كريهة، كما قد تحاول تهديد الحيوان المفترس بحركاتٍ مرعبة وبعضها، مثلسلحفاة بل مفصلية الظهر،تتظاهر بالموت، وأما صغارالخنداعة كبيرة الرأس فهي تصرخ لإخافة المفترس.[74]
السلاحف هي نوعالزواحف الوحيد الذي يهاجر مسافات طويلة، فأنواعها البحرية تهاجر لآلاف الكيلومترات. وقد تسافر السلاحف البحرية كذلك لمسافات قصيرة نسبيًا لوضع بيوضها، قد تبلغ سبعة وعشرين كيلومترًا، ومنهاالسلاحف النموذجيةوالسلاحف معينية الظهروالدلهمة، وتشبه هذه هجرة أنواعٍ أخرى من الزواحف، مثل العظاءات والأفاعي والتماسيح.[75]
تضع السلاحف البحرية بيوضها في مكانٍ محدَّد، مثل شاطئ بعينه ترجع إليه كل عام، ثم تترك بيوضها هناك بلا رقيب. وحينما تفقس صغارها فهي ترحل عن الشاطئ، وتقطع مسافات شاسعة في السنوات أو العقود الأولى من حياتها قبل أن تبلغ مرحلة النضوج، ويبدو أنها تعرف كيف تعود إلى الموقع الدقيق الذي فقست فيه؛ إذ إنها ترجع إليه كل بضع سنوات للتزاوج ووضع البيوض، ولو أن دقَّتها في العودة قد تتفاوت بين أنواع السلاحف وجمهراتها. وجد علماء الأحياء أدلَّة كثيرةً على قدرة السلاحف على أن ترجع إلى الموقع الذي فقست فيه، بما فيها أدلة وراثية تظهر فيجيناتها، لكن ليس من المعروف حتى الآن كيف تستدلُّ هذه السلاحف بالضبط على شطآن التكاثر.[76]
التطبُّع هو من الاحتمالات القائمة، وهو سلوكٌ يتعلَّم فيه صغار الحيوانات بصمة كيميائية (فعليًا: رائحة مميّزة) للماء الذي ولدوا بجواره قبل أن يرحلوا عنه، ويذكرون هذه الرائحة حينما يحين وقت عودتهم إليه بعد البلوغ، وهذه نفس الطريقة التي ترجع فيها سُمُوكالسلمون إلى موطنها. ومن المحتمل كذلك أن السلاحف ترجع إلى مكان ولادتها بتوجيهٍ منمجال الأرض المغناطيسي، إذ تدلُّ بعض التجارب على أن السلاحف تشعر بالمجالات المغناطيسية وتستخدمها بتحديد الاتجاهات.[76]
وتُظْهِرُ الأدلة أن أنواع السلاحف التالية -على الأقل- قادرةٌ على العودة إلى مكان فقسها بعد البلوغ، وهي:اللجأة مُكتَّلة الرأسواللجأة صقرية المنقارواللجأة جلدية الظهرولجأة ردلي الزيتونية، ولكل جمهرةٍ من كل نوع من هذه السلاحف بصمة جينية فريدةٌلحمضها النووي المتقدّريّ حسب المكان الذي تسكنه، وتدوم هذه البصمة مع مرور السنين، ممَّا يعني أن كل جمهرةٍ قادرةٌ على العودة إلى مكانٍ مُحدَّد، وأن الجمهرات المختلفة لا تختلط ببعضها (لأنها تضع بيوضها في أماكن مختلفة حسب موقع ولادتها) فيبقى حمضها النووي فريدًا.[76]
تتفاوت طرق التزاوج بين أنواع السلاحف، لكنها لا تُكوِّنروابط زوجية ولا مجموعات اجتماعية مع بني جنسها.[77] من المعتاد في السلاحف البرية أن يتجاوز حجم ذكورها إناثها، وتتقاتل الذكور ضدّ بعضهاللهيمنة الهرمية كي يكسبوا الإناث. لكن القتال أندر بين السلاحف المائية وشبه المائية، فذكور هذه الأنواع قد تستغل أفضليتها بالحجم لفرض النزاوج على الإناث بدلًا من منازعة الذكور المنافسين لكسبها.[78] وأما في السلاحف المائية فالإناث أكبر من الذكور عادةً. يتجاوز عدد إناث اللجأة الخضراء عدد ذكورها، لذا فإن الذكر يلجأ إلى عرض تزاوج لجذب انتباه الأنثى.[79]
تتفاوت طريقة التزاوج حسب أنواع السلاحف ومساكنها. فقد تتعقَّد في الأنواع المائية، وتتَّسم بالبساطة في سلاحف الطين شبه المائيةوالدلهميات. يتزاوج الذكر مع الأنثى بأرجحة رأسه، ثم عضِّها وضربها برأسه حتى تنصاع له قبل أن أن يطأها للتزاوج.[10] وتقترب ذكور سلحفاة العقرب الطينية من خلف الإناث، وقد تفرض نفسها بطرقٍ عدوانية، كعضّ ذيل الأنثى وسيقانها الخلفية قبل وطئها.[80] وللإناث في بعض الأنواع الأخرى قدرة أكبر على الاختيار، فإناث اللجأة الخضراء قد لا تتجاوب مع عدوانية الذكور، وتطوَّرت عندها سلوكيات تقاوم فيها الذكر حينما يحاول فرض نفسه، كالهرب منه بالسباحة بعيدًا، أو مجابهته وتهديده بالعضّ، أو بالوقوف أمامه عموديًا ورأسه محنيٌّ نحوه حينما يحاول الاقتراب تعبيرًا عن الرفض، ولو عجزت عن اتخاذ هذه الوضعية بسبب ضحالة المياه فقد تخرج إلى الشاطئ، إذ إن الذكور لا يتبعون الإناث خارج الماء.[79]
تُخصِّب السلاحف كافة بيوضها داخليًا، أي أن البيوض تُخصَّب وهي ما تزال داخل جسد الأم؛ لذا قد تعتري التزاوج صعوبات عِدّة. للكثير من ذكور السلاحف تقعّر في مؤخّرة الصدفة يساعدهم على ارتقاء صدفة الأنثى، فأصداف ذكورسلحفاة آسيا الوسطى خفيفة وسيقانها طويلة لتساعدها على هذا، وأما أصداف بعض الأنواع الأخرى مثل السلاحف الصُّندوقية فهي مرتفعة ولها نتوءاتٌ دائريةٌ غير معتادةٍ تُصعِّب ارتقاءها، ولذا فإن الذكر يرفع مُقدِّمته عن الأرض ثم يرمي نفسه على الأنثى.[81] تتزاوج السلاحف المائية في المياه،[82][83] وأما السلاحف البحرية فإن إناثها تَحْمِلُ وزن الذكر وهو يرتقيها أثناء السباحة والغوص.[84] ويُعَامِدُ الذكر والأنثى ذيليهما معًا أثناء التزاوج كي يستطيع دخولالمذرق باتجاه صحيح، وبعض إناث السلاحفتحفظ النطاف في مذرقها وتستخدم نطاف ذكور عِدّة في تلقيح بيوضها، ولذا فقد يكون للبيوض المختلفة آباء مختلفون.[77][85]
