تتكون الأصحاحات 1-30 من هذا السفر من ثلاث خطب ألقاهاموسى علىبني إسرائيل فيسهول موآب، قبل وقت قصير من دخولهم إلىأرض الميعاد. تتناول الخطبة الأولى سنوات التيه الأربعين في البرية التي سبقت تلك اللحظة، وانتهت الخطبةبالحث على مراعاة الشريعة. تُذكّر الخطبة الثانية بني إسرائيل بضرورة اتباعيهوه والشرائع (أو التعاليم) التي أعطاهم إياها، والتي تعتمد عليها ملكيتهم للأرض. وتقدم الخطبة الثالثة التعزية بأنه حتى لو ثبت أن أمة بني إسرائيل غير مخلصين، وخسروا الأرض، فإنه بالتوبة يمكنهم استعادة جميع الأرض.[3] بينما تحتوي الأصحاحات الأربعة الأخيرة (31-34) علىترنيمة موسى[الإنجليزية]وبركة موسى، والروايات التي تروي انتقال عباءة القيادة من موسى إلىيشوع، وأخيرًا وفاة موسى علىجبل نيبو.
غالبًا ما تُوصف بنية السفر على أنها سلسلة من ثلاث خطب (الأولى من 1: 1 إلى 4: 43، والثانية من 4: 44 إلى 29: 1، والثالثة من 29: 2 إلى 30: 20) يتبعها عدد من الملحقات القصيرة[4] أو نوع من الخاتمة (31: 1 – 34: 12) التي تتناول تكليف يشوع وترنيمة موسى وموت موسى.[5]
قارن علماء آخرون بنية سفر التثنية بالمعاهدات الحيثية أو غيرها من نصوص المعاهدات القديمة فيالشرق الأدنى. ولكن من الواضح أن سفر التثنية لم يكن في حد ذاته مجرد نص معاهدة، حيث أن سفر التثنية هو أكثر من مجرد تطبيق نموذجي لمعاهدة مدنية لمعاهدة حول علاقة بني إسرائيل مع الإله.[6] وتُعدالوصايا العشر في الأصحاح الخامس بمثابة المخطط لبقية السفر، حيث أن الأصحاحات 12-26 هي عرض للوصايا العشر الموسعة.[6]
الأصحاحات 1-4: يتناول الرحلة عبر البرية من حوريب (سيناء) إلى قادش ثم إلى موآب.
الأصحاحات 4-11: بدءً من المقدمة الثانية في 4: 44-49، يتناول السفر الأحداث التي وقعت فيجبل حوريب[الإنجليزية]، ومنح الإلهالوصايا العشر. يحُث موسى رؤوس الأسباط على تعليم من هم تحت رعايتهم الشريعة، ويُحذّر من عبادة آلهة أخرى معيهوه، وتُبارك الأرض الموعودة لبني إسرائيل، ويُدعى الشعب إلى الطاعة.
الأصحاحات 12-26: تتناولقانون التثنية[الإنجليزية] الذي يشمل القوانين التي تحكم عبادة بني إسرائيل (الأصحاحات 12 - 16 أ)، وتعيين وتنظيم قادة المجتمع والزعماء الدينيين (16 ب - 18)، التنظيم الاجتماعي (19-25)، والاعتراف بالهوية والولاء (26).
الأصحاحات 27-28: البركات واللعنات لمن يحفظون القانون ويخالفونه.
الأصحاحات 29-30: اختتام الحديث عن العهد في أرض موآب، بما في ذلك جميع الشرائع الواردة في قانون التثنية (الأصحاحات 12-26) بعد تلك المعطاة في حوريب؛ ومرة أخرى يُحث بني إسرائيل على الطاعة.
تقول آيات التثنية 34: 10-12، "ولم يقم بعدُ نبي في إسرائيل مثل موسى"، موضحة وجهة النظر التثنوية الدينية التي تُؤكد على عبادة يهوه باعتباره الإله الوحيد لبني إسرائيل، وأنه الدين الوحيد المسموح به، وقد ختمه أعظم الأنبياء.[8]
تُعد الأصحاحات 12-26 من سفر التثنية التي تُعرف باسمقانون التثنية أقدم أجزاء هذا السفر، وهي الجوهر الذي تطوّر باقي السفر حوله،[9] وهي سلسلة منالوصايا (الأوامر) لبني إسرائيل فيما يتعلق بكيفية التصرف فيأرض الميعاد.
