حرب لبنان 1982 أوحرب لبنان الأولى كما تسميه بعض المصادر الإسرائيلية أوالغزو الإسرائيلي للبنان وتسميه إسرائيلعملية السلام للجليل وعملية الصنوبر (بالعبرية: מבצע שלום הגליל، أو מבצע של"ג) هي حرب عصفتبلبنان فتحولت أراضيه إلى ساحة قتال بينمنظمة التحرير الفلسطينيةوسورياوإسرائيل. ترجع أسباب هذهالحرب إلى عدد من الأحداث التي جرت فيالشرق الأوسط خلال السنين التي سبقتها، مناتفاق القاهرة الذي نظَّم وجود الفصائل الفلسطينية المسلحة في لبنان، إلىالحرب الأهلية اللبنانية.
في3 نوفمبر1969 تم التوقيع على هذا الاتفاق فيالقاهرة لغرض تنظيم الوجودالفلسطيني المسلح فيلبنان، وقد أعطى الشرعية لوجود وعمل المقاومة الفلسطينية في لبنان. حيث تم الاعتراف بالوجود السياسي والعسكريلمنظمة التحرير الفلسطينية من قبل لبنان، وتم التأكيد على حرية العمل العسكري انطلاقاً من الأراضي اللبنانية. حمى هذا الاتفاق الفلسطينيين، من المحاولات المتعددة لنزع سلاحهم. لكن البعض اعتبره متعارضاً مع مبادئ سيادة الدولة اللبنانية ويتضمن بنوداً تتعارض وأحكامالقوانين اللبنانية، ولم يكن لهذه الاتفاقية دور ملموس على الساحة العملية لتحسين العلاقات بين القيادتين اللبنانية والفلسطينية، ومن جانب آخر اعتبرت إسرائيل اتفاق القاهرة خرقاً للهدنة المعقودة بينها وبينلبنان سنة1949.
في شهرأيلول من عام1970 م، تحركالجيش الأردني بناء على تعليماتالملك حسين ومستشاريه العسكريين لوضع نهاية لوجود المنظمات الفلسطينية في الأردن، وفي نفس الوقت كانت القيادة في إسرائيل تخطط للقضاء على العمل العسكري المتزايد في الخارج عن طريق خلق شروخات بين المنظمات الفلسطينية بعضها ببعض أو مع الأنظمة العربية. ما بين منتصف عام1968 ونهاية عام1969 م كان هنالك أكثر من 500 اشتباك عنيف وقع بين الفصائل الفلسطينية وقوات الأمن الأردنية. وأصبحت أعمال العنف والخطف والقتل تتكرر بصورة مستمرة حتى باتت تُعرفعمّان في وسائل الإعلام العربيةبهانوي العرب. وبعد عدّة مناوشات خرجت المنظمات الفلسطينية من المدن الأردنية كاملة إلى أحراشجرشوعجلون ثم عادت قوات الجيش الأردني واجتاحت تلك المناطق واستئصلت آخر معاقلمنظمة التحرير الفلسطينية وباقي المنظمات وطردتهم إلى لبنان.
عام1969، اقتتل الجيش اللبناني مع المسلحين الفلسطينيين والتي أدت إلى الاعتراف بحق الفلسطينيين بامتلاك السلاح على الأرض اللبنانية من خلال ما عرفباتفاق القاهرة. وعام 1975، خرجت اضطرابات مختلفة في لبنان كان أخطرها مظاهرة الصيادين في صيدا والتي أدت إلى مقتل الزعيممعروف سعد. والعديد من المناوشات بين المسيحيين والفلسطينيين في مناطقمخيم تل الزعتروالكحالة. كما قام الفلسطينيين بالعديد من الأعمال العسكرية ضدإسرائيل مما جعل الغرب يعتبر لبنان مرتعا للجهاديين.
أما الشرارة الحقيقية لبدأ الحرب الأهلية اللبنانية كانت في13 أبريل1975 عندما قام مجهولون بمحاولة اغتيالبيار الجميّل رئيس حزب الكتائب. نجا الجميّل من المحاولة ولقى أربعة منهم اثنين من الحراس الشخصيين له. ردت ميليشيات حزب الكتائب على محاولة الاغتيال بالتعرض لحافلة كانت تقل أعضاء منالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة إلىمخيم تل الزعتر مروراً بمنطقةعين الرمانة. أدي الكمين الذي نصبه مقاتلي حزب الكتائب إلى مقتل 27 فلسطينياً. سميت الحادثةبحادثة البوسطة والتي كانت بمثابة الشرارة لبدء القتال في كل أنحاء البلاد.
«إن الرئيسجيرالد فورد تخلى عن معارضته لتدخل عسكري خارجي فيلبنان، وإن الولايات المتحدة كان من الضروري عليها أن تأخذ بعين الاعتبار طبيعة سوريا.»
بعد حوالي الأسبوع في 29كانون الثاني/يناير أعلن الناطق الرسمي باسم الخارجية الأمريكية:
«إن الولايات المتحدة تعترف بأهمية الدور الذي تقوم به سوريا، بالنسبة لتسوية الأزمة اللبنانية.»
ونقل عنهنرى كسنجر قوله: «الولايات المتحدة تلعب دوراً رئيسياً في لبنان، ونحن شجعنا المبادرة السورية هناك، والوضع يسير لصالحنا ويمكن رؤية خطوط تسوية». وكان الهدف من دخول القوات السورية العمل على إخماد الحرب الأهلية ونزع سلاح المليشيات المتحاربة وحماية لبنان والحفاظ عليه. دخلتقوات الردع العربية إلى لبنان ووصلت إلى منطقةعكار فيشمال لبنان، وبدخول يوم1 يونيو/حزيران بدأت القوات السورية تسيطر على المواقع الإستراتيجية في سهلالبقاع وتمركزت في العديد من الأماكن. نقلت وكالة الصحافةالفرنسية تصريحاًلموشي دايان في5 يونيو/حزيران:
إن على إسرائيل أن تظل في موقف المراقب، حتى لو دخلت القوات السورية بيروت لأن دخول القوات السورية في لبنان، ليس عملاً موجهاً ضد أمن إسرائيل.