تضع أنواع السلاحف كافة (المائية منها والبرية) بيوضها على اليابسة، ولو أن بعضها تضع بيوضها قرب مُسطّحات مائية يتفاوت ارتفاعها مع الوقت (بفعل المدّ والجزر أو غيره)، لذا قد يغمر الماء بيوضها بين الفينة والأخرى. وتضع معظم السلاحف بيوضها في ذات الأماكن التي تسكنها على مدار السنة، لكن بعضها تقطع مسافاتٍ طويلة لتضع بيوضها، وقد تصل هذه المسافات لقرابة خمسة كيلومترات فيالسلحفاة النهاشة المألوفة (التي تسكن اليابسة) إلى اثنا عشر ألف كيلومتر في اللجأة جلديّة الظهر (التي تسكن البحار).[10][83] تصنع معظم السلاحف أعشاشًا لإيواء بيوضها، وغالبًا ما تكون هذه الأعشاش تجويفاتٍ شكلها شبيهٌ بالقارورة تحفرها الأنثى في التراب، ولو أن بعض الأنواع قد تضع بيوضها بين النباتات أو في تجاويف صخرية.[86] وتختار الأنثى مكان العش بعناية بناءً على الظروف المحيطة، كالحرارة والرطوبة، فهذه العوامل تؤثّر في نمو الأجنَّة.[83] ويتراوح عدد البيوض التي تضعها السلحفاة، حسب نوعها، من بيضة واحدةٍ إلى أكثر من مئة، إذ تميل الإناث الكبيرة إلى وضع بيوض أكثر وأكبر حجمًا. وتضع السلاحف البرية بيوضًا أقل وأكبر حجمًا من أقاربها المائية. وقد تبيض الأنثى أكثر من مرّة في السنة أو في موسم التزاوج، خصوصًا في المناطقمتقلِِّبة المواسم.[87] وتتفاوت أشكال البيوض بين كروية وبيضاوية وشبه أسطوانية، وقد تكون قشورها صلبةً أو ليِّنة.[88]
صغار لجأة جلدية الظهر فقست توًا على شاطئ دولةأروبا.
تقتصر عناية السواد الأعظم من أمَّهات السلاحف بصغارهنِّ على تغطية البيوض بحفنةٍ من الرمال أو التراب، فهنَّ يتركنها لمصيرها بعد ذلك مباشرةً، لكن قلَّة من أنواع السلاحف تبقى رقيبةً على أعشاشها لأيام أو أسابيع حتى الفقس.[89] وتتراوح مدة حضانة بيوض السلاحف بين شهرين إلى ثلاثة شهور إن كانت فيمناخ معتدل، وبين أربعة شهور إلى سنة كاملة فيالمناطق المدارية،[10] وأما السلاحف التي تعيش في مناخ معتدل حارٍّيتأخَّر نموّها بسبب الكمون الجنيني.[90]
العامل الرئيسي في تحديد جنس صغار السلاحف هو حرارة البيوض، ففي بعض الأنواع تنجم الإناث عن الحرارة العالية والذكور عن درجات الحرارة المتدنّية أو الباردة، وفي بعضها الأخرى تنجم إناثٌ عن درجات الحرارة المتطرِّفة حرارةً أو برودةً، وأما الحرارة المعتدلة فتنجم عنها ذكور.[10] وأظهرت بعض الدراسات المخبريَّة أن أجنَّة سلحفاة البرك الصينية قادرةٌ على أن تتنقَّل داخل البيضة لتختار درجة الحرارة المُثْلَى لها، مما يُحدِّد جنسها المستقبلي بالنتيجة.[91] وفي بعض الأنواعيتحدَّد الجنس وراثيًا.[92] تفقس صغار السلاحف من بيوضها بالاستعانةبسن البيض، وهو سنٌّ حادٌّ ينمو مؤقتًا على طرف المنقار العلوي لهذه الوظيفة حصرًا.[10][93] وبعد الفقس تحفر صغار السلاحف التراب لتخرج من أعشاشها وتزحف نحو أحراش النباتات أو الماء لتلجئ فيه، وقد تبقى صغار بعض السلاحف في العش بعد فقسها لتنتظر انقضاء فصل الشتاء أو هطول الأمطار التي تساعد على تفكيك تربة العش.[10] صغار السلاحف أهدافٌ سهلةٌ جدًا للحيوانات المفترسة، سواءٌ قبل فقسها من البيض أو بعده، ولذا ففرص نجاة السلاحف في مَهْد حياتها ضئيلةٌ عادةً، ثم ترتفع بسرعةٍ مع نمو السلحفاة، حتى تُصْبِحَ فرص بقائها مرتفعةً جدًا بعد البلوغ، وغالبًا ما تنمو السلحفاة بسرعة كبيرة في سنواتها الأولى، ثم يتباطأ نموّها بعدئذٍ.[94]
السلاحف كائنات مُعمَّرة، إذ يُعتقَد أن أطول مدَّة حياة عاشها أيُّ حيَوانِ يابسةٍ معروفٍ هي مئة وسبعةٌ وثمانون سنة، عاشها غَيلمٌ اسمهجوناثان من سلاحف السيشيل العملاقة، وذلك حتى نفوقه سنة 2019.[وب-إنج 6] وقد جلبتشارلز دارون في سنة 1835سلحفاة غلاباغوس عملاقة اسمها هارييت، فنفقت في سنة 2006 بعد أن عمَّرت ما لا يقلّ عن مئةٍ وستةٍ وسبعين سنة. ويندر أن تُعمَّر السلاحف في البرِّية لهذه الحِقَب الطويلة، التي تساعد عليها العناية والحماية في الأَسْر.[95]
