قارب في منطقةغابات الموصل والمطلة على نهر دجلةنهر دجلة في ريف الموصلآثار مملكة الحضر في مدينة الموصلقرية السفينة جنوب الموصلإحدى الآثار المتبقية في الموصل شرقي المدينة قرب بوابة أدد
المَوْصِلُ مدينة ومركزمحافظة نينوى وتعتبر ثاني أكبر مدينة فيالعراق من حيث السكان بعدبغداد بتعداد يناهز الثلاث ملايين نسمة ، تبعد الموصل عنبغداد بمسافة تقارب حوالي 400 كم.[3]
تشتهر المدينةبالتجارة مع الدول القريبة مثلسورياوتركيا. يتحدث معظم سكان الموصلاللهجة الموصلية (المصلاوية) التي تتشابه بعض الشيء مع اللهجات السورية الشمالية، ولهذه اللهجة الموصلية الدور الأكبر في الحفاظ على هوية المدينة. أغلبية سكان الموصلعرب مسلمون منأهل السنة والجماعة علىالمذهب الحنفي، وفيها طوائف متعددة منالمسيحيون الذين ينتمون إلى كنائس عدة ويوجد فيهاالإيزيديونواليارسانيون (الكاكائية)والبهائيون، وأقلية منالكردوالتركمانوالشبك، أنشئ أكبر سد في العراق هو سد الموصل وافتتح عام 1986، وكان اسمه سد صدام ثم غُيّرَ اسمُهُ إلىسد الموصل بعد سقوط نظام البعث سنة 2003.
وحسب البلدانيياقوت الحموي الموصل: بالفتح، وكسر الصاد: المدينة المشهورة العظيمة إحدى قواعد بلاد الإسلام قليلة النظير كبرا وعظما وكثرة خلق وسعة رقعة فهي محطّ رحال الركبان ومنها يقصد إلى جميع البلدان فهي بابالعراق ومفتاحخراسان ومنها يقصد إلىأذربيجان[4]وسميت الموصل لأنها وصلت بينالجزيرةوالعراق، وقيل وصلت بيندجلةوالفرات، وقيل لأنها وصلت بين بلدسنجاروالحديثة، وقيل بل إن الملك الذي أحدثها كان يسمّى الموصل، وهي مدينة قديمة الأسّ على طرف دجلة ومقابلها من الجانب الشرقي نينوى، وفي وسط مدينة الموصل قبرجرجيس النبي، وقال أهل السير: إن أول من استحدث الموصل راوند بين بيوراسف الازدهاق.[4]كلمة موصل هي من كلمة (أصل) وينشأ من ظرف مكان الفعل وصل. وكلمة «موصل» يعني مكان فيها يصل كل شيءالتجارة والمعاشرة والبيع.[بحاجة لمصدر]
لا يعرف بالتحديد معنى تسمية نينوى، وهو اسم المدينة في زمن الأكديين غير أنه يرجح أن يكون له علاقة بالآلهةعشتار إله الخصوبة فيبلاد الرافدين وكون اسمها القديم كان نينا. وفرضية أخرى تُرجع اسم المدينة إلىالآرامية حيث تعني كلمة نونا (נונא) السمك.[5] ولا تزال المدينة بأكملها تعرف أحيانا بنينوى (ܢܝܢܘܐ) أو آثور (ܐܬܘܪ) لدى السريان.[6] يعود أول ذكر للتسمية الحديثة إلىكسينوفون، المؤرخ الإغريقي، في القرن الخامس قبل الميلاد حيث ذكر وجود مستوطنة صغيرة تحت اسم مبسيلا (باليونانية:Μέπσιλα).[7] غير أن كون هذه التسمية تعود لنفس المدينة الحديثة مشكوك به لأنها كانت تقع على الضفة الشرقية لنهردجلة.[8]يرجح من جهة أخرى أن تكون الكلمة ذات أصلعربي بمعنى «ما يصل بين شيئين» لأنها وصلت بينالجزيرةوالعراق، وقيل لأنها تصل بين نهريدجلةوالفرات.
كما تعرف المدينة بعدة ألقاب منها؛ مثل أم الربيعين لاعتدال الطقس بها فيالربيع والخريف بحيث يكون موسم الربيع اطول المواسم بها، والحدباء لاحتدابدجلة لدى مروره بها أو لاحتدابمنارةالجامع النوري.[9]
القائد الآشوري الأسطورينينوس الذي يعتبر مؤسس المدينة بحسب قطيسياس.قرية النبي يونس في الموصل خلال فترة الحرب العالمية الأولى 1916-1919
يعود تاريخ الاستيطان البشري في المنطقة إلى ما قبلالعصر الحجري (6,000 ق.م.)، حيث استوطن البشر فيالسهل الممتد شرقي الموصل وخاصة ملتقى نهريالخوصرودجلة وذلك لخصوبة المنطقة ومرور القوافل التجارية بها.[10]
لا يعرف بالضبط تاريخ بناء المدينة؛ فأول ذكر لمدينةنينوى جاء حوالي 1800 ق.م. حيث عرفت عبادة الإلهةعشتار في تلك المنطقة، فذاع صيت المدينة آنذاك وانتشرت أخبار معجزات عشتار في مدينة نينوى في العديد من أنحاء العالم القديم.[10] ويعزو المؤرخ الإغريقي قطيسياس والذي كان طبيباً للملكالأخمينيأحشيروش الثاني بناء المدينة إلى القائد الآشوري الأسطورينينوس اعتماداً على معلومات استقاها من دراسته الوثائق الملكية الآشورية.[11]
قلعة بشطابيا الأثريةبوابةأدد شرقي المدينة، إحدى الآثار المتبقية من سورمدينة نينوى.
بالرغم من توسعاتالإمبراطورية الآشورية الحديثة، إلا أن المدينة ظلت مهملة فعلياً وذلك لكون ملوكها قد فضلوا الإقامة فيمدينة آشور ومن ثمبكالح. إلا أن الوضع تغيّر بمجيءآشور بانيبال الثاني (حكم ما بين 883 - 859 ق.م.) فقام الأخير بتوسيع المدينة عمرانياً، كما قام خلفاه ببناء العديد من القصور والمعابد. ويعتبرسنحاريب هو الملك الذي أوصل المدينة إلى أوج مجدها حوالي 700 ق.م.؛ فقام ببناءقصر ضخم مكون من 80 غرفة من الرخام والطوب استعمل فيه أكثر من 160 مليون قطعة طابوقة، وزينه بتماثيللثيران مجنحة بلغ وزن الواحد منها ما بين 9 إلى 27 طناً.[12][13] كما صممسنحاريب قنوات لجلب المياه إلى المدينة وقام بتبليط الشوارع بالرخام.[14] وبلغت مساحة نينوى في أوج عظمتها حوالي 7 كم مربع، وقطن بها أكثر من 100,000 نسمة ما جعلها أكبر مدينة بالعالم آنذاك.