وكان دخول القوات السورية لحماية لبنان من الانقسام والحرب الأهلية التي كانت دائرة ويعتقد البعض أن التدخل السوري كان منسقاً أيضاً معالموارنة، حيث صرح الرئيس اللبنانيكميل شمعون في16 يونيو/حزيران1976: «لقد اتفقنا مع سوريا على خطط ترضينا». وفي9 أغسطس/آب صرح مندمشق بقوله: «أنني أثق ثقة كاملة بالرئيسحافظ الأسد، وسوريا هي الدولة الوحيدة التي تستطيع فرض السلام في لبنان.[6]» وفي20 يوليو ألقى الرئيس السوري خطابه الشهير من مدرججامعة دمشق معلناً أنه ليس بحاجة لطلب الإذن لدخول لبنان. حيث قال وقتها: «قررنا وبدأ الجيش بالدخول إلى لبنان، ولم نأخذ أذناً من أحد.[7]»
فيالرابع عشر من مارس/آذار 1978، أقامت إسرائيل حزاماً أمنياً بمسافة عشرة كيلو مترات لحماية شمالها من هجمات الفلسطينيين. أدانمجلس الأمن هذه العملية مصدرًاقرار 425 الذي يطلب من إسرائيل الانسحاب الفوري غير المشروط من لبنان. تجاهلت إسرائيل هذا القرار، خاصة أنه لم يمارس عليها أي ضغط دولي أو أميركي أو حتى عربي.
المدينة الرياضية فيبيروت عام1982م خلال الحرب الأهلية والاجتياح الإسرائيلي.
في فترة أواخر عقد السبعين وبداية عقد الثمانين، قسملبنان فعلياً إلى مناطق نفوذ عسكرية موزعة بينالسوريينوالفلسطينيينوالإسرائيليين والميليشيات اللبنانية المتعددة المتحالفة معهم. يصفتيمور غوكسل المتحدث باسم قواتالأمم المتحدة الوضع فيما يخص الإسرائيليين قائلاً:
«الإسرائيليون لم يسلموا المناطق التي احتلوها، وأخذوا يختلقون الأعذار، وأخيراً ابتكروا رائعة من الروائع، قالوا: نعم، انسحبنا ولكن ها هوالرائد حداد، إنه يسيطر على هذه المنطقة وهو صديقنا فلم نحتل أراضيه. ولكن عذراً، ألم تحتلوا البلاد؟! لا.. نحن لم نحتل منطقته، مررنا بها فقط لأنه صديقنا، نحن راحلون، تعمل مع الرائد حداد مَنْ؟ ها هو رائد لبناني غريب علينا التعامل معه ومعرفة خلفيته. كان ابن المنطقة وربما كانت نيته من أحسن ما يكون تجاه منطقته، ولكن كيف يفكر؟ لم نعرف طبيعة علاقتهبالجيش اللبناني، كان يقول أنه عسكري لبناني، ولكن الإسرائيليين كانوا يدفعون راتبه، ثم يريدون من القوات الدولية أن ترتب الأمور.»
ثم يكمل واصفا الفلسطينيين:
كان الفلسطينيون يتدخلون كثيراً في حياة الناس، كانوا منتشرين في كل مكان مدججينبالسلاح ومتعجرفين، اسميها عجرفةالكلاشينكوف، كان الكل يملك مدفعاً للطائرات، يبدو أنه كان لدى منظمة التحرير أموال طائلة، فلم أكن أصدق عيني، إذ كان المقاتلون يذهبون إلى السوق مصطحبين المدافع المضادة للطائرات. في إحدى المرات ذهبت من الناقورة إلىبيروت فمررت بأربعة عشر حاجزاً كلها للفلسطينيين باستثناء اثنين للجماعات اللبنانية المرتبطة بالفلسطينيين.
إلا أن الوضع على الأرض بالرغم من المناوشات اليومية بين الجميع كان جامداً، على شكل استنزاف مادي وبشري للميليشيات المختلفة، بدون تحقيق أي نتيجة، الأمر الذي دفعها لتغير الوضع بحيث تخرج من الجمود، كما عبررودلف بوليكوفيتش، المستشار الإعلامي للرئيسكميل شمعون: «لا تلم أحداً بعد أن تضعه في زاوية، لا تلمه لأنه محشور، فأنت حشرته، السوريون حشرونا.»أعلنت ميليشيا القوات اللبنانية، بقيادةبشير الجميل، أنه لا يجوز الفصل بينمسيحيي البقاع والجبل، وتحركت منجبال كسروان إلىالبقاع باتجاه مدينةزحلة. عنى البقاع كونه عمقاً إستراتيجياً لسوريا أن سوريا لا يمكن أن تسمح بهذه الحركة. استعملت سورية طائراتمروحية لقصف ميليشيا القوات اللبنانية المساندة من قبل إسرائيل، وفرضت حصاراً عليهم في مدينة زحلة التي تحصنوا فيها، وبدأت بقصفها بمشاركة الميليشيات المناوئة. وقام بشير الجميل بإرسالجوزيف أبو خليل، رئيس تحرير جريدة العمل التابعة للقوات اللبنانية وقت الأحداث، إلى الإسرائيليين لإقناعهم بمهاجمةالقوات الجوية العربية السورية بخرقه الأجواء يعتبر أقدم على إعلانالحرب، مما قدم الذريعة لإسرائيل للتدخل كما قالمناحيم بيغن:
...السوريون استخدموا حوامات زودهم بهاالسوفييتوالفرنسيون. الجبل هو نقطة استطلاع أساسية يمكن منها قصف مدينةجونيه وهي الميناء الوحيد الذي يستخدمه المسيحيون، ولذا يكون بإمكان السوريين –من وجهة النظر المسيحية- فرض حصار على لبنان. المسيحيون يواجهون الآن خطراً داهماً، ونحن ملتزمون أخلاقياً بإنقاذهم وسوف ننجدهم.