تنمو للسلاحف درَقاتٌ جديدةٌ سنويًّا على مرِّ حياتها تحت درَقاتها السابقة، مما يساعد الباحثين على تقدير عمرها التقريبي،[95] وقد وجدوا أن السَّلاحف تُعمَّر ببُطء،[96] وأن احتمال نجاتها بعد اكتمال نموِّها لا يقل عن 99% سنويًا (أي أن أقل من 1% من السلاحف البالغة تقضي نحبها كل عام).[10]
رسم يُوضِّح نشأة هيكل السلحفاة العظمي وصدفتها في أنواعها التي عاشت في العصر الثلاثي، بدءًا من صفائح عظمية متناثرة وحتى التحمت في صدفةٍ متكاملةٍ ذات جانبَيْن (الذبل والصدرة).[15]
بذل علماء الحيوان جهدًا كبيرًا في تقصِّي أصل السلاحف، مع اهتمامٍ خاص بأصدافها التي تُميِّزها عن سائر الحيوانات. فاقترح عالم الأحياء يان فيرسلس في عام 1914 أن صدفة السلحفاة مُكوَّنة من صفائح عظمية فيالأدمة ملتحمةٍ مع أضلاع القفص الصدري تحتها، وهو تكوينٌ يُسمَّىالجلد العظمي،[15][97] وفسَّرت هذه النظرية تطوّر الصفائح العظمية في زاحف منقرضٍ من أسلاف السلاحف اسمهالبراديصور عاش فيالعصر البرمي، وانحدرت منه فيما بعد البرياصوراتوالأنطودون. لكن هذه النظرية لم تُفسِّر كيفية التحام الأضلاع بالدرع الأدمي الذي يُكوِّن صدفة السلحفاة.[15]
لكن الدراسات الحديثة ترسم صورةً مختلفةً عن تطوّر أصداف السلاحف، إذ إن أسلاف السلاحف الأولى (وهي تُسمَّى السلاحف الجذرية) لم تَكُن لها أصداف؛ سواء بمكوِّنها العلوي (الذبل) أو السفلي (الصدرة)، وإنما كانت فيها اختلافات تشريحية مثل انكماش البطن وتمدُّد الأضلاعوفقرات الذيل، ومن أمثلة هذه الأسلاف الأولى سلحفاة الإيونتوصور التي عاشت في العصر البرمي الوسيط والبابوكيلس من العصرالثلاثي الوسيط والإيورينكوكيلس من العصرالثلاثي المتأخر، واختلف هذا التشريح بمرور الوقت، إذ اكتسبتالسلحفاة المسنَّنة في العصر الثلاثي المتأخر صدفة جزئية مكوَّنة من صدرة عظمية كاملة (جانب سفلي) وذبل جزئي، واكتمل تكوُّن هذه الصدفة الجزئية فيالسلحفاة المبكّرة بنهاية العصر الثلاثي المتأخر،[15][98] ولعلَّ الوظيفة الأصلية للصدفة والسبب في تطوّرها هو مساعدة السلاحف على الحفر والحياة تحت الأرض.[98]
تشير دراسات عديدة إلى أن التماسيح، ومعها الطيور، هي أهم أقارب السلاحف، فهي أقرب إليها من سائر أنواع الزواحف.
تدور جدالات حول أصل السلاحف التطوري، فقد اعتقد الباحثون سابقًا أنها المجموعة الوحيدة الباقية (أي غير المنقرضة) لفرعٍ من الزواحف يُسمَّىاللاقوسيات، ومن أمثلتهالبركلوفونات الشبيهة بالعظاءات التي عاشت في العصرين البرمي والثلاثي، والسمة العامة بين اللاقوسيات هي أن جماجمها تفتقرللثقوب تحت الصدغيَّة، وهذه سمةٌ تُنَاقِضُ فيها سائر فصائل الزواحف (وكذلك الطيور والثدييات المنبثقتين عنها)، ممَّا قد يشير إلى أن أسلاف السلاحف انفصلت عن أنواع الزواحف الأخرى كافّة قبل زمن طويل.[105] لكن بعض الباحثين يقترحون أن هذه الثقوب اختفت من جمجمة السلحفاة نتيجةتطور عكسي لاحق،[106] وليس لأنها تنحدر فعلًا من اللاقوسيات، وتشير الأحافير فعلًا إلى أن السلاحف الجذريَّة كانت لها ثقوب تحت صدغيَّة.[98]
اقترحت بعض دراساتعلم الوراثة العرقي القديمة أن السلاحف أقرب إلىالعظايا الحرشفية (أيالعظاءاتوالأفاعيوالطراطرة) منها إلىالأركوصورات (أيالتماسيحوالطيور)،[105] لكن دراساتعلم الأعراق الجزيئي (وهو تحليلٌ للحمض الوراثي أو الدنا) فقد توصَّلت إلى نتيجة مناقضة، وهي أن السلاحف أقرب إلى الأركوصورات،[107] أو أنهامجموعة شقيقة للتماسيح والطيور الحديثة،[106][108] وهي نتيجةٌ تدعمها دراسة من سنة 2012 حلَّلت مائتان وثمانيةٍ وأربعين جينًا جزيئيًا من ستة عشر حيوان فقاري، وبيَّنت أنأحدث سلف مشترك للسلاحف هو التماسيح والطيور، وأن السلاحف انفصلت عن آخر سلف بينها وبين التماسيح والطيور قبل قرابة مائتين وخمسةٍ وخمسين مليون سنة، أي خلال العصر البرمي.[109] وتؤكّد على هذا الرأيدراسة جينومية من العام نفسه استخدمت تقنية العناصر المحفوظة لإثبات العلاقة بين السلاحف والأركوصورات. لكن تعقيدًا للخلاف، توصَّلت دراسة في سنة 2012 إلى أن السلاحف مجموعة شقيقة للعظايا الحرشفية، أي العظاءات والأفاعي.[110]
حلَّلت دراسة من سنة 2013تسلسلًا جزئيًا لجينوم اللجأة الخضراء والسلحفاة الصينية ملساء الصدفة، وتوصَّلت إلى أن السلاحف هي غالبًا مجموعة شقيقة للتماسيح والطيور،[111] وبناءً عليها يُظْهِرُ الرسم أدناهشجرة النسب بين فصيلتي السلاحف والكائنات الحيَّة الأخرى.[110]
