هو: محمد شمس الدين بن مكي جمال الدين بن محمد شمس الدين بن حامد بن أحمد بن طه بن محمد بن فخر الدين المطلبي القرشي نسبًا، النباطي الجزيني العاملي موطنًا، المعروف بالشهيد الأول.[2]
درس على والده الشيخ جمال الدين مكي،[6] وتلقى عنه مبادئ العربية والفقه، كما تتلمذ الشهيد فيجزين على الشيخ أسد الدين الصائغ الجزيني «والد زوجته وعمّ أبيه»، وهو من العلماء البارزين الذين عُرِفوا بسعة الاطّلاع وإتقان علوم متعددة، حيث نُسب إليه التضلّع في ثلاثة عشر علمًا منالعلوم الرياضية.
كانتالحلة آنذاك مركزا من مراكز الحركة العلمية في الأوساطالإسلامية الشيعية، فهاجر الشهيد الأول إليها وهو بعد لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره، وأجازه (فخر المحققين) نجل (العلامة الحلي) أن يروي عنه بتاريخ20 شعبان سنة751 هـ.
والده الشيخ جمال الدين مكي بن الشيخ محمد شمس الدين بن حامد المطلبي العاملي.
الشيخ أسد الدين الصائغ الجزيني العاملي والد زوجته وعم أبيه، وكان هذا عالمًا كبيرًا يتقن ثلاثة عشر علمًا منالعلوم الرياضية، ولم يشتهر لغلبةالعلوم الرياضية عليه.[7]
الشيخ رضي الدين أبو طالب محمد أكبر أبناء الشهيد (محمد بن محمد)،[10] أجازه أبوه مرتين، يروي عن أبيه وعن ابن معية.[11]
الفقيهة الفاضلة فاطمة المدعوة بست المشائخ، تروي عن أبيها وعن السيد تاج الدين ابن معية إجازة، وكان أبوها يثني عليها ويأمر النساء بالاقتداء بها، والرجوع إليها. وقد عني الشهيد بتربية بنته هذه وتثقيفها فكانت مثال المرأة المؤمنة المثقفة، وكانت موضع احترام وعنايةالفقهاء والناس عامة، حتى أنها لما توفيت في قريةجزين حضر تشييعها سبعون مجتهدًا من (جبل عامل). ولسنا نملك أثرًافقهيًّا عن هذه السيدة الجليلة، لكن بين أيدينا وثيقة كتبتها ست المشائخ لأخويها تهب بها ما يخصها من تركة أبيها فيجزين لأخويها، ابتغاء لوجه الله، وفي قبال ذلك يعوضها أخواها بكتب فيالفقه.
وهو كتاب مختصر فيالفقه يتميز بمتانة الاستدلال وتركيز الدليل وتجنب الخوض في المناقشات المطولة للآراء وجمال التعبير. وكل ذلك كان سببًا ليدخل هذا الكتاب في المنهاج الدراسيللحوزات العلمية فيالفقه إلى اليوم الحاضر، وهو أول كتاب دراسي استدلالي يقرأه الطالب فيالفقه. ويلاحظ في هذا الكتاب استخدامًا واسعًا للقواعدالفقهية، وهذا ما لا نجد نظيرًا له في الأعمالالفقهيةللشيعة السابقة عليه.
يذهب بعض المؤرخين إلى أن الشهيد ألّف هذا الكتاب في مدة حبسه في قلعةالشام في سبعة أيام وما كان يحضره من كتبالفقه غير كتاب «المختصر النافع».
فيما يرى البعض الآخر أنه قد ألّفه بطلب من «علي بن الموَيد» ملك خراسـان الشيعي (توفـي عام795 هـ)، وقد ألّفه عام782 هـ، وذلك قبل شهادته بأربع سنوات وكان الرسول بين الشهيد الأول والموَيد هو محمد الآبي النقيب شمس الدين، وهو المرجّح والأقرب للتصديق.