قام سلاح الجو الإسرائيلي بإسقاط طوافتين سوريتين. فجاء ردسوريا سريعا بإدخال صواريخسام 6 المضادة للطائرات إلى سهل البقاع، دخل سلاح الطيران السوري لحماية الصواريخ وحصلت مناوشات جوية في أجواء لبنان. اعتبرت إسرائيل ما حصل خرقالاتفاق الخطوط الحمر، واعتبرت سوريا أنتل أبيب كانت البادئة بخرق الاتفاق من خلال هجومها علىالقوات السورية.
في10 يوليو/تموز1981 وبعد فوزالليكود في انتخاباتالكنيست في شهريونيو/حزيران،[8] قامت إسرائيل بشن غارات جوية عنيفة على عدة مواقع في جنوب لبنان، وفي17 يوليو/تموز قصفت مراكز قيادة حركةفتحوالجبهة الديمقراطية فيبيروت الغربية.[9] واستمر القصف إلى يوم24 يوليو وذلك بعد صدور قرار من مجلس الأمن في22 يوليو يطالب فيه بوقف فوري للهجمات المسلحة على لبنان. تم التوقف بناء على مساعي موفد الرئاسة الأمريكي،فيليب حبيب، بين منظمة التحرير وإسرائيل.[10] حبيب كان واضحا بأنه في حالة حدوث أي مناوشة عسكرية مع إسرائيل أو أي اعتداء بالمفهوم الأميركي لإسرائيل فسيجري اجتياح كبير. بينما التزمتمنظمة التحرير الفلسطينية بالهدنة التي رعتهاالولايات المتحدة وأمنت حدودا شمالية آمنة لإسرائيل. خرقتإسرائيل الهدنة 2777 مرة في الفترة بين عامي1981و1982.
«إن النزاع العربي الإسرائيلي يجعل بعضاً من أوثق أصدقائنا منقسمين على أنفسهم. والمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط لا يمكن حمايتها إلا بإستراتيجية لا تغفل تعقيدات المنطقة ولا التهديد بحدوث تدخل خارجي.والولايات المتحدة تعتبر عملية السلام، والجهود المبذولة لمواجهة التهديداتالسوفييتية والإقليمية، تعزّز بعضها بصورة متبادلة، فإذا كان أصدقاؤناالعرب على استعداد أكبر لركوب المخاطر من أجل السلام مع الإسرائيليين فإن التعاون في مجال الأمن سيكون سهلاً، باعتباره تعاوناً ضرورياً لردع أي تدخل سوفييتي ولردع الدول العاملة لحسابه»
«إن إسرائيل ترى في الاقتراح السعودي خطة لتدميرها على مراحل، وبموجب هذا الاقتراح فإن الاعتراف بإسرائيل تبعاً لذلك ليس سوى وهم. وأن هذه الخطة تناقض اتفاقية كامب ديفيد»
. أعلنت المجموعةالأوروبية أن المبادرة تشكل أساسا للتفاوض، أما الولايات المتحدة فتجاهلت المبادرة ولم تتخذ أي موقف واضح منها. تباين الموقف العربي بين الرافضكسورياوالعراق، بينما أعربت دول أخرى عن الدعم. قيادة وكوادر حركةفتح داخلمنظمة التحرير الفلسطينية، رفضتها بعنف،[13]، حيث أعلنفاروق القدومي «إن الظروف غير مناسبة لحل سلمي، وإن الفلسطينيين يرفضون النقطة السابعة في المشروع رفضا قاطعا»[14] إلأ أنياسر عرفات دعم المبادرة حيث نقل عنهجورج حاوي، الأمين العام السابقللحزب الشيوعي اللبناني، قوله: «استعدوا للضربة، ولقد أديتم بضغطكم هذا إلى موقف سيؤدي إلى رفع الغطاء العربي عنا، واللهم اشهد أني بلغت».قامت السعودية بسحب مشروعها فيقمة فاس في نوفمبر1981 وذلك إثر الضغوط التي مورست عليها. حيث قال الناطق الرسمي وقتها:
«نظراً لإيمان المملكة التام بأن أي إستراتيجية عربية يجب أن تحظى بالتأييد الجماعي لكي تستطيع دفع الموقف العربي إلى الأمام، فقد قام الوفد السعودي بسحب المشروع مؤكداً لمؤتمر القمة أن المملكة العربية السعودية على استعداد تام لأن تقبل أي بديل يجمع عليه العرب.[15]»
يعتقد العديد من الباحثين أن إفشال المبادرة السعودية كان أساسيا لإتمام عملية غزولبنان في العام الذي تلاها. حيث بدأت إسرائيل بالتحضير الفوري للعملية وانتظرت الحصول على الضوء الأخضر الأمريكي.[16]
في تموز 1981، تم إبرام وقف إطلاق نار بين إسرائيل وقواتمنظمة التحرير الفلسطينية بإشراففيليب حبيب. إلا أن الإسرائيليين كانوا قلقين من تجمع قوات منظمة التحرير الفلسطينية في جنوب لبنان منذ وقف إطلاق النار والذي اعتبرته تهديداً لأمن حدودها الشمالية.