تُصنَّف السلاحف الحديثة وأقاربها المنقرضة من السلاحف مكتملة الأصداف في فرعالسلحفيَّات.[112] وتنقسم السلاحف الحالية إلى مجموعتين متباعدتَيْن تطوريًا، وهما:مخفيات الرقبة (وهي تضم معظم أنواع السلاحف)والسلاحف جانبية الرقبة (وهي تضم قلَّة من الأنواع الباقية)، ويُقدَّر أن أحدث سلف مشترك للسلاحف قبل انفصالها إلى هاتين المجموعتين عاش قبل نحو مائتين وعشرة ملايين سنة في العصر الثلاثي المتأخر.[113] وترى دراسة من سنة 2021 أن السلاحف قليلة التنوُّع نسبةً إلى قِدَم وجودها على الأرض، فقد بيَّنت الدراسة أن السلاحف لم يطرأ عليها تنوُّع أو تغيُّر ذا شأنٍ عدا تسارعٍ واحدٍ كبير وقع قبل قُرابة ثلاثين مليون سنة أثناءانقراض العصر الإيوسيني الأوليغوسيني، وتوازى هذا التنوُّع مع انقراضٍ لعدد كبير من أنواع السلاحف في الفترة نفسها. ويعتقد أن تغيُّر المناخ عالميًا أدى إلى انقراض بعض السلاحف وإلى تنوّع بعضها كذلك؛ إذ إن مناخ الأرض تغيَّر حينئذٍ ليصبح باردًا وجافًا، ممَّا أدى إلى جفاف اليابسة وانقراض السلاحف التي عاشت في قلب القارات، لكن سواحل القارات انتعشت بفضل التغيُّر نفسه فتطوَّرت فيها أنواع جديدة.[114]
تُبيِّن شجرة النسب أدناه علاقةفصائل السلاحف ببعضها حسب دراسة من سنة 2015،[115] وهو تقسيمٌ تدعمه بالضبط دراسة أخرى من عام 2021:[114]
اختلاف اتجاه إغماد الرقبة بين المجموعتين الأساسيتين للسلاحف.
تنقسم السلاحف إلىرتيبتين حاليَّتَيْن، هي مخفيَّات الرقبة وجانبيات الرقبة،[112] والاختلاف الأهم بينهما هو طريقة إغماد الرقبة (أي إيلاجها في الصدفة)، فجانبيَّات الرقبة تضمُّ رقبتها جانبيًا إلى كتفها، وأما مخفيات الرقبة فهي تُغْمِدُ رقبتها داخل صدفتها بخطٍّ مستقيم حتى تتوارى كاملة، وما يُحدِّد زاوية حركة الرقبة هذه هوتشكل الجسم وترتيب فقرات الرقبة.[116]
تستثنى من هذه القاعدة اللجآت أو السلاحف البحرية، وهي من مخفيات الرقبة، لكنها فقدت القدرة على إغماد رقبتها داخل الصدفة.[117]
وللرتيبتين كليهماعضلات تبعيدٍ وتقريبٍ في الفك السفلي تعمل بآلية تشبهالبكرة لتسحب الرقبة وتُغْمِدها، لكن هذه العضلات تتَّصل بعظامٍ مختلفة حسب الرتيبة، إذ إن هذه «البكرة» تتَّصل في مخفيات الرقبة معالتيه العظمي في الأذن الداخلية، وأما في جانبيات الرقبة فإنها تتَّصل معالعظم الجناحيللحنك، وتساعد هذه العضلات في السلاحف كافَّة على توجيه عضلات التبعيد والتقريب عموديًا وتقوية عضَّة السلحفاة.[118]
من الفروقات الأخرى بين الرتيبتين هو أربطةالحوض، فالحَوْض حرٌّ غير مرتبط بالصدفة تمامًا في مخفيات الرقبة، فهو لا يتصل بالصدفة إلابأربطة، وأما في جانبيات الرقبة فالحوض مرتبطٌبدرز (أي: مفصل ثابت) تصله عظامٌ بالصدفة بجانبَيْها السفلي والعلوي، ولهذا فإن جانبَيْ الصدفة مرتبطان بالنتيجة بعمودَيْن عظميَّيْن يمتدَّان من أعلى الصدفة إلى أسفلها عند جانبيات الرقبة.[119]
تنتشر السلاحف في بيئات العالم كافَّة بقارَّاته ومحيطاته وجزره، وهذا بفضل تعدّد أنواعها ما بَيْن بري ومائي وبرمائي. تعيش معظم أنواع السلاحف فيالأقاليم الاستوائيةوشبه الاستوائية، لكن بعض أنواعها، مثل اللجأة جلدية الظهر، قد تحوم في المياه الباردة للمحيطَيْن الأطلسي والهادئ.[120]
تنحصر مواطن السلاحف جانبية الرقبة الحيَّة (أي دون احتساب أنواعها المنقرضة) في المياه العذبة، وهي لا تعيش إلا فينصف الأرض الجنوبي.[121] وأما مخفيات الرقبة فمنها ما يسكن المياه العذبة والبحار والمحيطات واليابسة، وأكثرها انتشارًا على الصعيد الجغرافي هي الأنواع البحرية.[120] وأكبر بؤرة لتنوّع السلاحف في العالم (باستثناء أنواعها البحرية) هيغابات الأمازون، وكذلكمستجمعاتخليج المكسيك في الولايات المتحدة وبعض أنحاء جنوب وجنوب شرق آسيا.[122]
تحدُّ من انتشار السلاحف في الأقاليم الباردة ظروف المناخ، التي تؤدّي إلى إطالةسباتها الشتوي وتباطؤ تكاثرها بالنتيجة. ولذا فإن سلاحف أمريكا الشمالية مثلًا تختفي بعد مسافةٍ متواضعةٍ من حدود دولةكندا الجنوبية.[123] وتسكن بعض أنواع السلاحف بيئات جبلية عالية الارتفاع، مثل السلحفاة الصُّندوقيَّة الغربية التي تعيش على ارتفاع ألفيّ متر في ولايةنيو مكسيكو الأمريكية،[124] وعلى النَّقيض من ذلك تغوص اللجأة جلدية الظهر حتى ألف ومائتيّ متر تحت مستوى البحر.[125] وتتحمَّلالسلاحف الأمريكية درجات حرارة تتراوح ممَّا تحت التجمُّد إلى ما هو أعلى من أربعين درجة مئوية، ولو أنها تُفضِّل الدرجات المعتدلة بين ستةٍ وعشرين إلى أربعةٍ وثلاثين درجة مئوية.[وب-إنج 7]
تُقْتَل أعدادٌ هائلةٌ من السلاحف سنويًا بسبب علقها عَرَضًا بشباك الصيد،[126] ولذا تفرض بعض القوانين تجهيز الشبكات بإضافةٍ تسمح للسلاحف بالهروب،[وب-إنج 8] وفي هذه الصورة تهربلجأة مُكتَّلة الرأس من الشبكة بفضل هذه الإضافة.