وخلال تلك الفترة تم سبي اليهود والبابليين وتوطينهم في المدينة، غير أن المجموعة العرقية الأكبر التي تعرضت للترحيل كانتالآراميين، حيث قام الآشوريون بتوطين أكثر من 4.5 منهم في أنحاء الإمبراطورية وخاصة في المناطق السهلية المحيطة بنينوى، ما أدى إلى استعمال الآشوريينللآرامية بدلاً منالأكادية لغتهم الأصلية.[15]
بدأت الإمبراطورية الآشورية بالوهن بعد وفاةآشور بانيبال حوالي 627 ق.م. فقامت حروب أهلية بين خلفائه للسيطرة على مقاليد الحكم بها فاستغلالبابليونوالميديون هذا الضعف فعقدوا تحالفاً وهاجموا نينوى وأسقطوها في 612 ق.م. بعد حصار دام عامين كاملين، كما قاموا بقتل معظم سكانها وحرق المدينة بكاملها فلم يبقَ منها سوى بعض أسوارها.[16]
بسقوط نينوى ودمارها أصبحت المدينة خراباً بعد أن هجرها أهلها. غير أن الآشوريين استمروا بزراعة الأراضي الواقعة شرقي المدينة. وبسقوطبابل وسيطرةالإمبراطورية الأخمينية على المنطقة أصبحساتراب آثورا (الاسم الفارسي القديم لآشور) من أكثر مناطق الإمبراطورية ازدهاراً، وانتشرت التجارة مع بلاد فارس وأرمينيا.[17] غير أن المدينة التي برزت خلال تلك الفترة كانتأربيل حيث أصبحت عاصمة لهذا الساتراب. على أن مدينةنينوى لم تبق مهجورة لفترة طويلة؛ يرويزينوفون لدى زيارته للمنطقة عام 401 ق.م. عن وجود بلدة تحت اسم مپسيلا (باليونانية:Μέπσιλα) في موقع الموصل الحالية.[18]تمكنالإسكندر المقدوني من فرض سيطرته على المنطقة بعد هزيمة الأخمينيين فيمعركة غوغميلا سنة 331 ق.م. فخلفهالسلوقيون بعد وفاته واتسمت الفترةالهيلينية بالتبادل الحضاري والثقافي بين المجموعات العرقية المكونة لها، كما انتشرت اللغة اليونانية في كافة أنحاء الإمبراطورية، غير أن الآرامية بقيت هي اللغة الأكثر شيوعاً في المنطقة. استمرت سيطرةالسلوقيين حتى حوالي 129 ق.م. عندما تمكنالأشكانيون من هزيمتهم ومد نفوذهم على الموصل.[19]
دير مار إيليا الذي يبعد 5 كم جنوب الموصل.
في مطلع الألفية الأولى، بدأت قوةروما تتعاظم في الغرب فلجأ الأشكانيون إلى دعم الحكام المحليين في تخومها الغربية لدرء خطر الرومان، فنشأت مملكةحدياب إلى الشرق من الموصلوالحضر إلى الجنوب الغربي. إلا أن الإمبراطور الرومانيتراجان شن حملة على بلادما بين النهرين عام 116 تمكن خلالها من السيطرة على الموصل وما حولها.[20] واستمرت الاشتباكات خلال السنوات اللاحقة بين الأشكانيين والرومان حتى ضعفتالإمبراطورية الرومانية فسيطرالساسانيون على المنطقة بعد انهيار الدولة الأشكانية عام 224 م.[21] اتسم الساسانيون بعدائهم للغرب فقاموا بجعل الزرادشتية ديانة رسمية للدولة وحاولوا فرضها بالقوة، إلا أن المسيحية أصبحت الأكثر انتشاراً في تلك الأنحاء،[21] وغالباً ما لجأ الساسانيون إلى عمل مذابح لمعاقبة سكان المدينة من المسيحيين؛ فبعد هزائمه المتكررة أمام البيزنطيين قام شابور باضطهاد مسيحيي نينوى في الفترة 341 -346 فقتل أسقفها سمعان بار صباعي إلى جانب العديد من أهلها.[22]
أصبحت نينوى مركزاً هاماً للفرع النسطوري من الكنيسة السريانية بعد انفصالها عنمجمع أفسس عام 431، كما انتشر الرهبان فيجبل الألفاف الذي يبعد بحوالي 25 كيلومتر شرقي الموصل، واشتهرت المنطقة المحيطة بها بكثرة الأديرة التي شيدت منذ القرن الخامس ومنهادير مار بهنامومار إيلياومار متيودير مار اوراها. سقطت المنطقة تحت سيطرة البيزنطيين بعدالحرب الساسانية-البيزنطية في أوائل القرن السابع.
كنيسة اللاتين (الساعة)
وبحسب رواية ذكرت في مخطوطةسعرت التي تعود إلى القرن العاشر، فإن أول من استوطن غرب دجلة كان راهباً نسطورياً يدعى مار إيشوعياب. وتذهب الرواية أن إيشوعياب نذر أن لا يأكل لحماً غير أنه نقض نذره عندما دعي لأكل لحم من قبل رعاة أثناء ترحاله، فصغر في عين رفاقه الرهبان فعبر دجلة وذلك بأن ألقى معطفه على النهر ومشى عليه برفقة رهبان آخرين وقام ببناء دير له على الضفة الغربية بجانب إحدى الساعين. وقد كبر الدير وازدهر بعد أن لجأت إليه عدة عوائل هرباً من غارات البدو. كما بنىخسرو الثاني مباني حول الجنينة.[23]
خريطة عثمانية تبين أن الموصل جزء منالعراق في العصر الأتابكي.منطقة الجزيرة التي شكلت الموصل عاصمتها ابتداء من عهد الخليفة الأمويمروان بن الحكم.
بعد انتصار المسلمين علىالساسانيين فيمعركة القادسية توجه قسم منه وشن حصاراً علىتكريت التي كانت تحت سيطرةالبيزنطيين وتمكنوا من دخولها واتجهربعي بن الأفكل العنزي إلى الموصل (عرفت في المصادر الإسلامية بالحصنين آنذاك) وفتحها، وهناك اختلاف على تاريخ استسلام المدينة، فيروي البعض أن ربعي بن الأفكل دخلها عام 637 (16 هـ) بينما يرجئه آخرون حتى 641 (21 هـ).[24] كما تختلف المصادر التاريخية حول هوية حاكمها الأول؛ فهناك من المصادر الإسلامية من يذكر أنعتبة بن فرقد السلمي كان أول حكامها حيث قام بقتال أهل نينوى (الجانب الشرقي) وفتحها عنوة ثم عبر دجلة فصالحه أهل الحصن الآخر على الجزية والإذن في الجلاء لمن أراد الجلاء، ويرى آخرون أن ربعي بن الأفكل أو عبد الله بن المعتم أوعرفجة بن هرثمة البارقي كان أول من حكمها.[25] وبغض النظر عن هوية فاتحها أو أول حاكمها فإنه من المسلم به أن الموصل لم تكن سوى ثغر من ثغورالكوفة وظلت تابعة لها طول فترةالخلفاء الراشدين، ولم تكن هناك مستوطنة ذات أهمية على الجانب الغربي مندجلة.[24]
وقامهرثمة بن عرفجة البارقي بتوطين قبائل عربية منأزدوطيوكندةوعبد قيس بالضفة الغربية، وبنى داراً للامارة والمسجد الجامع وهو أول جامع بناهالمسلمون في الموصل، والذي بقي حتى سنة1148. إلا أن المدينة لم تزدهر حتى النصف الثاني من القرن السابع الميلادي عندما تولاهاالأمويون فجعلوا منها مركزاً لمنطقةالجزيرة.[26] ازدادت مساحة الموصل في عهدسعيد بن عبد الملك بن مروان حيث قام بتعميرها وتحصينها وأحاطها بسور ورصف طرقها بالحجارة. كما نصّب لهامروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين جسراً وبنى قلعتها، وشقالحر بن يوسف الأموي نهراً عرف بنهر الحر وكان يمر قرب سور نينوى وتقع عليه بوابة المسقى. واستمرت هجرة القبائل العربية في هذه الفترة وهي قبائل تغلب وربيعة وشيبان وطيء.