في 21نيسان/ابريل 1982 قصفسلاح الجو الإسرائيلي موقعا لمنظمة التحرير في جنوبلبنان وفي 9أيار/مايو 1982 قامت منظمة التحرير الفلسطينية بالرد بقصفصاروخي لشمال إسرائيل وتلى هذا القصف المتبادل محاولةلاغتيال سفير إسرائيل فيبريطانيا،شلومو أرجوف في 3حزيران/يونيو 1982 فقامت إسرائيل، وكردٍّ على عملية الاغتيال هذه، بقصفٍ لمنشأت ومواقع تابعة لمنظمة التحرير في قلببيروت.[17] في اليوم التالي من محاولة الاغتيال والقصف الإسرائيليلبيروت، قامت منظمة التحرير بقصف شمالإسرائيل مرة أخرى وقتل في هذا القصف إسرائيلي واحد.
قدمرونالد ريغان الرئيس الأمريكي وقتها الغطاء لإسرائيل في هجومها، حيث أعطى لإسرائيل الضوءالأخضر لتدمير منظمة التحرير، وأكدت إسرائيل للأمريكين أنها ستدخل لبنان لمسافة لا تتجاوز 30 كيلومترا لتحقيق أمنها والدفاع عن نفسها. كان ريغان لا يمانع في القيام بعملية سريعة تكون بمثابة درس قويلمنظمة التحرير الفلسطينيةلسوريا حليفةالاتحاد السوفيتيالشيوعية حيث صرحدافيد كمحي بأنه لم يكن هناك مقاومة قوية لخطط أرئيل شارون فيواشنطن وإنالولايات المتحدة لم تستطيع منع إسرائيل من الهجوم. وفي مقالة فيواشنطن بوست مع شارون قال هيغ: «...إننا نفهم أهدافكم ولا نستطيع أن نقول لكم لا تدافعوا عن مصالحكم.[18]» وقام وزير الخارجية الأمريكي، الجنرال ألكسندر هيغ بإخبار شارون عن الحاجة إلى «استفزاز واضح يعترف به العالم» بهدف شنّ الهجوم. ويرى البعض أن عمليةأبو نضال لمحاولة اغتيال السفير الإسرائيلي فيلندن جاءت في اللحظة المناسبة تماما بصورة غريبة.[19][20]
قاد العمليات الإسرائيليةأرئيل شارون وزير الدفاع الإسرائيلي في ذلك الوقت في الحكومة التي رأسهامناحيم بيغين. أعلن وقتها أن السبب هو دفعمنظمة التحرير الفلسطينية وصواريخالكاتيوشا إلى مسافة 40 كيلومتر عن حدودإسرائيل. تعدلت الأهداف لاحقا، حيث أعلن الناطق الرسمي للحكومة الإسرائيلية آفى بارنز إن أهداف إسرائيل هي:
جنود إسرائليون في جنوب لبنان، يونيو، 1982.دبابة سورية من نوع تي-62 تحترق خلال الصراع السوري الإسرائيلي في لبنان.
استناداً إلى لقاءتلفزيوني معتيمور غوكسل المتحدث باسم قواتالأمم المتحدة التي كانت منتشرة على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية آنذاك فإنه وفي تمام الساعة 10:35 صباحا ليوم 6 يونيو 1982 اقتربت 13 دبابةميركافا عند جسر الحمراء الفاصل وكان هناك في تلك اللحظة 6جنودهولنديين عند الحاجز حاولوا منع الدبابات من التقدم بوضع عوائق على الطريق ولكن جنودالجيش الإسرائيلي استمروا بالتقدم هاتفين «نحن آسفون هذا غزو» تمكن الهولنديون الستة من إعاقة تقدم دبابتين بصورة مؤقتة لكن هذا لم يدم طويلا فقد تلى الدبابات الأولى 1,100 دبابة أخرى.[21] تقدمت القوات الإسرائيلية على عدة محاور تجاه العاصمةبيروت ولكنها واجهت مقاومة عنيفة من قبلمخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الجنوب اللبناني وتعرض الجيش الإسرائيلي إلى مقاومة شرسة عند محاولتهاحتلال قلعة شقيف الإستراتيجية والتي قاممناحيم بيغن بزيارتها شخصيًا بعد بسط السيطرة الإسرائيلية عليها نظراً لأهميتها. استناداً إلىعمر العيساوي فإن القيادة السورية لم تدرك ضخامة العملية العسكرية الإسرائيلية وبالرغم من المباغتة تمكن الجيش السوري من وقف تقدم القوة الإسرائيلية المتجهة إلىضهر البيدر وقاتل فيما بعد بشراسة فيالبقاع وكبد إسرائيل خسائر كبيرة.[21]
بعد احتلال قلعة شقيف تم تسليم القلعة إلىسعد حداد قائدجيش لبنان الجنوبي الموالية لإسرائيل وبعد أيام سقطتصيداوصوروالدامور، معاقل منظمة التحرير الواحدة تلو الأخرى أمام التقدم الإسرائيلي وبدأالجيش الإسرائيلي بالتقدم نحو الطريق الرئيسي بينبيروتودمشق مخترقين منطقةالشوف الواقعة في الجزء الجنوبي من جبل لبنان وفي 8حزيران/يونيو 1982 اشتبكالجيش السوري لأول مرة مع الجيش الإسرائيلي. بعد 5 أيام فقط من الاجتياح تمكنت القوات الإسرائيلية من بسط سيطرتها على 1/3 من الأراضي اللبنانية وفي 9حزيران/يونيو 1982 وصلالجيش الإسرائيلي إلى مشارفبيروت وفي نفس اليوم تمكنسلاح الجو الإسرائيلي من من تدمير عدة مواقعللدفاع الجوي السوري بالإضافة إلى إسقاط مقاتلةميغ 21 سورية في اشتباك جوي ضخم بين 90 مقاتلة إسرائيلية و 60مقاتلة سورية،[22] الجيش السوري اعاد تمركزه خارج منطقةالشوف وفي يوم 14حزيران/يونيو 1982 دخل الجيش الإسرائيلي شرق بيروت ذات الأغلبيةالمسيحية وطوقت القسم الغربي من بيروت الذي كان معقلا رئيسيا للميليشيات الفلسطينية.[23]
مع اقتراب نهاية شهرحزيران/يونيو كان هناك 100,000جندي إسرائيلي فيلبنان بينما وصل عدد القوات السورية إلى 40,000 وكان هناك 11,000 مقاتل فلسطيني محاصرين معياسر عرفات في غرببيروت. في مطلع شهريوليو قامالجيش الإسرائيلي بفرض حصار على غرب بيروت قاطعا وصول الموادالغذائيةوالماء إلى تلك المنطقة وتم منع الانتقال بين شطري بيروت واستمر القصف الإسرائيلي لغرب بيروت بصورة متفاوتة طوال شهر يوليو.
