وُلدت جرتي فيبراغ تحت اسمجرتي تيريزا رادنيتز، وكلمة «جرتي» ليست لَقب بل هوَ اسم سفينة حربية نمساوية.[7] نشأت جرتي في الفترة التي كانت تعاني فيها النساء من التهميش في مجال العلوم، ودرست جرتي في كلية الطب في جامعة كارلوفا في براغ، وتخرجت منها عام 1920، وفي الكلية تعرفت علىكارل كوري الذي تزوجته في نفس عام التخرج. وبسبب تدهور الأوضاع فيأوروبا في أثناءالحرب العالمية الأولى قرر الزوجين الانتقال للعيش فيالولايات المتحدة، وبعد الانتقال عانت جرتي من صعوبة الحصول على فرصة عمل وخصوصاً مع منع عمل المتزوجين غير الأمريكيين المتزوجين معاً، ولكن بالرغم من هذه الظروف فقد نشرت جرتي وزوجها عدد من الأوراق البحثية المنفردة والمشتركة.[6]
في عام 1957 تُوفيت جرتي بعد صراع دام عشر سنوات معسرطان التليف النقوي، وقد استمرت بنشاطها العلمي حتى الأشهر الأخيرة من وفاتها. وتلقت العديد من الجوائز والأوسمة لاكتشافاتها المُهمة، كما سُميت إحدى الفوهات علىالقمر باسمها، وأُخرى أيضاً علىكوكب الزهرة.[6][9]
وُلدت جرتي تيريزا رادنيتز في عائلةيهودية فيمدينة براغ في15 أغسطس1896، ووالدها هوَ الكيميائي أوتو رادنيتز، والذي أصبح مديرمعامل تكرير السكر بعد اختراعه وسيلة ناجحة لتكرير السكر، ووالدتها هيَ مارثا فاينر، امرأة مثقفة وكانت صديقة للكاتبفرانس كافكا.[8] دَرست جرتي في المنَزل قبل تسجيلها في المدرسة الداخلية الثانوية للبنات عام 1906،[10] وعندما بلغت 16 عاماً قررت جرتي بأنها تُريد أن تصبحطبيبة، فعملت على دراسة العُلوم، ثم اكتشفت أنهُ ينقصها القواعد الأساسية فياللغة اللاتينيةوالفيزياءوالكيمياءوالرياضيات، فعملت جرتي على مدار السنة على دراسة هذه الأمور، فاستطاعت خلال السنة دراسة ما يُعادل 8 سنوات في اللغة اللاتينية، و5 سنوات في العلوم، و5 سنوات في الرياضيات.[7]
عملَعم جرتي (أستاذ فيطب الأطفال) على تشجيعها لدخول كلية الطِب، فبدأت جرتي بالدراسة بهدف اجتياز امتحان القبول الجامعي، وفي عام 1914 اجتازت جرتي امتحان القبول وبدأت في الدراسة بكلية الطب فيجامعة كارلوفا في براغ، وفي تلك الفترة كان دراسة فتاة في كُلية الطب أمر غير اعتيادي، وفي أثناء دراستها التقت جرتيبكارل كوري الذي سرعان ما انجذبَ لها لحيويتها وروح الدعابة لديها وحُبها لتسلق الجبال.[11] دخلت جرتي وكارل كلية الطب في عمر 18 عاماً وتخرجا منها عام 1920، وتزوجا في نفس سنة التخرج.[7] غيرت جرتي ديانتها إلىالكاثوليكية حتى يتسنى لها ولكارل الزواج فيالكنسية الرومانية الكاثوليكية،[12] وبعد الزواج انتقلا للعيش فيفيينا فيالنمسا، وفي تلك الأثناء عملت جرتي لمدة سنتين في مستشفى كارولينين للأطفال، وعمل زوجها في المُختبر الخاص بالمستشفى.[11] في نفس الوقت عملت جرتي على إجراء تجارب على تنظيم درجة الحرارة والمقارنة بين درجة الحرارة قبل وبعد علاج الغدة الدرقية، كما نشرت عدة أوراق حولاضطرابات الدم.[8]
