بويع أخوه الحسن بالخلافة، فاستمر خليفةً للمسلمين نحو سبعة أشهر، ثم تنازل عنهالمعاويةَ بْنِ أبي سفيان سنة41 هـ حين صالحه على أمور. وانتقل الحسن والحسين منالكوفة إلىالمدينة المنورة، ولم يزل الحسين بعد وفاة الحسن يحفَظ عهد أخيه مع معاوية طَوال حياة معاوية. فلمَّا مات معاوية، تسلَّم ابنُهيزيدُ بْنُ معاويةَ الخلافة بالتوريث بدلًا من الشُورى؛ فأبى الحسين بيعته، وخرج إلىمكة ومكث فيها أشهرًا، فأرسل إليه أنصاره بالكوفة رسائل يؤكدون فيها رغبتهم في حضوره ومبايعته، فأرسلَ ابْنَ عمهمسلمَ بْنَ عَقِيل، وأمره أن يستجليَ له حقيقة أمر أهل الكوفة، ولكنَّ واليها الجديدعبيدَ الله بْنَ زياد لم يلبَث أن بطش به فقتله، فتفرق عنه أنصار الحسين وخذلوه.
خرج الحسين إلىالكوفة، وفي طريقه إليها، مرَّ على مِنطقة «زُبَالة»(2)، فبَلَغَه حينئذٍ خبر مقتل مسلمِ بْنِ عقيل، وخذلانِ أهل الكوفة، وتوجّهالحرُّ بْنُ يزيدَ الرياحي ومعه ألف فارس إلى الحسين؛ ليلازمه حتى يصل إلى الكوفة، فلما وصلوا إلىكربلاء، اعترضهم جيشعمرَ بْنِ سعد من أربعة آلاف مقاتل، فعرض على الحسين النزول على حكم ابن زياد، فلما استعصَت المفاوضات وتعذّر الصلح، دارتمعركة كربلاء، فقُتِلَ فيها نحوُ 72 رجلًا من أصحاب الحسين، وقُرابة 88 رجلًا من جيش عمر، وطعنهسنانُ بْنُ أنس، فاحتزّ رأسه، وقيل: إن الذي قطع رأسه هوشِمْرُ بْنُ ذي الجوشن، ودفن جسده فيكربلاء. وفي روايات الشيعة أن رأسه دُفن بكربلاء مع جسده عند عودة نساء أهل البيت من الشام، وأما أهل السنة فاختلفوا في مَدفِن الرأس؛ فقيل: فيدمشق، وقيل: فيكربلاء مع الجسد، وقيل: دفن فيمقبرة البقيع فيالمدينة المنورة،[9] وقيل غير ذلك، فتعدّدت المراقد، وتعذّرت معرفة مَدفِنه. وكان مقتله يومالعاشر من المحرم سنة61 هجرية، الموافق10 أكتوبر سنة680 م، ويسمى «عاشوراء»، ولم يزل هذا اليوم عندالشيعة يومَ حزن وكآبة.[10]
أمه:فاطمةُ الزهراء، بنتُ النبيمحمد، فعُرف بـ "سبط رسول الله"،[14] والسبط كلمة تُقال للأولاد عامةً، وقيل: أولاد الأولاد، وأولاد البنات، وقيل معناه الطائفة أو القطعة، فيكون معنى "سبط رسول الله" أي قطعة منه، دلالة على شدة حبه له وللحسن.[15]
كُنيته: أبو عبد الله،[8] وفي مصادر الشيعة أن النبي من كناه بذلك.[16]
ألقابه: لُقّب بالسبط، وسيد شباب أهل الجنة[17] وريحانة رسول الله، والشهيد،[8] وفي بعض الرواياتالشيعية بسيد الشهداء،[18] وبألقاب آخرى مثل: الزكيّ، والطّيب، والوفي، والسّيد، والمُبارك.[19][20]
إخوته: للحسين بن علي العديد من الإخوة والأخوات من أبيه، فقد بلغ عدد إخوته من الذكور حوالي عشرين أخًا، ومن الإناث ثماني عشرة، أما الإخوة الأشقاء من أبناءفاطمة الزهراء فهُم:الحسن،والمُحَسِّن،وزينبوأم كُلثوم.[21] والحسين هو الابن الثاني لعلي وفاطمة بعد الحسن.[22]
ولمَّا وُلد الحسين أُتِيَ به إلى النبيمحمد،وأذن في أذنيه جميعًابالصلاة،[27] وعقّ عنه بكبش كما فعل مع أخيه الحسن،[28] ورُوى أن علي بن أبي طالب كان يريد تسميته حربًا، فسماه النبي حسينًا، فعن علي قال:[29] «لما ولد الحسن جاء رسول اللهﷺ فقال: أروني ابني ما سميتموه؟ قلت: سميته حربا. قال: بل هو حسن. فلما ولد الحسين قال: أروني ابني ما سميتموه؟ قلت سميته حربا. قال: بل هو حسين. فلما ولد الثالث جاء النبيﷺ قال: أروني ابني ما سميتموه؟ قلت سميته حربًا قال: هو محسن. ثم قال: إني سميتهم بأسماء ولدهارون شبر وشبير ومشبر.» وقال عمران بن سليمان:[27]:243 «الحسن والحسين اسمان من أسماء أهل الجنة. لم يكونا في الجاهلية.» وجاءت الروايات أن فاطمة كانت تحلق شعر أبنائها في اليوم السابع من ولادتهم وتتصدق بوزن الشعرفضة على المساكينوأهل الصفة.[27]:233 كماخُتِنَ في اليوم السابع أيضًا.[30]
وقد جاء في بعض المصادر أن أمه فاطمة دفعته إلىأم الفضل بنت الحارث زوجةالعباس لترضعه، وأنها رأت رؤيا قبل مولده، فيروى عنها أنها قالت:[31] «يا رسول الله رأيت في المنام كأن عضوا من أعضائك في بيتي أو قالت في حجرتي، فقال تلد فاطمة غلامًا إن شاء الله، فتكفلينه، فولدت فاطمة حسنًا فدفعه إليها فأرضعته بلبنقثم بن العباس، فجئت به يومًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبال على صدره فدحيت في ظهره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مهلًا يرحمك الله أوجعت مشهور، فقلت ادفع إلي إزارك فأغسله، فقال: لا صبي عليه الماء فإنه يصب على بول الغلام ويغسل بول الجارية.».
نشأته على عهد النبي
نشأ الحسن والحسين في بيت أبويهما فيالمدينة المنورة، وكان النبي محمد يُحبهما ويأخذهما معه إلىالمسجد النبوي في أوقات الصلاة حين يصلي بالناس، فكان إذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره. فإذا أراد أن يرفع رأسه أخذهما بيده فوضعهما وضعا رفيقا. فإذا عاد عادا. حتى إذا صلى صلاته وضع واحدا على فخذ والآخر على الفخذ الأخرى،[23]:381 وكان يُركبهما بغلته الشهباء؛ أحدهما أمامه والآخر خلفه،[32] وكان يقول: «هذان ابناي وابنا ابنتي، اللهم إنك تعلم أني أحبهما فأحبهما.».[33] وكان إذا سمع الحسين يبكي قال لأمه: «ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني».[8]
كان الحسين أحد الذين حضروا مباهلة نصارىنجران وهو صغير، حيث أخذ النبي بيد فاطمة والحسن والحسين للمباهلة وقال: «هؤلاء بني».[34][35] وجاء فيبحار الأنوار أن النبي كان يضع اللقمة تارة في فم الحسن وتارة في فم الحسين.[36]
توفي النبي محمد سنة11 هـ، والحسين حينها بين السادسة والسابعة من عمره،[37] وتذكر المراجع الشيعية أن الحسن والحسين كانا بجانب النبي عند وفاته.[38] ولم تلبث عدة شهور حتى توفيت والدتهفاطمة الزهراء، حيث توفيت في نفس السنة11 هـ، واختُلِفَ في الشهر الذي توفيت فيه، فذهب جماعة من الباحثين إلى القول بأنها عاشت بعد أبيها 24 يومًا وتراوحت الأقوال ما بين 45 و85 و95 يومًا أو 100 يوم، وعلى قول آخر عاشت بعد أبيها بما يقارب 3 أشهر، ومنهم من أوصل ذلك إلى 6 أشهر.[39]
سيرته في عهد الخلفاء الراشدين
في عهد أبي بكر وعمر
لا يُذكر عن الحسين الكثير في خلافة أبي بكر لصغر سنه حينها، أمَّا في عهدعمر بن الخطاب فقد كانت سياسته أن يُجل السبطين: الحسن والحسين، ويجعل لهما نصيبُا منالغنائم، ووردت إليه حُلل من وشي اليمن فوزعها على المسلمين ثم أرسل إلى عامله علىاليمن أن يرسل له حلتين، فأرسلهما إليه فكساهما للحسن والحسين، وجعل عطاءهما مثل عطاء أبيهماعلي بن أبي طالب، وألحقهما بفريضةأهل بدر، وكانت خمسة آلاف دينار.[40] يقولمحمد باقر المجلسي صاحببحار الأنوار: «ولمّا دوّن الدواوين بدأ بالحسن والحسين، فملأ حجرهما من المال، فقال له ابن عمر:تقدمهما عليّ ولي صُحبة وهجرة دونهما، فقال عمر: اسكت، لا أم لك، أبوهما خير من أبيك، وأمهما خير من أمك.»[41][42]
رسم عُثماني لتابوت عليّ بن أبي طالب محمولًا على دابة، ويسير ورائه الحسن والحسين مع تغطية وجهيهما باللون الأبيض.