في12 أغسطس 1982 ومع الاقتراب من الوصول إلى اتفاق وشيك حول آلية مغادرة المقاتلين الفلسطينيينلبيروت قامتإسرائيل بحركة مباغة أثارت استغرابالعالم وغضب الرئيس الأمريكيرونالد ريغان، حيث قامسلاح الجو الإسرائيلي بشن أعنف قصف جوي ومدفعي وبحري على بيروت استمرت لعشر ساعات متواصلة وأدت هذه الحركة الغير متوقعة إلى إثارة غضب ريغان الذي اتصلهاتفيا معمناحيم بيغن معربا عن استياءه الشديد من ذلك التصرف. توصل الطرفان إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في18 اغسطس بوساطة المبعوث الأمريكيفيليب حبيب وفي يوم19 أغسطس خففت إسرائيل من حصارها لغرب بيروت وسمحت لإمداداتالصليب الأحمر بدخول بيروت الغربية.
الجيش اللبناني: لم يتدخل في الصراع نهائياً وبقي على الحياد.
الجيش السوري: لم تدخل القوات السورية بشكل كامل بالقتال إلى أن قامسلاح الجو الإسرائيلي بقصف عدت بطارياتللصواريخ من طراز سام 2، 3، 6روسية الصنع كانت سوريا قد نصبتها فيلبنان. تم صدام في الجو بين ما يقارب 200طائرة سورية وما يقاربها من الإسرائيلية بعد معركتين أرضيتين سريعتين.
المقاتلين الفلسطينيين: كان معظم المقاتلين الفلسطينيينمسلحين تسليحاً خفيفاً مما جعلهم يستعملون أسلوب المقاومةوحرب العصابات.
ظهرت تدريجيا انقسامات ضخمة في الإدارة الأمريكية بين تيار بقيادةألكسندر هيغوجين كيركباترك ينادي باستمرار إسرائيل بعملياتها بغض النظر عن المبرر الأصلي، حتى تدمير منظمة التحرير وتيار مناد بكبح جماحإسرائيل بقيادةجورج بوش الأبوجيمس بيكر ووليام كلارك. دخلالسوفييت على الخط وأرسلليونيد الييتش بريجنيف إلىرونالد ريغان يخبره عن قلقه ويلمح له عن إمكانية توسع النزاع وهنا شعر ريغان أن وزير خارجيته لم يكن يعمل معه بنفس الاتجاه وإنه منحاز إلى إسرائيل وأرسل مذكرة إلىمناحيم بيغن قال فيها:
«إنني أشعر ببالغ القلق نتيجة للتقارير الأخيرة عن حدوث زحف إسرائيلي آخر إلى وسطلبنان، وتصاعد العنف بينإسرائيلوسوريا. لقد تجاوزت قواتكم كثيرا من الأهداف التي ابلغتمونا بها. وقد تكون المزايا التعبوية ظاهرة ولكن الحاجة الأكثر أهمية هي تفادي نشوبحرب أوسع باشتراك سوريا، وربما باشتراك السوفيت أيضا. وقد تلقيت اليوم رسالة من بريجنيف تعرب عن بالغ القلق من أن وضعا خطيرا جدا قد ينشأ، وأنه قد يخلق امكانية تفجر أعمال عسكرية أوسع نطاقا. وبطبيعة الحال، فانني لم أقبل معظم النقاط التي وردت في رسالته، إلا أن خطر حدوث تصاعد آخر لا يزال قائما ولقد أصبح واضحا الآن انه حدث تصاعد في أعمال العنف بينسوريا وإسرائيل. وإنني ادعوك الآن لأن تقبل وقف إطلاق النار إلى الساعة السادسة صباحا يومالخميس10 يونيو 1982. وأناشدك أن توصي حكومتكم بقبول اقتراحي، مناحم، إن رفض إسرائيل قبول وقف إطلاق النار سيزيد بدرجة أكبر من التحديد الخطير الذي يتعرض له السلام العالمي، وسوف يخلق توترا شديدا في علاقاتنا.[24]»
اعتقدت إسرائيل أن تيارألكسندر هيغ قادر على الضغط على الرئيس الأمريكي. وصل الخلاف بين الرجلين إلى درجة ضخمة، وبدأ هيج يخفي رسائل وبرقيات حبيب عن البيت الأبيض، الأمر الذي اضطر حبيب إلى استعمالخط هاتفي أمن للاتصال مباشرة مع البيت الأبيض.[25] وفي النهاية ومع شعور هيغ بالمحاصرة وانعدام ثقة ريغان به، هدّد شفويا بالاستقالة، وقبلها ريغان فورا بدون كتابتها.[26] بعض المحللين يدافع عن هيغ ويعتبرهكبش فداء لفشلسياسة البيت الأبيض فيلبنان. باستقالةألكسندر هيج أصبحجورج شولتز وزيرا للخارجية. شولتز كان يرى أن الغزو الإسرائيلي يدمر عملية السلام وأدرك إمكانيةالولايات المتحدة وضع مبادرة لعملية السلام، وبدأ صنع مشروعه لعملية سلام عربي إسرائيلي. في30 يوليو عرضت المبادرة على ريغان وظهر مشروع ريغان لمنطقةالشرق الأوسط حيث عارض قيام دولةفلسطينية مستقلة واعتمد فكرة عودة السيطرةالأردنية علىالضفة الغربية،وقطاع غزة على شكل اتحادفدرالي. من جهة أخرى رأىمناحيم بيغن أن ريغان تجاوز مرحلة الصداقة[27]، وقام بمعارضة رؤية ريغان الداعية إلى مبدأ الأرض مقابل السلام. وكانأرئيل شارون يؤكد أنه سيحل القضية من خلال جنازير الدبابات إلا أن مقتلبشير الجميل الذي نصبه الأمريكان لتصفية الوجود الفلسطيني فيلبنان[28] وإدانة شارون بتهمة التغاضي عنجريمة مخيمي صبرا وشاتيلا حيث تم إخراجه من الحكومة أدى إلى إفشال مساعي الدولة الإسرائيلية في إخراج المنظمة من اللعبة السياسية.