في أثناءالحرب العالمية الأول خدم كارل في الجيش النمساوي،[7] ومع صعوبة الحياة في أعقاب الحرب العالمية الأولى عانت جرتي منجفاف الملتحمة الناجم عن سوء التغذية الحاد بسبب نقص الغذاء، ونتيجة لازدياد معادة السامية ومرض جرتي قرر كارل وجرتي مغادرة أوروبا،[13] وفي عام 1922 انتقلت جرتي وكارل إلىالولايات المتحدة الأمريكية (ولكن جاء انتقال جرتي بعد كارل بستة أشهر نتيجة وجود صعوبات في الحصول على العمل) لمتابعة البحوث الطبية في «المعهد الدولي لدراسة الأمراض الخبيثة» (حالياًمعهد روزويل بارك للسرطان) فيبوفالو في نيويورك، وفي عام 1928 حصل كل من جرتي وكارل علىالجنسيةالأمريكية.[14] هدد مدير المعهد الدولي جرتي بإقالتها في حال لم تتوقف عن إجراء البحوث التشاركية مع زوجها، لكنها واصلت العمل مع كارل بالخفاء، ومن ثم حافظت على عملها بالمعهد.[7]
اهتم جرتي وكارل بالأبحاث حولَأيض الكربوهيدرات، وقد اهتما بشكل خاص في آلية حدوثأيضالجلوكوز في الإنسان والهرمونات المسؤولة عن تنظيم هذه العملية،[11] فنشرَا 50 ورقة بحثية أثناء عمل جرتي في المعهد، مع نسب كل ورقة إلى الشخص الذي قام بمعظم الأبحاث حول الورقة البحثية، فكان من نصيب جرتي 11 ورقة بحثية. وفي عام 1929 اقترحادورة كوري التي أكسبتهم جائزة نوبل فيما بعد،[14] وتَصِف هذه الدورة كيفية استخدام الجسم البشري للتفاعلات الكيميائية لتكسير بعض أنواع الكربوهيدرات مثلالغلايكوجين إلىحمض اللبنيك، في حين يقوم الجسم بعمليات تصنيع أخرى في نفس الوقت.[13]
في عام 1931 وبعد نشر أعمالهم حول أيض الكربوهيدرات غادر جرتي وكارل العمل في معهد روزويل، وفي ذلك الوقت قدمت عدد من الجامعات عملاً لكارل مع رفض توظيف جرتي، وفي إحدى المقابلات في واحدة من الجامعات تم إخطار جرتي بأنَّه من غير مسموح لغير الأمريكيين المتزوجين العمل معاً،[8] وفي نفس الوقت رفض كارل العمل فيجامعة بافالو لعدم سماحها بعمله مع زوجته.[7]
وفي نفس العام، انتقل جرتي وكارل إلىمدينة سانت لويس فيولاية ميزوري للعمل فيجامعة واشنطن التي قدمت عملاً لهُما مع منصب وراتب منخفض لجرتي مقارنةً بزوجها كارل،[7] وبالرغم من الخلفية البحثية العالية لجرتي إلا أنَّ الجامعة قدمت لها منصب باحث مساعد وراتب يساوي عُشر راتب زوجها،[16] وتم تنبيهها أنه في حال اعتراضها قد تَضر بعمل زوجها.[14] قدم المستشار في جامعة واشنطنآرثر كومبتون عرضاً خاصاً بجرتي لكي تشغل منصب جديد في الجامعة رافضاً مبدأ المحاباة والمحسوبية في الجامعة، ولكن بالرغم من ذلك اضطرت جرتي للانتظار 13 عاماً لتبلغ نفس منصب وراتب زوجها،[7] وفي عام 1943 أصبحت جرتي أستاذ مساعد في الأبحاث البيولوجية الكيميائية والصيدلية، وقبل أشهر من حصولها على جائزة نوبل تمت ترقيتها إلى منصبأستاذ والذي استمرت فيه حتى وفاتها عام 1957.[17]
