| جزء من سلسلة مقالات حول |
| التصوف |
|---|
الْبَسْطُ عندالصوفية هوحال يغلب فيهالرجاء علىالقلب، على خلافالْقَبْضِ، حينما يباشرالمريد أداءالأوراد وفق منهاجالتصوف الإسلامي عندأهل السنة والجماعة.[1][2]
أوردزين الدين الرازي في كتابهمختار الصحاح تعريفا لمصطلحالبسط نصه:[3][4][5][6]
هنالك اسم منأسماء الله الحسنى هوالْبَاسِطُ الذي اشتقاقه من الفعل الثلاثيبَسَطَ.[7][8]
وأوردحسن الشرقاوي في كتابه «ألفاظ الصوفية ومعانيها» تعريفا للبسط نصه:[9]
وقالابن الفارض في قصيدته «التائية الكبرى» في تعريف البسط والقبض:[10]
وعَرَّفَمحيي الدين بن عربي في الجزء الثالث من كتابهالفتوحات المكية تعريفا آخر للبسط فحواه:[11]
ذكرالقرآن معنى البسط في العديد من الآيات، منها قولالله
:
ظهر مصطلحالْبَسْطِ عندالصوفية من أجل إرشادالمريدينوالسالكين في طريقهم إلى الله -تعالى- ووقايتهم منالزندقةوالشطح والزلل والزيغ.[12]
ولم يكن استعمال هذا المصطلح القرآني فيالتصوف إلا اتباعا لتعريفالجنيد البغدادي لطريق المتعبدين، حينما قال:[13]
فطريق المريدين وانتقالهم من وضعالغفلة إلى ما فوقاليقظة من مراتب، تعتريه أحوال من السروروالفرح وحتى التبجحوالعجب، بما يستلزم لجم اندفاع المريد وراءلذةوأذواق عباداته مع عدم مراعاته الأدب في سيره إلى الله -عز وجل-.[14]
وإذا كانت العبادات الشرعية هي عينالأوراد المطالب بها المسلم، فإن المنن والعطايا الربانية هي نفسالواردات التي هيأرزاق من المولى -سبحانه وتعالى-.[15]
لذلك حرصشيوخ الصوفية على توصيفالواردات على أنها أرزاق من الخالق -سبحانه-، كما أورد ذلكابن عطاء الله السكندري في إحدىحكمه العطائية التي نصها:[16]
| الْعِبَارَاتُقُوتٌ لِعَائِلَةِ الْمُسْتَمِعِينَ، وَلَيْسَ لَكَ إِلاَّ مَا أَنْتَ لَهُآكِلٌ | ||
فقامأولياء الله -رحمهم الله- باقتباس صفات الأرزاق والأقوات المادية الملموسة، وما يعتريها من بسط وسعة ووفرة، أو من ضيق وتقتير وتقدير، لتتم استعارتها من أجل التعبير والإشارة إلىالواردات المعنوية المحسوسة.[17]
وانطلقالعارفون منحديث نبوي يصفالمؤمن الذي يعتريه السرور عند بروزالحسنات منه، كما يعتريه السوء عند خروجالسيئات منه:[18]
روي عنأبي أمامة الباهلي فيمسند أحمد:
| أنَّ رجلًا سألَ رسولَ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ -: ما الإيمانُ؟ قالَ: إذاسَرَّتْكَ حسَنتُكَ، وسَاءَتْكَ سيِّئتُكَ؛ فأنتَ مؤمِنٌ،حديث صحيح |
إلا أن مصطلحالسرور لم يتم اعتماده من طرفالمدققين ضمن قاموسعلم التصوف لتفادي التلبيس والالتباس علىالمريدين، وذلك لاشتراك السرور مع وضع وحال الفجار في الحياة الدنيا، في مثل قول الله -عز وجل- فيسورة الانشقاق أين يصف أهل النار:﴿إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا١٣﴾ [الانشقاق:13]، فأبى المتصوفة أن يربطوا حلاوة الطاعة بنعت السرور المتصف به الأشرار المعذبون في الآخرة.[19]
فاعتمد المتصوفة على حديثأبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- من أجل اعتماد مصطلحيالبسط والقبض استعاضة لمصطلحيالسرور والسوء، ذلك أن السرور سيكون يوم القيامة من جزاء ونعيم الأبرار المتقين مع أهلهم في الجنة كما قال الله -عز وجل- فيسورة الانشقاق أين يصف أهل الفوز والنجاة:﴿وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا٩﴾ [الانشقاق:9].[20]
كما أنالمقدم حينما يباشر تربيةالمريد ليكون مؤمنا محسنا تقيا مستقيما، يجب أن يراعي هذا السرور والفرح الذي يتلذذ به المتربي بعد بروز الخير والبر والحسنات منه، ويجب أن يذكره بالتواضع والقنوت والتذلل لمولاه -تعالى- بعيدا عن بطر وفرح وعجب العصاة المسيئين، مع تذكيره بقول الله -تعالى- فيسورة القصص أين يصف أهل التكبر والتبختر والبطر:﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ٧٦﴾ [القصص:76].[21]
فأهل الله -تعالى- منالمتحققين في صدر الإسلام الأول لم يعتمدوا مصطلحالْبَسْطِ للتعبير عن أحوال الطاعة والخير والعبادة والبر، إلا بعد أن درسواالقرآن الكريم معالسنة النبوية وأمعنوا فيهما تمحيصا وتدبرا واقتباسا.[22]
