بَاكُو أوبَاغَة[12] أوبَاكُويَة[13] (/bəˈkuː,ˈbɑːkuː,ˈbækuː/؛ (بالأذرية:Bakı)، :IPA-az) هي عاصمةأذربيجان وأكبر مدنها، بل أكبر المدن الواقعة على ساحلبحر قزوين وفي كامل إقليمالقوقاز. تقع المدينة على الشاطئ الجنوبيلشبه جزيرة أبشرون، وهي تتألَّف من قسمين رئيسيين: وسط البلد والمدينة القديمة المسوَّرة البالغة مساحتها 21.5 هكتارات. قُدِّرت جمهرةالمنطقة الحضريَّة لباكو بما يزيد عن مليونيّ نسمة في سنة2009م،[14] وتشير الإحصاءات الرسميَّة إلى أنَّ 25% من كامل الأذربيجانيين يقطنون هذه المنطقة الحضريَّة دون غيرها من المناطق في البلد.
تُقسم باكو إلى أحد عشرة منطقة إداريَّة (رايون) و 48 ناحية. تضم هذه النواحي تلك التي أُنشئت على الجزر الواقعة في خليج باكو، وبلدة صخور النفط (بالأذربيجانيَّة: Neft Daşları) المُشيَّدة على ركائز اصطناعيَّة في بحر قزوين على بعد 60 كيلومتر (37 ميلًا) عن البرّ الرئيسي لِباكو. ضُمَّت المدينة القديمة بالإضافة إلى قصر الشروان شاه، أو الشروانشاهان، وقلعة العذراء، إلى قائمة مواقع التراث العالمي سنة2000م. يُصنّف دليلالكوكب الوحيد (لونلي پلانت) باكو من ضمن أفضل عشرة مواقع في العالم يقصدها السوَّاح للتمتع بالحياة الليليَّة الصاخبة.[15]
تُعتبر المدينة المركز العلمي والثقافي والصناعي لأذربيجان، وقد اتخذت الكثير من الشركات والمصانع والمؤسسات منها مركزًا لها، مثل شركة SOCAR، وهي من ضمن أقوى مائة شركة في العالم.[16] وقد احتلَّت باكو هذه المكانة منذ القِدم وازدادت أهميَّتها كمركز اقتصادي إقليمي بعد أن تمَّ استخراج النفط فيها لأوَّل مرة في سنة1847م، بالطرق الصناعية، وفي نهايةالقرن التاسع عشر وبدايةالقرن العشرين، أصبحت أذربيجان من أكثر الدول إنتاجًا للنفط في العالم، حيث كان 50% من الإنتاج النفطي العالمي يُستخرج في باكو.[17] من أبرز المرافق الاقتصاديَّة في المدينة: مرفأ باكو الدولي للتجارة البحريَّة، الذي يستقبل حوالي مليونيّ طن من البضائع سنويًا.[18] استضافت باكو مسابقة يوروڤيجن للأغاني السابعة والخمسين سنة2012م، كما يتوقَّع أن تستضيف دورة الألعاب الأوروبيَّة لسنة 2015.
باكو مدينةٌ متمازجة الثقافة، فهي من ناحية مدينة ذات طابع أوروبي غربي، ومن ناحية أخرى مدينة ذات طابع إسلامي شرقي، وأبرز ما يدل على ذلك هو طرز العمارة المتنوِّعة، فالمباني العائدة للعهد الروسي يطغى عليها الطراز الأوروبي، وتلك السابقة لهذا العهد يغلب عليها الطابع الإسلامي، فحارات المدينة القديمة المسوَّرة ضيِّقة تشبه حارات كثيرة ضيقة في مدن عربية وإسلامية شرقية، وقصورها مُزيَّنة ومزخرفة بالنقوشوالآيات القرآنيَّة التي رُسمتبالخط العربي.[19] عانى أهل المدينة، كما باقي سكَّان أذربيجان، من طمس الهويَّة الإسلاميَّة خلال العهد السوڤييتي، ويُشير البعض إلى أنَّ قسمًا من شباب المدينة بالذات يشهد صحوةً إسلاميَّة في الزمن الحالي بعد زوال الهيمنة الروسيَّة واستقلال أذربيجان.[19] باكو مدينةٌ آخذة بالتطور والعمران منذ تولّي الرئيسإلهام علييڤ منصبه سنة2003م، والبناء فيها عمودي غالبًا، ومسؤولي بلديَّة المدينة حريصون على إظهارها بمظهرٍ لائق جميل يُحاكي مظر مدنأوروبا الغربيَّة، وقد نجحوا في ذلك إلى حدٍ بعيد، حيث أصبحت معايير نظافة الشوارع وتنظيمها قريبة من المعايير المُطبَّقة في أوروبا.
يُعتقد أنَّ الاسم «باكو» مُشتق من كلمةفارسيَّة قديمة هي «باد-كوبه»، وتعني «ريح منضربة» وبالتالي يُقصد بها «المدينة التي تضربها الرياح»، حيث أنَّباد تعني ريح وكوبه مُشتقة من الفعل «كوبیدن» بمعنى «يضرب»،[20] وبهذا فإنَّ الاسم يُشير إلى موقع الرياح العاتية على ساحل بحر قزوين. ويبدو أنَّ هذا أصل التسمية هذا هو الأرجح، إذ أنَّ باكو تشتهربعواصفها الثلجيَّة العنيفة ورياحها العاتية.[21] يُعتقد أيضًا أنَّ اسم المدينة مشتقٌ من «باغ كوه» أو «بغكوه»، بمعنى «جبل الله»، حيث أنَّباغ وكوه بالفارسيَّة القديمة تعنيان «إله» أو «رب» و«جبل» على التوالي. يُلاحظ كذلك بعض الشبه بين تسمية «بغكوه» و«بغداد» (هبة الله) حيث أنَّ كلمةداد هي الكلمة الفارسيَّة القديمة التي تعني «يهب» أو «يُعطي». ذُكِرت باكو في المصادر العربيَّة بأسماء عديدة، منها: باكو، وباكوخ، وباكويا، وباكوية، وبادكوبا، ويظهر أنَّ كل هذه الأسماء مشتقَّة من الفارسيَّة. قيل: «باكو مدينة فيروسيا مما أخذته من مملكةإيران أكثر أهلهاشيعة وبهاالنفط».[22] وجاء في كتابمعجم البلدان للمؤرخياقوت الحموي: «باكويه: بضمّ الكاف وسكون الواو وياءٍ مفتوحة. بلدٌ من نواحيالدربند من نواحي الشروان فيه عين نفط عظيمة تبلغ قبالتها في كل يوم ألف درهم، وإلى جانبها عين أخرى تسيل بنفط أبيض كدهنالزيبق لا تنقطع ليلاً ولا نهاراً تبلغ قبالتها مثل الأولى، وحدثني من أثق به من التجار أنه رأى هناك أرضاً لا تزال تضطّرم ناراً، وأحسب أن ناراً سقطت فيه من بعض الناس فهي لا تنطفئ لأن مادتهامعدنية».[23]
عَرَضَ العديد من اللغويين أصولًا محتملة لاسم مدينة باكو تختلف عن تلك سالفة الذِكر، فقال ل. جـ. لوپاتنسكي[24] وعلي حسين زاده[25] أنَّ باكو كلمة مُشتقَّة منالتركيَّة القديمة وتعني «تلَّة». يؤكد كيروپيه پاتكانوڤ، الأستاذ المختص بالتاريخ القوقازي، أنَّ هذا الاسم يعني تلَّة، لكنه يرجع أصله إلى اللغة اللَّكيَّة.[25] تنص الموسوعة الإسلاميَّة التركيَّة أنَّ كلمةباكو مُشتقة من الكلمتينباي-كيوي، بمعنى «المدينة الرئيسيِّة». من النظريات الأخرى نظريَّة تقول أنَّ الاسم مُشتق من الاسم الألباني القوقازي القديم للمدينة، وهو «باگوان».
نقوش لهيئات بشريَّة قبتاريخيَّة خارج حدود باكو الإداريَّة.
أظهرت الدراسات أنَّ منطقة آبشوران بما فيها مدينة باكو المعاصرة كانت عِبارة عنسڤناء مأهولةبالحياة البريَّةالحيوانيَّةوالنباتيَّة منذ حوالي 100,000 سنة، وأنَّ أقدم استيطان بشري للمنطقة يرجع إلىالعصر الحجري. كما عُثر على رسومات ومنحوتاتٍ صخريَّة بالقرب من منطقة بايلي، ومنحوتةبرونزيَّة على شكلسمكة صغيرة داخل المدينة القديمة، وتبيَّن بعد فحصها أنها تعودللعصر البرونزي. أدَّت هذه الاكتشافات إلى ولادة نظريَّة تقول بأنَّ البشر استوطنوا المدينة الحاليَّة منذ العصر سالف الذِكر.[26] بالإضافة إلى ذلك، عُثر في ناحية نارداران على مرصدٍ فلكيّ قديم رُسمت على جدرانه الصخريَّة صورًاللشمس وعدد منالكواكبوالنجوم.[27] أظهرت حفريَّات أخرى بداخل المدينة وحولها وجود مستعمراتٍ بشريَّة عديدة ومعابد وثنيَّة وتماثيل وتحف متنوِّعة تعود للبشر الأوائل الذين قدموا المنطقة.
خلالالقرن الأوَّل الميلادي جرَّدالرومان حملتان عسكريَّتان لفتح القوقاز، فبلغت جيوشهم باكو، وتمكنت من ضم كافَّة المنطقة إلىالإمبراطوريَّة الرومانيَّة، وكانت تلك أوَّل مرَّة تُذكر فيها المدينة في أي سجل مكتوب.[28] وقد عُثر في قبوستان، على مقربة من باكو، على نقوشٍ رومانيَّة تعود للفترة الممتدة بين عاميّ84و96م،[29] ومن أبرز معالم هذه الفترة الباقية: قرية «رامانة» الواقعة في ناحية صابونچو في باكو.[30] عُرِفت باكو خلال وقتٍ لاحق باسم «ألبانة»، ويقول بعض المؤرخين أنَّ باكو عُرفت باسم «ألبانوپولس» خلال العهد الروماني عندما أنشأت محافظة ألبانيا القوقازيَّة.[31] تنص الأعراف والتقاليد المسيحيَّة المحليَّة أنَّ القدّيس والرسولبرثولماوس استشهد أسفل برج العذراء داخل المدينة القديمة خلال هذه الفترة، وتؤكد الوثائق التاريخيَّة أنَّكنيسة شُيِّدت حينها على أنقاض معبد «أرطا»الوثني.
خلالالقرن الخامس الميلادي، ذَكر المؤرِّخ الإغريقي پيرسيكوس الپانيوني الشعلات الباكويَّة الشهيرة لأوَّل مرَّة، فقال: «من الصخور المُجاورة للبحر ينبعثُ اللهب». وبفضل هذه النيران المشتعلة، استحالت باكو مركزًا دينيًا مهمًا فيالمجوسيَّة (الزرادشتيَّة)، لدرجة أنَّ الشاه الفارسي الساسانيأردشير الأوَّل أعطى أوامره بإبقاء شعلة نار مُضاءة للإلهأهورامزدا في جميع معابد المدينة على الدوام،[32] وذلك بعد انتقال الهيمنة على القوقاز من الرومان إلىالفرس، بعد انقسام الإمبراطوريَّة الرومانيَّة إلى قسمين:غربيوشرقي.