كان الشهيد يقوم في وقت واحد بجهد علمي فيجزين، ونشاط سياسي فيدمشق، وعمل اجتماعي واسع في تنظيم المرجعية فيبلاد الشاموخراسان.[20]
تأسيس مدرسةجزين: مع استلامالايوبيين للحكم منالفاطميين بدأت مرحلة من الضمور الكبير للحالة الشيعية فيمصروالشام، ثم جاء من بعدهمالمماليك عام648 ليواصلوا نفس السياسة التي مارسها سلفهم الايوبيون في التضييق علىالشيعة، وكانت أيامهم من أشق الفترات على شيعة الشام. في مثل هذه الظروف الصعبة حاول الشهيد الأول أن يوصلجبل عامل بمدرسةالحلة وينقل إليها العلم والفقاهة والفكر، ويجعل منجبل عامل مدرسة للفقاهة والثقافة الإمامية مستفيدا من موقعها الجغرافي الذي يمنحها حصانة طبيعية في مقابل تعدي المماليك. وكانت مدرسة (جزين) التي أنشأها الشهيد الأول فيجبل عامل البذرة التي نمت فيما بعد وأثمرت واتسعت واستتبعت مدارس فقهية أخرى في مناطق كثيرة منجبل عامل. وازدهرت هذه المدرسة على يد الشهيد وكان يمارس التدريس فيها بنفسه ويعطيها من اهتمامه وجهده ووقته الكثير.
تدوين القواعد الفقهية: وهو أمر جديد في تاريخ الفقه الإمامي. والقواعد الفقهية أحكام كلية تندرج تحت كل منها تطبيقات جزئية من أبواب مختلفة من الفقه أو من باب واحد من أبوابه، وهي كثيرة في أبواب المعاملات والعقود والنكاح والمواريث والعبادات والجنايات وغيرها.
انفتاحه الثقافي والعلمي: عُرف الشهيد الأول بانفتاحه الثقافي والعلمي فقد قرأ على عدد من مشايخأهل السنة، وروى عن أربعين شيخا من علمائهم بمكةوالمدينةوبغدادومصرودمشقوبيت المقدس ومقامالخليل إبراهيم. فكان على صله وثيقة بالاتجاهات الفكرية السنية، وعلى معرفة تامة بآرائها وأفكارها، كما كان على صلة وثيقة، ومعرفة تامة بمشيخة الرواية والفقه والكلام عن أعلام السنة، مما يدل على أنه في أسفاره كان يخالط كثيرا من (أقطاب المذاهب الإسلامية) الأخرى، ولم يكن ممن ينطوي فكريا على نفسه.
عمل الشهيد في هذه الفترة على تنظيم علاقة الامة بالفقهاء من خلال شبكة الوكلاء الذين ينوبون عن الفقهاء في تنظيم شؤون الناس في دينهم ودنياهم كما يقومون بجمع الحقوق المالية الشرعية لتوزيعها على مستحقيها بنظر الفقيه. والمعروف أن الشهيد الأول هو أول من أسس هذا التنظيم الذي يربط الفقيه المتصدي بالامة بواسطة شبكة من الوكلاء، واستمر هذا التنظيم فيما بعد ونمى وتطور على أيدي الفقهاء الذين تصدوا لشؤون الناس إلى اليوم الحاضر.
كان الشهيد يتردد خلال فترة عمله فيجزين علىدمشق كثيرا، وكان له بيت عامر فيدمشق بالعلماء وطلبة العلم. وكان مجلسه هناك حافلا بمختلف الطبقات ومن مختلفالمذاهب الأربعة.
كان اضطراب الوضع السياسي والاجتماعي في البلدان الإسلامية يحمل نواة ظهور بدع في التفكير والعقيدة.فقد ظهر فيجبل عامل شخص يسمى بمحمد الجالوش، أو (اليالوش) – نسبة إلى قرية برج يالوش- ويقال إنه كان من تلامذة الشهيد.
لكنه بدأ يدعو إلى مذهب يغلب عليه طابع التصوف والاعتقاد بوحدة الوجود، ويذهب البعض إلى أنه ادّعى النبوة، ويبدو أن (اليالوش) كان خطيبا متكلما لذقا، حلو البيان ومشعوذا، استطاع أن يشد إلى دعوته الجديدة ناسا من السذج، فاربك الوضع، وخاف الشهيد أن تشيع هذه البدعة الجديدة، ويتسع إطارها فاتصل بالبلاط واقنع الجهاز بضرورة تلافي الامر قبل أن يستفحل، فجهزت حكومةدمشق (من المماليك) جيشا، واصطدموا بمعسكر (اليالوش) بالقرب منالنبطية الفوقا، فقتل (اليالوش) وتمزق شملهم.