كانت إقامة الحسينبالمدينة المنورة حتى بويع علي بالخلافة، عزم على الخروج للعراق، فخرج معه وأخيه إلىالكوفة،[48] ثم حدثتمعركة الجمل وكان الحسين على الميسرة والحسن على الميسرة،[34][49] وكذلك حضرمعركة صفين وقتال الخوارج فيمعركة النهروان.[48] بينما جاء فينهج البلاغة رواية تقول أن عليًا منع الحسن والحسين من المشاركة في المعارك وقال: «املكوا عني هذين الغلامين لئلا ينقطع بهما نسل رسول الله».[50]
قُتل علي بن أبي طالب على يدعبد الرحمن بن ملجم، حيث ضربه أثناء الصلاة بسيف مسموم، ثم حُمل على الأكتاف إلى بيته وقال: «أبصروا ضاربي أطعموه من طعامي، واسقوه من شرابي، النفس بالنفس، إن هلكت، فاقتلوه كما قتلني وإن بقيت رأيت فيه رأيي» ونهى عن تكبيله بالأصفاد وتعذيبه. وجيء له بالأطباء الذين عجزوا عن معالجته فلما علم علي أنه ميت قام بكتابة وصيته كما ورد في مقاتل الطالبيين. ظلالسم يسري بجسده إلى أن توفي بعدها بثلاثة أيام، تحديدا ليلة21 رمضان سنة40 هـ عن عمر يناهز 64 حسب بعض الأقوال.[51] وبعد مماته تولىعبد الله بن جعفر والحسن والحسين غسل جثمانه وتجهيزه، وصلى عليه الحسن.[52] وتذكر بعض المصادر أن الحسين لم يكن حاضرًا بالكوفة حينما قُتِلَ أبوه إنما كان في معسكرالنخيلة قائدًا لفرقة من الجيش، فأرسل الحسن رسولًا إليه ليخبره، فقفل راجعًا إلى الكوفة.[53]
لما قُتلعلي بن أبي طالب على يدعبد الرحمن بن ملجم المرادي، بُويع ابنه الحسن للخلافة وذلك بعد أن اختاره الناس.[54] وكان الحسين معاونًا لأخيه الحسن في بيعته بعد مقتل علي، وبويع له خليفةً للمسلمين في رمضان سنة40 هـ، ثم حدث الصلح معمعاوية بن أبي سفيان سنة41 هـ، وأطلق على ذلك العامعام الجماعة، وكان الحسين كارهًا للصلح لكنه قبل به انصياعًا لرأي أخيه، وموافقةً له.[55] واجه الحسين المعارضين للصلح بالوقوف مع خيار أخيه، يقولباقر شريف القرشي: «لما أبرم أمر الصلح خف عدي بن حاتم ومعه عبيدة بن عمر إلى الإمام الحسين وقلبه يلتهب نارًا فدعا الإمام إلى إثارة الحرب قائلًا: يا أبا عبد الله شريتم الذل بالعز، وقبلتم القليل وتركتم الكثير، أطعنا اليوم، واعصنا الدهر، دع الحسن، وما رأى من هذا الصلح، واجمع إليك شيعتك من أهلالكوفة وغيرها وولني وصاحبي هذه المقدمة. فقال الحسين: إنا قد بايعنا وعاهدنا ولا سبيل لنقض بيعتنا.».[55]
ترك الحسن والحسينالكوفة بعد الصلح مع معاوية ورجعا إلىالمدينة المنورة واستقرا بها، وكانت زعامة بني هاشم عند الحسن.[56] وكانت الرسائل والكتب تأتي إلى الحسن من العراق تطلب أن ينصروه مرة أخرى، فيرفضها ويلقيها في الماءِ، فسألته جاريته عن هذه الكتب فقال: «من أهلِ العراقِ من قومٍ لا يرجعون إلى حقٍّ ولا يَقصُرونَ عن باطلٍ أما إني لست أخشاهم على نفسِي ولكني أخشاهم على ذلك وأشار إلى الحسينِ».[57]
مرض الحسن قبل وفاته، فدخل عليه الحسين، وقال له: «يا أبا محمد، ما هذا الجزع؟ ما هو إلا أن تفارق روحك جسدك، فتقدم على أبويك علي وفاطمة، وعلى جديك النبيﷺوخديجة، وعلى أعمامكحمزةوجعفر، وعلى أخوالكالقاسم الطيبومطهروإبراهيم، وعلى خالاتكرقيةوأم كلثوموزينب»، فقال الحسن: «يا أخي إني أدخل في أمر من أمر الله لم أدخل في مثله، وأرى خلقا من خلق الله لم أر مثله قط.»، فبكى الحسين.[22]
أوصى الحسنُ أخاه الحسين أن يدفنه في حجرة عائشة مع النبي، وقال: «ادفني عند أبي، - يعني النبي - إلا أن تخافوا الدماء، فادفني في مقابر المسلمين.»،[58] ونقلابن عبد البر أنهم لما التمسوا من عائشة أن يدفن الحسن في حجرتها، قالت: «نعم وكرامة.»، ولكن منعهممروان بن الحكم وكان واليالمدينة المنورة،[59] وقال: «لا ندعه يدفن مع رسول الله، أيدفن عثمان بالبقيع، ويدفن الحسن بن علي في الحجرة.»،[22][60] فتنازع الحسين ومروان، وكادا يتقاتلا، فلما خاف الناس وقوع الفتنة أشارسعد بن أبي وقاص،وأبو هريرة،وجابر،وعبد الله بن عمر على الحسين ألا يقاتل،[22] وقال لهأبو هريرة: «أنشدك الله ووصية أخيك، فإن القوم لن يدعوك حتى يكون بينكم دماء.»،[59] فدفنوه بالبقيع عند قبرفاطمة بنت أسد.[61]
ولما توفي الحسن اجتمع أنصاره في الكوفة في دارسليمان بن صرد وكتبوا إلى الحسين بالتعزية، وقالوا: «إن الله قد جعل فيك أعظم الخلف ممن مضى، ونحن شيعتك المصابة بمصيبتك، المحزونة بحزنك، المسرورة بسرورك، المنتظرة لأمرك.»، فرد الحسين عليهم: «إني لأرجو أن يكون رأي أخي رحمه الله في الموادعة، ورأيي في جهاد الظلمة رشدًا وسدادًا، فألصقوا بالأرض، وأخفوا الشخص، واكتموا الهوى، واحترسوا من الأظاء ما دام ابن هند حيًا، فإن يحدث به حدث وأنا حي يأتكم رأيي إن شاء الله.»،[62][63] واستمر الحسين في الحفاظ على عهد أخيه معمعاوية طوال حياة معاوية.[64] وظلَّ الوضع كذلك حتى وفاة معاوية في شهر رجب سنة60 هـ الموافق أبريل سنة 680م؛ لكن معاوية قد جعل أهل الشام والمدينة يُبايعون ابنهيزيد، مما كان سببًا في تطور الأحداث بعد وفاة معاوية.[65] قالابن كثير الدمشقي: «لما استقرت الخلافة لمعاوية كان الحسين يتردد إليه مع أخيه الحسن فيكرمهما معاوية إكرامًا زائدًا، ويقول لهما: مرحبا وأهلا، ويعطيهما عطاءً جزيلًا. وقد أطلق لهما في يوم واحد مائتي ألف، وقال: خذاها وأنا ابنهند، والله لا يعطيكماها أحد قبلي ولا بعدي. فقال الحسين: والله لن تعطي أنت ولا أحد قبلك ولا بعدك رجلا أفضل منا. ولما توفي الحسن كان الحسين يفد إلى معاوية في كل عام فيعطيه ويكرمه، وقد كان في الجيش الذين غزواالقسطنطينية مع ابن معاوية يزيد، في سنةإحدى وخمسين. ولما أخذت البيعة ليزيد في حياة معاوية كان الحسين ممن امتنع من مبايعته، هووابن الزبير،وعبد الرحمن بن أبي بكر،وابن عمر،وابن عباس، ثم مات ابن أبي بكر وهو مصمم على ذلك.».[66][67]