تمكن المسلمون من فتح باكو وكامل أذربيجان بعد أن هزموا الفرس في عدَّة وقعات، وكان الفتح الإسلامي لباكو في عهدالخليفة الراشد الثانيعمر بن الخطَّاب الذي أرسل حُذيفة بن اليمان إلى تلك الأصقاع لإتمام فتحها. يقولياقوت الحموي في كتابمُعجم البُلدان: «وحَــدُّ أَذربيجــان من بَرْذَعَة مشرقًا إلىأرزنجان مغربًا، ويتصل حدُّها من جهة الشمال ببلاد الديلم والجيــل والطَّرْم، وهو إقليم واسع. ومن مشهور مدائنها:تبريز، وهي اليوم قصبتها وأكبر مُدُنِها، وكانت قصبتها قديماً المَراغة، ومن مدنها خُوَيّ، وسَلمَاس، وأُرمية،وأرْدَبيل، ومَرَند، وغير ذلك. وهو صُقع جليل، ومملكة عظيمة، الغالب عليها الجبال. وقد فُتحت أولاً في أيام عمر بن الخطّاب، وكان عمر قد أنفذالمغيرة بن شُعـبـة الثَّقفي واليًا على الكوفة، ومعه كتابٌ إلىحُذيفة بن اليمان، بولاية أَذربيجان، فورد الكتاب على حذيفة وهوبنهاوند، فسار منها إلى أَذربيجان في جيش كثيف، حتى أتى أردبـيـل، وهي يومـئــذ مدينة أذربيجان. فقاتلوا المسلمين قتالاً شديداً أيامًا. ثم إن المرزبان صالَحَ حذيفة على جميع أذربيجان، على ثمانمائة ألف درهم وزن».[33] اعتنقت الأغلبيَّة الساحقة من سكَّان باكوالإسلام بعد تمام الفتح، وسكنتهاقبائل عربيَّة مختلفة، غير أنَّ أهلها الأصليين لم يتعرَّبوا وبقوا على قوميتهم، وبعد فترة من الزمن اقتبسالعرب الذين جاؤوا المدينة فاتحين القوميَّة الفارسيَّة، وأبرزهم أجداد سلالة الشروانشاهانيين الحاكمة.[34][35]
نقوش عربيَّة على إحدى جدران قصر الشروانشاهانيين العائد للقرون الوسطى.
إنَّ المصادر حول تاريخ باكو القروسطي السابقللقرن العاشر الميلادي قليلةٌ للغاية، حتى أنها تكاد تكون معدومة. وأقدم أثرٍ أتى على ذِكر المدينة في تلك الفترة هي قطعة نقود معدنيَّة عبَّاسيَّة تعودللقرن الثامن. خلال تلك الفترة كانت باكو تُشكل جزءًا لا يتجزّأ منإقليم شروان التابع للدولة العبَّاسيَّة، وبعد وفاة الخليفةأبو الفضل جعفر المتوكل على الله قامت دولة الشروانشاهانيين المستقلَّة ذاتيًا في المنطقة، وسيطرت على المدينة. تعرَّضت باكو طيلة تلك الفترة لغزوات قبائلالخزر التركيَّة، وبدايةً من القرن العاشر أخذت تتعرض لغزواتالروس الكيڤيين بين الحين والآخر. وفي عام1170م، شاد الشروان شاه أخستان الأوَّل ترسانةً بحريَّة في باكو بنى بواسطتهاأسطولًا ضخمًا صدَّ بواسطته هجومًا روسيًا عظيمًا. أصبحت باكو عاصمة الشروانشاهانيين في سنة1191م بعد أن دمَّرزلزالٌ كبير مدينة شماخي، العاصمة القديمة للدولة، وأنشأت فيها المصالح الرئيسيَّة، مثل دار السك.[36]
أُنشأت الكثير منالحصون داخل المدينة وحولها طيلة الفترة الممتدة منالقرن الثاني عشر حتىالقرن الرابع عشر، نظرًا لكون هذه الفترة من أكثر عصورالعالم الإسلامي اضطرابًا، فقد نشبت خلالهاالحروب الصليبيَّة ووقع الغزو المغولي للبلاد الإسلاميَّة بما فيها القوقاز. فقد شُيّد برج العذراء، وقلعة رامانة، وقلعة نارداران، كما أعيد تشييد ماهو مهدَّم أو متساقط من أسوار المدينة، وتدعيم ما بقي صامدًا. على الرغم من ذلك، تمكن القائد المغوليهولاكو خان من احتلال باكو خلال الحملة المغوليَّة الثالثة على أذربيجان (1231–1239م)، وبعد أن استتب الأمر للمغول فيبلاد فارس، جعلوا من باكو المقر الشتويللإلخانية. ازدهرت المدينة خلال القرن الرابع عشر تحت حكم الإلخانمحمد خدابنده أولجايتو الذي أزاح عبء الضرائب وخففه عن كاهل المواطنين، فظهر شاعرٌ من باكو هو ناصر الباكوي أنشد الإلخان قصيدة مادحًا إيَّاه، وكانت تلك إحدى أوَّل القصائد التي كُتبت باللغة الأذربيجانيَّة. عانت باكو خلال القرن الرابع عشر من ارتفاع مستوى بحر قزوين، مما أدّى إلى غرق قلعة سبايل الشهيرة، وظهرت في المدينة عدَّة أساطير تتحدث عن المدن الغارقة، مثل قصة «شهر يونان» أي مدينة اليونانيين. زار الرحَّآلة البندقيماركو پولو المدينة خلال رحلته إلىالشرق الأقصى، وذَكَرَ تعامل أهلها بالتجارة مع باقي بلادالشرق الأدنى ومع تجَّارالبندقيَّةوجنوةوالقبيلة الذهبيَّةودوقيَّة موسكو.[37]
عام1501م ضرب الشاهإسماعيل بن حيدر الصفوي الحصار على باكو أثناء حملته علىولاية شروان بهدف ضمّها إلىممتلكاته والانتقام من حاكمشروان الذي قتل والده الشاه حيدر.[38] وخلال هذا الوقت كانت باكو مسوَّرة بالكامل من ناحية البر، واشتهرت أسوارها بسماكتها وبصعوبة اختراقها، أمَّا من ناحية البحر فكان السور قد تداعى وتساقط بفعل ارتطام الأمواج على مدى عقود. كذلك كان أهل المدينة قد حفروا خندقًا عريضًا يحول بينهم وبين الغزاة. أمام هذا الواقع أمر الشاه إسماعيل جنوده بثقب الجدرانبالإزميل وبالحفر أسفلها حتى تتضعضع أساساتها، فتمكنوا خلال فترة من اقتحام المدينة والسيطرة عليها.[39] وأمر الشاه بذبح عدد عظيم من سكَّان المدينة، وأجبر الباقين على اعتناقالمذهب الشيعي الإثنا عشري.
وفي عام1538م، تمكن الشاهطهماسب الأوَّل بن إسماعيل من إنهاء حكم الشروانشاهانيين، لتخضع المدينة للصفويين بالكامل بحلول عام1540م. خلال الفترة الممتدة بين عاميّ1568و1574م قَدِمت ستَّة بعثات إنگليزيَّة إلى باكو، وقد وصفإنگليزيَّان هما طوماس بانيستر وجيفري داكيت المدينة، فتحدثا عن آبار النفط وكيف كان السكَّان يستخدمونه لإنارة منازلهم.[40][41] عام1604م تمكن الشاهعبَّاس الأوَّل من تدمير حصن باكو ودكّه كليًا.
بتاريخ26 يونيو سنة1723م استسلمت باكو وفتحت أبوابها للجيوش الروسيَّة بعد حصارٍ طويل وقصفٍ مدفعيّ عنيف. أصدر القيصر الروسيبطرس الأكبر مرسومًا أمر فيه ببقاء فوجين عسكريين بكامل رجالهما (2,382 جندي) وأسلحتهما في المدينة تحت قيادة الأمير «برياتيانسكي» للحيلولة دون عودة المسلمين إليها، سواء كانوا إيرانيين أم عثمانيين. عام1795م، استُخلصت المدينة من أيدي الروس بواسطة الآغا محمد خان قاجار، الذي هدف إلى الحد من طموح روسيا القيصريَّة بالتوسع في جنوب القوقاز، غير أنَّ هدفه لم يُكتب له أن يتحقق، ففي ربيع سنة1796م، أمرت القيصرةكاثرين الثانية الكبيرة القائد زوبوڤ بالتحرّك على رأس جيشٍ عظيم إلى القوقاز لضمّه إلى الممالك الروسيَّة. استسلمت باكو أمام الموجة العسكريَّة الأولى التي بلغ تعداد أفرادها 6,000 نفر، وفي 13 يوليو من نفس العام وصل أسطول صغير إلى خليج المدينة ونزلت منه حامية عسكريَّة سرعان ما تمركزت وهيمنت على مختلف أنحاء باكو. عُيِّنَ الفريق أوَّل پاول سيسيانوڤ حاكمًا على المدينة من قبل الحكومة الروسيَّة، لكن سرعان ما أمره القيصربولس الأوَّل بالعدول عن الحملة ومغادرة المدينة فورًا، فنفَّذ ما أُمر به، وفي مارس1797م غادر آخر الجنود الروس المدينة. بعد اغتيال القيصر بولس الأوَّل، تولّى عرش القيصريَّة ولدهإسكندر الذي عاود الاهتمام بفكرة احتلال باكو. حاول الروس السيطرة على المدينة هذه المرَّة بأسلوب دبلوماسي غير مُباشر، فتوصَّل الفريق أوَّل سيسيانوڤ إلى تسوية مع خاقان باكو بشأن وضع المدينة سنة1803م، واتُفق على تسليمها سلمًا إلى الروس، لكن التسوية سُرعان ما أُلغيت بعد أن قام الخاقان حسين أوغلو الباكوي بطعن سيسيانوڤ حتى الموت عندما اقترب منه ليسلّمه مفاتيح المدينة بتاريخ8 فبراير1806م، فتأخَّر سقوط باكو بيد روسيا حوالي سنة. عاود الروس الكرَّة على المدينة في شهر أكتوبر من نفس العام فتمكنوا من دخولها، وفي سنة1813م وقَّع الروس والفرسمعاهدة گلستان التي تنازلت بمقتضاهاالدولة القاجاريَّة عن باكو وأغلب القوقاز لصالحالإمبراطوريَّة الروسيَّة.
آباربرانوبل النفطيَّة في ضاحية بلخاني، إحدى ضواحي باكو، في أواخر القرن التاسع عشر.