بعد انتهاء فترة الخلفاء الراشدين وسيطرة الأمويين على زمام الحكم في الشام، بويععبد الله بن الزبير للخلافة في الحجاز سنة 683 م. وهي نفس السنة التي تولى فيهايزيد بن معاويةالخلافة الأموية بالشام وقام بالسيطرة على العراق وولى محمد بن أشعث بن قيس على الموصل. غير أن والي الكوفة انقلب على عبد الله وأرسل عبد الرحمن بن سعيد بن قيس لولاية الموصل. فهاجم الأمويون بقيادةعبيد الله بن زياد الموصل وسيطروا عليها فبعث والي الكوفة جيشا لاستعادتها، وتشابك مع الأمويين فيبرطلة غير أنه هزم سنة 686. فأرسل والي الكوفة جيشا ثانيا تمكن هذه المرة من استعادة المدينة.[27]عاد ابن الزبير إلى الموصل وتمكن من إخضاعها مجددا سنة 687. غير أن سيطرته لم تطل فتمكنعبد الملك بن مروان من هزيمته نهائيا والسيطرة على كافة أنحاء العراق والجزيرة.[27]
أصبحت مدينة الموصل أهم مراكز انطلاقللفتوحات الإسلامية بعد استقرار القبائل العربية فيها خصوصاً إبانالدولة الأموية. كما قام الولاة الأمويون بتوسيع المدينة وحفر قناة لجلب المياه إليها. غير أن أواخر الفترة الأموية شهدت كثرة القلاقل في الجزيرة وكانت أهمها ثورة الضحاك التي باءت بالفشل. فمالت الموصل إلىبني عباس لما قويت شوكتهم؛ فتعاون أهلها مع العباسيين لدى انتصارهم فيمعركة الزاب الحاسمة سنة 749 ورفض أهلها إيواءمروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين بل وسارت فرقة من الموصل إلى أبو صير حيث تمكنت من قتله.[26][28]غير أن علاقة الموصل مع العباسيين تميزت في الغالب بالتوتر؛ وقاميحيى العبَّاسي أخأبو العباس السفاح بتعيين محمد ابن صول حاكما على المدينة، غير أنه توجس من حدوث ثورة بها فأمر محمد ابن صول بتصفية بعض أعيانها خلسة، فدعاهم إلى قصره وقطع رؤوسهم وأرسلها إلى يحيى. إلا أن أمره انكشف، فثار سكان المدينة عليه فدعاهم يحيى للصلح والعفو عن المحتجين بشرط ملاقاته في جامع المدينة، غير أنه غدر بهم فقام حرسهالخراسانيين بمذبحة شملت عوائل بأكملها بما في ذلك النساء والأطفال راح ضحيتها عشرات الآلاف.[29]ساءت أحوال الموصل في أواخر القرن الثامن الميلادي وأوائل القرن التاسع فحاولالخوارج من البدو المحيطين بها السيطرة عليها.[30]
بعد وفاة الخليفةالمتوكل تمكن الخارجي مصاور من الاستيلاء على المدينة وجعلها جزءا من إمارته. وكرد على ذلك عين المعتضد بالله أحد قادته حاكما على المدينة فأرسل هذا الأخير جيشا قوامه 20,000 تمكن من احتلال المدينة. قام أهالي المدينة بطرد الحاكم العباسي سنة 892 م. فطلب هذا المعونة منبني شيبان. بعد انتصار الأهالي في البداية بقيادةحمدان بن حمدون، تمكن الشيبانيون من السيطرة على المدينة.[31] تمكن حمدان، جدالحمدانيين، الاستقلال بالمدينة سنة 895. غير أنه سرعان ما فر لدى وصول جيش الخليفة العباسي، وأسر لاحقا في حين سلم ابنه حسين المدينة.
اتسمت أواخر القرن التاسع الميلادي بالصراع بين الحكام العباسيين والخوارج؛ فاستعان الخليفة بحسين ابن حمدان الذي أدى نجاحه في القضاء على الخوارج سنة 896 إلى زيادة حضوة الحمدانيين. ازداد اعتماد العباسيين على الحمدانيين في العقد اللاحق بازدياد غارات الأكراد على أطراف المدينة، وبدورهم اعتمد الحمدانيون علىالتغالبة، الذين شكل بنو حمدان أحد بطونهم، في إخضاع الأكراد. حكم الحمدانيون الموصل كمندوبين للخليفة وزادت استقلاليتهم تدريجيا بضعف العباسيين حتى أصبحت الموصل إمارة مستقلة بشكل فعلي بوصول ناصر الدولة حسن لسدة الحكم سنة 929.[32]حكمالعقيليون، أحد بطونبني كعب، الموصل في الفترة 996 - 1096 م. ويعتبرحسام الدولة المقلد المؤسس الفعلي لهذه الإمارة التي امتدت جنوبا حتى شملتداقوقوالكوفة في أوج قوتها.