تأتي السلاحف في المرتبة الثانية بين جميع رتبالفقاريَّات في عدد أنواعها المهدّدة بالانقراض (إذ لا تفوقها عددًا سوىالرئيسيات)، فقد عاش على الأرض ثلاثمئة وستون نوعًا من السلاحف في سنة 1500، ومنذئذٍ انقرضت نحو 5% من هذه الأنواع وغدا ما بين 51 و56% منها مهدَّدة بالانقراض،[127] إذ تتعرَّض السلاحف لتهديدات كثيرة، منها: الصيد (للطعام أو الاستفادة من منتجاتها أو بيعها حيواناتٍ أليفة)وتدمير البيئة[128]والتلوث الضوئيوتغير المناخ. والسلاحف القاطنة في قارة آسيا هي أكثر الأنواع المهدّدة، وذلك بسبب صيدها الجائر إما لتناول لحومها أو استخدامها فيالطب التقليدي،[129] ولهذا غدت 83% من السلاحف البحرية في آسيا على شفى الانقراض.[127] وأظهر العلماء في سنة 2021 أن معدَّل انقراض السلاحف الحالي أسرع بكثيرٍ مما كان عليه حينانقراض العصر الطباشيري الباليوجيني (المشهور بانقراض الديناصورات) قبل قُرابة خمسة وستين مليون سنة، وقد لا تبقى في العالم سلاحف لأكثر من حفنةٍ من القرون على هذه الوتيرة.[130]
تُبْنَى للسلاحف حواضن خاصَّة لتتكاثر فيها حينما تحتاج حمايةً من الفيضانات أو الظروف الجوية أو الحيوانات المفترسة أو الصيد الجائر.[وب-إنج 9] وبالمثل، تحاول بعض الدول، خصوصًا الصين، إقامة مزارع للسلاحف لتوفية الطَّلب المتزايد على لحومها، وقُدِّر عدد مزارع السلاحف في الصين سنة 2007 بما لا يقلّ عن ألف مزرعة،[وب-إنج 10] ورغم ذلك فإن السلاحف البرية ما زالت تُصَاد وتُبَاع في الأسواق بأعدادٍ هائلة؛ حتى أن المختصِّين بحماية الطبيعة أمسوا يُسمُّون هذه الظاهرة «أزمة السلاحف الآسيوية»،[129][131] ويقول بعضهم أن صيد السلاحف استأصل أنواعًا كاملة من مناطق شاسعة في جنوب شرق آسيا، وذلك لأن علماء الأحياء لم يُوثِّقوا قط جميع أنواع السلاحف التي كانت تسكن هذه المنطقة من العالم.[وب-إنج 11] في عام 2000، دخلت كل أنواعسلحفاة الصندوق الآسيوية الاثني عشر قائمة المهُدَّدة المحميةبمعاهدة التجارة العالمية بالحيوانات المهدّدة (سايتس).[129]
جيفة لجأةٍ ماتت اختناقًا بعد أن علقت في شبكة صيد.
صيد السلاحف البرية قانوني في بعض الولاياتالأمريكية،[وب-إنج 12] والطلب على هذه السلاحف الأمريكية يرتفع مؤخرًا في أسواق الصين،[وب-إنج 13][وب-إنج 14] وقد قدّرت هيئة حماية السُّموك والحياة البرية لولايةفلوريدا أن قُرابة ألف وخمسمئة كيلوغرام من السلاحف ملساء الصدفة صُدِّرْت لدول الخارج في سنة 2008 منمطار تامبا الدولي،[وب-إنج 14] لكن معظم السلاحف المُصدَّرة من الولايات المتحدة (أقلُّه في سنة 2005) كانت من مزارع لا من البرية.[وب-إنج 13]
تُقْتَل أعدادٌ هائلة من السلاحف البحريةعَرَضًا أثناء صيد السمك، فهي تعلق في شباك الصيد مثلالشباك الخيشوميةوالخيوط الطويلة. وقدَّرت دراسة أن البشر قتلوا ثمانية ملايين سلحفاة بين سنتيّ 1990 و2008، منها عددٌ ضخمٌ في شرق المحيط الهادئوالبحر الأبيض المتوسط،[126] ولهذا السبب ألزمت قوانين الولايات المتحدة في ثمانينيات القرن العشرين إضافة ملحقات لتحرير السلاحف في جميع شباك صيدالجمبري، وذلك كي لا تعلق السلاحف بهذه الشباك وتموت اختناقًا.[وب-إنج 8] وتؤثّر النشاطات البشرية في السلاحف بطرقٍ أخرى في أماكن عديدة، فقد أدَّت حملةٌ لقتل القروش فيكوينزلند بأستراليا إلى مقتل أكثر من خمسة آلاف سلحفاة منذ سنة 1962 بسببشباك صيد القرش وخيوط الصيد، ومن هذه سبعُمئة وتسعة عشرلجأة مُكتَّلة الرأس وثلاثةٌ وثلاثونلجأة صقرية المنقار، وكلاهما مصنَّفتان على أنهما مهدَّدتان بالانقراض.[وب-إنج 15]
قد تتعرَّض السلاحف في موئلها الطبيعي إلى منافسة وتهديدٍ من سلاحفَ أخرىمجتاحة ودخيلة،فالحمسة حمراء الأذن في أمريكا الشمالية مُصنَّفة على أنها من أسوأ مئة كائن مجتاحٍ عالميًا، وقد غزت هذه السلحفاة أنحاء العالم عرضًا أثناء التجارة بها كحيوان أليف، فغدت تُنَافِسُ أنواع السلاحف الأخرى في موائل شتّى بأمريكا الشمالية وأوروبا واليابان.[132]