في القرن الثاني عشر الميلادي، كتبموسى بن ميمون 13 مبدأ للإيمان اليهودي، كان المبدأ الثامن منها أن أسفار موسى الخمسة - بما في ذلك سفر التثنية - أملاها الإله على موسى على جبل سيناء، وهو ما أصبح يُعرفبالتأليف الموسوي.[10] اليوم، يرفض تقريبًا جميع العلماء العلمانيين المعاصرين، ومعظم العلماء المسيحيين واليهود، فكرة التأليف الموسوي لسفر التثنية، ويؤرخون كتابة السفر في وقت لاحق بكثير في الفترة بين القرنين السابع والخامس قبل الميلاد.[11] ربما كان مؤلفوه مناللاويين، الذين تعود عليهم محتويات السفر بالفائدة الاقتصادية والوضع الاجتماعي.[12] يمكن تلخيص الخلفية التاريخية وراء تأليف السفر في النقاط التالية:[13]
في أواخر القرن الثامن قبل الميلاد، كانت مملكتييهوذاوإسرائيلتابعتين سياسيًالآشور. تمردت مملكة إسرائيل، ودُمّرت حوالي سنة 722 ق.م. ففرّ لاجئون من إسرائيل، ومعهم عددًا من الروايات الجديدة إلى يهوذا. كانت إحدى هذه الروايات أن الإلهيهوه، المعروف والمعبود في يهوذا، لم يكن مجرد أهم الآلهة، بل هو الإله الوحيد الذي يجب أن يُعبد.[14] أثرت هذه الفكرة علىالطبقة الحاكمة من ملاك الأراضي اليهوذيين، الذين كانت لهم سلطة قوية للغاية في دوائر البلاط الملكي حين نُصّب الملكيوشيا البالغ من العمر ثماني سنوات على العرش بعد مقتل والدهآمون.
بحلول السنة الثامنة عشرة من حكم يوشيا، انحدرت القوة الآشورية سريعًا، وكانت الحركة المؤيدة للاستقلال السياسي تستجمع قواها في مملكة يهوذا. كان أحد مظاهر هذه الحركة متمثلًا في الولاءليهوه باعتباره الإله الوحيد لمملكة يهوذا. وفقًا لسفر الملوك الثاني،(الملوك الثاني 22: 1 -23: 30) اكتشفحلقيا[الإنجليزية] (رئيس الكهنة وأبو النبيإرميا) في ذاك الوقت "سفر الشريعة" - والذي يعتقد العديد من العلماء أنهقانون التثنية (الأصحاحات 12-26) التي تُشكّل النواة الأصلية لسفر التثنية) – فيالهيكل. تبع ذلك أن أطلق يوشيا إصلاحًا شاملاً للعبادة استنادًا إلى "سفر الشريعة" هذا، والذي أخذ شكل عهد بين يهوذا ويهوه ليحل محل معاهدة التبعية التي دامت عقودًا بين الملكآشورحدون ملك آشورومنسى ملك يهوذا.[15]
حدثت المرحلة التالية أثناءالسبي البابلي، حيث كان تدميرمملكة يهوذا على يد البابليين سنة 586 ق.م. ونهاية الملكية حدثًا مناسبًا للكثيرين من المنفيين فيبابل للتفكير والتأمُّل الديني. فافترضوا أن هذه الكارثة كانت عقابًا من يهوه لعدم اتباعهم للشريعة، لذا أنشئوا تاريخًا لبني إسرائيل (أسفاريشوع إلىالملوك) لتوضيح ذلك.
في نهاية السبي، وافقالفرس على أن عودة اليهود وإعادة بنائهمالهيكل في القدس، وأضيفت الأصحاحات 1-4 و29-30 ليصبح سفر التثنية هو السفر المُمهّدللتاريخ التثنوي، بحيث تظهر قصة الشعب الذي أوشك على دخول أرض الميعاد هي قصة شعب أوشك على العودة إلى الأرض. ثم وُسّعت الأقسام القانونية في الأصحاحات 19-25 لتوائم المواقف الجديدة التي نشأت، وأُضيفت الأصحاحات 31-34 كخاتمة جديدة.