كتب البروفيسور أ. ڤ. ويليامز جاكسون الأستاذ فيجامعة كولومبيا، في مؤلَّفه من عام1911م حامل عنوان «من القسطنطينيَّة إلى بلاد عمر الخيَّام» (بالإنگليزيَّة: From Constantinople to the Home of Omar Khayyam) فقراتٍ تحدث بها عن المدينةونفطها، فقال: «باكو مدينةٌ قائمة على النفط، فشعلات لهبها غير المنطفئة تدين ببقائها وانحفاظها وازدهارها لذلك الزيت... تُنتج باكو حاليًا خُمس النفط المُستخدم في العالم، ويُعد إنتاجها الأعلى بين إنتاج جميع المدن والمُقاطعات حيث ينبع النفط. لا ريب في أنَّ هذا ما نصَّت عليه المخطوطات القديمة: "فجَّرت لي الصخور ينابيع من زيت". النفط موجود في كل مكان: في الهواء الذي يستنشقه المرء، وفي منخريه، وفي عينيه، وفي مياه استحمامه (على أنَّها لا تظهر في مياه الشُرب، فهذه يُحضرها السكَّان من ينابيع معدنيَّة بعيدة)، بل حتّى في الملابس الكتَّانيَّة. هذا هو الانطباع الذي يبقى في ذهنك عن باكو، وهو يصح أيضًا عند الحديث عن ضواحيها».[42]
أوَّل الآبار النفطيَّة التي حُفرت آليًا في أذربيجان كان بئرًا في ضاحية بي بي هيبة، وكان ذلك في سنة1846م، على أنَّ كثيرًا من الآبار الأخرى التي حُفرت يدويًا سبقته بسنوات. شرعالمهندسون بالتنقيب عن آبار النفط على نطاقٍ واسع منذ عام1872م، عندما أقامت السلطات الروسيَّة المعنيَّةمزادًا علنيًا لبيع الأراضي الغنيَّة بالنفط حول باكو إلى الشركات الاستثماريَّة الخاصَّة. وخلال فترة قصيرة من الزمن شرعت الشركات السويسريَّة والأمريكيَّة والبريطانيَّة والفرنسيَّة والبلجيكيَّة والسويديَّة بالظهور في المدينة، وقد تجمَّعت أغلب هذه الشركات في قصر عُرف باسم «قصر النفط» (باللاتينية:Villa Petrolea) أو «دارة النفط».[43] من بين أبرز الشركات التي ظهرت على الملأ في المدينة: شركات تابعةللأخوين نوبل، وأسرتيّ شو،وروثتشايلد. بعد ازدياد عدد الآبار المُكتشفة، أُنشِأ حزامًا صناعيًا بالقرب من باكو عُرف باسم «المدينة السوداء» تضمن الكثير من المصانع والشركات العاملة باستخراج وتصنيع النفط. مع بدايةالقرن العشرين، كان نصف نفط العالم تقريبًا يُستخرج من آبار باكو،[44] وأصبحت المدينة أغزر مدن الإمبراطوريَّة الروسيَّة إنتاجًا للنفط، وبعد حوالي عشر سنوات حلَّت في المقام الأوَّل عالميًا، متفوقةً بذلك علىالولايات المتحدة نفسها.[45]
باكو في أوائل القرن العشرين.قتلى آذار سقطوا على يد البلاشفة والطاشناق.
بعد قيامالثورة البلشفيَّة في شهر أكتوبر من عام1917م، وفي خضام الفوضى الناجمة عنالحرب العالميَّة الأولى وتفتت الإمبراطوريَّة الروسيَّة، خضعت باكو لسيطرة المفوَّضيَّة الباكويَّة بقيادة البلشفي المُخضرم أرمنيّ الأصل أسطفان شاهوميان. سعى البلاشفة إلى الاستفادة من الصراعات العرقيَّة الدائرة في البلاد، فأحدثوا معاركًا قتاليَّة وأعمالًا حربيَّة داخل المدينة وفي باقي أنحاء أذربيجان وتغاضوا عنها. تواجه البلاشفةوالطاشناق مع مجموعات إسلاميَّة مسلَّحة خلال محاولتهم الهيمنة على شوارع باكو وفرضالشيوعيَّة على البلاد،[46][47][48] فوقعت عدَّة أعمال عنف طيلة شهر مارس وحتى أوئل شهر أبريل تكبَّد خلالها الإسلاميّون خسائر فادحة وقُتل منهم الكثيرين فيما اصطُلح على تسميته «بأيَّام مارس» أو «أحداث مارس» أو «مجازر مارس» (بالأذربيجانيَّة: Mart soyqırımı أو Mart Hadisələri)، وقد أصيب الإسلاميّون بكارثة كبرى خلال هذه الأحداث، فقد لاحق الطاشناق العديد ممن لم يُقتلوا وقبضوا عليهم وذبحوهم، كما أُحرق العديد من المساجد، وبلغ عدد القتلى من الإسلاميين والمدنيين الذين لم يتدخلوا في القتال حوالي 12,000 شخص.[49][50][51] يوم28 مايو سنة1918م أعلنت العصبة الأذربيجانيَّة من مدينةگنجة بالجمهوريَّة القوقازيَّة الديمقراطيَّة الاتحاديَّة استقلالها تحت اسم «جمهوريَّة أذربيجان الديمقراطيَّة». بعد ذلك بفترة قصيرة، شرعت القوى المسلَّحة الأذربيجانيَّة تتحرَّك باتجاه باكو للسيطرة عليها، مدعومةً منجيش الإسلام العثماني بقيادة المير لواء نوري باشا، وسرعان ما تمكنت هذه القوى العسكريَّة من فرض هيمنتها على المدينة والإطاحة بكل القوى الأخرى المهيمنة عليها منبلشفيَّة وثوريَّة اشتراكيَّة وطاشناقيَّةومنشڤيكيَّة، وحتى بريطانيَّة، بقيادةالفريق أوَّل ليونيل دانسترڤيل يوم15 سبتمبر 1918 م. انتقم الأذربيجانيّون منالأرمن الذين ارتكبوا المجازر خلال أحداث مارس، فقتلوا الآلاف منهم وطردوا عددًا آخرًا من المدينة.[52] بعد انتهاء تلك الأحداث، استحالت باكو عاصمة جمهوريَّة أذربيجان الديمقراطيَّة، واستمرَّت كذلك حتى28 أبريل1920م، عندما اجتاح الجيش الأحمر الحادي عشر المدينة وأعاد تنصيب البلاشفة حكّامًا، فأصبحت باكو عاصمةجمهوريَّة أذربيجان السوڤيتيَّة الاشتراكيَّة.
مع تولّيالنازيّين مقاليد الحكم فيألمانيا وبدايةالحرب العالميَّة الثانية، استقطبت باكو انتباه القائد الألمانيأدولف هتلر لغناها بالنفط ولموقعها الإستراتيجي. ويظهر أنَّ القوى الغربيَّة قلقت كثيرًا من احتماليَّة هيمنة النازيّين على باكو، إذ أبرق السفير الأمريكي فيباريس إلى الحكومة الأمريكيَّة فيواشنطن عارضًا إمكانيَّة قصف وتدمير باكو تدميرًا كليًا، والتشاور مع الحكومة الفرنسيَّة في هذا الأمر. غير أنَّ القائد الفرنسي الكبيرشارل ديغول وقف بوجه هذه الخطة بعناد وانتقدها بشدَّة قائلًا أنَّ هكذا خطَّة «صادرة عن مجانين يرغبون بتدمير باكو بدلًا من مقاومةبرلين». وفي22 فبراير سنة1940م، رفع الفريق أوَّلموريس گاملان تقريرًا إلى رئيس الوزراء الفرنسيإدوار دلادييه يقول فيه أنَّ تدمير هذا الموقع الغني بالمواد الأوليَّة من شأنه أن يحرم روسيا منها كما ألمانيا، وأنَّه يخشى من وقوع الروس في أزمة كبرى إن فقدوا تلك الموارد المهمَّة لصناعتهم العسكريَّة. عوض ذلك، لجأ الحلفاء إلى أسلوب آخر لحماية باكو دون تدميرها، فأنشأوا عشرة مناطق دفاعيَّة تطوّق المدينة طيلة مدَّةالحرب الألمانيَّة السوڤيتيَّة، للحيلولة دون أي غزو ألماني.[53] بلغ من شدَّة هَوَس هتلر بالمدينة أن صُنعت لهكعكة مزينة بخريطة لبحر قزوين كُتبت عليها أحرف B-A-K-Uبالشوكولاتة، وبعد أن تناولها قال: «سنخسر الحرب إن لم نحصل على نفط باكو».[54]
بعد نهاية الحرب، شرعت باكو بنفض الغبار عن نفسها وإعادة إحياء مرافقها الحيويَّة، فأُنشأت فيها أوَّل مضخَّة قائمة على ركائز اصطناعيَّة لاستخراج النفط من قاع البحر في العالم، في سنة1947م. وفي سنة1960م أُنشأت فيها أوَّل شركة بناء في كامل القوقاز، وفي25 ديسمبر1975م أُنشأ فيها أوَّل مصنع لإنتاجالمُكيفات الهوائيَّة فيالاتحاد السوڤييتي. خلال الفترة الممتدة من عام1964م حتى عام1968م ارتفعت نسبة إنتاج النفط حتى بلغت 21 مليون طن في السنة.[55] خلالعقد السبعينيَّات أصبحت أذربيجان إحدى أبرز الدول المنتجةللعنب والمُصنِّعةللخمر، فكان من نتيجة ذلك أن بُني مصنعللشمپانيا في باكو. عام1981م تمَّ استخراج كميَّة قياسيَّة منالغاز في باكو بلغت 15 مليار م³. أصبحت باكو عاصمة جمهوريَّة أذربيجان بعدانهيار الاتحاد السوڤييتي سنة1991م، وقد قام المجلس البلدي الأوَّل فيها بتغيير أسماء الكثير من النواحي من أسماءروسيَّة إلى أذربيجانيَّة ذات أصول محليَّة أوفارسيَّة أوعربيَّة.[56] مع بدايةالقرن الحادي والعشرين، أخذت بلديَّة باكو تعيد إنشاء هويَّة المدينة الأصليَّة التي كادت الشيوعيَّة أن تقضي عليها، فتمَّ هدم آلاف المباني العائدة للعهد السوڤييتي وإنشاء حزام أخضر من المنتزهات والحدائق داخل المدينة وعلى أطرافها، وتمَّ تطوير المرافق الخدماتيَّة الضروريَّة منصرف صحي وتنظيفات وتخطيط مُدني حتى أصبحت المدينة تُضاهي مدنأوروبا الغربيَّة من هذه الناحية، كما تنامت ظاهرة زيادة عدد المساجد الجديدة التي شُيِّدت بالتعاون معتركيَّا في الكثير من الأحيان، في محاولة لإحياء التراث الإسلامي للمدينة.[57]
صورة ساتليَّة لِباكو الكبرى من قمر لاندسات 5 الاصطناعي.إحدى البراكين الطينيَّة الكثيرة المحيطة بالمدينة.