كانت السلاحف في مُقدِّمة الحيوانات التي أرسلها البشر إلى الفضاء، ففي شهر أيلول (سپتمبر) 1968 أرسلالاتحاد السوڤيتي سُلحفاتين على متن مسبارزوند 5، فدارتا حولالقمر وأصبحتا أوَّل الكائنات الأرضيَّة المُرسلة إلى مُحيطه. أُرسلت سلاحف أيضًا على متن مسباريّزوند 6 سنة 1968 وزوند 7 سنة 1969.[وب-إنج 16]
ظهرت السلاحف وصُوِّرت في كثيرٍ من الحضارات والثقافات البشريَّة عبر التاريخ، وكثيرًا ما نظر إليها الناس نظرة إيجابيَّة رُغم أنَّ هيئتها الخارجيَّة لا تدخل عادةً ضمن ما يُصنِّفه العامَّة على أنَّهُ مُحبب أو مُبهرج، وتُربط عوض ذلك بكبر السن والحكمة والقِدَم، نظرًا لمدى حياتها الطويل.[133]
ضُرب المثل بالسُلحفاة فيالثقافة الإسلاميَّة، فقيل أنَّ فُلان «أبلد من سُلحفاة»، وقال بعضمُفسري الرؤى أنَّ السُلحفاة في المنام امرأة تتزيَّن وتتعطَّر وتعرض نفسها على الرجل، وقيل أنها رجلٌ عالم فمن رأى سُلحفاة تُكرَّم في مكان فإنَّ العُلماء يُكرَّمون هناك، وقيل من رأى أنه أكل لحم سُلحفاة استفاد علمًا، وقال بعض المُفسرينالنصارى أنَّ من رأى سُلحفاة في منامه ينال مالًا وعلمًا.[ar 15] ذُكرت السُلحفاة فيالشعر العربيّ أيضًا، فقال الشاعر واصفًا إيَّاها:[ar 15]
لحا الله ذات فمٍ أخرسٍ
تطيلُ من السعي وسواسها
تكبّ على ظهرها ترسها
وتُظهر من جلدها رأسها
إذ الحذر أقلق أحشاءها
وضيّق بالخوف أنفاسها
تضمّ إلى نحرها كفّها
وتُدخل في جلدها رأسها
قالأحمد تيمور باشا في مُعجمه عن الألفاظ العاميَّة، أنَّ بعض الناس في مصر كانوا يزعمون أنَّ السُلحفاة كانت في الأصل امرأة، فطلبت منها السيدةفاطمة الزهراء رحُى لتطحن عليها، فأبت وأنكرت رحاها، فدعت عليها بأن تمسّخ رحى، فمسخهاالله على هذه الصورة، أي على ظهرها مثل الرحى، وعلى بطنها كذلك. وقال أيضًا أنَّ من عادة بعضالمصريين في ذلك الزمان أن يمسکوا السُلحفاة ویحکُّون بطنها بأصابعهم، ویقولون: «يا زُحلفة جوزك اجَّوِّز عليكِ» ويُكرِّرون ذلك، فتُحرِّك رأسها وتُخرج يديها وتُحرِّكهما نحو رأسها من كثرة الحك كأنها تضرب بهما عليها، فيزعمون أنها تلطم خدَّيها من غيرتها على زوجها، علمًا بأنهم لو حکُّوا بطنها بدون كلام لفعلت ذلك.[ar 11]
رسمٌ غربيّ يعود لسنة 1877 لسُلحفاة العالم الهندوسيَّة.
آمنقُدماء الهندوس أنَّ العالم يقبع على ظهر أربعةأفيالٍ تقف على سُلحفاةٍ عملاقة تُسمَّى «كُرْمَا» (بالسنسكريتية:कूर्म)،[134][وب-إنج 17] وأنَّها إحدىتجسُّدات الإلهڤيشنو.[134] ومن أوضاع مُمارسةاليوغا وضعٌ يُعرف بـ«كُرْمَاسَنَا»، وقد سُمي نسبةً للتجسُّد سالف الذكر.[135] آمنت حضاراتٌ أُخرى بأفكارٍ شبيهة بما آمن به الهندوس، أبرزها الحضارات الأمريكيَّة الأصليَّة، وعلى رأسها أقوام الـ«الگَنْكِي» (بالإنجليزية:Algonquian) والـ«إِيْرَكُوي» (بالإنجليزية:Iroquois) والـ«لِينَپ» (بالإنجليزية:Lenape). اعتقدت هذه الشُعُوب أنَّالعالم خُلق من على ظهر سُلحفاة، وفي إحدى نُسخ هذه القصَّة أنَّفأر مسكٍ صعد ظهر سُلحفاة وتكوَّم عليها، فتكوَّنت «جزيرة السُلحفاة» التي هيأمريكا الشماليَّة، وهي الدُنيا الوحيدة بمفهوم الأمريكيين الأصليين القُدماء. وفي نُسخةٍ أُخرى قال بها الإيركويون، أنَّامرأةً سقطت من فجوةٍ في السماء كانت مخفيَّة بين جُذُور شجرة سماويَّةٍ أيضًا، فأمسكت بها الطُيُور وهبطت بها على ظهر سُلحفاة، فنمت الأرض من حولها. وآثرت السُلحفاة المرأة، فصبرت على حملها الثقيل، لكنَّها كانت تهتز بين الحين والآخر لتُريح نفسها، وهذا ما يُسبِّبالزلازل.[134][136][وب-إنج 18]
كانت السُلحفاة رمزًا من رُمُوز الإله السومريإنكي بدايةً من الألفيَّة الثالثة قبل الميلاد حتَّى انقراض عبادته. ومن أساطير الحضارات القديمة الأُخرى المُصوِّرة للسلاحف، أُسطورة منأساطير البدء الإغريقيَّة التي تحدَّثت عن رفض السُلحفاة وحدها من بين جميع الكائنات حُضُور زفافزيوسوحيرا، ففضَّلت البقاء في بيتها، فحكم عليها زيوس أن تحمله على ظهرها طيلة حياتها.[137] ومن الأساطير الإغريقيَّة الأُخرى أنَّ الإلههرمس صنع قيثارةً بسبع أوتار من صدفة سُلحفاة.[وب-إنج 19]
منحوتة مُعاصرة لبِتْشِي.