تحتوي الأصحاحات 12-26 على قانون التثنية، القسم الأقدم في السفر.[16] منذ أن طرحفيلهيلم دي فيت[الإنجليزية] هذه الفكرة لأول مرة سنة 1805م، تقبّل معظم العلماء أن هذا الجزء من السفر أُلّف في القدس في القرن السابع قبل الميلاد في سياق الإصلاحات الدينية التي قدّمها الملكحزقيا (الذي حكم بين سنتي 716-687 ق.م. تقريبًا)،[17][18] بل زعم البعض تواريخ أخرى لكتابته، مثل أنه كُتب في عهد خليفتهمنسى (687-643 ق.م.) أو حتى بعد ذلك بكثير خلال فتراتالسبي أوما بعد السبي (597-332 ق.م.).[11][19] كانت المقدمة الثانية (الأصحاحات 5-11) هي القسم التالي الذي أُلف؛ ثم المقدمة الأولى (الأصحاحات 1-4)، والأصحاحات التالية للأصحاح 26 في الفترة نفسها.[16]
لم يذكر النبيإشعياء الذي عاش في القدس قبل يوشيا بحوالي قرن، أي شيء عن موضوعاتالخروج أو العهود مع الإله أو عصيان شرائع الإله. في المقابل، أشارهوشع، الذي عاش في مملكة إسرائيل الشمالية وعاصر إشعياء، بشكل متكرر إلى الخروج، والتيه في البرية، والعهد، وخطر الآلهة الأجنبية، والحاجة إلى عبادة يهوه وحده. دفع هذا التناقض العلماء إلى استنتاج أن الروايات التي اعتمد عليها سفر التثنية لها أصل شمالي.[20] بعيدًا عن النقاش حول كتابة قانون التثنية في زمن يوشيا (أواخر القرن السابع قبل الميلاد) أو في وقت سابق، فإن العديد من القوانين الفردية داخل قانون التثنية ذات أصل أقدم من المجموعة نفسها.[21] كما يٌعتقد أن القصيدتان في الأصحاحات 32-33 (ترنيمة موسىوبركة موسى)، ربما كانتا مستقلتين عن الأصل.[20]
يحتل سفر التثنية مكانةً محيرةً في الكتاب المقدس العبري، حيث ربط قصة تيه بني إسرائيل في البرية بقصة تاريخهم في كنعان دون أن يكون هناك ارتباط كامل بين القصتين، حيث أن قصة التيه لها نهايتها في سفر العدد، ويمكن أن تكون قصة فتوحات يشوع مستقلة عنها، على الأقل على مستوى الحبكة. ولكن غياب وجود عنصر موضوعي (ديني) في الحالتين، كان سببًا لاعتقاد العلماء أنه كان الدافع للربط بين القصتين.[22] تعتبر نظرية التاريخ التثنوي هي الأكثر شعبية حاليًا، حيث كان سفر التثنية في الأصل مجرد مجموعة شرائع وعهود كُتبت لتعزيز إصلاحات يوشيا الدينية، ثم توسّع لاحقًا ليكون بمثابة مقدمة لتاريخ كامل. لكن هناك نظرية أقدم ترى أن سفر التثنية كان جزءًا مُكمّلًا لسفري العدد ويشوع. لا تزال هذه الفكرة تحظى بمؤيدين، لكن الاعتقاد السائد هو أن سفر التثنية، بعد أن أصبح مقدمة للتاريخ، فُصل عنه لاحقًا وأضيف إلى أسفار التكوين والخروج واللاويين والأعداد لأن موسى كان بالفعل الشخصية المركزية فيه. ووفقاً لهذه الفرضية، فإن موت موسى كان في الأصل نهاية لسفر العدد، ولكنه نُقل ببساطة من هناك إلى نهاية سفر التثنية.[22]
كانت هناك بعض السمات في سفر التثنية مرتبطة ببني إسرائيل، وهي اختيار بني إسرائيل، والإخلاص والطاعة، ووعد يهوه لهم بالبركات، التي يعبّر مفهوم العهد عنها كلها حيث أن "الطاعة ليست في المقام الأول واجبًا يفرضه طرف على الآخر، ولكنها تعبير عن علاقة العهد".[23] تناول السفر اختيار يهوه لبني إسرائيل شعبًا له،[24] وتأكيد موسى على بني إسرائيل بضرورة طاعة الإله والوفاء بالعهد، وحذّر من عواقب الخيانة والعصيان.[25]
تغير مفهومالإله في سفر التثنية مع مرور الوقت. يظهر من الطبقة الأقدم المكتوبة في القرن السابع قبل الميلاد الاعتقاد فيأحادية عبادة إله من بين الآلهة[الإنجليزية]؛ حيث لم تنكر حقيقة الآلهة الأخرى، بل تفرض فقط عبادة يهوه في أورشليم. وفي الإضافات اللاحقة خلال السبي من منتصف القرن السادس قبل الميلاد، وخاصة الأصحاح الرابع، أصبحالعبادة توحيدية تعترف بوجود إله واحد فقط.[26] وظهر مفهوم مهم ومبتكر بأن الإله موجود في الهيكل وفي السماء في الوقت ذاته.[27] بعد استعراض تاريخ بني إسرائيل في الأصحاحات 1-4، أعيد صياغة الوصايا العشر في الأصحاح 5. سلّط هذا الترتيب للمواد الضوء على علاقة الإله السيادية مع بني إسرائيل قبل إعطائهم الشريعة.[28]