تقع باكو على الساحل الغربي لبحر قزوين، وهي مدينةٌ واطئة، تنخفض عن سطح البحر بحوالي −28 مترًا (−92 قدمًا)، وجغرافيَّتها متطرِّفة، إذ يقع في جوارها عدد من البراكين الطينيَّة (كيراكي، وبوگخبوگخة، ولوكباتان، وغيرها)،[58] والبحيرات المالحة (بويوك شور، وخُداسان، وغيرها).[59]
يسود باكومُناخًا شبه جاف (تصنيف كوپن للمناخ: BSk)، فصيفها حار جاف وشتائها بارد قلَّما يكون رطبًا، وذلك يعود للرياح التي تعصف بها طيلة أيَّام السنة. على الرغم من ذلك، يُلاحظ أنَّ باكو تتميز عن غيرها من المدن ذات المُناخ المُشابه من ناحية أنَّها لا تُعاني من صيفٍ شديد القيظ، ويُعزى ذلك إلى موقعها الشمالي علىدائرة العرض ولوقوعها على شبه جزيرة على شاطئ بحر قزوين. تُعدّ باكو وشبه جزيرة آبشوران، القائمة عليها، أقحل مناطق أذربيجان، فنسبةالمُتساقطات السنويَّة فيها تقل عن 200 ميليمتر (8 إنشات)، وأغلب تلك الأمطار الخفيفة تهطل في الشهور الواقعة خارج فصل الصيف، لكن أيًا منها لا يتميَّز برطوبة ملحوظة. خلال العهد السوڤييتي شكَّلت باكو مقصدًا بارزًا للسيَّاح الروس والأوكرانيين وغيرهم من السوڤييت الراغبين بالاستمتاع بأشعَّةالشمس المفيدة وبالطقس الحار الذي يفتقدونه، فافتتحت فيها عدَّة شطآنومنتجعات صحيَّة ساحليَّة مخصصة للاستجمام، أُغلق مُعظمها أو هُدم بعد استقلال أذربيجان. ترك ماضي المدينة، بصفتها مركزًا صناعيًا سوڤييتيًا، أثره على مناخها، فأصبحت اليوم إحدى أكثر المدنتلوثًا في العالم.[60]
تشتهر باكو بكونها مدينةٌ عاصفة، تضربها الرياح العاتية طيلة أيَّام السنة، وهي تُقسم إلى نوعين: الرياح البحريَّة الشماليَّة الباردة، وتُعرف باسم «الرياح الخزريَّة» (بالأذربيجانيَّة: Xəzri) والجنوبيَّة الدافئة المعروفة باسم «الرياح الگيلاڤاريَّة». والنوع الأوَّل منها يتسبببعواصف ثلجيَّة عنيفة طيلة الشتاء،[21] ويُمكن أن تصل سرعتها إلى 144 كيلومتر في الساعة (89 ميلًا في الساعة)، فتتسبب بأضرار بالغة للمحاصيل الزراعيَّة والأشجاروقرميد سطوح المنازل.[61]
يصل مُتوسّط درجات الحرارة خلال شهريّ يوليو وأغسطس إلى 26.4 °مئويَّة (79.5 °فهرنهايت)، وتقل فيها نسبة هطول الأمطار، غير أنَّ هبوب الرياخ الخزريَّة بين الحين والآخر يُلطّف الأجواء ويحمل بعض البرودة. شتاءُ المدينة بارد وقليل الرطوبة، ويصل مُتوسط درجات الحرارة خلال شهريّ يناير وفبراير إلى 4.3 °مئويَّة (39.7 °فهرنهايت). تعصف الرياح الخزريَّة بالمدينة بعنف طيلة أشهر الشتاء، وتحمل في طيَّاتها برودةً قطبيَّة قارسة، فتنخفض درجات الحرارة على الساحل إلى ما دون الصفر. يندر وقوع العواصف الثلجيَّة في المدينة، وعندما تحصل لا يدوم الثلج أكثر من بضعة أيَّام قبل أن يذوب. يختلف متوسط الحرارة السنوي في باكو عن باقي أنحاء العالم بأقل من 0.1 °مئويَّة (0.18 °فهرنهايت): إذ يبلغ 14.2 °مئويَّة (57.6 °فهرنهايت).[62]
تُقسم باكو حاليًا إلى 11 ناحية إداريَّة، تُعرف محليًا باسم «الرايونات» ومفردها «رايون»، و 5 مستوطنات حضريَّة شبه مدينيَّة.[65][66] يتولّى حجّي بالا أبو طالِبوڤ منصب مُحافظ المدينة حاليًا.[67] أمَّا نواحي المدينة فهي:
ينتمي أغلب سكَّان باكو الحاليين (أكثر من 90%) إلىالعنصر التركي،[77] وبالتحديدالأذريّ. والآذر يُعرّفون أنفسهم على أنَّهم من التُرك وبأنَّهم جزء من الأمَّة التركيَّة،[78][79] على الرغم من أنَّ أصول الكثير منهم فارسيَّة وقوقازيَّة وعربيَّة،[80] كما هو حال جميع الشعوب التي عاشت في ظلالخلافات الإسلاميَّة المُتعاقبة. وقد ارتفع عدد الآذر بالمدينة بشكلٍ ملحوظ منذ أواسطالقرن التاسع عشر عندما كانت باكو لا تزال بلدةً صغيرة لا يزيد عدد سكَّانها عن 7,000 نسمة. شهدت جمهرة المدينة ارتفاعًا آخر خلالعقد الستينيَّات من القرن سالف الذِكر، فازداد عدد السكَّان من 13,000 نسمة إلى 112,000 نسمة بحلول سنة1897م وإلى 215,000 نسمة بحلول سنة1913م، مما جعل باكو أكبر مدن القوقاز على الإطلاق.[81] كانت باكو مدينةً عالميَّة خلال مراحل عدَّة من تاريخها، فاستقطبت الكثير من العناصر غير التركيَّة التي أتتها طلبًا للعلم والأمان والاستقرار، وبالتالي فإنَّ الآذر لم يكونوا العنصر المهيمن والأبرز في المدينة على الدوام، بل كان هناك أعراق وإثنيَّات أخرى في الكثير من الحقبات الماضية.[82] أظهرت بعض الإحصاءات من سنة2003م أنَّ المدينة تأوي 153,400 نازح من داخل أذربيجان و 93,400 لاجئ من دول أخرى.[83]
كانت باكو تأوي جمهرةً واسعة منالروسوالأرمنواليهود حتى سنة1988م، الأمر الذي انعكس على ثقافتها وجعل منها ثقافةً متنوِّعة حتى ذلك الحين. كانتالجاليّة الأرمنيّة الأرثوذكسيّة في باكو تُشّكل إحدى المراكز الثقافيّة والاقتصاديّة والسياسيّة فيالقوقاز في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.[84] حيث كان غالبيّة مالكين حقول النفط من الأرمن.[85] أدَّىالنزاع حول إقليم قره باغ بينأرمينيا وأذربيجان بدايةً من شهر يناير عام1990م، أدَّى إلى قيام البرنامج المناهض للوجود الأرمني في البلاد، فتمَّ التعامل مع الأرمن بحزم وصرامة شديدة، وطُردوا إينما وجدوا، وكان من ضمنهم بطبيعة الحال جمهرة باكو، فرُحِّل جميع أبناء المدينة من الأرمن إلى أرمينيا.[86][87] عانت الجمهرة اليهوديَّة من أبناء المدينة الأمرّين خلال العهد السوڤييتي، إذ صادر السوڤييت أغلب ممتلكاتهم ووضعوا يدهم على جميع أوقافهم. أمَّا بعد انهيار الاتحاد السوڤييتي، أعاد الرئيس الأذربيجانيحيدر علييڤ، حليف الولايات المتحدة والغرب، أعاد تصحيح العلاقة مع اليهود، فأرجع لهم عدد منالكُنس التي صودرت بالإضافة لإحدى جامعاتهم، وشجع على إعادة إعمار ما تدمَّر منها، فأحبَّه يهود المدينة وحصد شعبيَّة عظيمة في صفوفهم. وقد شُيِّدت 7 كُنس من أصل 11 دُمِّرت أو صودرت، ومنها كنيس گيلاه الذي يعود إنشاؤه لسنة1896م، وكنيس كروي الكبير.[88]
معبد النار في سوراخاني.قبة جامع بيبي هيبات من القرن الثالث عشر.
وفقاً لاستطلاعات غالوب الأخيرة فإن أذربيجان هي واحدة من أكثر البلدان غير المتدينة في العالم حيث أن حوالي 50% من أفراد العينة التي شملها الاستطلاع أفادوا إلى عدم وجود أي أهمية للدين في حياتهم.[90] لكن 93% من السكان يعرفون أنفسهم كمسلمين (يتكون سكانها من حوالي 50٪ شيعة و 45٪ سنّة[91][92]) رغم أن الكثير لا يمارسون العبادات.[93] هناك العديد من الأديان الأخرى بين الجماعات العرقية المختلفة داخل البلد. بموجب المادة 48 من دستورها فإن أذربيجاندولة علمانية، وتضمن الحرية الدينية. تشمل الأقليات الدينية الأخرىالمسيحيين حيث يشكلون 3% إلى 4% من السكان، والذين يتبع أغلبهمالكنيسة الروسية الأرثوذكسيةوالكنيسة الجورجية الرسولية الأرثوذكسيةوكنيسة الأرمن الأرثوذكس (تقريباً جميع الأرمن يعيشون في مقاطعةناغورني قرة باغ).[94] تنص إجراءات حكومية على أنه يجب على كل الجماعات الدينية، وخاصة الإسلامية منها، تسجيل أسمائها لدىاللجنة الحكومية للعمل مع المنظمات الدينية وأن تنسق معها التعاليم التي تدعو لها. الجمعيات الحقوقية تقول أن الوسائل التي تستخدمها الحكومة في هذه الجهود عنيفة وتجيء في إطار تضييق الخناق علىحرية التعبير التي يرى فيها النظام تحديا محتملا له.[95] أشارت الإحصائيات لعام 2003 على وجود 250 شخص من أتباعالمذهب الروماني الكاثوليكي.[96] كما توجد طوائف مسيحية أخرى وفقاً لإحصائيات سنة 2002 منهااللوثريونوالمعمدانيون والمولوكانيون.[97] هناك أيضاًاليهودوالبهائيون، وهاري كريشناوشهود يهوه، فضلاً عن اتباع كنيسة نحميا، وكنيسة النجمة الشرقية وكنيسة البركة الكاتدرائية.[97]الزرادشتية لها تاريخ طويل في أذربيجان، ومن مواقعها الهامة معبد النار في باكو، جنباً إلى جنب معالمانوية. تشير التقديرات إلى أن معتنقيالزرادشتية في أذربيجان بحدود 2000 نسمة.[98] كذلك، يتّبع قسمٌ من شيعة وسنَّة باكو عدد منالطرق الصوفيَّة مثلالمولويَّةوالبكداشيَّة. على الرغم من أنَّ الإسلام هو أكثر الديانات انتشارًا، غير أنَّ عدد العارفين بالشعائر الإسلاميَّة ضئيل، وذلك عائد للفترة الطويلة التي حورب الدين خلالها، وهي فترة العهد السوڤييتي، إلّا أنَّه من المُلاحظ حصول صحوة إسلاميَّة خجولة في الوسط الشبابي الباكوي خصوصًا والأذربيجاني عمومًا،[99] كما عُقِدت بضعة مؤتمرات وندوات بالمدينة من تنظيم جمعيَّات إسلاميَّة عربيَّة وتركيَّة تهدف إلى إعادة تعريف الأذربيجانيين بالدين الإسلامي، ومنها: ندوة اتحاد «الإدراك» الاجتماعي في سنة2011م.[100] من أبرز مساجد المدينة: مسجد الجمعة،[101] ومسجد بي بي هيبة، ومسجد محمد، ومسجد تازه پير.
مجوس باكويين يتلون صلواتهم في معبد النار بالمدينة.