تتضارب الروايات بعد ذلك، فيؤكدالبلاذري أن الحسين وابن الزبير تشاغلا عنه،[69] وقالا: «نصبح وننظر ما يصنع الناس»، ثم رحلا في جوف الليل إلىمكة.[70] بينما يذكرخليفة بن خياط أن الحسين وابن الزبير حضرا عند الوليد ورفضا البيعة، ثم توجها إلى مكة كلٌّ على حِدَة، فطلبوهما في الصباح فلم يجدوهما، فأرسل الوليد ثلاثين راكبًا على أثرهما فلم يلحقوهما، فقاممروان بن الحكم بمراسلة يزيد ليخبره بما حدث، فعزل يزيدالوليد بن عتبة عن ولاية المدينة وولّىعمرو بن سعيد الأشدق.[69] فلما قدمامكة سكن الحسين في دارالعباس بن عبد المطلب، ولزم ابن الزبيرالمسجد الحرام، وجعل يحرض الناس على بني أمية.[71]
موقف الحسين من بيعة يزيد
يُرجع المؤرخون والباحثون رفض الحسين لبيعة يزيد إلى عدة أسباب، منها الحرص على مبدأالشورى والاعتراض على طريقة بيعة يزيد في حياة والده، وأن هذه الطريقة في أخذ البيعة لا تشابه طريقة بيعةالخلفاء الراشدين،[72] وهو نفس السبب الذي رفض لأجلهعبد الرحمن بن أبي بكر بيعة يزيد حيث قال: «أهرقليّة؟!، إن أبا بكر والله ما جعلها في أحد من ولده ولا من أهل بيته».[73] ومنها عدم وجود الأفضلية في يزيد، وأن هناك من هو أفضل منه مثل الحسين، كما يرى بعض المُحللين أن السبب هو عدم التزام معاوية بشروط الحسن في الصلح والتي من ضمنها ما ذكرهابن حجر الهيتمي: «بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين».[74]
لما علمت شيعةالكوفة بموتمعاوية بن أبي سفيان وخروج الحسين إلىمكة، ورفضه البيعةليزيد بن معاوية تذكروا وصية الحسين التي أوصاها أياهم بعد أن تمت بيعة معاوية، حيث أن شيعة الحسن والحسين قد اعترضوا علىالصلح إلا أن الحسين طلب منهم الهدوء والموادعة وعدم المعارضة حتى يموت معاوية،[75] يقولالذهبي في هذا الخصوص: «بلغنا أن الحسين لم يعجبه ما عمل أخوه من تسليم الخلافة إلى معاوية، بل كان رأيه القتال، ولكنه كظم وأطاع أخاه وبايع.»[76] فاجتمعوا في منزل الصحابيسليمان بن صرد الخزاعي واتفقوا على أن يقوموا بمراسلته ودعوته، فكتبوا له: «إنا لا نصلي معالنعمان بن بشير -والي الكوفة- جمعة، ولا نخرج معه إلى عيد، فأقبل علينا، فإن أقبلت أخرجنا النعمان إلى الشام.» وهذا الكتاب: منسليمان بن صرد الخزاعي،والمسيب بن نجبة،ورفاعة بن شداد،وحبيب بن مظاهر الأسدي. ثم بعد يومين أرسل شيعة الكوفة ثلاثة رسل حملوا معهم نحوًا من ثلاث وخمسين صحيفة، والصحيفة الواحدة من الرجل والاثنين والأربعة. ثم بعد يومين آخرين أُرسلت رسالة مع هانئ بن هانئ السبيعيوسعيد بن عبد الله الحنفي، جاء فيها: «بسم الله الرحمن الرحيم. لحسين بن علي من شيعته المؤمنين والمسلمين، أما بعد، فحي هلا، فإن الناس ينتظرونك، ولا أرى لهم في غيرك فالعجل العجل، والسلام عليك.» وكتبشبث بن ربعي وحجار بن أبجر ويزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم وعزرة بن قيسوعمرو بن الحجاج الزبيدي ومحمد بن عمير التميمي: «أما بعد، فقد اخضر الجناب، وأينعت الثمار، وطمت الجمام، فإذا شئت فاقدم على جندٍ لك مجند؛ والسلام عليك.»[77]
بعد أن رأى الحسين كثرة الرسائل التي وصلته وهوبمكة، وجميعها يؤكد الرغبة في حضوره ومبايعته، وسأل الرسل عن أمر الناس، قام بكتابة رسالة قال فيها: «بسم الله الرحمن الرحيم. من حسين بن علي إلى الملإ من المؤمنين والمسلمين؛ أما بعد، فإن هانئًا وسعيدًا قدما علي بكتبكم، وكانا آخر من قدم علي من رسلكم، وقد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالة جلكم: إنه ليس علينا إمام، فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى والحق. وقد بعثت إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي، وأمرته أن يكتب إلي بحالكم وأمركم ورأيكم، فإن كتب إلي أنه قد أجمع رأي ملئكم وذوي الفضل والحجى منكم على مثل ما قدمت علي به رسلكم، وقرأت في كتبكم، أقدم عليكم وشيكًا إن شاء الله؛ فلعمري ما الإمام إلا العامل بالكتاب، والآخذ بالقسط، والدائن بالحق، والحابس نفسه على ذات الله. والسلام.»[78]
عزم الحسين على الخروج إلى الكوفة
إرسال مسلم بن عقيل بن أبي طالب إلى الكوفة
يرجع الباحثون بناء على ما سبق أن الحسين قد فهم من تلك الرسائل المتلاحقة من الكوفة الرغبة الصادقة في نفوسهم، وأنهم قد نبذوا إمامهم، ولم يعترفوا بيزيد، وأنهم سيخرجون أمير الكوفةالنعمان بن بشير وأنهم في حاجة لإمام يجتمعون عليه، وهذا الإمام هو الحسين بن علي. وأن الحسين لم يفكر في الخروج إلى الكوفة إلا عندما جاءته الرسل من الكوفة ليعترفوا له إنه ليس عليهم إمام، وأنهم يدعونه مرحبين به وطائعين له. فلذلك قرر التوقف والتأكد من صحة هذه الرسائل التي وصلته، فقام بإرسال ابن عمهمسلم بن عقيل بن أبي طالب وأمره أن ينظر في أهل الكوفة وأن يستجلي حقيقة الأمر، ويعطيه تفصيلًا عن الوضع السائد فيالكوفة، فإن كان ما يقولون حقًا قدم عليهم.[79][80][81] خرجمسلم بن عقيل بصحبة عبد الرحمن الأرحبي،وقيس بن مسهر الصيداوي، وعمارة بن عبيد السلولي. فلما وصل مسلمالمدينة المنورة أخذ معه دليلين، وفي الطريق إلىالكوفة تاهوا في البرية ومات أحد الدليلين عطشًا، وكتب مسلم إلى الحسين يستعفيه، وذلك بسبب إحساسه لمدى الصعوبات التي تنتظره في الكوفة، ولكن الحسين رفض طلبه، وأمره بمواصلة المسير.[82] ولما وصل مسلم إلى الكوفة نزل عندالمختار بن أبي عبيد الثقفي في أول قدومه، فلما جاءعبيد الله بن زياد وتولى إمارة الكوفة، وأخذ يشدد على الناس، انتقل مسلم عندهانئ بن عروة، ولما بدا الشك يساور ابن زياد من هانئ بن عروة انتقل مسلم بن عقيل أخيرًا عندمسلم بن عوسجة الأسدي. ولما بلغ أهل الكوفة قدوم مسلم بن عقيل قدموا إليه، فبايعه اثنا عشر ألف، وتذكر بعض الروايات أن عدد المبايعين أكثر من ثلاثين ألفًا. تمت المبايعة بصورة سرية مع تحرص شديد، ولما تأكد لمسلم بن عقيل رغبة أهلالكوفة في الحسين وقدومه إليهم كتب إلى الحسين: «أما بعد، فإن الرائد لا يكذب أهله، إن جميع أهل الكوفة معك، فأقبل حين تنظر في كتابي.» ولما وصل كتاب مسلم إلى الحسين وتحقيقًا لوعده بالقدوم إلى الكوفة بعد أن يتبين من أهلها، تجهز الحسين، وعزم على المضي إلى الكوفة بأهله وخاصته.[83]
مواقف الصحابة والتابعين من خروج الحسين إلى الكوفة
رسمٌ تخيُلي من العصر القاجاري يُظهرُ الحُسين بن عليّ وهو يودع أهله قبل الذهاب لِكربلاء وقد غُطيت وجوههم باللون الأبيض.