أدت سيطرة الحمدانيين والعقيليين إلى ازدهار الموصل فازداد بنيانها وحسن منظرها للرحالة، فوصفهاابن حوقل بأنها مدينة جميلة ذات ريف خصب واصفا أغلب سكانها بالأكراد. كما زارهاالمقدسي ووصفها بأنها مبنية على شكل نصف دائرة وبها قلعة داخل أسوارها عرفت ب-المربعة (باشطابيا)، كما حوت أسوار المدينة سوق الأربعاء وجامعا رئيسياً. على الضفة الشرقية من دجلة وقعت مدينة نينوى القديمة التي هجرها أهلها بعد توسع الموصل، غير أنها حوت قصر الخليفة على نهر الخوصر.سيطرالسلاجقة على المدينة سنة 1096، اتسم حكمهم بإهمال المدينة التي أصبحت شبه مهجورة حتى تمكنعماد الدين زنكي من الاستقلال بها سنة 1127. ويعود إليه الفضل في إعادة إعمار الموصل حيث رمم أسوارها ومبانيها ونسق البساتين حول المدينة. خلال فترة حكم خلفهعز الدين مسعود الأول حاصرصلاح الدين الأيوبي المدينة مرتين في 1182 و1185 دون جدوى. غير أن الصراع بينالزنكيينوالأيوبيين اضطر عز الدين إلى الاعتراف بسيادة الأيوبيين مقابل استمراره حاكما على الموصل.يرويابن جبير لدى زيارته للمدينة قبيل بناءجامع النوري أن المدينة المحصورة داخل السور الخارجي انقسمت إلى جزئين علوي وسفلي ربطهما شارع عريض، وحوت علىمارستان (مشفى) وقيصرية (سوق مسقف). بينما انتشت الضواحي المأهولة على مرمى البصر وشملت العديد من المساجد والخانات والحمامات. بنيت معظم المباني من الرخام الذي جلب خصيصا منجبل مقلوب شمال شرق المدينة، كما عرف عنها شكلها المقبب المميز.توسعت المدينة أوائل القرن الثالث عشر وقام الوزير مجاهد الدين قيمز ببناء مساكن في الضاحية الجنوبية، وحكم ابنهبدر الدين لؤلؤ كوزير للزنكيين قبل أن يستقل بالمدينة ابتداءً من 1234 م. كما استسلم بدون قتاللهولاكو سنة 1244 ورافقه في حملاته؛ غير أنالمغولالإيلخانيين نهبوا المدينة سنة 1261 بعد أن تحالف ابنهالملك الصالح إسماعيل معالظاهر بيبرس ضدهم.
استمر حكم الإلخانات أكثر من 50 عاما إلى أن بدأت دولتهم تتهاوى في العقد الثالث من القرن الرابع عشر. فتمكنالجلائريون، الذين ينتمون بدورهم إلى قبيلة منغولية أخرى، من ضم الموصل إلى مملكتهم سنة 1364 والتي شملت أجزاء من وسط العراق وشمال شرق إيران الحالية.[33] غير أن حكم الجلائريين لم يستمر طويلا، فسرعان ما غزا تيمور المدينة غير أنه عفاها من السلب بل وقام بمنح العطايا لضريحي النبيينيونسوجرجس. تولى الموصل بعد وفاة تيمور حاكمآمدالتركماني بهاء الدين قرة عثمان وضمها للإمارة ابتداءً من القرن الخامس عشر. وشهدت هذه الفترة تناوب قبيلتيالخرفان البيضوالسود التركية على المنطقة. آلت الموصل إلىالدولة الصفوية بعد ضمها لبغداد سنة 1508. غير أن الحكم الصفوي لم يطل حيث فتحالعثمانيون بقيادةسليمان القانوني المدينة سنة 1535.
الموصل في القرن التاسع عشرمشهد لشارع النهر في الموصل 1916-1919
كانت الموصل ضمن ولاياتالدولة العثمانية لفترة طويلة واستولى عليها السلطانسليمان القانوني عام1534، وولّى عليها حاكماً يدعى محمد باشا بكلربكي ومن بعدهِ حديد سليمان المحمدي وتولى بعدهُ عدة ولاة حتى سنة1730 حيث تولاها أحد أبنائها وهوحسين باشا ابن إسماعيل باشا الجليلي.واتسم حكمه بنوع من الحكم الذاتي للولاية بعيداً عن حكم الوالي في بغداد. وفي عهده حاولالصفويون بقيادةنادر شاه الاستيلاءعلى ولاية الموصل سنة1733، والتي كانت في تلك الفترة نقطة دفاع مهمة للجبهة الشرقية لدولة آل عثمان ضدالدولة الصفوية،[34] لكن المحاولة باءت بالفشل بعد أن قُتل القائد الصفوي نركزخان على أيدي قبائل منالبدو في قرية الغزلاني.
استمرت الهيمنة العثمانية على الموصل حتى نهايةالحرب العالمية الأولى. وكانتبريطانياوفرنسا قد عقدتا اتفاقية سرية عرفت باسماتفاقية سايكس بيكو تم فيها تقسيم الولايات العثمانية العربية بين الدولتين، فكانتولاية الموصل جزءاً من منطقة النفوذ الفرنسي. احتلت بريطانيا الموصل في 7 تشرين الثاني 1918 وذلك بالرغم من عقد الهدنة مع العثمانيين في30 تشرين الأول. وبعد اكتشاف النفط في ولاية الموصل تمكنت بريطانيا من إقناع فرنسا بالتنازل عن الموصل فيمعاهدة سيفر سنة 1920، غير أن تركيا استمرت بالمطالبة بأحقيتها حتى سنة 1925 عندما قررت عصبة الأمم عودة الموصل إلى العراق.[35]
أحد اسواق الموصل 1932
انضمت الموصل رسمياً إلىالمملكة العراقية عند إعلانها في3 تشرين الأول1932. وقد شهدت المناطق عدة أحداث منها عصيان البرزنجي أوائل الثلاثيناتومجزرة سميل التي لجأ بعدها أعداد كبيرة منالآشوريين إلى مخيم للاجئين داخل الموصل قبل نزوحهم إلىسوريا سنة 1934.[36]
بعدثورة 1958 أعلنعبد الكريم قاسم قيام الجمهورية العراقية وكانت من أولى قراراته تأمين المؤسسات غير الحكومية وإلغاء النظام الإقطاعي، وقد أدى هذا بالإضافة إلى نهجه المعادي للقوميين العرب والمقارب من الشيوعيين إلى قيام عصيان قادهعبد الوهاب الشواف قائد الفيلق الخامس بالجيش العراقي بالتحالف مع شيوخ عشيرةشُمّر والإقطاعيين الذين فقدوا أراضيهم، فأعلن الشواف في8 آذار 1959 من خلال راديو الموصل العصيان على عبد الكريم قاسم ودعى الشعب إلى حمل السلاح ضده. فقام عبد الكريم بتجنيد الكوادر الشيوعية في الموصل للرد على هذا العصيان وقد عاونهم في ذلك العمال والحرفيون في الموصل والفلاحون في القرى المسيحية المحيطة بها.[37] وبالرغم من النجاح الأولي للقوميين غير أن الشيوعيين قاموا بهجوم مضاد قُتل خلاله الشواف، واستمرت المعارك الدموية كما قامت القوات الجوية العراقية بقصف ثكنات الفيلق الخامس وجابت الدبابات شوارع المدينة.[38] استمرت المعارك الطاحنة بين القوميين والعشائر العربية والكردية وملاك الأراضي من جهة والقوميين والمسيحيين والطبقات الفقيرة من العرب والأكراد عدة أيام انتهت بهزيمة القوميين، فقام الشيوعيون بإعدامات استهدفت أعضاء الأحزاب القومية راح ضحيتها المئات.تركت هذه الأحداث أثرها العميق في الموصل ونزح العديد من سكانها إلى بغداد هرباً من الانفلات الأمني الذي اتسمت به الفترة التي تلت الثورة.