فوجئياسر عرفات بوصول برقية من الجنوب تنبئ بأن القوات الإسرائيلية تعدتصور شمالاً وبسرعة. نقلجورج حاوي عن عرفات قوله: «مش ممكن، لا مستحيل»، واتصل مع الحاج إسماعيل ليستفهم منه عن الأوضاع، إلا أن الحاج إسماعيل كان منشغلا بإخراج القوات منصيدا بسبب محاصرة الإسرائيليين لها. فوجئ الجميع بحجم الاجتياح، بالرغم من أنبشير الجميل كان قد أكد في أكثر من مرة أن القوات الإسرائيلية قادمة. ربما يعزى ذلك إلى خطاب ريغان الذي أكد فيه أن الدخول سيكون محدودا بثلاثين كيلومترًا.
تشكل في 14 حزيران/يونيو 1982 ما عرف باسم القيادة المشتركة للقوات الفلسطينيةوالحركة الوطنية اللبنانية أوهيئة الإنقاذ الوطني فيبيروت بدعوة منالرئيس اللبنانيإلياس سركيس ضمت زعماء الطوائف الرئيسية في لبنان وكتيبتين سوريتين استمرتا في القتال. كان هدف هيئة الإنقاذ هو منع تفاقم أزمة المواجهة المسلحة بينإسرائيلومنظمة التحرير الفلسطينية ولكن تدريجيًا أصبحت هيئة الإنقاذ هذه عاجزة عن إنجاز أية نتيجة ملموسة، وبعد 9 أيام من تشكيلها انسحبوليد جنبلاط منها واصفًا إياها «بهيئة دفن القتلى».
مع اقتراب نهاية فترة حكم الرئيس اللبنانيإلياس سركيس تم تنظيم انتخابات رئاسية فيبيروت وقامالبرلمان اللبناني في23 اغسطس 1982 بانتخاببشير الجميل رئيسا بإجماع 57 صوتاً وامتناع 5 عن التصويت وعدم اشتراك أغلبية الكتلةالمسلمة في البرلمان الذي اعتبر الجميل حليفاًلإسرائيل وقبل 9 أيام من تسلم الجميل مهامه الرئاسية وفي 14أيلول/سبتمبر 1982 تماغتيالهبقنبلة موقوتة وبعد أسبوع وفي 21سبتمبر 1982 انتخب البرلمان اللبناني شقيقهأمين الجميل رئيسًا الذي قام بتوجيه دعوة إلى زعيم الكتلة المسلمة ورئيس الوزراءشفيق الوزان (1925 -1999) بالبقاء في منصبه كرئيس للوزراء في محاولة من الجميل لتضييق الفجوة وتوحيدالصفوف. على الصعيدالاقتصادي انخفضت قيمةالليرة اللبنانية إلى مستويات متدنية وظهرت بوادر عجز للحكومة اللبنانية في فرض الضرائب ووصلت نسبةالتضخم إلى ما بين 20 و 30% وتم تدمير واسع النطاق للبنية التحتية فيلبنان.