لما انتشر أن الحسين قد عزم على الخروج إلىالكوفة للصحابة والتابعين، قامت مجموعة كبيرة منهم بتقديم النصح له بعدم الخروج إليها لعدم ثقتهم في نوايا أهل العراق وأجمعوا على أن أهل العراق قوم غدر، ولخوفهم من مقتل الحسين، يقولابن كثير الدمشقي: «ولما استشعر الناس خروجه أشفقوا عليه من ذلك، وحذروه منه، وأشار عليه ذوو الرأي منهم والمحبة له بعدم الخروج إلى العراق، وأمروه بالمقام بمكة، وذكروه ما جرى لأبيه وأخيه معهم.»[84]
ومن هؤلاء أخوهمحمد بن الحنفية، حيث قدم عليه وقال: «يا أخي أنت أحب الناس إلي، وأعزهم علي، ولست أدخر النصيحة لأحد من الخلق أحق بها منك تنح، بتبعتك عنيزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت، ثم ابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك، فان بايعوا لك حمدت الله على ذلك، وإن أجمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ولا يذهب به مروءتك ولا فضلك، إني أخاف أن تدخل مصرًا من هذه الأمصار، وتأتي جماعة من الناس، فيختلفون بينهم فمنهم طائفة معك وأخرى عليك، فيقتتلون فتكون لأول الأسنَّة، فإذا خير هذه الأمة كلها نفسًا وأبًا وأمًا، أضيعها دمًا وأذلها أهلًا.» فقال له الحسين: «فإني ذاهب يا أخي.» قال: «فانزلمكة، فإذا اطمأنت بك الدار فسبيل ذلك، وإن نبت بك لحقت بالرمال وشعف الجبال، وخرجت من بلد إلى بلد حتى تنتظر إلى ما يصير إلى ما يصير أمر الناس، وتعرف عند ذلك الرأي، فإنك أصوب ما تكون رأيًا وأحزمه عملًا حيث تستقبل الأمور استقبالًا، ولا تكون الأمور عليك ابدًا أشكل منها حين تستدبرها استدبارًا.» قال: «يا أخي قد نصحت فأشفقت، وأرجو أن يكون رأيك سديدًا.» وقد أورد هذا الخبرابن الأثير الجزري[85] وأوردهمحمد باقر المجلسي بنحوه.[86]
وممن نصحه بعدم الخروج إلى الكوفة أيضًاعبد الله بن عباس، فلما بلغه خبر عزمه على ذلك ذهب إليه، وقال: «يا ابن عم، إنه قد أرجف الناس أنك سائر إلى العراق، فبيِّن لي ما أنت صانع؟» قال: «قد أجمعت المسير في أحد يومَي هذين إن شاء الله - -» فقال له ابن عباس: «أخبرني إن كان عدوك بعد ما قتلوا أميرهم، ونفوا عدوهم، وضبطوا بلادهم، فسر إليهم، وإن كان أميرهم حياً وهو مقيم عليهم، قاهر لهم، وعماله تجبي بلادهم، فإنهم إنما دعوك للفتنة والقتال، ولا آمنُ عليك أن يستفزوا عليك الناس، ويقلبوا قلوبهم عليك، فيكون الذي دعوك أشد الناس عليك.» فقال الحسين «إني أستخير الله وأنظر ما يكون.» وجاء ابن عباس إلى الحسين من الغد فقال: «يا ابن عم إني أتصبر ولا أصبر، وإني أتخوف عليك في هذا الوجه الهلاكَ، إن أهل العراق قوم غدرٌ فلا تغترن بهم، أقم في هذا البلد حتى ينفي أهل العراق عدوهم ثم أقدم عليهم، وإلا فسر إلى اليمن؛ فإن به حصوناً وشعاباً، ولأبيك به شيعةً، وكن عن الناس بمعزل، واكتب إليهم وبث دعاتك فيهم، فإني أرجو إذا فعلت ذلك أن يكون ما تحب.» فقال الحسين: «يا ابن عم، والله إني لأعلم أنك ناصح شفيق، ولكني قد أزمعت المسير.» فقال له: «فإن كنت ولا بد سائراً فلا تسر بأولادك ونسائك، فوالله إني لخائف أن تقتل كما قتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه... فوالله الذي لا إله إلا هو لو أعلم أنك إذا أخذت بشعرك وناصيتك حتى يجتمع عليَّ وعليك الناس أطعتني وأقمت لفعلت ذلك.» وقد أورد هذا الخبرابن الأثير الجزري.[87] وأوردمحمد بن جرير الطبري رواية مشابهة.[88]
أخذ الحسين يجهز ويعد العدة فخرج فييوم التروية18 ذي الحجة سنة60هـ، وخرج معه أهل بيته، وقيل خرج معه ستون شيخًا من أهلالكوفة، ولم تتوقف المحاولات الهادفة للحيلولة بين الحسين وبين الكوفة، فكتب إليهعبد الله بن جعفر مع ابنيهمحمدوعون، ولكن الحسين رفض الرجوع، فظن عبد الله بن جعفر أن سبب خروج الحسين هو خوفه من الواليعمرو بن سعيد بن العاص فذهب إليه، وطلب منه أن يكتب كتابًا يؤمِّنه فيه ويعده بالخير، وكان رد عمرو بن سعيد أن قال لعبد الله بن جعفر: اكتب ما شئت وائت به أختمه. فكتب إليه مرة أخرى ولكن الحسين رفض هذا العرض وواصل مسيره نحو الكوفة.[92] ولما سمعأبو واقد الليثي باقتراب الحسين من المدينة خرج إليه وأدركه، وأكد له أن خروجه هذا فيه مقتله، ورفض الحسين هذا الطلب أيضًا.[93]
ولما علمعبد الله بن عمر بخروج الحسين أدركه على بعد ثلاث مراحل من المدينة فقال للحسين: «أين وجهتك؟» فقال: «أريد العراق»، ثم أخرج إليه كتب القوم ثم قال: «هذه بيعتهم وكتبهم»، فناشده الله أن يرجع، فأبى الحسين، ثم قال ابن عمر: «أحدثك بحديث ما حدثت به أحدا قبلك: إن جبريل أتى النبيﷺ يخيره بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة، وإنكم بضعة منه، فوالله لا يليها أحد من أهل بيته، ما صرفها الله عنكم إلا لما هو خير لكم، فارجع أنت تعرف غدر أهل العراق وما كان يلقى أبوك منهم»، فأبى، فاعتنقه وقال: «استودعتك من قتيل». وكان ابن عمر يقول بعد ذلك: «غلبنا حسين بن علي بالخروج، ولعمري! لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة، ورأى من الفتنة وخذلان الناس لهم ما كان ينبغي له أن لا يتحرك ما عاش، وأن يدخل في صالح ما دخل فيه الناس، فإن الجماعة خير».[93]
يرى الشيعة أن خروج الحسين كان بأمر إلهي، حيث أنه الإمام بعد أبيه وأخيه، وأنه التزم بالتقية والعهد الذي قطعه على نفسه فيصلح الحسن مع معاوية، ولم يدع إلى مبايعته ولم يعلن عن إمامته، إلا أنه أفصح عنها بعد موت معاوية، ووضح للناس عن مكانته عند الله وعظم مقامه، وخرج لمكة بعد انتهاء الهدنة التي كانت بينه وبين معاوية والتي انتهت بموته.[94]
تشيربثينة بن حسين في أطروحتها "الفتنة الثانية" إلى سبب إصرار الحسين على رأيه بالرغم من نصائح الصحابة وكبار التابعين، أن الحسين أدرك أنيزيد بن معاوية لن يرضى بأن تكون له حرية التصرف والبقاء بدون حمله بالقوة على البيعة، بسبب كثرة توافد الرسل إلى الحسين من الكوفة وانتشار أمره فيها، وكذلك خشية الحسين من وقوع مجابهة بينه وبين أتباعه من جهة وبين الأمويين من جهة أخرى في مكة المكرمة جعله يفكر في الخروج سريعًا منها، وهو ما أكده لابن عباس خوفًا من استحلال حرمتها، بالإضافة إلى الصورة المشرقة التي نقلها له ابن عمه مسلم بن عقيل لحالة الكوفة بناء على ما سمعه ورآه من أهلها، فقد أوصل مسلم للحسين أن الكوفة كلها مبايعة، وأن النصر قريب، ولاستثمار هذا الإنجاز فلا بد من أن يسارع الحسين بالذهاب إلى هناك.[95][96]