استطاعت طلائع البيشمركة الكردية بالتعاون معالفرقة المظلية 101 من الجيش الأمريكي من احتلال المدينة في21 نيسان 2003 إبانالاحتلال الأمريكي للعراق وذلك بعد استسلام القوات العراقية في المدينة. وشهدت الأيام الأولى من الاحتلال نهب العديد من المصارف والمنشآت الرسمية بها.[39]كما تم تعيين أول مجلس للمحافظة في 5 أيار وسط اتهامات أطراف متعددة للأكراد بمحاولة الاستئثار بالسلطة. وعُيّنأسامة كشمولة لاحقا محافظاًلنينوى غير أنه اغتيل من قبل مجهولين في أيلول 2003 فاستلم ابن عمهدريد كشمولة منصب المحافظة وسط اعتراض عدد من وجهاء العرب السنة الذين انسحبوا بشكل شبه كامل من مجلس المحافظة.[39] كما تدهور الوضع الأمني بالموصل عندما تمكنت مجموعات إسلامية أصولية تنسب إلىتنظيم القاعدة من فرض سيطرتها على أجزاء من المدينة ما دفع الحكومة العراقية إلى إرساللواء الذيب إليها كما دارت معارك شرسة بين المسلحين وقوات أمريكية أواخر 2004.[39]
قاطع العربالانتخابات البرلمانية في كانون الثاني 2005 ما أدى إلى حصولالتحالف الكردستاني على 31 من أصل 41 مقعداً في مجلس المحافظة.[40] وشهدت السنوات الأربع اللاحقة موجات عنف استهدفت الأقليات الدينية كان أهمهاسلسلة عمليات القتل استهدفت مسيحييها بأواخر سنة 2008 أدت إلى نزوح أغلبهم إلى مناطقسهل نينوى شرقي الموصل.[41]وخلال الانتخابات المحلية اللاحقة حصلت قائمة الحدباء الممثلة للعرب السنة بقيادةأسامة النجيفي على 19 من أصل 37 مقعداً في انتخابات مجالس المحافظات سنة 2009 مسيطرة بذلك على مجلس المحافظة.[42] في حين تمكنت قائمة التحالف الكردستاني من الفوز بالمركز الأول بأحد عشر مقعداً خلال انتخابات المحافظة لعام 2013 بينما حازت قوائم العرب السنة وعلى رأسها ائتلاف متحدون للإصلاح بقيادة أسامة النجيفي على 22 مقعداً.[43]
شهدت الموصل احتجاجات مطالبة بخروج القوات الأمريكية بشكل كامل واستقالة حكومة المالكي ضمنسلسة الاحتجاجات التي شهدها العراق سنة 2011.[44]
سقطت المدينة بالكامل بيدتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وقوات محلية متحالفة معها يوم 10 حزيران 2014 خلالحملة شنها بشمال العراق. وشهدت المدينة موجةنزوح نتيجة المعارك التي حدثت حيث اقتحم الآلاف من مقاتلي تنظيم داعشمطار الموصل وقواعد ومعسكرات عسكرية ومقر محافظة نينوى؛ مما أدى إلى انهيار جنودالجيش العراقي وانسحاب القوات إلىكردستان. وتمكن التنظيم من السيطرة على المدينة وأغلب مدن محافظة نينوى ومن ضمنها المنشآت الحيوية في المدينة من أهمهامبنى محافظة نينوى والمطار، والقنواتالتلفازية، وأعقب ذلك إطلاق ثلاثة آلاف سجين من السجون والمعتقلات في الموصل[45]، وسيطر التنظيم على كامل محافظة نينوى وأطلق على المعارك التي خاضها اسمغزوة أسد الله البيلاوي وأطلق علىمحافظة نينوى اسم ولاية نينوى. انسحبتالبيشمركة من بلداتسنجاروزمارووانةوربيعة التي سيطر عليها تنظيم داعش بعد القتال[46]، ومع بداية عام2015 أعلنت قوات التحالف عن شن ضربات جوية على مدينة الموصل والمناطق التي يسيطر عليها المتطرفون، وقبل ذلك قامتنظيم داعش بإزالة بعض الأضرحة والمراقد في مدينة الموصل وباقي المناطق التي يسيطر عليها، مثلجامع النبي يونسومتحف الموصل، مما اعتبرإرهاباً فكرياً، ونفذت هذه العمليات بما يتماشى مع عقيدةوإيديولوجية التنظيم التي تعتبر هذه الأضرحة والمراقد أماكن تعبد لغيرالله، وكانت المدينة منذ الحرب الطائفية قد حصلت فيها عمليات تغيير ديمغرافي للمسيحيينوالشيعة والأيزيديين وباقي الأقليات.[47]
في يوم 17 آب 2015 أحال البرلمان العراقي ملف سقوط الموصل إلى الإدعاء. فقد حمّلت لجنة تحقيق برلمانية عراقية محافظ نينوىأثيل النجيفي ورئيس الوزراء السابقنوري المالكي و35 مسؤولا آخرين مسؤولية سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم داعش.
أعلنتوزارة الدفاع العراقية عن تحرير الموصل في يوم الخميس 29 حزيران 2017، وعن نهاية وجود قوات داعش في مدينة الموصل بعد وصول وحدات من الجيش العراقي إلىجامع النوري الكبير الذي هدم وفجرتمنارته الحدباء الشهيرة في يوم 21 حزيران 2017، إثر حدوث معارك طاحنة بينه وبين قوات داعش راح ضحيتها العديد من أفراد الجيش العراقي، وذكر قائد عسكري عراقي أن قواته سيطرت على مجمع الجامع النوري الشهير والمناطق المحيطة به. علما أن زعيم التنظيمأبو بكر البغدادي كان قد أعلن في عام 2014 عن إقامة دولة «الخلافة» على أراض تشمل مناطق من سوريا والعراق من خطبة له من على منبر الجامع النوري.[48][49]
تقديرات لعدد السكان في الفترة من 1950 إلى 2015.[51]
يبلغ عدد سكان الموصل بحسب تقديرات 2003 حوالي 1,400,000 نسمة بينما يعتقد أن العدد الحالي 3,5 مليون نسمة.[52] وهي ثاني كبرى مدن العراق، بلغ عدد سكان المدينة لسنة 2018 حوالي 3,182,000 نسمة اما معا النواحي التابعة لقضاء الموصل يبلغ تعداده اكثر من 3.5 مليون نسمة، تتكون الموصل من جانبين هما الايمن و الايسر و تكون نسبة الجانب الايمن حوالي 40% من السكان و المساحة بتعداد 1.4 مليون نسمة ، و الجانب الايسر حوالي 60% من السكان و المساحة بتعداد 1.6 مليون نسمة ، يتوزعون على اكثر من 100 حي و زقاق يشطرها نهر دجلة من الوسط.[53]
بلغت زيادة عدد سكان الموصل حوالي 20,3 مرة منذ بدايةالقرن العشرين مقابل 1,7 مرة فقط خلالالقرن التاسع عشر؛ فقد ارتفع عدد سكان المدينة من 35,000 نسمة في بداية القرن التاسع عشر إلى 40,000 في منتصف القرن التاسع عشر، ثم إلى 60,000 نسمة عام1900 وتضاعفوا بعد ذلك ثلاث مرات ليصلوا إلى 178,000 نسمة عام1965. ويعد الربع الثالث من القرن العشرين أسرع فترات نمو سكان الموصل حيث تضاعف عدد السكان أكثر من تسع مرات.وقد بلغ معدل النمو السكاني لمدينة الموصل 30% سنويًا مما تسبب في مضاعفة عدد سكانها مرة واحدة كل ثلاث سنوات تقريبًا بين عامي1950 -1977.[بحاجة لمصدر]
يشكلالعربالسنة معظم سكان مدينة الموصل، وتنتشر بها أقلية منالأكراد الذين ينتمون للمذهب السني في الغالب، ويتواجد جميعهم في الجانب الشرقي من المدينة أو ما يسمى بالساحل الأيسر، أما بقية الطوائف من تركمان مسلمين، أو ديانات أخرى تشمل المسيحيينوالصابئة المندائيينواليزيديينوالشبك فيشكلون بمجموعهم نسبة قليلة لا تتجاوز 5٪ من مجموع سكان الموصل.