الهندوسيَّووالبهائيَّة. تتمتَّع المجوسيَّة بتاريخٍ طويل وعريق في أذربيجان، وكانت هي الديانة الأكثر انتشارًا في البلاد قُبيل الفتح الإسلامي، وما زال هُناك قسمٌ ضئيل من سكَّان باكو يتبعون المجوسيَّة ويُمارسون شعائرهم الدينيَّة، ومن أبرز آثارهم الباقية معبد النار في باكو، كما لا يزال جميع أبناء المدينة والدولة ككل يحتفلونبعيد النيروز، وهو يوم رأس السنة الفارسيَّة عند المجوس. يصل عدد اليهود في باكو إلى حوالي 6,000 نسمة وكسور، منهم حوالي 4,300يهودي إشكنازي و700يهودي كرجي (جورجي)، ولليهود أيضًا تاريخ قديم في المدينة يرجع لعهد ولاية ألبانيا القوقازيَّة الرومانيَّة، وقد برز اليهود الباكويين خلال عهد روسيا القيصريَّة بشكلٍ ملحوظ، فشادوا الكثير من الكُنس في المدينة وضواحيها خلال القرن التاسع عشر، وافتتحوا أوَّل كنيس بجوقة موسيقيَّة سنة 1910 م،[102] وفي ذلك العهد أيضًا استحالت باكو إحدى مراكزالحركة الصهيونيَّة في الإمبراطوريَّة الروسيَّة.[102] تراجعت اليهوديَّة في باكو خلال العهد السوڤييتي بسبب هجرة الكثير من اليهود إلىإسرائيل، حتّى أصبح أتباعها اليوم قلَّة بين أبناء المدينة. أبرز الكنائس المسيحيَّة في باكو هيالكنيسة الروسيَّة الأرثوذكسيَّةواوكنيسة الجورجيَّة الأرثوذكسيَّةواوكنيسة الرومانيَّة الكاثوليكيَّةواوكنيسة اللوثريَّة الپروتستانتيَّة، وأغلب النصارى الباكويين ذوي أصول روسيَّة أو جورجيَّة أو أوروبيَّة غربيَّة. يتمركز البهائيَّون الأذربيجانيّون في باكو، ويصل عدد أتباع هذا الدين إلى حوالي 2000 شخص، ولهم عدَّة جمعيَّات روحيَّة في المدينة.[103] في باكو أيضًا قلَّة من الأشخاص المُسجلين رسميًا ضمن الجمعيَّة الدوليَّة للوعي الكريشنوي، وهي جمعيَّة دينيَّة هندوسيَّة لا يتواجد أفرادها في أي موقعٍ آخر من أذربيجان سوى في باكو.[104]
برج العذراء أو قلعة العذراء (بالأذربيجانيَّة: Qız Qalası) هو أشهر معالم المدينة. شُيِّدَ خلالالقرن الثاني عشر ليكون جزءًا من المنشآت الدفاعيَّة للمدينة، وقد أُضيف إلى قائمةمواقع التراث العالمي في سنة2001م. يُعدّ أحد أشهر معالم أذربيجان على الإطلاق، وهو يظهر على بضعة فئات منالعملة الورقيَّة الأذربيجانيَّة (المنات) بالإضافة إلى الطوابع الرسميَّة.[105][106] يضم البرج اليوم متحفًا تُعرض فيه قصَّة التطوّر التاريخي لباكو بالإضافة لمتجر هدايا تذكاريَّة. وفي موسم النيروز من كل عام تُضاء المجمَّرة الواقعة على سطحه طيلة ليالي الموسم.[106]
قصر الشروانشاهانيين
قصر الشروانشاهانيين (بالأذربيجانيَّة: Şirvanşahlar sarayı) هو أكبر المعالم الباقية من العهد الشرواني، يقع في وسط المدينة. يحوي المجمَّع عدَّة أبنية من ضمنها القصر الرئيسيوالديوان وأضرحة الحكَّام ومسجد الشاه وضريح السيّد يحيى الباكويوصهريج مائي وبقاياحمَّام. ظهر القصر على وجه وقفا العملة الورقيَّة من فئة 10,000 منات منذ عام1994م حتى عام2006م،[107] وعلى ورقة العشر منات الصادرة عام 2006 م.[108]
معبد النار الباكوي
معبد النار الباكوي أو الآتشگاه الباكوي أو آتشگاه باكو (بالأذربيجانيَّة: Atəşgah) هو معبدٌ مجوسيّ قديم يعود للفترة السابقة على الفتح الإسلامي لأذربيجان،[109] فهو بهذا أحد الآثار العريقة للمدينة ومن بين أكثرها تميّزًا. صُمم هذا المعبد على شكل قلعة، وهو يقع في ناحية سوراخاني، وهي إحدى ضواحي باكو الكُبرى.[110] شُيِّد المُجمَّع الخُماسي ذو الباحة الخارجيَّة خلال القرنينالسابع عشروالثامن عشر. تحوَّل المجمَّع إلى متحف في سنة1975م وهو يستقبل حاليًا حوالي 15,000 زائر في السنة، وقد أعلنته الحكومة الأذربيجانيَّة محميَّة معماريَّة أثريَّة في تاريخ19 ديسمبر2007م.[111]
مسجد بي بي هيبة
مسجد بي بي هيبة (بالأذربيجانيَّة: Bibiheybət məscidi) هو أحد أبرز مساجد المدينة التاريخيَّة. شُيِّد البناء الأصلي خلالالقرن الثالث عشر على يد الشروان شاه فروخ زاده الثاني، أمَّا المبنى الحالي فقد أُنشأ خلالعقد التسعينيَّات من القرن العشرين، بعد أن قام البلاشفة بهدم البناء الأصلي في سنة1936م. يُعرف هذا المسجد محليًا باسم "مسجد فاطمة"، ويُشاع أنَّ إحدى بنات الإمامموسى الكاظم مدفونة فيه،[89] وبناءً على هذا يُشكّلُ المسجد مزارًا للكثير من الشيعة والسنَّة في باكو وأذربيجان، الذين يقصدون القبر للتبرّك والدعاء.
مسجد تازه پیر
مسجد تازه پیر (بالأذربيجانيَّة: Təzəpir məscidi) هو أحد المساجد التاريخيَّة بالمدينة. ابتدأ العمل عليه في سنة1905م، وصممه المهندس ظافر بك أحمدبكوڤ تحت رعاية المُحسنة نَبَت خانم عاشوربايوڤا، وبعد وفاتها توقف العمل لفترة قبل أن يُعيد إطلاقه ابنها. أكتمل بناء المسجد سنة1914م، وبعد 3 سنوات فقط من افتتاحه أغلقه البلاشفة بعد نجاح الثورة البلشفيَّة فيروسيا سنة1917م.[112] خلال العقود الأولى من الحكم الشيوعي، تمَّ تدنيس المسجد بوسائل عدَّة، فتحوَّل إلىدارٍ للسينما وحتّى إلىإسطبل تُحفظ فيهالمواشي، ومنذ عام1943م أُعيد افتتاحه كمسجدٍ جامع للعموم. إمام المسجد هو نفسه مفتي أذربيجان وما وراء القوقاز، وهو حاليًا الشيخ الله شكور پاشازاده.[113]
حمَّام حجّي قايب
حمَّام حجّي قايب (بالأذربيجانيَّة: Hacı Qayıb hamamı) هو أحد أبرز حمَّامات المدينة القديمة،[114][115] ويعود تاريخ إنشاؤهللقرن الخامس عشر.[116] يقع في منطقة إشري شهر مُقابل برج العذراء. يُقسم المبنى إلى ثلاثة أقسام: غرفة تبديل الملابس وغرفة ارتداء الملابس وغرفة الاستحمام، وفيه بركة بوسط القاعة الرئيسيَّة تحوي مياهً دافئة في قسم منها ومياهً باردة في قسمٍ آخر.
سراي السعادة
سراي السعادة أو قصر السعادة أو قصر مُختاروڤ (بالأذربيجانيَّة: Səadət Sarayı أو Muxtarovun evi)، هو قصرٌ قديم أُنشأ خلال عاميّ1911م و1912م، وكان مسكن المليونير الباكوي مُرتضى مُختاروڤ يهوديّ الأصل، الذي أنشأه إكرامًا لزوجته ليزا.[117] صُمم القصر بواسطة المهندس بولندي الأصل جوزيف پولشكو. وفقًا للمصادر الروسيَّة التي تتحدث عن هذا القصر، فإنَّ مختاروڤ كان في رحلةٍ هو وزوجته إلى مدينةڤيينا عاصمةالنمسا، فشاهدا قصرًا وأعجبا به وقررا إنشاء منزل لهما في مدينتهما الأم على هذا الطراز الغربي. استخدم المبنى بعد قيام الثورة البلشفيَّة كمركز للنادي النسائي التركي، وفي وقتٍ لاحق تحوَّل إلى متحف،[117] قبل أن يُستخدم كقاعة لإقامة الأعراس والأفراح.[118]
برج التلفاز الباكوي
برج التلفاز الباكوي (بالأذربيجانيَّة: Bakı Televiziya Qülləsi) هو برج مخصص للبث التلفازي واللاسلكي. شُيِّد البرج في سنة1996م ويصل ارتفاعه إلى 310 أمتار (1017 قدمًا)، ليكون بهذا أطول المنشآت العمرانيَّة في المدينة. أطلقت وزارة الاتصالات السوڤيتيَّة هذا المشروع في سنة1979م، وكان من المُخطط أن يتم الانتهاء منه في عام1985م،[119][120] لكن العمل توقَّف فترةً من الزمن لحين عودة الرئيس حيدر علييڤ إلى السلطة سنة 1993 م، فاستكمل على قدمٍ وساق حتّى انتهى بشكلٍ كامل عام 1996 م.[121] افتُتح مطعمٌ دوّار في الطابق الثاني والستين سنة2008م، على علوّ 175 مترًا.[122]
ممر الشهداء
ممر يُحيي به سكان المدينة ذكرى الشهداء الذين قتلوا أثناء الحروب الدامية على مدى التاريخ المتعلق بأذربيجان وكان يطلق عليه "ممر كيروف" وهو اسم أحد القادة الروس أثناء الحرب العالمية الأولى وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي تم إعادة بناؤه وتغيير اسمه ويقدر عدد الشهداء بحوالي 15,000 شهيد، ويمكن من خلاله الاستمتاع بإطلالة مميزة على مدينة باكو.[123]
تقوم صناعة باكو علىالصناعات النفطيَّة بشكلٍ أساسيّ، وتُساهم صادرات المدينة من النفط بقسم كبير منميزان المدفوعات الأذربيجاني. عَرِف البشر بوجود النفط بالمدينة منذالقرن الثامن تقريبًا، وقد أُشير إلى النفط في الكثير من أوصاف وكتابات الرحَّآلة المسلمون خلال العصر العبَّاسي، فأشار أحدهم خلالالقرن العاشر إلى أنَّ أهل المدينة يستخرجون ضربين من «الزيت»: الأبيض والأسود.[124] بحلولالقرن الخامس عشر، كانت زيوت المصابيح تُستخرج يدويًا من الآبار السطحيَّة، وقد اقتصر استخراج النفط خلال هذه الفترة على الصناعات البسيطة وللاستهلاك المنزلي، ولم يبدأ الاستغلال التجاري للنفط حتى سنة1872م، وبحلول أوائلالقرن العشرين كانت حقول النفط الباكويَّة هي الأكبر في العالم. كانت أغلب حقول النفط الواقعة داخل الحدود الإداريَّة للمدينة قد استُهلكت وأخذت تنضب بحلول أواخر القرن العشرين، فانتقل التنقيب عن النفط إلى البحر. استقطبت الصناعة النفطيَّة آلاف العمَّال المهرة إلى باكو منذ أواخرالقرن التاسع عشر، فتسارعت وتيرة الحفر والتنقيب، حتى أصبح هناك أكثر من 3,000 بئر نفطي بحلول عام1900م، منها 2,000 بئر تُنتج نفطًا على مستوىً صناعي. احتلَّت باكو مركزًا مُتقدمًا في قائمة أعظم المراكز المُنتجة لمعدَّات الصناعات النفطيَّة بالعالم قُبيل نشوبالحرب العالميَّة الثانية. ومن الجدير بالذِكر أنَّ من أبرز أسبابمعركة ستالينغراد بين السوڤييت والنازيين هو الهيمنة على حقول النفط في باكو. كانت باكو تُنتج نصف المخزون العالميّ من النفط قبل نشوب المعركة بخمسين سنة.[125]
يمر الاقتصاد النفطي الباكوي حاليًا بمرحلة العودة إلى سابق مجده، وذلك بعد تطوير حقل «أذري-چيراق-گونشلي» (بالأذربيجانيَّة: Azəri-Çıraq-Günəşli) الضخم بالتعاون بين شركة النفط الوطنيَّة لجمهوريَّة أذربيجان (SOCAR)وشركة النفط البريطانيَّة (BP)، بالإضافة لحقل غاز شاه دنيز، وتوسيع محطة سانگشال، وتشييدخط أنابيب باكو-تفليس-جيحان.