موقف يزيد من أحداث الكوفة وتولية عبيد الله بن زياد
لم تغب عنيزيد بن معاوية تحركات الحسين، وخروجه من المدينة رافضًا البيعة ثم استقراره بمكة وعلاقته مع الكوفيين. ولما تأكد له تصميم الحسين على الاستجابة لدعوة أهل الكوفة كتب إلىعبد الله بن عباس شيخبني هاشم في عصره وعالم المسلمين قائلًا: «نحسب أن رجالًا أتوه من المشرق فمنوه الخلافة، فإنهم عندك منهم خبرة وتجربة، فإن كان فعل فقد قطع واشج القرابة، وأنت كبير أهل بيتك والمنظور إليه، فاكففه عن السعي في الفرقة.» وكتب له مجموعة أبيات أشار فيها إلى خوفه من أن يحدث بينه وبين الحسين مصادمة، والاعتصام بحبال السلم، فكتب إليه ابن عباس: «إني لأرجو أن لا يكون خروج حسين لأمر تكرهه، ولست أدع النصيحة له في كل ما يجمع الله به الألفة وتُطفى بها الثائرة».[97][98]
وفي تلك الأثناء كانت الأحداث تتسارع، وذلك بعدما أخذ شيعة الكوفة يتوافدون على مسلم بن عقيل ويبايعونه، وعندما أحسالنعمان بن بشير والي الكوفة بخطورة الوضع قام فخطب بالناس، ونصح الناس بعدم المسارعة إلى الفتنة والفرقة، وقال: «إني لم أقتل من لم يقاتلني، ولا أثب على من لا يثب علي، لا أشاتمكم ولا أتحرش بكم، ولا آخذ بالقرف ولا الظنة والتهمة، ولكن إن أبديتم صفحتكم لي، ونكثتم بيعتكم، وخالفتم إمامكم، فوالله الذي لا إله غيره لأضربنكم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ولم لم يكن لي منكم ناصر، أما إني أرجو أن يكون من يعرف الحق منكم أكثر من يرديه الباطل.» وقد كان النعمان رجلًا مسالمًا، فكان يتورع عن استعمال الشدة وسفك الدماء، فأثارت سياسته هذه حفيظة أحد الناصحين للأمويين وأحد الموالين لهم في الكوفة، فقام إلى النعمان بن بشير وبين له أن طريقته هذه إنما هي طريقة المستضعفين وأنه يجب عليه أن ينهج سياسة البطش والقوة حيال المترصين بأمن الكوفة، إلا أنه رد عليه بأنه يراقب الله في سياسته.[99]
وصلت هذه الأخبار إلى يزيد، ولم تعجبه سياسة النعمان فعزله عن ولاية الكوفة وعين بدلهعبيد الله بن زياد وكتب إليه: «إن شيعتي من أهل الكوفة كتبوا إلى يخبروني أن ابن عقيل بالكوفة يجمع الجموع ليشق عصا المسلمين، فسر حين تقرأ كتابي هذا حتى تأتي أهل الكوفة فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة، حتى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه والسلام.» ولما وصل الكتاب إلى ابن زياد تهيأ وسار فورًا إلى الكوفة، وأقبل عليها متلثمًا والناس قد بلغهم إقبال الحسين إليهم، فهم ينتظرون قدومه، فظنوا حين قدم عبيد الله أنه الحسين بن علي، فأخذ لا يمر على جماعة من الناس إلا سلموا عليه وقالوا مرحبًا بك يا ابن رسول الله، قدمت خير مقدم، فلما أكثروا صاح فيهم أحد أتباعه وقال: تأخروا هذا الأمير عبيد الله بن زياد. فلما نزل في القصر نودي الصلاة جامعة، فاجتمع الناس وخرج إليهم ثم خطبهم ووعد من أطاع منهم خيرًا، وتوعد من خالف بالشر.[100]
حرصعبيد الله بن زياد على حصر الفئات المعارضة، وبالأخص تلك الفئات التي تساعدمسلم بن عقيل، وعمل على مجموعة من الإجراءات لضبط الوضع الأمني في الكوفة، وكذلك نجح في عرقلة خطط مسلم بن عقيل حيث اختلت خططه وترتيباته بسبب هذه الإجراءات الصارمة،[101][102][103] ثم استطاع أن يوقعبهانيء بن عروة مستضيف مسلم، وقام بحبسه في قصره، وبلغ الخبر مسلم بن عقيل فخرج بأربعة آلاف وحاصر قصر عبيد الله بن زياد وخرج أهل الكوفة معه، وكان عند ابن زياد في ذلك الوقت أشراف الكوفة فقال لهم خذلوا الناس عن مسلم ووعدهم بالعطايا، وخوفهم بجيش الشام، فصار الأمراء يخذلون الناس عن مسلم، وتأتي المرأة إلى ولدها وتأخذه، ويأتي الرجل إلى أخيه ويأخذه، ويأتي أمير القبيلة فينهى الناس عنه، حتى لم يتبق معه إلا ثلاثون رجلًا من أربعة آلاف، وما غابت الشمس إلا ومسلم بن عقيل وحده ذهب كل الناس عنه، وبقي وحيدًا يمشي في طرقات الكوفة لا يدري أين يذهب، فطرق الباب على امرأة من كندة وطلب منها الماء فأسقته، وأخبرها عن حاله وكشف لها عن اسمه، واشتكى لها بمرارة من خيانة أهل الكوفة له، فرقت لحاله ثم أدخلته في أحد غرف بيتها، فلما قدم ولدها أخبرته بما حصل، وطلبت منه ألا يخبر أحدًا إلا أنه ذهب إلىمحمد بن الأشعث فأخبره الخبر، وذهب الأخير إلى عبيد الله بن زياد وأخبره بأمر مسلم، فأرسل ابن زياد الشُرط إلى مسلم، فخرج وسل سيفه وقاتل، إلا أنهم تمكنوا من أسره بعد معركة قصيرة بعدما جُرح. فلما أتي به إلى ابن زياد أخبره أنه سيقتله، وعندما أحس بحزمه خشي على الحسين بن علي الذي كان في طريقه إلى الكوفة، وطلب منه أن يوصي، فنظر مسلم في جلسائه وفيهمعمر بن سعد بن أبي وقاص، فدعاه إلى ناحية القصر وطلب منه أن يبعث إلى الحسين فقال: «يا عمر، إن حسينًا قدم ومعه تسعون إنسانًا بين رجل وامرأة في الطريق إلى الكوفة، فاكتب إليه بما أصابني.» وقال كذلك كلمته المشهورة: «ارجع بأهلك ولا يغرنك أهل الكوفة فإن أهل الكوفة قد كذبوك وكذبوني وليس لكاذب رأي.» وطلب منه أن يدفن جثته، ويقضي عنه دينه. ثم أمر ابن زياد به فقُتل. وقتل كذلك هانئ بن عروة وصلبه في السوق، واثنين من مناصري مسلم وصلبهما كذلك في السوق.[104][105][106] وكان مقتل ابن عقيل في يوم9 ذي الحجة سنة60 هـ.[106]:66
وصول الحسين إلى الكوفة
لما بلغعبيد الله بن زياد إقبال الحسين من مكة إلى الكوفة، بعثالحصين بن نمير السكوني صاحب الشرطة حتى نزلالقادسية، ونظم الخيل بين القادسية إلى خفان، وما بين القادسية إلىالقطقطانة.[106]:69 ولما بلغ الحسين الحاجر من بطن الرمة،(1) بعثقيس بن مسهر الصيداوي، ويقال بل بعث عبد الله بن بقطر إلى أهل الكوفة، - ولم يكن يعلم بعد بمقتل مسلم بن عقيل - فوقع الرسول بيد الحصين بن نمير،[106]:70 فأرسله إلىعبيد الله بن زياد فقتله.[107] ولمّا بلغ الحسينزبالة،(2) وقيلشراف،(3) جاءه خبر مقتلمسلم بن عقيل،وهانئ بن عروة وعبد الله بن بقطر وخذلان أهل الكوفة له.[107] فخطب الحسين في أتباعه: «إنه قد أتانا خبر فظيع، قُتِلَ مسلم بن عقيل، وهانئ بن عروة، وعبد الله بن يقطر، وقد خذلنا شيعتنا، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف غير حرج، ليس عليه ذمام.»، فتفرق الناس عنه وأخذوا يمينًا وشمالًا، وبقي معه فقط أصحابه الذين جاؤوا معه من المدينة ونفر قليل.[106]:75، 76[107] وقال له بعض أصحابه: «ننشدك الله إلا رجعت من مكانك فإنه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة بل نتخوف عليك أن يكونوا عليك»، فوثب بنو عقيل وقالوا: «والله لا نبرح حتى يدرك ثأرنا أو نذوق كما ذاق مسلم»، فقال الحسين: «لا خير في العيش بعد هؤلاء»، فقال له بعض أصحابه: «إنك والله ما أنت مثل مسلم بن عقيل ولو قدمت الكوفة لكان الناس إليك أسرع». وكان لا يمر بماء إلا أتبعه من على هذا الماء.[108]