كان العرَّافون فيمملكة شانغبالصين مُنذُ قُرابة سنة 1200 ق.م ينقشون أسئلةً على أصداف السلاحف ثُمَّ يحرقونها، وينظرون في آثار الحريق والتشقُّقات التي ظهرت عليها ليُفسِّروا الأحداث ويتنبَّأون بالمُستقبل. ولمَّا ظهرتالكُنفُوشِيَّة وانتشرت في طول البلاد وعرضها، صارت السُلحفاة إحدىحيواناتها الأربعة المُقدَّسة. ولمَّا قامتمملكة هان، جرت العادة على نصبالشواهد على منحوتاتٍ حجريَّةٍ لسلاحف، رُبطت لاحقًا بـ«بِتْشِي» (بالصينية:贔屭)، وهو ابنالملك التنين الذي تمتَّع بصدفةٍ كأصداف السلاحف.[138] تظهر السلاحف البحريَّة بكثرةٍ في الرُسُومات الصخريَّةللأُستراليين الأصليين.[وب-إنج 17] ولعلَّ من أبرز التصويرات الثقافيَّة للسُلحفاة فيالغرب الأوروبي الكلاسيكي،تشكيل القفع الذي اشتهرت بهالجُيُوش الروميَّة القديمة، وكانوا يُسمُّونه «السُلحفاة» (باللاتينية:Testudo)، إذ كان الجُند يتراصُّون خلف دُرُوعهم في الأمام، ويرفعها من هم في الوسط والخلف، فيُصبحون جدارًا مُدرَّعًا يصعب اختراقه.[139]
السُلحفاة والأرنب.
تُعدُّ حكايةالسلحفاة والأرنب إحدى أشهرحكايات إيسوب، وهي تتحدث عن فوز سُلحفاةٍ بسباقٍ جرى بينها وبين أرنب نتيجة إصرارها وجدِّيَّتها.[وب-إنج 20][140] ومن أبرز القصص الشبيهة فيالأدب العربي،قصَّة السُلحفاة والبطتين فيكليلة ودمنة، وحكمتها طاعة الأصدقاء المُخلصين الذين يرجون لصاحبهم الخير. وفي قصَّةأليس في بلاد العجائب ابتكر الكاتبلويس كارول سُلحفاة سمَّاها «السُلحفاة الوهميَّة» (بالإنگليزية: Mock turtle) نسبةً إلى نوعٍ من الحساء المشهور فيإنگلترا يُسمَّى «حساء السلاحف الوهمي» (بالإنگليزية: Mock turtle soup) صُنع بديلًا عن حساء السلاحف الحقيقي فاحش الثمن.[141] وفي سنة 1896 كتب المسرحي الفرنسي «ليون گنديوت» (بالفرنسية:Léon Gandillot) مسرحيَّةً هزليَّةً من ثلاثة فُصُول سمَّاها «السُلحفاة» (بالفرنسية:La Tortue) لاقت استحسانًا كبيرًا من الجمهور الباريسي والفرنسي،[وب-إنج 21] ثُمَّ عُرضت في مسرح منهاتن بمدينةنيويوركبالولايات المتحدة سنة 1898.[142] وفي سنة 1974 ألَّف الأمريكيغاري سنايدر روايةً سمَّاها «جزيرة السلاحف» (بالإنگليزية: Turtle Island)، صوَّر فيها «سُلحفاة كونيَّة» تحمل العالم، وظهرت هذه السُلحفاة مُجددًا في سلسلة رواياتتيري براتشيت المُعنونة «عالم القرص»، وسمَّاها «أتوين العظيم» وابتكر نوعها قائلًا أنَّه «السُلحفاة المَجَريَّة» (الاسم العلمي:Chelys galactica)، وأنَّها تحمل على ظهرها أربعة أفيال ترفع بدورها الدنيا القرصيَّة على ظُهُورها.[143] ومن أشهر السلاحف الخياليَّة في العالم المُعاصرالوحش الياباني العملاق «گامَرا» (باليابانية: ガメラ) الذي ظهر في سلسلةٍ من الأفلام السينمائيَّة،[144]وسلاحف النينجا التي ابتُكرت سنة 1984 وظهرت في العديد من القصص المُصوَّرة والأفلام السينمائيَّة ومُسلسلات الرُسُوم المُتحرِّكة.[وب-إنج 22][145]
يهوى بعض الناستربية أنواع مُعيَّنة من السلاحف في منازلهم وحدائقهم، خاصَّة الأنواع البريَّة والمناقعيَّة الصغيرة.[وب-إنج 23][146] ارتفع الطلب على السلاحف المُستأنسة خلالخمسينيَّات القرن العشرين، وصارت الولايات المُتحدة أبرز مُزودي دول العالم ببعض الأنواع، تحديدًا الحمسات حمراء الأُذن المُرباة في مزارع مُخصَّصة لتلبية طلبات السوق. أدَّى ازدياد الطلب على تربية السلاحف إلى ارتفاع نسبةالتجارة غير القانونيَّة بها، ومن المعلوم أنَّ 21% من أرباح التجارة بالحيوانات الحيَّة تأتي من الإتجار بالزواحف، وأكثرها طلبًا هي السلاحف.[147] قلَّة العناية بالسلاحف الأليفة يُمكن أن تؤدي لإصابتهابالتهاباتٍ مُزمنة في الأنف، ونُموٍّ فائض في مناقيرها،وفرطٌ في جارات الدُرقيَّة يؤدي إلى تليين هياكلها العظميَّة،والإمساك، ومُشكلات تناسُليَّة مُختلفة، وإن رُبِّيت في مكانٍ إلى جانب حيواناتٍ أُخرى كالكلاب، فإنَّ الأخيرة قد تُصيبها بجُروحٍ بالغة.[وب-إنج 23] ومن المعلومات الطريفة أنَّ بعض الأمريكيين خلال أوائل القرن العشرين كانوا يُنظِّمون سباقاتٍ للسلاحف ويُراهنون عليها بأموالهم، كما في سباق الخيل.[148]
قال العُلماء المُسلمونبحِلِّ أكل السلاحف، وهذا مذهب فُقهاءالمدينة وكثيرٍ من أهل العلم،[وب-عر 1] في مُقدِّمتهم الإمامانالبغويوابن حزم الأندلسي،[ar 15] ومن العُلماء من أجاز أكل البحريَّة دون البريَّة، ومنهم من منع أكلها مُطلقًا.[وب-عر 1] فأمَّا البحريَّة فأجازوا أكلها لما نزل فيالقُرآن:﴿أُحِلَّ لَكُمۡ صَيۡدُ ٱلۡبَحۡرِ﴾، والبريَّة منها ينبغي ذبحها كما تُذبح سائر الحيَوانات المُحَلَّلة في الإسلام، وممَّن قال ذلك الأئمَّةأحمدوالبُخاري وابن قُدامة.[وب-عر 2] أمَّاالشيعة فقد حرَّموا أكل السلاحف تحريمًا تامًّا.[ar 16]