كانت الموصلقلعة صغيرة نشأت قديماً علىالساحل الأيمن من نهردجلة، في المكان الذي يُعرف بمحلة القلعة. وقد عُرفت هذه المحلة فياللغة السريانية باسم «حصنا عبرايا»، أي الحصن العبوري. توسع هذا الحصن في عصر الدولة الإسلامية وباتت الموصل المعبر الذي يمر به كل قاصد. وكانت حلقة الوصل بينبلاد الرافدين ومحيطها.
يعود الوجود اليهودي في مدينةنينوى التاريخية إلى فترة سبيهم من قبلالآشوريين في القرن السابع قبل الميلاد، واستمر وجودهم حتى القرن العشرين حيث وصل تعدادهم في مطلعه إلى 1100 نسمة.[54] غير أنهم نزحوا بشكل جماعي إلىإسرائيل في أوائل الخمسينات.
تميز الموصل بمناخ شبه جاف حيث يكون الصيف جافاً وحاراً وأحد الأسباب هو ارتفاعها القليل فوق سطح البحر الذي لا يتجاوز 220 متراً بينما تنزل درجات الحرارة إلى ما تحت الصفر وتصل كمية الأمطار سنوياً إلى 375 مم ويسقط الثلج أحياناً.[55] وقد سُجل في الموصل رقم قياسي لأدنى درجة حرارة في العراق حيث وصلت الدرجة إلى 17.6درجة مئوية تحت الصفر وكان ذلك في يوم 23 محرم 1329 هـ (24 كانون الثاني 1911 م).[56]
ازدهرت الموصل كمركزتجاري فيالقرن السادس عشر وذلك بحكم العلاقات التي ربطتها مع البلدات المجاورة. فاستوردت المواد الغذائية من مدنزاخووأربيلوكركوك، كما اشتهرت باستيراد الصوف منغيلان في بلاد فارس ولفترة محددة أثناء حكم الصفويين على مناطق واسعة من العراق حتىحصن كيفا. غير أن سيطرة العثمانيين عليها غير مسار التجارة فأصبحت تستورده من بعلبك وتصدر الأقمشة المصنوعة منه إلىأوروبا حيث عرفتبالموسلين نسبة إلى المدينة.[58] وتزامن هذا الازدهار التجاري بزيادة عدد السكان بنسبة 30% الهجرة. أدى ظهورحلب في سوريا كمركز لتصدير الحرير إلىأوروبا إلى قيام تجار الموصل بزيادة الضرائب على الحرير الإيراني المصدر عبرها. وخلال فترة الحرب الصفوية العثمانية التي استمرت منذ أواخرالقرن السادس عشر حتى عام 1639م، عانت السهول المحيطة بالموصل من وجود الجيوش العثمانية التي تمركزت في تلك المناطق. كما تغير نوعالاقتصاد فأصبحت الموصل مركزاً لتمويل الجيش بمستلزماته المعيشية.[59] وعلى العموم فإن تلك الفترة شهدت انحطاطاً في الاقتصاد الموصلي كان أحد عوامله تسليح العثمانيين للقبائل العربية والكردية من أجل محاربة الصفويين، فقام هؤلاء بالإغارة على القوافل التجارية التي كانت ترتاد الموصل.[60]
أدت سيطرةآل الجليلي على ولاية الموصل فيالقرن الثامن عشر إلى انتشار الأمان في المنطقة كما قام هؤلاء بالعديد من الأعمال الإعمارية كبناء حوانيت وقيصريات (أسواق مغلقة).[61] كما قامآل الجليلي بتقسيم القرى المتواجدة بالمناطق السهلية الخصبة المحيطة بالمدينة على إقطاعيين عملوا على جمع الضرائب والمحاصيلالزراعية منها. فكانت قرة قوش وبرطلة ملكاً لعائلة الجليلي بينما امتلكتعائلة العمريمدينة كرمليس.[62] فأصبحت الموصل من أهم مُصَدِّري الحبوب في المنطقة وقام تجارها بتصدير معظم هذه المحاصيل إلى المدن الكبرى القريبةكبغدادوحلبوديار بكر. وبالمقابل استوردت الموصل الفستق والصوف من جبال كردستان والحديد من ديار بكر.[62]
ولقد ظهر خط تجاري جديد في النصف الثاني منالقرن العشرين وهو خط نهري بواسطة نهردجلة يمتد من الموصل إلىالبصرة عبربغداد، حيث كانت المنتوجات المصنوعة والمستوردة إلى هذه المدن وخاصة الصوف والقطن تصدر عبر البصرة إلىأوروبا والهند.[63] كما ساعد افتتاحقناة السويس عام 1870 ووصول سفن بخارية بريطانية إلى تطور هذه التجارة بشكل سريع.[64]
عرفت الموصل كأحد مراكز تصدير النفط في الشمال بعد الاحتلال الإنجليزي للعراق. كما اتجه العديد من أهلها من تربية الماشية والمهن الحرفية إلى قطاع الخدمات. توسعتالزراعة فيها وتنوعت بعد إنجاز بعض مشاريع الري علىسد الموصل (سد صدام سابقا)ونهر الزاب الكبير وأصبحت تزرع فيها محاصيل الصناعية مثلالذرةوالقطن تحت منظومات الري التقليدية والحديثة.
طابع بريدي عراقي فئة 15 فلساً صدر عام 1970 للترويج لمصنع السكر في الموصل
وعانت مدينة الموصل منالركود الاقتصادي منذ عقد التسعينات منالقرن العشرين، حيث تزامن هذا مع هجرة الأيدي العاملة الحرفية والكوادر الأكاديمية إلى خارج القطر.ومن أشهر الأسواق في مدينة الموصل:سوق النبي يونس، وسوق السرجخانة،وباب السراي، وباب الطوب، وأيضاً سوق الميدان للسمك.