ملاقاة الحر بن يزيد
لمّا علمالحصين بن نمير السكوني قرب وصول الحسين وجّه إليهالحر بن يزيد الرياحي التميمي ومعه ألف فارس إلى الحسين، وقال: «سايره ولا تدعه يرجع حتى يدخل الكوفة، وجعجع به»، فذهب الحر بن يزيد.[109] وكان الحسين مستمرًا في سيره مع من تبقى معه من أهله وأصحابه حتى وصل إلى شراف، وأمر أصحابه أن يستقوا ويُكثروا. فبينا هو يسير إذ كبر رجل من أصحابه فقال له الحسين: «الله أكبر، لم كبرت؟»، قال: «رأيتالنخل»، فقال له جماعة من أصحابه: «والله إن هذا المكان ما رأينا به نخلة قط»، فقال الحسين: «فما تريناه رأى»، قالوا: «نراه رأى هوادي الخيل». فوجدوا الخيل على رأسهاالحر بن يزيد الرياحي، فقابله، وصلواالعصر وراء الحسين جميعًا.[107] فلمّا انتهوا قال له الحر: «إني لم أؤمر بقتالك، إنما أمرت ألا أفارقك حتى أقدمك الكوفة، فإذ أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة ولا يردك إلى المدينة، تكون بيني وبينك نصفا، حتى أكتب إلى الأمير. وتكتب إلى يزيد أو إلى عبيد الله فلعل الله إلى ذلك أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلى بشيء من أمرك».[106]:81
فسار الحسين مع الحر من طريق العُذَيْب،(4) حتى نزل الجوف مسقط النجف، فنزل بقصر أبي مقاتل،[109] وسار الحر في أصحابه يسايره وهو يقول له: «يا حسين إني أذكرك الله في نفسك، فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن»، فقال له الحسين: «أفبالموت تخوفني؟ وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني؟ وسأقول كما قال أخو الأوس لابن عمه، وهو يريد نصرةرسول الله فخوفه ابن عمه وقال: أين تذهب؟ فإنك مقتول، فقال:
سأمضي فما بالموت عار على الفتى
إذا ما نوى حقًا وجاهد مسلمًا
وآسى الرجال الصالحين بنفسه
وفارق مثبورًا وباعد مجرمًا
فإن عشت لم أندم وإن مت لم ألم
كفى بك ذلًا أن تعيش وترغما
».[106]:81 فظل سائرًا حتى نزلبكربلاء، فقال: أي منزل نحن به؟، فقال: كربلاء، فقال: يوم كربِ وبلاء.[109]
ملاقاة عمر بن سعد والمفاوضات
منمنة عثمانية قبيل معركة كربلاء
لما وصل الحسينكربلاء لقىعمر بن سعدوشمر بن ذي الجوشن والحصين بن تميم في جيش مكون من أربعة آلاف مقاتل، وكان وجهة هذا الجيش في الأصل إلىالري، حيث كان عمر بن سعد أميرًا على الري، لكنّ ابن زياد أمره أن يتوجه لملاقاة الحسين في كربلاء،[110] في المنطقة التي يُطلق عليهاالطف،(5) وذكرمحمد بن سعد البغدادي وغيره أن عمر بن سعد كره الخروج للحسين، وطلب من ابن زياد أن يعفيه من ذلك، لكن ابن زياد هدده بعزله وهدم داره وضرب عنقه إن لم يفعل.[109] فتوجه عمر بن سعد إلى الحسين، فلما أتاه، بيّن له الحسين أنه لم يأت إلى الكوفة إلا بطلب من أهلها، ومعه كتب أهل الكوفة وأسماء المبايعين له،[110] وقال له الحسين:[111]
فقبل عمر بن سعد عرض الحسين، وظن أن الموقف قد حُلَّ، وكتب إلى ابن زياد يخبره بعرض الحسين، لكن ابن زياد رفض العرض حتى يقبل الحسين أن ينزل على حكمه، وأرسل رسالته إلى عمر بن سعد معشمر بن ذي الجوشن قائلًا: «لا ولا كرامة حتى يضع يده في يدي!»، وأمر "شمر" ألا يقبل من الحسين غير أن ينزل على حكمه.[111] فقام عمر بن سعد وعرض على الحسين أن ينزل على حكم ابن زياد وإلا القتال، وكان ذلك في يوم الخميس9 محرم61 هـ، فطلب منه الحسين مهلة حتى الصباح، وأخبر الحسين أصحابه أنهم في حلَّ من طاعته، لكن أصحابه أصروا على القتال معه حتى النهاية.[110]:163
خريطة تبين موقع جيش عمر بن سعد وموقع الحسين وأصحابه.جمَّال يحكي للعامة الأحداث التي شهدها في كربلاء.لوحة لمعركة كربلاء فيمتحف بروكلين.لوحةفارسية تصور معركة كربلاء.
وانضم إلى الحسين ثلاثون رجلًا من أعيان الكوفة من جيشعمر بن سعد، وقالوا: «عرض عليكم ابن بنت رسول اللهﷺ ثلاث خصال فلا تقبلوا منها شيئا؟». كما انضمالحر بن يزيد الرياحي إلى الحسين، وقال لعمر بن سعد ومن معه: «ألا تتقون الله؟ ألا تقبلون من هؤلاء ما يعرضون عليكم، والله لو سألتكم هذا الترك والديلم ما حل لكم أن تردوهم»، ثم ضرب الحر وجه فرسه وانطلق إلى الحسين، فظنوا أنه إنما جاء ليقاتلهم، فلما دنا منهم قلب ترسه وسلم عليهم ثم كر على أصحاب ابن زياد فقتل منهم رجلين ثم قتل.[112]
وبدأ جيش عمر بن سعد بالقتال، وأصحاب الحسين يدافعون عنه، وحملعمرو بن الحجاج الزبيدي على ميمنة أصحاب الحسين فيمن كان معه من أهل الكوفة، فلما دنا من الحسين جثوا له على الركب وأشرعوا الرماح نحوهم، فلم تقدم خيلهم على الرماح، فذهبت الخيل لترجع فرشقهم أصحاب الحسين بالنبل فصرعوا منهم رجالًا وجرحوا منهم آخرين.[106]:102 ثم حمل عمرو بن الحجاج في أصحابه على الحسين من ناحيةالفرات فاضطربوا ساعة، فصرعمسلم بن عوسجة،[106]:103 ثم حمل شمر بن ذي الجوشن على أهل الميسرة فثبتوا له فطاعنوه، فلما رأىالحصين بن نمير السكوني - وكان على الرماة - صبر أصحاب الحسين تقدم إلى أصحابه - وكانوا خمسمائة نابل - أن يرشقوا أصحاب الحسين بالنبل فرشقوهم، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم وجرحوا الرجال،[106]:104 ولم يزل يتقدم رجل رجل من أصحاب الحسين فيقتل؛ حتى قُتلوا جميعًا، وقُتِلَ في المعركة 72 رجلًا من أصحاب الحسين، و88 رجلًا من جيش عمر. فقُتِلَ من أهله بيته ابنهعلي الأكبر، وأخوته:العباسوعبد اللهوجعفروعثمان، وأبناء أخيهالحسن:القاسموأبو بكروعبد الله، وبنو عقيل:جعفر بن عقيلوعبد الرحمن بن عقيلوعبد اللهومحمد ابنامسلم بن عقيل، وأبناءعبد الله بن جعفر الطيّار:عونومحمد.[107]:478
فلمّا قُتلوا لم يجرؤ أحد على قتل الحسين خشية أن يبوء بقتله، فقامشمر بن ذي الجوشن وصاح في الجنود وأمرهم بقتل الحسين، فضربه زرعة بن شريك التميمي، وطعنهسنان بن أنس، واحتز رأسه، وقيل أن الذي قطع رأسهشمر بن ذي الجوشن، ويقال أن الذي قتله عمرو بن بطار التعلبي، وزيد بن رقادة الحيني، وحمل رأسه إلى ابن زياد خولي بن يزيد الأصبحي. وأرسل عمر بن سعد برأس الحسين ونسائه ومن كان معه من الصبيان إلى ابن زياد.[110]
موقف يزيد بعد مقتل الحسين
لوحةفارسية تصور أهل بيت الحسين حاضرين أمام يزيد بن معاوية.