تُعدّ بورصة باكو أكبرأسواق الأوراق الماليَّة في أذربيجان على الإطلاق، والأكبر في القوقاز من حيث رسملة السوق. يتخذ عدد كبير من الشركات الوطنيَّة والعالميَّة من باكو مركزًا له أو لفرعه الرئيسي، ومن أبرز تلك الشركات: مصرف أذربيجان الدولي، الذي يتولّى رئاسة مجلس إدارته الدكتور جهانگير حجّييڤ، ويعمل فيه ما يزيد عن 1,000 موظَّف. من أبرز المصارف الدوليَّة التي تتخذ من باكو مركزًا لفروعها:إتش إس بي سي،وسوسيتيه جنرال، وكرديت سويس.[126]
ساحة النوافير، إحدى أبرز المعالم السياحيَّة بالمدينة، في سنة2008م، قبل إعادة تشييدها.
تعتبر باكو إحدى أبرز وأهم المقاصد السياحيَّة في القوقاز، ويدل على ذلك ما أظهرته الإحصاءات من أنَّ عوائد الفنادق بالمدينة بلغت 7 ملايينيورو سنة2009م،[127] ومن جملتها عوائد عدَّة فروعلفنادق عالميَّة مهمَّة توجد بالمدينة. في باكو عدَّة مواقع سياحيَّة وترفيهيَّة جاذبة، مثل ساحة النوافير في وسط المدينة، وشاطئ ألف ليلة وليلة، وشاطئ شيخوڤ، وبلدة صخور النفط. تضم المناطق السياحيَّة المجاورة لباكو: جبل النار أو ينار داغ (بالأذربيجانيَّة: Yanar Dağ) وهو موقع ينبعث منه الغاز المشتعل على الدوام. وبتاريخ2 سبتمبر2010م، أصبحت باكو موطن أكبر سارية علم في العالم بحسبكتاب غينيس للأرقام القياسيَّة،[128][129] بعد افتتاح ساحة علم البلاد أو ميدان بيرق الدولة (بالأذربيجانيَّة: Dövlət Bayrağı Meydanı).
تضمُّ باكو الكثير منمراكز التسوّق؛ وأشهر مركزا تسوّق في المدينة هما مركز AF ومركز پارك بوليڤار التجاريين. تضم مناطق البيع بالتجزئة دكاكين تابعة لسلسلة متاجر عالميَّة وعدد من المحلّات الراقية. احتلَّت المدينة المركز الثامن والأربعين فيقائمة أغلى مدن العالم لسنة 2011 م وفق إحصاء شركة ميرسر لاستشارات الموارد البشريَّة،[130] ويُعدّ شارع نظامي الواقع في وسطها من أغلى شوارع مدن العالم.
في المدينة عدَّة مواقع ترفيهيَّة تؤمن للسكَّان والسوَّاح طائفة واسعة من النشاطات الثقافيَّة الشرقيَّة المحليَّة والغربيَّة الأجنبيَّة على حدٍ سواء. تضم المدينة أيضًا عدَّة متاحف مثل: متحف باكو للفنون المُعاصرة، ومتحف أذربيجان الوطني للتاريخ، اللذان يعرضان أعمالًا فنيَّة وتحف أثريَّة على التوالي. اشتهرت مُعظم المواقع الثقافيَّة في المدينة سنة 2009 م عندما اختيرت باكوعاصمةً للثقافة الإسلاميَّة.[131] اختيرت باكو أيضًا لتستضيف مسابقة يوروڤيجن للرقص سنة 2010 م.
من أبرز الأماكن الثقافيَّة المرموقة في باكو:قاعة أذربيجان الوطنيَّة للأوركسترا، ومسرح أذربيجان الوطني الأكاديمي للأوپرا والباليه. أمَّا أبرزدور السينما فهي دار سينما أذربيجان. من أهم المهرجانات المحليَّة التي تُنظم سنويًا في باكو: مهرجان باكو السينمائي الدولي، ومهرجان باكو الدولي لموسيقى الجاز، ومهرجان عيد النيروز، ومهرجان الزهور، ومهرجان المسرح الوطني.[132][133] تُقام المعارض المحليَّة والدوليَّة في مركز باكو للمعارض والمؤتمرات.
إحدى أقسام سور مدينة باكو القديمة، نموذج عن العمارة الإسلاميَّة.إحدى المباني أوروبيَّة الطراز في باكو.
يُلاحظ أنَّ نمط العمارة في باكو نمطٌ متفاوت ومُتنوّع، فهو يتدرَّج منالنمط الإسلامي الفارسي القديم في البلدة القديمة، إلى المباني الحديثة ومرفأ باكو فسيح التخطيط. شُيِّدت أغلب مباني المدينة المُميَّزة خلال أوائل القرن العشرين، أي خلال الفترة التي دخلت خلالها عناصر معماريَّة أوروبيَّة إلى البلاد لأوَّل مرَّة، وامتزجت مع العناصر المحليَّة لتُشكّلتركيبيَّة متميِّزة.[134] وبهذا، يُمكن القول أنَّ لباكو مظهرٌ تقليديّ أصيل وآخر مميَّز فريد وليد الامتزاج الشرقي والغربي، مما أكسبها سمعةً مفادها أنَّها «باريس الشرق».[135]
بدأت الأنماط المعماريَّة الحديثة المتأخرة وما بعد الحديثة بالظهور في باكو أواخرالعقد الأوَّل من القرن الحادي والعشرين. رافق الازدهار الاقتصادي حملةً لتطهير المدينة من بعض المباني التي عفا عنها الزمن، مثل مبنى أطلانط الذي هُدم كليًا لافساح المجال أمام تشييد مبانٍ جديدة. ومن أبرز الأشكال البنائيَّة التي ظهرت مؤخرًا: المباني ذات الواجهات الزجاجيَّة، ومن أبرز الأمثلة عليها: برج شركة النفط الوطنيَّة، وأبراج الشعلة. استقطبت هذه المشاريع العمرانيَّة الجديدة انتباه وسائل الإعلام العالميَّة، فظهرت المدينة في بعض البرامج الشهيرة مثل برنامج «الهندسة المُتطرِّفة» (بالإنگليزيَّة: Extreme Engineering) المعروض على قناة ديسكڤري، والذي عرض التغييرات الجارية في المدينة.[136]
تُشكِّلُ مدينة باكو القديمة، أو باكو المسوَّرة، كتلةً معماريَّةً واحدة متجانسة، فأغلب مبانيها الصامدة وسورها مبنيّ أو مُجدد خلال عهود الخلافات الإسلاميَّة، وقليل منها صامد منذ العهود السابقة للإسلام. ومُعظم الأسوار والأبراج في البلدة القديمة دُعِّمت بُعيد الغزو الروسي سنة1806م. يُشكِّلُ هذا القسم من المدينة لوحة تصويريَّة متنوِّعة الألوان، فالبلدة شرقيَّة الطراز بالمقام الأوَّل: أحيائها ضيِّقة تُشكِّلُ متاهةً لغير قاطنيها، وشوارعها مرصوفة بالحجارة والبلاط، وأبرز معالمها قصر الشروانشاهانيين،وخانين كاروانسرايين، وعدد من الحمَّامات، ومسجد الجمعة (الذي كان قد تحوَّل إلى معرض وطنيللسجَّاد لفترة من الزمن قبل أن يُعاد تحويله إلى مسجد). في قلب البلدة القديمة أيضًا عشرات المساجد الصغيرة التي تفتقد لشارات تدل عليها وعلى هويَّتها.
أدرجت منظمةاليونسكو البلدة القديمة على قائمة مواقع التراث العالمي المهددة بالزوال عام2003م، بعد أن رصدت أضرارًا كثيرة أصيبت بها عدَّة مواقع بعد زلزال سنة 2000، وبسبب إهمال السلطات المحليَّة لها، إضافة إلى الجهود «المُريبة» التي تُبذل للحفاظ عليها.[137]
إحدى حدائق المدينة.رواق الشرف، أحد أبرز حدائق المدينة.
تتمتع باكو الكبرى بمساحاتٍ شاسعة من المناطق الخضراء التي حافظت عليها الحكومة الوطنيَّة بصفتها أراضٍ مخصصة للمنفعة العامَّة، أو كونها مصنَّفة مناطق خضراء طبيعيَّة. غير أنَّ المدينة الرئيسيَّة تفتقد لحزامٍ أخضر أو لتطوير ذاك القائم حاليًا، نظرًا لاستمرار تدفق الأنشطة الاقتصاديَّة إلى العاصمة وما يُرافقها من تدفق للعقول والأيدي العاملة، الأمر الذي ينجم عنه قيام مشاريع عمرانيَّة إسكانيَّة في الضواحي، وتراجع للغطاء النباتي.[138]
تعتبر جادَّة باكو إحدى أبرز منتزهات المشاة في المدينة، وهي تمتد بمحازاة واجهتها البحريَّة. تضم الجادَّة منتزهًا ترفيهيًا، وناديًا لليخوت،ونافورة موسيقيَّة، وتماثيل، ونصب تذكاريَّة. يُفضِّلُ مُربي الكلاب وهواةالهرولة التجوّل في هذا المنتزه عوض غيره من المنتزهات نظرًا لمساحته الكبيرة وأشجاره الكثيفة التي تضيف عليه رونقًا وجمالًا. يقع مركز المقام الدولي الأذربيجاني بالقرب من هذا المنتزه. من أبرز المنزهات والحدائق الأخرى: منتزه حيدر علييڤ، ومنتزه صمد ورگون، ومنتزه ناريمانوڤ، ورواق الشرف، وساحة النوافير، وممر الشهداء، والأخير كان يُعرف سابقًا باسم منتزه كيروڤ، وهو مُكرَّس لذكرى شهداءحرب ناغورنو قره باغ وقتلىالسبت الأسود البالغ عددهم 137 شخصًا.
تفتخر باكو بحياتها الليليَّة الصاخبة، ففيها عدَّةنوادي ومرابع ليليَّة تبقى أبوابها مُشرَّعة حتى ساعات الفجر الأولى. بعض المرابع شرقيّ التصميم والأجواء، ويؤمن لروَّاده ميزات فريدة، منها المأكولات الأذربيجانيَّة والموسيقى الشرقيَّة، وبعضها الآخر غربيّ تقليدي، وهذا النوع الأخير من المرابع يستهدف جيل الشباب بالأخص والجمهور المحب للصخب بشكلٍ أعمّ.[139] معظم الحانات والمشارب تقع قرب ساحة النوافير وغالبًا ما تبقى مفتوحة للعموم حتى ساعات الصباح الأولى. في المدينة أيضًا عدَّةمطاعم تتراوح من تلك الفخمة مرتفعة الأسعار، إلى العاديَّة المقبولة.[140] حلَّت باكو في المرتبة الثامنة في دليل الكوكب الوحيد (لونلي پلانت) لأكثر المدن العشرة حيويَّةً في العالم.[15][141]
مسرح باكو للباليه والأوپرا.قاعة باكو الكريستاليَّة خلال إحدى مسابقات يوروڤيجن لعام 2012 م.