استمر جرتي وكارل بالتعاون مع جامعة واشنطن، وأثناء عملهما على عضلة ضفدع مهروس اكتشفا مركب وسيط يساعد في تكسير الغلايكوجين يُسمىغلوكوز 1-فوسفات والذي يُسمى حالياً «إستر كوري»،[13] ثم عملا على تحديد بُنية المُركب وتحديدإنزيم الفسفوريلاز المسؤول عن تحفيز التكون الكيميائي للمركب، وبينّا أنَّ إستر كوري هو الخطوة الأولى نحو تحول الغلايكوجين إلى جلوكوز،[8] وأيضاً يمكن اعتباره الخطوة الأخيرة نحو تحول الجلوكوز إلى غلايكوجين (خطوة قابلة للعكس)،[18] وقامت جرتي أيضاً بدراسةمرض اختزان الغلايكوجين وتحديد أربعة أشكال له على الأقل كل منها مُرتبط بخلل في إحدى الإنزيمات،[19] وتعتبر جرتي أول من بينَ أنَّ الخلل في إحدى الإنزيمات قد يؤدي إلى حدوث أمراض وراثية بشرية.[20]
طوال فترة حياتهما تعاونَ جرتي وكارل كوري في الكثير من الأبحاث، ومن بينها البحث المتعلق باكتشاف «كيفية التحول التحفيزي للغلايكوجين» والذي أكسبهماجائزة نوبل في الطب أو علم وظائف الأعضاء عام 1947، وقد تلقيا نصف الجائزة، والنصف الآخر ذهب إلى عالم علم الأعضاء الأرجنتينيبرناردو هوساي لاكتشافه «دور هرموناتالغدة النخامية في تنظيم نسبة السكر (الجلوكوز) في الدم»،[8] وقد ساعدت هذه الاكتشافات على حدوث تطور هائل في العلاجات الخاصةبمرضى السُكري.[8]
اعتبرتالجمعية الكيميائية الأمريكية مُختبر جرتي وكارل في جامعة واشنطن والذي لا تتجاوز مساحته 25 قدم مربع معلم تاريخي وطني هام، ولم يكتفِ كارل وجرتي بإجراء البحوث في هذا المُختبر، بل قاما بإرشاد ومساعدة عدد كبير من العُلماء فيه، ستة منهم تأهلو للفوز بجائزة نوبل.[7]
وفيأبريل عام 2008 تم تكريم جرتي كوري بإصدارالخدمة البريدية للولايات المتحدةطابع بريد يحمل اسمها،[26] وفي أثناء توزيع الطابع أبلغت وكالة الأنباء الأمريكيةأسوشيتد برس عن وجود خطأ مطبعي في الصيغة الكيميائية للغلوكوز 1-فوسفات (إستر كوري)، ولكنَ عملية توزيع الطابع استمرت على الرغم من الخطأ المطبعي فيه.[27]
تم وصف جرتي في «ورقة العلماء الأمريكيين» على أنها:
الكيميائية جرتي كوري (1896-1957) وبالتعاون مع زوجها كارل، قاما باكتشافات مهمة تضمنت اكتشاف مُشتق جديد للجلوكوز والذي يوضح خطوات أيض الكربوهيدرات ويساهم في فَهم وعلاج مرض السُكري والأمراض الأيضية الأُخرى. في عام 1947 تلقى الزوجان نصف جائزة نوبل في الطب أو علم وظائف الأعضاء[28]
وفي عام 1952 تم تعيين جرتي من قبلالرئيس الأمريكي الثالث والثلاثينهاري ترومان كعضو في مجلس إدارةالأكاديمية الوطنية للعلوم، وهو المنصب الذي شغلته حتى وفاتها،[10][17] وفي عام 1949 مُنحت نتيجة لمساهماتها الكبيرة والهامة عضوية وطنية فخرية فيبي سيغما أيوتا،[29] وفي عام 2004 اعترفت الجمعية الكيميائية الأمريكية بأبحاث جرتي وكارل حول أيض الكربوهيدرات كحدث تاريخي وطني كيميائي هام في كلية الطب في جامعة واشنطن.[8][30]