| الزُّهَّادُ إِذَا مُدِحُوا: اِنْقَبَضُوا لِشُهُودِهِمُ الثَّنَاءَ مِنَ الخَلْقِ. وَالْعَارِفُونَ إِذَا مُدِحُوا: انْبَسَطُوا لِشُهُودِهِمْ ذَلِكَ مِنَ الْمَلِكِ الْحَقِّ |
| —ابن عطاء الله السكندري -الحكم العطائية |
يرى الصوفية أنالْبَسْطَ له أسباب وموجبات وجالِبَات تُغْدِقُ على المريد والسالك من الفيوضات الرحمانية إذا ما روعي الأدب والورع في التعامل معه.[23][24]
وقد أبانابن عطاء الله السكندري في إحدىحكمه العطائية أن الفاقة والفقر والحاجة والذل بهم يُستمطَر ويُستدَرُّالْبَسْطُ، ونص هذه الحكمة هو:[25][26]
| الْفَاقَاتُبُسُطُ الْمَوَاهِبِ | ||
فالانبساط النفسي على بساط أو سجَّاد معنوي، هو الذي ترد عليه المواهب الإلهية لكل مريد ممن جلس علالْبُسُطِ لينالالْبَسْطَ، كما أنّ الملك إذا جلس أحدٌ على بساطه أعطاه شيئاً من مواهب الدنيا، فالفاقات والحاجات والتذلل تُحْضِرُ السالك مع الحق، وتُجْلِسُهُ على بساط الصدق، وناهيك بما يكون في تلك الحضرة والمجالسة من المواهب الربانية والنفحات الرحمانية.[27][28]
| مَتَى كُنْتَ إِذَا أُعْطِيتَ: بَسَطَكَ الْعَطَاءُ، وَإِذَا مُنِعْتَ: قَبَضَكَ الْمَنْعُ، فَاسْتَدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى ثُبُوتِ طُفُولِيَّتِكَ، وَعَدَمِ صِدْقِكَ فِي عُبُودِيَّتِكَ |
| —ابن عطاء الله السكندري -الحكم العطائية |
يعتمد المتصوفة علىقاعدة فقهية مهمة في تعاملهم معالْبَسْطِ الذي قد تكون آثاره وخيمة على المريد والسالك إذا لم يراعي الأدب والورع في التعامل معه إثر قيامه بالطاعات واجتنابه للمنهيات.[29][30]
| دَرْءُ الْمَفَاسِدِ أَوْلَى مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ | ||
لذلك حَذَّرَابن عطاء الله السكندري في إحدىحكمه العطائية من خطورة البسط على من لم يلتزم بالأدب والسمت والخُلُقِ، ونص هذه الحكمة هو:[31][32]
| الْعَارِفُونَ إِذَابُسِطُوا أَخْوَفُ مِنْهُمْ إِذَا قُبِضُوا، وَلاَ يَقِفُ عَلَى حُدُودِ الأَدَبِ فِىالْبَسْطِ إِلاَّ قَلِيلٌ | ||
وقد كانالتابعيمطرف بن عبد الله بن الشخير -رحمه الله- يُدرك خطورة السرور والفرح والبطر والكبر والعجب علىقلب المتصوف والمتعبد، فانبرى يقول:[33][34]
| لَأَنْ أَبِيتَ نَائِمًا وَأُصْبِحَنَادِمًا، أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَبِيتَ قَائِمًا وَأُصْبِحَمُعْجَبًا | ||
ورغم أنقيام الليل هو «شرف المؤمن»، فإنمطرف بن عبد الله بن الشخير -رحمه الله- أراد أن يشرح للمسلمين السائرين فيمدارج السالكين بأن فواتقيام الليل معصلاة التهجد ليلة كاملة عليه منصلاة العشاء إلى غايةصلاة الصبح، مع وجود الندم والقبض والحسرة على التقصير، أهون عليه من تلطخه وتلوثه بمعرةالعجب الملازمة لقيامه الليل.[35]
وكانالخوارج دليلا عمليا وتجريبيا ومشاهَدا على خطورة التمادي والتباهي والتماهي معالْبَسْطِ الملازم للتعبد، دون لجم استدراجالعجب لقلوب العابدين، فجاء وصف هذه الظاهرة الخارجية فيحديث نبوي أوردهالإمام البخاري -رحمه الله- فيصحيح البخاري، ونصه:[36]
روي عنأبي سعيد الخدري فيصحيح البخاري:
| يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاتَكُمْ مع صَلاتِهِمْ، وصِيامَكُمْ مع صِيامِهِمْ، وعَمَلَكُمْ مع عَمَلِهِمْ، ويَقْرَؤُونَ القُرْآنَ لا يُجاوِزُ حَناجِرَهُمْ،يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَنْظُرُ في النَّصْلِ فلا يَرَى شيئًا، ويَنْظُرُ في القِدْحِ فلا يَرَى شيئًا، ويَنْظُرُ في الرِّيشِ فلا يَرَى شيئًا، ويَتَمارَى في الفُوقِ،حديث صحيح |
فالخوارج كظاهرة متطرفة من العجب والفرح والسرور والغرور والبغي والعدوان، تسبقها لدى المريد والسالك غير الملتزم بآدابالطريق إلى الله -تعالى- ظاهرة أخرى وهي التلذذ بحظوظ النفس، وكأنالْبَسْطَ هدف في حد ذاته، في حين أن التحقق بالإيمان الصحيح والالتزام بالعبادة السليمة هما من أسس الاستقامة المقبولة.[37]
وقد ألمحابن عطاء الله السكندري في إحدىحكمه العطائية إلى مكمن الداء المرتبط بالبسط، ألا وهو «حظ النفس»، في قوله:[38][39]
| الْبَسْطُ تَأْخُذُ النَّفْسُ مِنْهُ حَظَّهَا بِوُجُودِ الْفَرَحِ، وَالْقَبْضُ لاَ حَظَّ لِلنَّفْسِ فِيهِ | ||