يُمكنُ تقفّي جذور الموسيقى الباكويَّة إلى قرونٍ بعيدة، وبالتحديد عندما أخذت المدينة تزدهر وتكبر خلالالعصر الذهبي للإسلام. تُعتبر القرى التابعة إداريًا للمدينة منشأ موسيقى الميخانة والمقام في أذربيجان.[142][143] وخلال السنوات القليلة المُنصرمة، أدّى نجاح بعض المطربين الأذربيجانيين مثلآيسل تيمورزاده،وصفورا علي زاده، وألنور حسينوڤ، وآرش، فيمسابقة يوروڤيجن للأغاني، أدّى إلى إظهار باكو بمظهر المدينة حاضنة الموسيقى والمواهب الموسيقيَّة والغنائيَّة، مما لفت أنظار العالم إليها. استضافت باكو مسابقة يوروڤيجن لعالم 2012 م بعد فوز ممثلا أذربيجان ألدار ونگار بمسابقة سنة 2011 م.[144][145]
شكَّل عام2005م مُنعطفًا في تاريخموسيقى الجاز بالمدينة. وقد كانت باكو مسقط رأس العديد من عمالقة الجاز، مثل: واقف مصطفي زاده، وعزيزة مصطفى زاده، ورفيق باباييڤ، وراين سلطانوڤ.[146][147] يحتل معرض الجاز الدولي مكانة مرموقة من بين معارض باكو السنويَّة المميزة، ويحضره الكثير من ألمع المطربين والموسيقيين المشهورين بهذا النمط الموسيقي والغنائي.[148][149] تعدّ باكو إحدى المراكز الدوليَة لموسيقى المقام، ومن أبرز مراكز هذه الموسيقى: مركز جادَّة باكو، وسراي گلستان، وقصر بوطة، والأخير هو أيضًا أحد أهم مراكز الفنون والمسارح الموسيقيَّة في المدينة.[150]
أغلب الشركات الإعلاميَّة الأذربيجانيَّة (بما فيها التلفازيَّة والصحفيَّة والإذاعيَّة، مثل قناة ANS، وقناة أزد أذربيجان، وشركة البث التلفازي والإذاعي العموميَّة، وقناة ليدر) تتخذ من باكو مقرًا لها. تقع أحداث فيلمجيمس بوند لعلم1999م حامل عنوان «العالم ليس كافيًا» (بالإنگليزيَّة: The World Is Not Enough) وفيلم الذراع الألماسيَّة (الروسية:Бриллиантовая рука) في المدينة، بالمقابل تمَّ تصوير عدَّة مشاهد من فيلم «الرجل البرمائي» (الروسية:Человек-амфибия) في البلدة القديمة. من أبرز المحطات الإذاعيَّة واسعة التأثير على الجمهور، والواقعة في المدينة: إذاعة ANS، والإذاعة العموميَّة، وإذاعة أنطين، وإذاعة برج FM، وإذاعة ليدر FM جاز. كانت إذاعة ANS إحدى أوَّل الإذاعات الخاصَّة والمستقلَّة التي تُبث على موجة FM في كامل منطقتيّ القوقازوآسيا الوسطى، عندما تأسست خلال شهر مايو من عام1994م.[151] من أبرز الصحف والجرائد في المدينة: صحيفة الزمن اليوميَّة، وصحيفة العامل الباكوي، والصحيفة الإنگليزيَّةBaku Today، أي «باكو اليوم».
تتخذ ثلاثة نوادي كرة قدم أذربيجانيَّة من باكو مقرًا لها، وهي:نادي نفطچي باكو، وFC باكو، وإنتر باكو، ويلعب الفريقان الأوَّل والثاني فيملعب توفيق بهراموڤ. فاز نادي نفطچي بستَّة ألقاب محليَّة، بينما فاز الناديان الآخران بلقبين لكلٍّ منهما على حدى. في باكو عدَّة نوادي أخرى تلعب فيالدوري الممتاز الأذربيجاني، وفي عدَّة دوريَّات إقليميَّة، ومن تلك النوادي: AZAL PFC وراڤان باكو FC في الدوري الممتاز. من أبرز المشاريع الرياضيَّة جاري العمل عليها حاليًا: استاد باكو الأولمپي، وهو استاد مخصص للعب مباريات كرة القدم يقع في مستوطنة بيوك شور، ومن المخطط أن تصل سعته إلى 65,000 مقعد.[152]
يُمثِّلُ باكو ثلاثة نوادي كرة سلَّة، هي: نادي گالا باكو، ونادي أذتوپ باكو، ونادي NTD ديڤون باكو، الذي يتخذ من قصر الألعاب اليدويَّة مقرًا له.[153] المدينة مركز عدَّة نوادي كرة طائرة أيضًا، مثل: رابطة باكو، وأذريال باكو، ولوكوموتيڤ باكو، ونادي اقتصادچي، ونادي VC باكو.
شُيِّدت المرافق الرياضيَّة ذات الدرجة الأولى لاستضافة المباريات الرياضيَّة الداخليَّة، ومن تلك المرافق: قصر الألعاب اليدويَّة، ومُجمَّع حيدر علييڤ للرياضة والمعارض. وقد استضاف المجمَّع الأخير عدَّة مباريات وأحداث رياضيَّة، بما فيها:كأس العالم للسيدات تحت 17 سنة، وكأس أمم أوروبا في الجمّباز الإيقاعي لعاميّ 2007 و2009 م، وبطولة الجمّباز الإيقاعي العالمي لعام 2005 م، وبطولة العالم في المصارعة لعام 2007 م، وبطولة المصارعة الأوروبيَّة لعام 2010 م، وبطولة هواة الملاكمة لعام 2011 م، وكأس التحدي النسائي في الكرة الطائرة لعام 2009 م، وبطولة كأس الأمم الأوروبيَّة في التايكوندو لعام 2007 م.[154][155] أخذت المدينة منذ بداية عام 2011 م تستضيف بطولةرابطة محترفات كرة المضرب في دورةٍ تُعرف باسم «كأس باكو».[156]
تعتبر باكو أيضًا إحدى أبرز مراكزالشطرنج في العالم، إذ خرج منها عدد من الأساتذة الدوليين الكبار (مُتقني لعبة الشطرنج)، مثل:تيمور رجبوڤ، وڤوقار هاشموڤ،وگاري كاسپاروڤ، ورؤوف محمدوڤ، بالإضافة إلى الحكم الشهير فائق حسنوڤ. تستضيف المدينة دورات سنويَّة مثل سباق باكو لجائزة الشطرنج الكبرى، وكأس رئيس الجمهوريَّة، وبطولة باكو المفتوحة، وقد دخلت ضمن قائمة التصفيات لاختيار المدينة أولمپياد الشطرنج الثاني والأربعين سنة 2014 م.[157][158]
سيَّارة أجرة باكويَّة سوداء. وُضعت في الخدمة منذ عام 2011 م.
كانت قاطرات الخيلوترامات السكك الحديديَّة هي أبرز وسائل النقل في باكو قديمًا. ومنذ عام 2011 م، أصبح لِباكو سمة تميّزها عن باقي مدن أذربيجان، إذ طلبت شركة سيَّارات الأجرة الباكويَّة مجموعة من سيَّارات الأجرة السوداء بلغ عددها 1000 سيَّارة، ووضعتها في خدمة المواطنين، لتتشابه المدينة مع مدنبريطانيا الكبرى من هذه الناحية، كما صرَّحت وزارة النقل الأذربيجانيَّة عن خطتها القاضية بإدراج سيَّارات أجرة لندنيَّة ضمن طاقم سيَّارات أجرة المدينة.[161][162] وقد بلغت كلفة هذا المشروع المُبرم بين منگانيز برونز البريطانيَّة وشركة سيَّارات الأجرة الباكويَّة حوالي 16 مليونجنيه استرليني.[163][164]
يُعدّ خط قطارات أنفاق (مترو) باكو أحد أبرز وسائل النقل بالمدينة، وتشتهر أنفاق المدينة بفنِّهاوجداريَّاتهاوفسيفساءاتهاوثريَّاتها المزخرفة. افتتح مترو باكو خلال شهر نوفمبر من عام1967م، وهو يشتمل حاليًا على 22 محطَّة؛ وتشير الإحصائيَّات إلى أنَّ الأشخاص الذين استخدموا قطار الأنفاق خلال السنوات الخمس الماضية بلغ 170 مليون شخص.[165] عام2008م، أعلن رئيس مترو باكو طاغي أحمدوڤ عن وجود خطَّة تقضي بإنشاء 41 محطة جديدة على مدى السنوات السبع عشر التالية، لتصل خط الأنفاق بمجمَّع الحافلات والمطار الدولي.[166] يجري العمل حاليًا على قدمٍ وساق لإصدار بطاقة ذكيَّة موحدة تُستخدم لدفع نفقات التنقّل عبر كافَّة الوسائل العموميَّة، غير أنَّ قطار الأنفاق هو نظام النقل الوحيد الذي يستخدم نظام دفع الأجرة المُستند إلى بطاقة.[167]
محطَّة قطارات باكو المركزيَّة هي آخر محطات النقل الداخلي والدولي إلى المدينة، ومن المُقرر لها أن تتصل بالمشروع الضخم الذي يجري العمل عليه منذ عام 2007 م، وهو مشروع خط سكَّة حديد قارص–تفليس–باكو، والذي سوف يصلتركيَّابجورجيا وأذربيجان.[168] يصل الخط الأوَّل باكو بتفليس عاصمة جورجيا، ومن هُناك يركب المسافرون قطارًا إلى مدينة آخالكالاكي ثمَّ إلىقارص بتركيَّا.[169]
يُعد النقل البحري أحد أكثر وسائل النقل حيويَّةً بالنسبة للمدينة، نظرًا لأنَّها مُحاطة كليًا ببحر قزوين. الحركة المِلاحيَّة لمرفأ باكو نشطة جدًا والسفن التجاريَّة دائمة التنقل من وإلىتركمان باشي فيتركمنستانوبندر أنزليونوشهر فيإيران.[170] تؤمِّنُ عبَّارات الركَّاب والحافلات البحريَّة الطوَّافة الاتصال بين باكو وباقي مدن وبلدات شبه جزيرة أبشوران.[171]
أُنشأ مرفأ باكو في سنة1902م، ومنذ ذلك الحين وهو يُعتبر أعظم مرافئ بحر قزوين. يتمتع هذا المرفأ بستة مرافق: محطة الشحن الرئيسيَّة، ومحطة الحاويات، ومحطة العبَّارات، ومحطة النفط، ومحطة الركَّاب ومحطة أسطول الميناء. تصل سعة المرفأ الكليَّة إلى 15 مليون طن من الصب السائل، وحوالي 10 ملايين طن من البضائع الجافة.[172] مع بداية عام2010م، شرعت السلطات المُختصَّة بترميم ميناء باكو الدولي للتجارة البحريَّة، ومن المُفترض أن يجري الترميم على ثلاث مراحل وينتهي العمل بحلول سنة 2016 م. وقد قُدِّرت قيمة المشروع بحوالي 400 مليوندولار أمريكي.[173] يفتح المرفأ أبوابه بدايةً من شهر أبريل وحتى نوفمبر أمام سفن الشحن حاملة البضائع إلى مرافئأوروبا الغربيَّةوحوض البحر المتوسّط.