يتمثل جوهر سفر التثنية فيالعهد الذي يربط يهوه وبني إسرائيل بقَسَمْ الإخلاص والطاعة.[29] وفقًا للعهد، سيمنح الإله بني إسرائيل بركات الأرض والخصوبة والازدهار طالما أن بني إسرائيل مخلصين لتعاليم الإله، وبالتالي سيؤدي العصيان إلى اللعنات والعقوبات.[30] لكن، وفقًا لسفر التثنية، كانت خطيئة بني إسرائيل الرئيسية هي عدم الإيمانوالارتداد مخالفين بذلك الوصية الأولى والأساسية ("لا يكن لك آلهة أخرى أمامي")، حيث دخل عبد الشعب آلهة أخرى.[31] يؤكد ديلارد ولونجمان في كتابهما "مقدمة للعهد القديم" على الطبيعة الحية للعهد بين يهوه وأمة بني إسرائيل الذين خاطبهم موسى كوحدة واحدة؛ وأن ولائهم للعهد ليس مجرد طاعة، بل يأتي من علاقة موجودة مسبقًا بين الإله وبني إسرائيل تأسست معإبراهيم وتأكدت خلال أحداث الخروج، لذا ميّزت قوانين سفر التثنية أمة بني إسرائيل، للإشارة إلى وضعهم الفريد كأمة يهودية.[32]
كانت الأرض هبة الإله لبني إسرائيل، وارتبطت العديد من الشرائع والاحتفالات والتعليمات الواردة في سفر التثنية باحتلال بني إسرائيل للأرض. لاحظ ديلارد ولونجمان أنه في 131 مرة من أصل 167 مرة جاء فيها الفعل "يُعطي" في السفر، كان الفاعل هو يهوه.[33] جعل سفر التثنية التوراة السلطة المطلقة في إسرائيل، وهي سلطة يخضع لها الجميع حتى الملك نفسه.[34]
سفر التثنية، ديباريم، مكتوب بالعبرية مع ترجمة بالعبرية العربية ذات الأحرف العبرية. يرجع لسنة 1894م، ومحفوظ في المتحف اليهودي المغربي بالدار البيضاء.
تمثل الآيات 6: 4-5 من سفر التثنية: "اسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا رب واحد" العقيدة الأساسيةلليهودية، حيث تتلىوصيةاسمع يا إسرائيل مرتين يوميًا. كما تعبّر الآية "فتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك"، عن المفهوم اليهودي المركزي لمحبة الإله والثواب الآتي نتيجة لذلك.
Christensen، Duane L (1991)."Deuteronomy". في Watson E. Mills؛ Roger Aubrey Bullard (المحررون).Mercer Dictionary of the Bible. Mercer University Press.ISBN:9780865543737.
Clements, Ronald (1968).God's Chosen People: A Theological Interpretation of the Book of Deuteronomy. In series,Religious Book Club, 182. London: S.C.M. Press.
Laffey، Alice L (2007)."Deuteronomistic Theology". في Orlando O. Espín؛ James B. Nickoloff (المحررون).An Introductory Dictionary of Theology and Religious Studies. Liturgical Press.ISBN:9780814658567.
McConville، J.G (2002)."Deuteronomy"(PDF). في T. Desmond Alexander؛ David W. Baker (المحررون).Dictionary of the Old Testament: The Pentateuch. Eisenbrauns. مؤرشف منالأصل(PDF) في 2008-04-13. اطلع عليه بتاريخ2007-11-02.
McKenzie، John L. (1990). Raymond Edward Brown؛ Joseph A. Fitzmyer؛ Roland Edmund Murphy (المحررون).The New Jerome Biblical Commentary (ط. Reissue). Englewood Cliffs, New Jersey: Prentice Hall.ISBN:978-0136149347.
McKenzie، Steven L (1995)."Postscript". في Linda S. Schearing؛ Steven L McKenzie (المحررون).Those Elusive Deuteronomists: The Phenomenon of Pan-Deuteronomism. T&T Clark.ISBN:9780567563361.
Mendenhall، George E (1 سبتمبر 1954).Covenant Forms in Israelite Tradition. Biblical Archeology 3/17.
Rogerson، John W. (2003)."Deuteronomy". في James D. G. Dunn؛ John William Rogerson (المحررون).Eerdmans Commentary on the Bible. Eerdmans.ISBN:9780802837110.
Romer، Thomas (2000)."Deuteronomy In Search of Origins". في Gary N. Knoppers؛ J. Gordon McConville (المحررون).Reconsidering Israel and Judah: Recent Studies on the Deuteronomistic History. Eisenbrauns.ISBN:9781575060378.
Romer، Thomas (1994)."The Book of Deuteronomy". في Steven L. McKenzie؛ Matt Patrick Graham (المحررون).The history of Israel's Traditions: The Heritage of Martin Noth. Sheffield Academic Press.ISBN:9780567230355.
Sommer، Benjamin D. (30 يونيو 2015).Revelation and Authority: Sinai in Jewish Scripture and Tradition. Anchor Yale Bible Reference Library.