قد أثّرت الحرب التي دارت في الموصل على هذهِ الأسواق، واخرجت أسواق منطقة الميدان عن الخدمة. وسوق السمك هو واحد من هذه الاسواق الذي استعاد عافيته وعاد تجاره بمجهوداتهم الخاصة لممارسة مهنتهم في المدينة القديمة.[65] إن من أبرز الأسماك النهرية التي يشتهر بها سوق السمك في مدينة الموصل (الكطان، والشبوط، والبني، والسمتي، والبز، والشيصان، والجري)، ويعتبر سوق السمك مائدة مفضلة عند أهالي المدينة الذين يتزاحمون إليه منذ ساعات الصباح الأولى فمنهم يأتي لشراءه ومنهم من يفضل تناولهُ ساخناً في المطاعم المنتشرة على جانبي السوق. وتعتبر إطلالة سوق الميدان على نهردجلة محطة مفضلة لصيادي الأسماك الذي توارثوا مهنتهم عبر أبائهم وأجدادهم فتجدهم تارةً منهمكين بمد شباكهم في النهر وصيد الأسماك وتارةً أخرى يبيعون ما تم إصطياده وفقاً لروايتهم.[66]
سوق السمك في الموصل
سمك بحري
سمّاك يقوم بتقطيع وتنظيف السمك من نهر دجلة
سمك نهري من نهر دجلة
سمك بحري
سمك نهري من نهر دجلة
سمك بحري
مطعم سمك مقلي، يظهر في الصورة قطع من السمك المقلي وصحون من بيبوض السمك النيئة.
مطعم سمك مقلي، يُقدم إلى جانبه الأرز الأحمر المطبوخ بصلصة الطماطم
مطعم سمك مقلي، يظهر في الصورة قطع من السمك المقلي وصحون من بيبوض السمك النيئة.
مطعم سمك مسكوف
مطعم سمك مسكوف
واشتهرت مدينة الموصل قديماً بصناعاتها ومنتوجاتها المعدنية منالنحاس، وكان من بين المنتجات المصنوعة في المدينةالإبريق الشهيرالذي يعرض الآن في المتحف البريطاني بلندن، إذ كانت المنتجات النحاسية تملأ زوايا سوق الصفّارين في الموصل. لكن الآن ومع منافسة الواردات الأرخص سعراً للمنتجات المصنوعة يدوياً، وارتفاع سعر النحاس، يخشى كثيرون من أن تتلاشى تدريجياً حرفة صناعة المنتجات النحاسية.[67]
أُجْريَتْ الانتخابات المحلية الأولى سنة2005 في الموصل، وقد أدى الوضع الأمني بالإضافة إلى الموقف السلبي المسبق الذي اتخذه أهالي المدينة من المشاركة في هذه الانتخابات،[68] حيث قاطعوا الانتخابات كثيرًا جدا مما أدى إلى نسبة إقبال ضئيلة لم تتجاوز 20% في كل المحافظة. والفائز الأكبر في تلك الانتخابات كانالتحالف الكردستاني، حيث حصل على 34 عضوا من أصل 41 في محافظة نينوى، أما الأعضاء العرب فلم يتجاوز الأربعة.وفي 31 كانون الثاني أُجريت انتخابات مجالس المحافظات في عموم العراق، وفي محافظة نينوى فازت قائمة الحدباء الوطنية بأغلبية الأصوات إذ حصدت 19 مقعدا من أصل 37 بينما حصل الاتحاد الكردستاني على 10 مقاعد بعد أن كان يهيمن على المجلس السابق بشغله 34 مقعدا من أصل 41 بسبب إحجام المواطنين في نينوى عن المشاركة في الانتخابات السابقة التي جرت في عام 2005، وكان نصيبالحزب الإسلامي العراقي في الانتخابات الأخيرة 3 مقاعد فقط، وحصل المسيحيون والإيزيدية والشبك على مقعد واحد لكل مكون وهو ما يعرف بنظام الكوتا.[69]
بسبب نتائج الانتخابات تمكنت قائمة الحدباء من التحكم بإدارة بلدية المحافظة وأصبحأثيل النجيفي محافظ نينوى. القائمة أكدت على «الهوية العربية والإسلامية» للمحافظة واتسمت علاقتها بالأكراد بالتوتر.[70]
تم تسيير أول قطار بين بغداد والموصل عام 1940 م، حيث كانت الموصل على طريقسكة برلين-بغداد.[71] كما بنيتمحطة قطار في الموصل، وسميت المنطقة المحيطة به «حي المحطة». بسبب الحروب والعلاقات المتوترة بين العراق وجيرانه، كانت أكثر الرحلات من الموصل تتجه جنوباً إلى بغداد، على حساب سوريا وتركيا. غير أن الخدمة الدولية عادت في فترات، فعادت سنة 2001 م،[72] كما عادت في أوائل سنة 2010 م (متجهة إلىغازي عنتاب عبر سوريا) لكنها توقفت بعد عدة شهور.[73]
أحد جسور مدينة الموصلمشهد لأحد الجسور في المدينةنهر دجلة والجسر الخامس
للموصل خمسة جسور تربط بين ضفتي المدينة ويعود تاريخ أقدمها إلى عهد الانتداب البريطاني، وقد أعلنت مديرية طرق وجسور محافظة الموصل أنها ستباشر ببناء جسر سادس قريبا.[74]
يـوجد في الموصلمطار الموصل الدولي الذي يبعد عن مركز المدينة بحوالي 5 كيلومتر، ولقد شُيّد المطار في عام 1920م، من قِبَلسلاح الجو الملكي البريطاني، ويشغل المطار من طرف الحكومة العراقية وهو أحد مقرات شركة الخطوط الجوية العراقية.
ولعبت الموصل دورا مهما في الحفاظ على تراث المقام العراقي والمحلي بعد أن أسست أسرة موصليةشركة تسجيلات جقماقجي سنة ١٩١٨ م، وسجلت اسطوانات لعدد من فناني المحليين في منتصف القرن العشرين.[77]
تميّزت العِمارة في الموصل عن مِثيلاتها فيالعراق بِخصائص منحتها لونٌ خاصٍ ويظهر الإبداع في البناء في الموصل القديمة فيالجوامعوالكنائسوالسرايا والبيوت على الرَغم من بَساطة المواد المُستعملّة في البناء آنذاك ويبدو واضِحاً إبداع البناؤون والنقاشون والخزافيون في إظهار جمالية لِلبِناء.
شارع يتفرع إلى زقاقين يتوسطهما بيت التاجر الثري الحاج سعيد جلميران في الموصلچاى خانه (مقهى) ويبدو فيه الزبائن وهم يدخنونالنارجيلة، 1914 م.
شارع النجفي: من الشوارع القديمة في مدينة الموصل، وهو مشهور ببيع الكتب والقرطاسية وفيه نشأت أولى المكتبات ودور النشر في المدينة. وقد عرف عن أهل الموصل كما هو حال أهل العراق حبهم وشغفهم للقراءة والتعلم، فكانت المكتبات عامرة بالكتب من كل الأصناف، منها كتب الفقه الإسلامي بمختلف مذاهبه وكتب التفسير وكتب التاريخ والروايات والقصص العربية والعالمية المترجمة.