إلا أن هذه الهزيمة لم تكن كافية للقضاء على هذه الظاهرة فقد انتقلت زعامة الدعوة الجديدة بعد مقتل (اليالوش) إلى تقي الدين الجبلي أو (الخيامي) من أهالي الجبل، ومن بعد وفاته تولى الزعامة شخص آخر يدعى ب (يوسف بن يحيى) وكان لهذين الرجلين الجبلي، ويوسف بن يحيى اصبع في مقتل الشهيد الأول وذلك بالوشاية عليه عند (بيدمر) حاكم دمشق، وقضاةبيروتوحلبودمشق
وكان استشهاده سنة786 هجرية، اليومالتاسع من جمادي الأولى، قتل بالسيف ثم صلب ثم رجم وأحرقبدمشق بفتوى القاضي برهان الدين المكي وعباد بن جماعة بعدما سجن سنة كاملة في قلعةالشام.
وكان سبب حبسه وقتله وشاية من رجال اليالوشي الذين كتبوا محضرًا يشتمل على مقالات شنيعة بحق الشهيد، اتهموه بميلهللنصيرية، وإباحتهالخمر، وغيرها من الافتراءات بهدف التخلص منه. شهد بذلك جماعة من سبعين نفرًا من رجال اليالوشي، ثم أتوا به إلى قاضيالشام فحبس بداية ثم قتل ثم صلب ورجم ثم أحرق.
يذهب البعض إلى أن موقف القاضي ضد الشهيد الأول كان منبعه الحسد، حيث أفحم الشهيد القاضي في إحدى اللقاءات على مرأى ومسمع جمع من العلماء والحاضرين. ويرى البعض الآخر إلى أن القاضي المذكور هو من قام بكتابة العريضة ضد الشهيد الأول بعد مناظرته وإفحامه، وأشهد عليها جمع من العلماء ورفعها إلى حاكم دمشق. وقيل كذلك بأن رجال اليالوشي إنما أقدموا على كتابة شكواهم بإيعاز من حاكم دمشق، وذلك بعدما رأى من اتساع أمر الشهيد الأول وقدرته على التأثير في الأوساط العلمية والدينية والاجتماعية.
وقيل حصل صراع بين الشهيد وبين أحد المتنفذين الشيعة (محمد اليالوش) الذي ادعى النبوة ودارت معركة انتصر فيها الشهيد وقتل المدعي، لكن خليفة الأخير وهو تقي الدين الجبلي الخيامي حرض المماليك على قتله، وساعده في تحقيق مرامه خوف المماليك المتزايد من تنامي آثار شخصية الشهيد في المنطقة بعد المعركة مع اليالوش، وانتهى الأمر بالشهيد إلى نيل هذا اللقب، بعد إعدامه في دمشق، ثم رجم وأحرق.تأسست بعد هذه المرحلة مدارس عدة في جبل عامل والبقاع، منها مدرسة ميس والكرك وشقرا والمدرسة النورية في بعلبك. ودامت الحال في تقدم رغماً عن عوامل التعصب، ومعاكسة الحكام، إلى أن طرد العثمانيون المماليك من المنطقة سنة 1517، فأنهوا الاستقلال الإداري الذي تمتعت به، وبسطوا سلطتهم عليها بالقوة.
وأما تأخير قتل الشهيد وحجزه في القلعة سببه خوف الحاكم في دمشق من ردة الفعل الشعبية عليه، لما للشهيد من مكانة علمية واجتماعية وسياسية بين أتباعه.
وقال عنه أستاذه فخر الدين محمد بنالعلامة الحلي: «وقرأ على مولانا الإمام العلامة الأعظم أفضل علماء العالم سيد فضلاء بني آدم مولانا شمس الحق والدين محمد بن مكي».