وفي الفترة ما بين 2015-2016 أطلقتوزارة الطاقة الأمريكية اسم «كوري» على أحدثالحواسيب الفائقة الخاصة بمركز الأبحاث الوطنية للطاقة الحاسوبية العلمية (إن أي آر إس سي-8).[31]
على الرَغم من التمييز الحاصل بين الجنسين وقواعد المحسوبية المُتفشية، إلا أنَّ جرتي لم تتوقف عن مواصلة المحاولة في مجال الأبحاث الطبية طوال حياتها. هي رائعة وسريعة البديهة، وكانت تجربة كوري رائِعة وكاملة.[32]
قبل الفوز بجائزة نوبل وبينما كان كارل وجرتي في رحلةتسلق الجبال، عَلِم كارل أنَّ جرتي مُصابةبسرطان التليف النقوي،[8] ويعتقد أنَّ سبب هذا المرض هو تعرضهاللأشعة السينية خلال فترة عملها في المعهد الدولي لدراسة الأمراض الخبيثة.[7] وفي هذه الفترة استمرت جرتي بمكافحة المرض والعطاء العلمي، حيثُ لم تتوقف عن عطائِها حتى الأشهر الأخيرة قبل وفاتها، وفي عام 1957 تُوفيت جرتي في منزلها،[8] وتم حرق جثتها فيما بعد ونُثر رمادها، وفي وقتٍ لاحق أقام ابنها نصب تذكاري لها ولزوجها كارل فيمقبرة بلفونتين فيسانت لويس فيولاية ميزوري.
وفي عام 1960 تزوج كارل مرة أُخرى من آن فيتزجيرالد جونز، وبعد ذلك انتقلا للعيش في بوسطن، واستمر كارل في التدريس في كلية الطب فيجامعة هارفارد حتى وفاته عام 1984.[7]
^ابجدهوزحطيياShepley، Carol Ferring (2008).Movers and Shakers, Scalawags and Suffragettes: Tales from Bellefontaine Cemetery. St. Louis, MO: Missouri History Museum.
^ابجLarner، Joseph (1992)."Gerty Theresa Cori". National Academy of Sciences. ص. 113, 124, 125. مؤرشف منالأصل في 2016-06-13. اطلع عليه بتاريخ2010-06-17.
^Washington University School of Medicine, St. Louis, Missouri."Gerty Theresa Cori (1896–1957)". Bernard Becker Medical Library. مؤرشف منالأصل في 2018-10-19. اطلع عليه بتاريخ2010-06-17.{{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: أسماء متعددة: قائمة المؤلفين (link)
^ابWashington University School of Medicine."Gerty Theresa Cori (1896-1957)". Bernard Becker Medical Library. مؤرشف منالأصل في 2018-10-19. اطلع عليه بتاريخ2010-06-24.
^"PROFESSIONAL AWARDS". Iota Stigma Pi: National Honor Society for Women in Chemistry. مؤرشف منالأصل في 2019-04-17. اطلع عليه بتاريخ2014-12-16.
^Gardner، A. L. (1997)."Gerty Cori, Biochemist, 1896-1957"(PDF).Women Life Scientists: Past, Present, and Future – Connecting Role Models to the Classroom Curriculum. American Physiological Society. مؤرشف منالأصل(PDF) في 2012-03-04. اطلع عليه بتاريخ2010-06-24.
^Washington University School of Medicine."Gerty Theresa Cori". Bernard Becker Medical Library. مؤرشف منالأصل في 2018-09-23. اطلع عليه بتاريخ2010-06-17.