يصل الطريق الدولي M-1 والطريق السريع الأوروبي E60 باكو بباقي مدن أذربيجان وبأوروبا. وشبكة الطرق الدوليَّة المُحيطة بباكو متطوِّرة للغاية والعمل جارٍ على توسيعها واستمرار تطويرها على الدوام.
مطار حيدر علييڤ الدولي هو المنفذ الجوّي التجاري الوحيد للمدينة. افتُتحت محطة البضائع الجديدة في المطار خلال شهر مارس من عام 2005 م، وقد أُنشأت لتكون محور البضائع الرئيسي في بلداناتحاد الدول المستقلَّة، وهي الآن إحدى أكبر المحطات وأكثرها تقدمًا من الناحية التقنيَّة في المنطقة.[174] هناك أيضًا عدَّةمطارات عسكريَّة صغيرة أصغر حجمًا حول باكو، منها: قاعدة كالا الجويَّة، المخصصة لهبوط وإقلاع الطائرات الخاصّة الصغيرة، بالإضافةللمروحيَّات والطائرات المُستأجرة.[175]
في باكو عدد من الجامعات، والكليَّات، والمعاهد المهنيَّة. ويُلاحظ أنَّ أهم وأبرز جامعات أذربيجان المرموقة تقع في باكو، ومنها: جامعة باكو الوطنيَّة، وأكاديميَّة أذربيجان الوطنيَّة للنفط، وأكاديميَّة الإدارة العامَّة، وجامعة أذربيجان الطبيَّة، وأكاديميَّة أذربيجان الوطنيَّة للعلوم. من أعظم المؤسسات التعليميَّة الأخرى في باكو: جامعة أذربيجان الوطنيَّة الاقتصاديَّة، وجامعة أذربيجان التقنيَّة، وجامعة أذربيجان للهندسة المعماريَّة والبناء، وجامعة أذربيجان للغات، وجامعة باكو الصقلبيَّة، ومعهد أذربيجان للسياحة، وأكاديميَّة باكو للموسيقى. بعد انهيار الاتحاد السوڤييتي واستقلال أذربيجان، نشأت عدَّة مؤسسات تعليميَّة خاصَّة في البلاد عمومًا والعاصمة باكو خصوصًا، منها: جامعة القفقاس، وجامعة أودلار يوردو،وجامعة الخزر، والجامعة الغربيَّة. تتولّى مكاتب البلديَّة، أو الأقسام المحليَّة، إدارة روضات وحضانات الأطفال والمدارس الابتدائيَّة الرسميَّة.
في باكو عدد كبير من المكتبات العامَّة، يضم الكثير منها مجموعة واسعة من الوثائق التاريخيَّة العائدة للعهود الرومانيَّة والبيزنطيَّة والعثمانيَّة والسوڤييتيَّة، بالإضافة لأخرى تعود لحضارات مختلفة. أهم المكتبات من حيث مجموعة الوثائق التاريخيَّة: متحف نظامي للأدب الأذربيجاني، ومكتبة أذربيجان الوطنيَّة، ومكتبة الميرزا الأكبر المركزيَّة، ومكتبة صمد ڤرگون، ومكتبة باكو الرئاسيَّة.
تضم المدينة عدَّة مستشفيات خاصَّة وحكوميَّة، إلى جانب عياداتٍ ومختبراتٍ طبيَّة كثيرة.[176] تتميّز أغلب هذه المنشآت الصحيَّة بمعدَّاتهاالتقنيَّة المتطوِّرة، التي ساهمت في الارتفاع المفاجئ لنسبةالسياحة العلاجيَّة إلى المدينة، من الدول السوڤييتيَّة السابقة بالأخص، مثلجورجياومولدوڤا، التي تُرسل حكوماتها المرضى من ذوي الدخل المحدود إلى العاصمة الأذربيجانيَّة لتلقي العلاج وإجراءالعمليَّات الجراحيَّة عالية التقنيَّة بتكلفةٍ غير باهظة.
خرج من باكو العديد من الفنَّانين والعلماء والأدباء عبر مر الزمن، نظرًا لتاريخها العريق وتنوعها العرقي والإثني، الذي كان وليد موقعها المميز في القوقاز، والنتيجة الطبيعيَّة لكونها أكبر مدن هذا الإقليم. ومن أبرز وأشهر أعلامها:
عُزير حجّي بكوڤ، مؤلّف موسيقي وقائد أوركسترا ومُعلّم ومُترجم ومحسن اجتماعي. يشتهر بكونه أبو الموسيقى الأذربيجانيَّة الكلاسيكيَّة والأوپرا، كما أنَّه هو من لحَّن موسيقى جمهوريَّة أذربيجان الديمقراطيَّة.
مُسلم مقاموماييڤ، يشتهر بلقب «ملك الأغاني» و«سيناترا السوڤييتي». حصد إعجاب الأجيال وعُدَّ من أيقونات الطرب الأذربيجاني في دول الاتحاد السوڤييتي السابق. توفي سنة2008م.
إلهام علييڤ، رئيس أذربيجان الحالي، تولّى منصب الرئيس بعد وفاة والده حيدر علييڤ. يتولّى رئاسة الحزب الأذربيجاني الجديد والجمعيَّة الأولمپيَّة الوطنيَّة.
تيمور رجبوڤ، لاعب شطرنج شهير، حاز على لقب أستاذ دولي كبير سنة 2001 م عندما كان يبلغ من العمر 14 سنة. حاز على المرتبة الأولى بين لاعبي الشطرنج في أذربيجان، والمرتبة الرابعة عالميًا.
علي أصغر محمدوف، عالم لسانيات أذربيجاني، يعتبر مؤسس الاستعراب الحديث في أذربيجان.
^«بَاكُوْيَة: بضم الكاف، وسكون الواو، وياء مفتوحة:بلد من نواحي الدّربند من نواحي الشروان فيه عين نفط عظيمة، تبلغ قبالتها في كل يوم ألف درهم، وإلى جانبها عين أخرى تسيل بنفط أبيض كدهن الزيبق لا تنقطع ليلا ولا نهارا تبلغ قبالته مثل الأوّل، وحدثني من أثق به من التجار أنه رأى هناك أرضا لا تزال تضطرم نارا، وأحسب أن نارا سقطت فيه من بعض الناس فهي لا تنطفئ لأن مادتها معدنية».ياقوت الحموي.معجم البلدان.
^Barthold, W., C.E. Bosworth "Shirwan Shah, Sharwan Shah. "Encyclopaedia of Islam. Edited by: P. Bearman, Th. Bianquis, C.E. Bosworth, E. van Donzel and W.P. Heinrichs. Brill, 2nd edition
^س.إ. بوسوورث، "الشروانشاهانيين" في الموسوعة الإيرانيَّة. الاقتباس 1: «الشروانشاهانيين، هم سُلالة من الحكَّام، عربٌ في الأصل، لكنَّهم سرعان ما اقتبسوا القوميَّة الفارسيَّة». الاقتباس 2: «كما هو الحال مع قبائل عربيَّة كثيرة مثل الروادية في أذربيجان الذين تكرَّدوا (أصبحوا أكرادًا) بعد أن عاشروا الكُرد واختلطوا معهم طيلة أجيال، فإنَّ الشروانشاهانيين أصبحوا فُرسًا تدريجيًا، ومما ساعد على ذلك دون شك هو اختلاطهم مع الأسر المحليَّة في القوقاز؛ منذ عهد منوشهر ب. يزيد (حكم. 418-25/1028-34)، وقد استحالت أسمائهم فارسيَّة بالكامل تقريبًا، وأظهروا تفضيلًا لأسماء أبطال التاريخ الإيراني حتى أنَّ بعضهم زعم يتحدَّر من أشخاص مثل بهرام گور»
^De Waal، Thomas (2010).The Caucasus: An Introduction. Oxford University Press. ص. 62.ISBN:0-19-539976-5. مؤرشف منالأصل في 2014-07-04."In the so called March Days of 1918, Baku descended into a mini-civil war, after the Bolsheviks declared war on Musavat Party and then stood by as Dashnak militias rampaged through the city, killing Azerbaijanis indiscriminately"
^Minahan، James B.Miniature Empires: A Historical Dictionary of the Newly Independent States. ص. 22.ISBN:0-313-30610-9.The tensions and fighting between the Azeris and the Armenians in the federation culminated in the massacre of some 12,000 Azeris in Baku by radical Armenians and Bolshevik troops in March 1918
^"New Republics in the Caucasus".The New York Times Current History. ج. 11 ع. 2: 492. مارس 1920.
^Furuz Kazemzadeh,Struggle For Transcaucasia (1917–1921), New York Philosophical Library, 1951, p. 143–144
^Bani-Shoraka, Helena (2005). "Language Policy and Language Planning: Some Definitions". في Rabo, Annika; Utas, Bo (المحرر).The Role of the State in West Asia. Swedish Research Institute in Istanbul. ص. 144.ISBN:91-86884-13-1. مؤرشف منالأصل في 2019-12-27.{{استشهاد بكتاب}}: صيانة الاستشهاد: أسماء متعددة: قائمة المحررين (link)
^Thernstrom, Stephan; Orlov, Ann; Handlin, Oscar (1981).Harvard Encyclopedia of American ethnic groups. Harvard University Press. ص. 171. مؤرشف منالأصل في 2015-03-20.In their homeland the Azerbaijanis, or Azerbaijani Turks as they are sometimes called...{{استشهاد بكتاب}}: صيانة الاستشهاد: أسماء متعددة: قائمة المؤلفين (link)
^Audrey Altstadt, Conflict, Cleavage, and Change in Central Asia and the Caucasus,مطبعة جامعة كامبريدج, 1997, p. 112, table 4.1, Ethnic composition of Baku, 1897, 1903,1913
^(بالروسية)"Баку". مؤرشف منالأصل في 2007-07-01. اطلع عليه بتاريخ2007-07-15.
^Леонид Семенович Бретаницкий. (1966).Зодчество Азербайджана XII-XV вв. и его место в архитектуре Переднего Востока. Главная редакция восточной литературы. ص. 400.
^"السياحة في اذربيجان".موقع مقالات.{{استشهاد ويب}}:|archive-date= requires|archive-url= (مساعدة)،الوسيط|تاريخ الوصول بحاجة لـ|مسار= (مساعدة)، والوسيط|مسار= غير موجود أو فارع (مساعدة)[بحاجة لمراجعة المصدر]
^ابج"ВСЕ ОСТАЕТСЯ ЛЮДЯМ" [Everything remains for people]. Vyshka. ج. 29 رقم 19725. 25 يوليو 2008. مؤرشف منالأصل في 2016-03-04. اطلع عليه بتاريخ2010-02-04.
1 تعتبر غالبًا جزءًا من آسيا الوسطى 2يُرمز إليها غالبًا باسمتايوان3إسمها الكاملسري جاياواردنابورا كوتي4رسميًا 5إداريًا 6أنظرالمناصب في القدس لمزيد من المعلومات حول وضع القدس 7دولة تقع أراضيها على أكثر من قارة 8تقع كامل أراضيها في جنوب شرق آسيا لكنها تتمتع بروابط إجتماعية وعلاقات سياسية متينة مع أوروبا 9تقع كامل أراضيها في ماليزيا لكنها تتمتع بروابط إجتماعية وعلاقات سياسية متينة مع دول جنوب شرق آسيا