شارع الفاروق: يقع في العراق الساحل الايمن من مدينة الموصل ويعتبر من أشهر وأقدم شوراعها، انشئ في العهد الملكي سنة 1946. ويمتاز كما يسمى في الموصل (الدنك) أي الاعمدة التي تشبه أعمدة شارع الرشيد ببغداد والتي تستقر عليها أبنية الطابق الثاني، ومن أبرز معالمه جامع الكبير النوري ويقع على الجهة اليسرى من الشارع
مرقد الإمام يحيى أبو القاسم في حي الشفاء من المعالم الدينية الأثرية في مدينة الموصل قبل تفجيره من قبل تنظيم داعشباحةجامع النبي جرجيس
يعود تاريخ الجوامع إلى بداية العهد الإسلامي وتحديدا سنة 16 هـ الموافق 637 م حيث بنيالجامع الأموي من قبلعتبة بن فرقد السلمي، ويسمى الجامع اليوم الجامع العتيق نظرا لقدمه. ثاني جامع بني في الموصل هوالجامع كبير الذي بناهالعادل نور الدين وانتهى من بنائه سنة 568 هـ الموافق 1172 م، ولم يبقَ من الجامع الأصلي سوى مئذنة الحدباء والتي تعتبر أشهر معالم المدينة. ولقد بنيجامع النبي جرجيس، وهو جامع تاريخي يقع في منطقة سوق الشعاريين بشارع نينوى من الجانب الايمن للمدينة.[81]
ويعتبر المؤرخسعيد الديوه جي في طليعة من اهتم بتاريخ جوامع الموصل، حيث أجرى بحث مكثف عن أصل هذه الجوامع وقدمها في كتاب باسم «جوامع الموصل في مختلف العصور» طبع في عقد الستينيات منالقرن العشرين.ويوجد العديد من الجوامع الحديثة التي شيدت وبنيت في عقد التسعينات.
تعتبركنيسة مار توما الرسول للسريان الأرثوذكس التي تنسب إلىمار توما أقدم كنيسة في المدينة، إذ يرجع أقدم ذكر لها إلى القرن السادس الميلادي، وقد كانت مقرا لمطرانية الموصل للسريان الأرثوذكس حتى نقلها إلى كاتدرائية مار افرام في الجهة اليسرى من دجلة.[82] ومن الكنائس السريانية الأرثوذكسية القديمة كذلك كنيسة مار أحودامة التي شيدهاالتكارتة النازحين إليها في القرن التاسع.[83] وأقدم كنيسة للكلدان هي كنيسة مار فثيون والتي يعود ذكرها إلى القرن العاشر. ومن الكنائس التاريخية كذلك كنيسة القديسة مسكنتة والتي تعود إلى العهد الساساني وكذلك كنيستان للكلدان والسريان الأرثوذكس تعرفان بالطاهرة التحتانية بسبب انخفاضهما عن مستوى الشارع.[83]
ولعل أهم الكنائس الحديثةكنيسة الساعة والتي أسسها الآباء الدومنيكان عام 1873 م. وتشتهر هذه الكنيسة ببرج ساعتها الذي كان الأول من نوعه في المنطقة.[84]
يرى المستشرقجان موريس الدومنيكي (Jean Maurice Fiey 1914-1995)، وهو من أكثر المهتمين بالموصل وتراثها وتاريخها ولغتها ومعالمها، أن أول اسم للموصل كان (ماشپل)؛ وهو اسم بابلي بمعنى المخربة وذلك عندما خربت عند سقوط نينوى سنة 612ق.م، ولما احتلها اليونانيون بدلوا حرف الشين بالسين فأصبحت (موسپل)، ثم تطور هذا الاسم إلى «موصل» لكثرة استعماله وتوافق حرفي السين والصاد.[85]
أما زينفون الذي مر بالموصل في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد فقد سماها «موسيلا».[86] وأكثر المؤرخين يتفقون على أن تسمية الموصل جاءت من وصولها بين منطقتين أو مكانين، إلا أنهم اختلفوا فيما بينهم في المكانين الذين وصلت بينهما، فالكثير منهم يرجع تسميتها بالموصل لأنها وصلت بين دجلة والفرات، ويرى البعض الآخر لأنها وصلت بين العراق والجزيرة ويرى آخرون أنها وصلت بين الشرق والغرب والشمال والجنوب. ويقال أنها سميت كذلك نسبة إلى الملك الذي أحدثها.[87]
يخطئ الكثير بنسب تسمية الموصل بالحدباء إلى منارة الجامع النوري المائلة، والصحيح أن تسمية الحدباء جاءت من احدداب نهر دجلة واعوجاج مجراه عند مروره بشمال المدينة.[88] وينسب آخرون هذه التسمية إلى انحداب أرضها المرتفعة في «تل قليعات».[89] قال أبو الحزم المكي أبن ريان الماكسيني الموصلي المتوفي 603هـ
سماها البعض «البيضاء» لأن دورها كانت قديماً مبنية بالرخام والجص الأبيض. وقد قال الشاعر يرثى مالك أبن أشقر الأزدي في وقعة الميدان في الموصل مع تغلب عام 198هـ.[90]
ويقصـد بها الحصن الشرقي المقام على تل التوبة الذي تقع عليه أثار نينوى القديمة، والحصن الغربي المقام على تل القليعات والتي بنيت عليه الموصل. وقد ذكرها العرب بهذا الاسم في أيام الفتح الأسـلامي.
وتعني بيت العرب أو بلاد العرب، وهو اسم قديم حيث سميت به بعد هـجرة القبائل العربية إليها على إثر سقـوط نينوى وزوال ملك الآشوريين. ويرجع أقدم ذكر لاسم عربايا إلى أواخر القرن السادس قبل الميلاد في كتابة (حجر بهستون) ضمن الأقاليم المؤلفة لإمبراطورية الملك الأخميني دارا الكبير[91]، وقال الأصمعي (كانت قريش تسأل في الجاهلية عن خصب باعربايا، وهي الموصل، لقدرها عندهم وعن ريف الجزيرة، وما يليها لأنها تعدل في الخصب باعربايا).[92]
وهو اسـم أطلقه الفرس الساسانيون على الموصل بعد أن حصنوها واتخذوها مركزاً حربياً فيها العدد والعُدد، وجدد عماراتها أردشير الأول 224-241م وسميت خرزا أردشير.
أشار الرحالة اليوناني زينوفون في رحلته عام (401) ق.م إلى الموصل باسم (مسبيلا) المستنبطة من الكلمة الآشورية (مشبالو) التي تعني الأرض السفلى أو الأرض الواطئة أو المنخفضة.[93]
^Shields، Sarah D. (2000).Mosul before Iraq: like bees making five-sided cells. Albany, NY: State University of New York Press. ص. 195.ISBN:9780791444887.
^رهبان، عبد الرؤوف."الموصل".08 أيلول 2011. الموسوعة العربية. مؤرشف منالأصل في 2016-04-28.
^مديرية الانواء الجوية (1954)."احصائية المناخ للقطر العراقي"(PDF). الحكومة العراقية - وزارة الاشتغال والمواصلات. مؤرشف منالأصل(PDF) في 2017-07-07. اطلع عليه بتاريخ2011-09-13.