في13 يونيو قامت القوات الإسرائيلية ومليشيابشير الجميل بمحاصرةبيروت، واستمر هذا الحصار إلى28 أغسطس. طوال فترة الحصار قامتالقوات الإسرائيلية بقصف بيروت من البر باستعمالالمدفعية ومن الجووالبحر. تم تسوية معظم المدينة بالأرض، قتل أكثر من 30,000 مدني لبناني وإصيب أكثر من 40,000 شخص، أكثر من نصفمليون شخص نزحوا عن بيروت وفي فترة الست وسبعون يوما استمرت إسرائيل بمنع المعونات الدولية والإنسانية عن المدينة.[29] صرحتإسرائيل أن مسؤوليةالوفيات والدمار الذي أصاب البنية التحتية والخسائر البشرية هو استعمالمنظمة التحرير الفلسطينية المدنيين كدروع بشرية واستعمال منازل المدنيين كمعاقل للقتال مما اضطر إسرائيل مرغمة على القصف لتدمير البنية التحتية التي يمكن أن يستعملها المقاتلون أو «المخربون» حسب تعبير إسرائيل. استعملت إسرائيل في هجومها على بيروت أسلحةً محرمةً دوليًا بدءًا منالقنابل العنقودية والفسفورية مرورًا بالنابالم وألعاب الأطفال المفخخة، وانتهاء بقنابل بخار الوقود. أعاد كل منرونالد ريغانوهنري كسنجر التأكيد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. وتم منع جميع المبادرات التي قدمت لإيقاف القتال. انتهى الحصار بمسح كامل لثلثبيروت من الخارطة، ومقتل 675 جنديا إسرائليّا إلى جانب المدنيين اللبنانيين.[30]
قدمرونالد ريغان ضماناً شخصياً للمقاتيلنالفلسطينيين بالحفاظ على أمن عائلاتهم إذا ما غادروا إلىتونس، واضطرت إسرائيل إلى الموافقة على خروج المقاتلين تحت حماية دولية مكونة من 800 جنديمارينز أمريكي، و 800 جنديفرنسي و 400 جنديإيطالي. غادر 14,614 مقاتل فلسطيني بيروت إلى تونس تحت الحماية الدولية.[31] على الجانب الآخر قُتل في الفترة ما بين5 يونيو1982 وحتى31 مايو1985 1,216جندي إسرائيلي. على الصعيدالسياسي أوفت إسرائيل بوعودها وبضغط أمريكيلبشير الجميل حيث أصبح رئيساللبنان إلا أنه في14 سبتمبر تماغتياله هو و 25 من طاقمه بتفجير ضخم استهدف مقره.
تغيرت الخريطةالسياسية اللبنانية بصورة جذرية بعد الغزو الإسرائيلي فبالرغم من أن الميليشياتالمسيحية اللبنانية لم تشترك فعليا في القتال إلى جانبالجيش الإسرائيلي إلا أنها انتشرت وهيمنت على المناطق التي كانت تحت سيطرةإسرائيل وخاصة في الجنوب اللبناني التي هيمنت عليهاحزب الكتائب اللبنانية وقامت إسرائيل أثناء الغزو بنزعسلاح المجموعاتالدرزية التي كانت في صراع مسلح مع حزب الكتائب. عملحزب الكتائب اللبنانية بقيادةبشير الجميل جاهدا على نزع سلاح الفلسطينيين في سائر أنحاء لبنان.[32] تمكنت حركةفتح من أسر ستة جنود إسرائيليين، تمت مبادلتهم لاحقًا بخمسة آلاف معتقل لبناني وفلسطيني تم احتجازهم فيمعتقل أنصار في جنوب لبنان.
استناداً على أرقاموزارة الخارجية الأمريكية توزع مقاتلو منظمة التحرير الفلسطينية على الشكل التالي:
في6 سبتمبر1982 عاد مجلس الجامعة العربية ليعقد قمته الخامسة عشر الطارئة فيفاس، بعد أشهر من الاجتياح الإسرائيلي، شارك بالقمة 19 دولة عربية بغياب كل منليبياومصر، وبعكس القمة الأولى في فاس، اعترفت جامعة الدول العربية هذه المرة بوجود إسرائيل، وتم إقرار مشروع السلام الذي تقدمت به السعودية.[33]
في مساء 16 سبتمبر، قامت القوات الإسرائيلية بمحاصرة مخيمات صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين، وسمحت بدخول حوالي 350 عنصر مسيحي إلى المخيمات تحت ذريعة البحث عن مقاتلين فلسطينيين.[32][34] تم ذبح ما يقارب 3000 مدني أعزل بالرغم من التعهدات الأمريكية بحماية المدنيين الفلسطينيين بعد خروج المقاتلين الفلسطينيين من لبنان، يعتقد الكثير أن المجزرة التي وصفها الكاتب اللبناني المغترب بيار كماليو بأنها غير إنسانية ووصمة عار في جبين لبنان الحر، وإنها كانت رد فعل على اغتيال الرئيس المنتخب بشير الجميل.
بعد الحرب كان مايقارب 98% من الأراضي اللبنانية تحت سيطرة وحماية قوات متعددة الجنسية وميليشيات لبنانية مختلفة وكانتالحكومة اللبنانية مهيمنة فقط علىبيروت وضواحيها. في عام 1983 كان هناك 30,000جندي إسرائيلي في الجنوب اللبناني وكان شرق وشماللبنان تحت سيطرة 40,000 جنديسوري و 10,000 مقاتلفلسطيني، بالإضافة إلى هذه الأرقام كان هناك 10,000 جندي تابعين لقواتالأمم المتحدة منالولايات المتحدةوإيطالياوبريطانياوفرنسا.
تدريجيا أصبحت القوات المتعددة الجنسية مستهدفة بشكل يومي وفي 19سبتمبر 1983 وفي خطوة مثيرة للجدل قامت البارجات الأمريكية بقصف معاقل القواتالدرزية فيسوق الغرب علما انالمارينز المرابطين حولبيروت والبالغ عددهم 1,600 لم يتعرضوا لاستهداف مباشر لحين تلك اللحظة ولكن الأمر تغير بعد ذلك القصف الذي قام به بارجتان أمريكيتان وأصبح المارينز بعد ذلك مستهدفين في عمليات إطلاق نار بالقناصات من قبل أطراف مجهولة، وبحلول شهر نوفمبر 1983 تم قتل 6 من المارينز.