كتب عبيد الله بن زياد إلى يزيد يخبره بما حدث، ويستشيره في شأن أبناء الحسين ونسائه، وحسب الروايات السُنِّية فإن يزيد بكى وقال: «قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين، لعن الله ابن مرجانة، أما والله لو أني صاحبه لعفوت عنه، ورحم الله الحسين.»، وأن يزيد رد على ابن زياد أن يرسل أهل بيت الحسين إليه، فأعطاهم ذكوان أبو خالد عشرة آلاف درهم فتجهزوا بها، واختلف علماء السنة في رأس الحسين هل سيره ابن زياد منالكوفة إلى يزيد بالشام أم لا، والذي جاء فيصحيح البخاري أنه حُمل رأسه إلىعبيد الله بن زياد،[113] فعنأنس بن مالك قال: «أتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين، فجعل في طست، فجعل ينكت، وقال في حسنه شيئًا، فقال أنس: كان أشبههم برسول اللهﷺ وكان مخضوبا بالوسمة».[114] وجاء في روايات أخرى أن الرأس حُمل إليه، وحسب الروايات السُنِّية أيضًا فإنفاطمة بنت الحسين لمّا دخلت على يزيد قالت: «يا يزيد، أبنات رسول الله سبايا!» فقال: «بل حرائر كرام، أدخلي على بنات عمك تجديهن قد فعلن ما فعلن.»، ثم بعث يزيد بهم إلىالمدينة المنورة، وأمرالنعمان بن بشير أن يقوم بمصاحبتهم.[115] يقولابن كثير الدمشقي: «وأكرم آل بيت الحسين، ورد عليهم جميع ما فقد لهم وأضعافه، وردهم إلى المدينة في تجمل وأبهة عظيمة، وقد ناح أهله في منزله على الحسين مع آله - حين كانوا عندهم - ثلاثة أيام».[116]
أمّا حسب الروايات الشيعِّية فإن من بقي من النساء والأطفالوعلي بن الحسين السجاد أُخذوا كأسرى مقيّدين بالسلاسل إلى بلاد الشام، حيث يقيم يزيد، وأحضروهم إلى مجلسه، وكان قد وضع رأس الحسين في إناءٍ أمامه، ضاربا إياه بعصاه، شامتًا فيه،[117] فخطبتزينب بنت علي بن أبي طالب الخطبة المعروفة في التراث الشيعيبخطبة زينب في مجلس يزيد، التي رواهاسيد بن طاووس. يقول أبو منصور الطبرسي: «أنه لما دخل علي بن الحسين وحرمه على يزيد، وجيء برأس الحسين ووضع بين يديه في طست، فجعل يضرب ثناياه بمخصرة كانت في يده، فلما رأت زينب ذلك فأهوت إلى حبيبها فشقت، ثم نادت بصوت حزين تقرع القلوب، يا حسيناه! يا حبيب رسول الله! يا ابن مكة ومنى! يا ابنفاطمة الزهراء سيدة النساء! يا ابن محمد المصطفى. فأبكت والله كل من كان، ويزيد ساكت، ثم قامت على قدميها، وأشرفت على المجلس، وشرعت في الخطبة.».[118]
روي عن النبي عدة مرويات أنه أخبر بأن الحُسين سيُقتل، منها أنجبريل أو ملك المطر أخبره بذلك، ومنها أنه رأى رؤيا بذلك،[119] فروىأحمد بن حنبل فيمسنده عنأنس بن مالك قال: «اسْتَأْذَنَ مَلَكُ الْمَطَرِ أَنْ يَأْتِيَ النَّبِيﷺ فَأَذِنَ لَهُ، فَقَالَلأم سلمة: «احْفَظِي عَلَيْنَا الْبَابَ لَا يَدْخُلْ أَحَدٌ» فَجَاءَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، فَوَثَبَ حَتَّى دَخَلَ فَجَعَلَ يَصْعَدُ عَلَى مَنْكِبِ النَّبِيِّﷺ فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ: أَتُحِبُّهُ؟، فقال النبيﷺ «نَعَمْ» قال: فَإِنَّ أُمَّتَكَ تَقْتُلُهُ، وَإِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ الْمَكَانَ الَّذِي يُقْتَلُ فِيهِ، قال: فَضَرَبَ بِيَدِهِ فَأَرَاهُ تُرَابًا أَحْمَرَ، فأخذتأم سلمة ذَلِكَ التُّرَابَ فَصَرَّتْهُ فِي طَرَفِ ثَوْبِهَا، قال: فَكُنَّا نَسْمَعُ: يُقْتَلُ بِكَرْبَلَاءَ.».[119][120][121] وروىالبيهقي فيسننه عنأم سلمة أنها قالت: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِﷺ اضْطَجَعَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ خَاثِرٌ، ثُمَّ اضْطَجَعَ فَرَقَدَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ خَاثِرٌ، دُونَ مَا رَأَيْتُ مِنْهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، مَّ اضْطَجَعَ وَاسْتَيْقَظَ وَفِي يَدِهِ تُرْبَةٌ حَمْرَاءُ وَهُوَ يُقَلِّبُهَا، فقلت: مَا هَذِهِ التُّرْبَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قال: «أَخْبَرَنِيجبريل أَنَّ هَذَا يُقْتَلُ بِأَرْضِالْعِرَاقِ - لِلْحُسَيْنِ -»، قال: قلت له: يَا جِبْرِيلُ، أرِنِي تُرْبَةَ الْأَرْضِ الَّتِي يُقْتَلُ بِهَا، فَهَذِهِ تُرْبَتُهَا.».[121] وكذلك قوله: «لَقَدْ دَخَلَ عَلَيَّ الْبَيْتَ مَلَكٌ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيَّ قَبْلَهَا، فَقَالَ لِي: إِنَّ ابْنَكَ هَذَا حُسَيْنٌ مَقْتُولٌ، وَإِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ مِنْ تُرْبَةِ الْأَرْضِ الَّتِي يُقْتَلُ بِهَا، فَأَخْرَجَ تُرْبَةً حَمْرَاءَ»،[122] وأخرجابن السكنوالبغوي عنأنس بن الحارث الكاهلي عن النبيمحمد أنه قال: «إن إبني هذا - يعني الحسين - يقتل بأرض يقال لها كربلاء فمن شهد ذلك منكم فلينصره».[123][124][125][126][127] وغير ذلك من الروايات.[119]
ورُوي عنابن عباس أنه رأى النبي في المنام في اليوم الذي قُتل فيه الحسين فقال: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ بِنِصْفِ النَّهَارِ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، مَعَهُ قَارُورَةٌ فِيهَا دَمٌ يَلْتَقِطُهُ، أَوْ يَتَتَبَّعُ فِيهَا شَيْئًا قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذَا؟، قَالَ: دَمُ الْحُسَيْنِ، وَأَصْحَابِهِ لَمْ أَزَلْ أَتَتَبَّعُهُ مُنْذُ الْيَوْمَ».[128]
مقابر البقيع، حيث يذكر بعض المؤرخين أن الرأس مدفونة هناك.صخرة في مسجد النقطةبحلب يُقال أن رأس الحسين وُضِعَ عليها.