مشطٌ مصنوع من صدفة سُلحفاة. كانت مثل هذه الأمشاط تُستخدم للتزيُّن، وعُدَّت من جُملة الكماليَّات غالية الثمن واحتفظ بها بعض المُقتدرين من باب المُفاخرة بالبضائع النادرة.[وب-إنج 24]
يُشكِّلُ لحم السلاحف جُزءًا بارزًا من مطابخ العديد من الدول الآسيويَّة،[وب-إنج 25] كما كان يدخل في بعض المطابخ الأوروبيَّة، وعلى رأسهاالمطبخ الإنگليزي المشهور بحساءٍ يُعرفبشوربة السلاحف.[149] وفيفلوريدا الأمريكيَّة يُحبُّ البعض تناول نوع من الحساء المصنوع من لحم السلاحف الحفَّارة.[وب-إنج 26] وفي العديد من دُولجنوب شرق آسيا يُقبل الناس على تناول بُيُوض السلاحف اعتقادًا بأنَّ لها خصائص طبيَّة مُفيدة،[وب-إنج 17] أو إنَّهامُنشِّطات جنسيَّة طبيعيَّة، مما أوجد تجارةً كبيرةً بها. تُستخدم أصداف السلاحف القاسية وأذبالها الطريئة استخدامًا واسعًا فيالطب الصيني، فقد قُدِّرت كميَّة الأصداف التي استقدمتهاتايوان وحدها ما بين سنتيّ 1999 و2008 بمئتيّ طن.[150] ومن أبرز الأدوية الصينيَّة المُعدَّة من الأعشاب والأصداف المادَّة الهلاميَّة المُسمَّاة «گُلنگَّاو» أو «هلام السلاحف» (بالصينية:龜苓膏).[151] استُخدمت أصداف اللجآت صقريَّة المنقار مُنذُ قُرون لإنتاج جواهر وأدواتٍ وحُليّ في البلاد القائمة على طول السواحل الغربيَّة للمُحيط الهادئ،[وب-إنج 17] فاصطيد الكثير منها حتَّى سنة 1977 حينما منعتمُعاهدة التجارة العالميَّة لأصناف الحيوان والنبات البرِّي المُهدِّد بالانقراض صيدها والإتجار بها أو بأجزاءٍ منها منعًا باتًّا.[وب-إنج 27][وب-إنج 28] استخدمت بعض الشُعُوب أصداف السلاحف لإنتاج أدواتٍ موسيقيَّة، فكانالشامانيين الأمريكيين الأصليين يملؤنها بالحصى والتُراب ويُخشخشون بها في بعض طُقُوسهم، في حين صنع منهاالأزتكيُّونوالماياوالمكستكيُّون طُبُولًا ينقرون عليها.[152]
^Amanda Robinson (6 Nov 2018)."Turtle Island".The Canadian Encyclopedia (بالإنجليزية). Archived fromthe original on 2021-05-20. Retrieved2024-07-23.
^"Hymn 4 to Hermes".Perseus Digital Library Project (بالإنجليزية). Translated by Hugh G. Evelyn-White. Cambridge, Massachusetts. Lines 26–65. Archived fromthe original on 2021-05-11. Retrieved2021-05-11.
Anthony Herrel; Johan Van Damme; Peter Aerts (2008). "Cervical Anatomy and Function in Turtles".Biology of Turtles: From Structures to Strategies of Life (بالإنجليزية): 163–168.ISBN:978-0-8493-3339-2.QID:Q127833042.
Jeffrey D. Miller; Stephen A. Dinkelacker (2008). "Reproductive Structures and Strategies of Turtles".Biology of Turtles: From Structures to Strategies of Life (بالإنجليزية): 225–278.ISBN:978-0-8493-3339-2.QID:Q127692426.
Peter C. H. Pritchard (2008). "Evolution and Structure of the Turtle Shell".Biology of Turtles: From Structures to Strategies of Life (بالإنجليزية): 45–84.ISBN:978-0-8493-3339-2.QID:Q127582570.
Jeanette Wyneken (2008). "The Structure of Cardiopulmonary Systems of Turtles: Implications for Behavior and Function".Biology of Turtles: From Structures to Strategies of Life (بالإنجليزية): 213–225.ISBN:978-0-8493-3339-2.QID:Q127690111.
Kerstin A. Fritsches; Eric J. Warrant (2013). "Vision".The biology of sea turtles. CRC marine biology series (بالإنجليزية).3: 31–58.ISBN:978-1-4398-7308-3.QID:Q127608768.
Kenneth J. Lohmann; Catherine M. F. Lohmann; J. Roger Brothers; Nathan F. Putman (2013). "Natal Homing and Imprinting in Sea Turtles".The biology of sea turtles. CRC marine biology series (بالإنجليزية).3: 59–78.ISBN:978-1-4398-7308-3.QID:Q127606843.
Grace Capshaw; Katie L. Willis; Dawei Han; Hilary S. Bierman (2021). "Reptile sound production and perception".Neuroendocrine regulation of animal vocalization : mechanisms and anthropogenic factors in animal communication (بالإنجليزية): 101–114.ISBN:978-0-12-815161-7.QID:Q127604673.
Jack Frazier (2021). "Galapogos tortoises: Protagonists in the spectacle of life on Earth".Galapagos giant tortoises. Biodiversity of the world (بالإنجليزية): 23–46.ISBN:978-0-12-817555-2.QID:Q127595263.
Carl J. Franklin (2011).Turtles: an extraordinary natural history 245 million years in the making (بالإنجليزية). Illustrator: David C. Killpack. New York City: Crestline Publisher.ISBN:978-0-7858-2775-7.OCLC:770085094.QID:Q127428885.