في 18ابريل 1983 اقتربتسيارة مفخخة من سفارةالولايات المتحدة فيبيروت وحدث انفجار هائل أدى إلى تدمير كامل للقسم المركزي للبناية وتسبب الانفجار في سقوط 60 قتيلا بينهم 17 أمريكيا و 100 جريح، تبنتمنظمة الجهاد الإسلامي مسؤوليتها عن الحادث ويلقي الكثيرين بالمسؤولية الرئيسية في تنظيم الانفجار إلىعماد فايز مغنية وتم لاحقا توجيه التهمة إلى مغنية بضلوعه في التخطيط لتفجير سيارة مفخخة في حاجز عسكري مشترك للمارينز والقوات الفرنسية في 23أكتوبر 1983 والذي أدى إلى مصرع 58 جنديافرنسيا و 241 منالمارينز وتم اتهامه أيضا بتخطيطهلاختطاف طائرة تي دبليو أي الرحلة 847 في 14يوليو 1985 والتي كانت متوجهة منروما إلىبوسطن.[35][36]
كانت السيارة المفخخة التي دمرت السفارة مجهزة بحوالي 180 كغم من المتفجرات وكانت السيارة حسب تقاريروكالة المخابرات الأمريكية قد سُرِقت قبل عام واحد من السفارة الأمريكية وكانت تحمل شارة السفارة واستطاع سائقها لهذا السبب من الدخول بسهولة إلى مرآب السفارة. كان من بين القتلى الأمريكيين 8 موظفين لوكالة المخابرات الأمريكية وكان تفجير السفارة حسب تصريحات الجهة المنفذة ردة فعل علىمذبحة صبرا وشاتيلا. بعد حادثة تفجير السفارة تم نقل البعثة الدبلوماسية الأمريكية إلي بيروت الشرقية ولكن الموقع الجديد تعرض إلى استهداف بسيارة مفخخة أخرى في20 سبتمبر1984 وقتلت في هذه المرة أمريكيان و 20 لبنانيا.
مع اقتراب نهايةكانون الأول/ديسمبر 1982 دخللبنان في محادثات معإسرائيل وبوساطةالولايات المتحدة لغرض التوصل إلى نوع من التطبيع في العلاقات وإيجاد آلية لانسحابالجيش الإسرائيلي من لبنان مع ضمانات بعدم تعرض الحدود الشمالية لإسرائيل لهجمات من قبلمنظمة التحرير الفلسطينية وبعد مفاوضات ومحادثات إتسمت بالصعوبة واستغرقت 6 أشهر توصل الطرفان إلى ما سمي باتفاق 17 أيار أو «اتفاق جلاء القوات الإسرائيلية» حيث وافق الطرفان بإنهاء حالةالحرب التي كانت قائمة بين الدولتين منذ قيام دولة إسرائيل في عام 1948 بالرغم من إصرار إسرائيل على توقيع اتفاقية سلام رسمية إلا أن لبنان اكتفى باتفاقية «عدم الحرب» حيث كانت القيادة اللبنانية متخوفة من عزلة مع بقيةالعالم العربي إن وقعت على اتفاقية سلام مشابهة للعزلة التي حدثتلمصر عقباتفاقية كامب ديفيد.
نصت الاتفاقية على انسحابالجيش الإسرائيلي في غضون 8 - 12 أسابيع بشرط ان تقومسوريا ومنظمة التحرير بالانسحاب أيضا. بالرغم من عدم تشكيل علاقاتدبلوماسية على مستوى السفارات بين لبنانوإسرائيل إلا أن الطرفان وافقا على وجود هيئات دبلوماسية للدولتين على أراضي الآخر. من النقاط المثيرة للجدل في ذلك الاتفاق كان تشكيل حزام أمني إسرائيلي في جنوب لبنان يتواجد فيه اقل من 4,341جندي من كلا الجيشين اللبناني والإسرائيلي مع تعاون مستمر بين الجيشين على هيئة دوريات مشتركة. من النقاط الحساسة في ذلك الاتفاق كان وضع الرائدسعد حدادوجيش لبنان الجنوبي فبالرغم من أن الاتفاقية لم تذكر الرائد حداد بالاسم إلا أنها نصت على قبول حماية الحزام الأمني من قبل «قوات محلية». وقع عن لبنان السفير أنطوان فتال بينما وقع ديفيد كمحي رئيس الوفد الإسرائيلي كما وقع أيضا المندوب الأميركي موريس درايبر على هذه الوثيقة. وافقالبرلمان اللبناني على هذه الوثيقة بالأكثرية المسيحية حيث عارضه نائبان فقط من الطائفة المسيحية مع غياب كامل للشيعة والسنة وفي إسرائيل وقعتالكنيست على الاتفاق. بقيت هذه الاتفاقية مجرد حبر على الورق حيث لم ينسحب الجيش الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية واعتبر الرئيس السوريحافظ الأسد بقاء إسرائيل في الجنوب اللبناني منافيا لمبادئ سيادة لبنان وخطرا على أمنسوريا.
يذكرجورج حاوي الصدمة برد الفعل العربي الشعبي فيقول:
عدما يزداد القصف يزداد التحدي، ويخيل الآن أن العالم سيهتز إن بيروت تحترق، إن قذيفة قد دخلت ملجأ في برج البراجنة فقتلت 75 أو أكثر بريئاً، الآن العالم سيهتز، شوارعالجزائر ستنزل بها المظاهرات، فإذا بنا نفاجأ أن المظاهرة كانت تعمل لفريق الجزائر الذي انتصر علىألمانيا فيكرة القدم.[25]
بينما خرجت مظاهرات بسبب ما فسره العرب بالمؤامرة[39] لإخراج الجزائر من الدور الأول في المباراة بينألمانيا الغربيةوالنمسا في25 يونيو. كانت المظاهرات الوحيدة في الشرق الأوسط التي خرجت تستنكر الاجتياح، كما يذكرفيصل القاسم هي المظاهرات الضخمة التي نظمتها حركة السلام الآن في إسرائيل للمطالبة بالانسحاب من لبنان.[40] كما قام الفريق الإيطالي بإهداء لبنان كأس العالم (رمزيا) تعاطفا معه.[41]