هناك اختلاف في تحديد موضع دفن رأس الحسين عند عامة الناس، ويرجع ذلك إلى اختلاف المشاهد التي يُدعى وجود رأس الحسين في كل منها، حيث توجد مشاهد يُقال أن بها رأس الحسين فيدمشقوكربلاءوالقاهرة، وادعى بعض المؤرخين وجوده في أماكن أخرى مثلالرقةوعسقلانوالمدينة المنورة، ورجّح أخرون أن مكان الرأس مجهول، فأنكرالفضل بن دكين على من يعرف مكان قبر الحسين، وذكرمحمد بن جرير الطبري أن موضع مقتله عُفى أثره حتى لم يستطع أحد تحديده.[134]
وقيل أن الرأس لم يزل في خزانة يزيد بن معاوية حتى توفي، فأُخِذَ من خزانته فكُفِّنَ ودُفِنَ داخل باب الفراديس من مدينةدمشق،[135] وقيل في حائط بدمشق، ومنهم من قال في دار الإمارة، ومنهم من قال في المقبرة العامة لدفن المسلمين،[139] وانفردسبط ابن الجوزي بقوله أن الرأس بمسجدبالرقة علىنهر الفرات.[140]
وقيل أن الرأس طيف به حتى دُفنبعسقلان،[141] وذكرابن بطوطة في رحلاته أن بها مشهد للحسين،[140] تروي بعض الروايات ومن أهمهاالمقريزي أنه بعد دخولالصليبيين إلىدمشق واشتداد الحملات الصليبية قرر الفاطميون أن يبعدوا رأس الحسين ويدفونه في مأمن من الصليبيين وخصوصا بعد تهديد بعض القادة الصليبيين بنبش القبر، فحملوه إلىعسقلان ودفن هناك، وقيل بل تم في بدايةالقرن الثاني الهجري في عهدعمر بن عبد العزيز بعد سنة101 هـ، وقيل مع قيامالدولة العباسية سنة132 هـ، وهذا امتداد للرأي الذي يقول أن الرأس كان موجودًا في دمشق.[142]
وقيل أن موضع الرأس فيمسجد الإمام الحسينبالقاهرة، وهو أيضا امتداد للرأي السابق حيث يرويالمقريزي أنالفاطميين قرروا حمل الرأس منعسقلان إلىالقاهرة وبنوا له مشهدًا كبيرًا، وهو المشهد القائم الآن فيحي الحسين في القاهرة،[143] وذكروا أنه لما استولى الصليبيين على عسقلان قام وزير الفاطميين بمصر الصالح طلائع بن رزيك بدفع ثلاثين ألف درهم للصلبيبين مقابل أن يأخذ رأس الحسين، ووضعه في كيس من الحرير وأتى بها إلى القاهرة سنة549 هـ وذلك حسب ما ذكر عدد من الأكاديميين في العصر الحديث مثلأيمن فؤاد سيدوسعاد ماهر.[144][145] وأنكر ذلكابن كثير الدمشقي وغيره فقال ابن كثير: «وادّعت الطائفة المسمونبالفاطميين الذين ملكوا الديار المصرية قبل سنةأربعمائة إلى ما بعد سنةستين وستمائة، أن رأس الحسين وصل إلى الديار المصرية ودفنوه بها، وبنوا عليه المشهد المشهور به بمصر، الذي يقال له: تاج الحسين بعد سنةخمسمائة. وقد نص غير واحد من أئمة أهل العلم على أنه لا أصل لذلك، وإنما أرادوا أن يروجوا بذلك بطلان ما ادعوه من النسب الشريف، وهم في ذلك كذبة خونة. وقد نص على ذلكالقاضي الباقلاني وغير واحد من أئمة العلماء في دولتهم في حدود سنةأربعمائة.».[135]
مسؤولية مقتل الحسين
يرجع المؤرخون والباحثون السنة والشيعة مسؤولية مقتل الحسين إلى ثلاثة أطراف وهم: أهلالكوفة، وأصحاب القيادة وهمعبيد الله بن زيادوعمر بن سعد، والحاكم وهويزيد بن معاوية، وتتفاوت الآراء حول مقدار مسؤولية كلٍ منهم.[146]
فأمّا أهل الكوفة فيرى باحثون أنهم كاتبوا الحسين وطلبوه للبيعة ثم خذلوه ولم ينصروه، وأنكروا أنهم طلبوه، حيث نادى الحسين عليهم يوم عاشوراء فقال: «يا شبث بن ربعي! ويا حجار بن أبجر! ويا قيس بن الأشعث! ويا زيد بن الحارث! ألم تكتبوا إلي في القدوم عليكم؟» قالوا: «لم نفعل». فقال: «بلى فعلتم. أيها الناس إذ كرهتموني فدعوني أنصرف إلى مأمني».[147] وأنأم سلمة لما جاءها الخبر قالت عن أهل الكوفة: «قتلوه قاتلهم الله، غروه وذلوه لعنهم الله»،[148] وقالعبد الله بن عمر بن الخطاب حيث سأله رجل من أهلالعراق عن قتلالذباب أثناءالإحرام: «أهل العراق يسألون عن الذباب، وقد قتلوا ابن ابنة رسول اللهﷺ»،[149] ويذكر المُعمم الشيعيحسين الكوراني وغيره أن أغلب الجيش كان من أهل الكوفة فيقول: «أهل الكوفة لم يكتفوا بالتفرق عن الإمام الحسين، بل انتقلوا نتيجة تلون مواقفهم إلى موقف ثالث، وهو أنهم بدأوا يسارعون في الخروج إلى كربلاء وحرب الإمام الحسين، وفي كربلاء كانوا يتسابقون إلى تسجيل المواقف التي ترضي الشيطان وتسخطالرحمن»،[150] وقد نشأتثورة التوابين من أهل العراق من الذين ندموا على مقتل الحسين وسموا أنفسهم بالتوابين، بينما يرى آخرون أن أهل الكوفة لم يكن بأيديهم شيئًا، يقول الباحثعبد المنعم ماجد: «ولا نلقي اللوم على أهل الكوفة لتقاعسهم إذ لم يكونوا يستطيعون شيئًا أمام الحكم الأموي القوي».[146]
وأمّا قادة جيش الكوفة، فهم المُنفذون المباشرون لمقتل الحسين،فعبيد الله بن زياد هو الذي قتلمسلم بن عقيلوهانيء بن عروة مما جعل أهل الكوفة يتراجعون عن البيعة، يقوليوسف العش: «وينبغي لنا أن نقول أن المسؤول عن مقتل الحسين هوشمر أولًا، وثانيًاعبيد الله بن زياد»، وكان الشعراءيهجون بني زياد لذلك؛ حتى قال عثمان بن زياد أخو عبيد الله: «لوددت أنه ليس من بني زياد رجل إلا وفي أنفه خرامة إلى يوم القيامة، وأن حسينًا لم يُقتل». وقالابن الصلاح: «والمحفوظ أن الآمر بقتاله المفضي إلى قتله إنما هو عبيد الله بن زياد». وكذلكعمر بن سعد يُحمّله المؤرخون قسمًا كبيرًا من مسؤولية مقتل الحسين، حيث إنه المُنفِّذ والمتفاوض مع الحسين، وحاول التهرب من مسؤولية مقتل الحسين وجعلها ملقاة على ابن زياد، وأخفى الكتاب الذي أرسله له ابن زياد قبل المعركة.[146]
أمّا الحاكم وهويزيد بن معاوية، فيُحمّله المؤرخون مسؤولية إرسالعبيد الله بن زياد إلى الكوفة للسيطرة عليها، وأنه لم ينتصر للحسين ويأخذ بثأره أو يقتل قاتله، واختلف الباحثون فيما إذا كان يزيد قد أمر بقتل الحسين أم لا، فيرىابن تيمية وفريق منأهل السنة والجماعة أن يزيد لم يأمر بقتل الحسين ولم يُظهر الفرح بقتله،[146][151] فيقول: «إن يزيد بن معاوية لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق، ولما بلغ يزيد قتل الحسين أظهر التوجع على ذلك وظهر البكاء في داره، ولم يَسْبِ لهم حريماً بل أكرم أهل بيته وأجازهم حتى ردّهم إلى بلادهم، أما الروايات التي في كتب الشيعة أنه أُهين نساء آل بيت رسول اللهﷺ وأنهن أُخذن إلى الشام مَسبيَّات، وأُهِنّ هناك هذا كله كلام باطل.» ثم يقول: «لكنه مع ذلك ما انتصر للحسين، ولا أمر بقتل قاتله، ولا أخذ بثأره.».[152] بينما يرى آخرون أن يزيد هو المسؤول المباشر عن قتل الحسين، وأن رأس الحسين حُمِلَ بها إليه، وأنه أهان أهل بيته ونسائه،[153] يقولسعد الدين التفتازاني: «والحق أن رضا يزيد بقتل الحسين، واستبشاره بذلك، وإهانته أهل بيت الرسول مما تواتر معناه، لعنة الله عليه، وعلى أنصاره وأعوانه».[154]
وأغلب آراء علماء الشيعة تحمّل المسؤولية الكاملةليزيد بن معاوية والواليعبيد الله بن زياد، يقول الباحث نزار حيدر: «إن الذي قتل الحسين بن علي سبط رسول الله في كربلاء، هوالنظام السياسي الذي كان يحكم بلاد المسلمين آنئذٍ.»،[155] ويرى جلٌ مراجع الشيعة كفرهما ويردون الآثار في الحثّ على لعنهما،[156] ثم يليهم في المسؤولية قادة الجيش الأموي في كربلاء:عمر بن سعدوشمر بن ذي الجوشنوسنان بن أنس وعورة بن قيسوشبث بن ربعيوالحصين بن نمير السكوني،[155] كما يحمّل بعض علماء الشيعة مثلحسين الكوراني أهل الكوفة جزءًا من هذه المسؤولية،[150] وترد في كثير من الآثار والنصوص الشيعية نصوص تلعنبني أمية وآل زياد وقادة الجيش في كربلاء ومن تخاذل عن نصرة الحسين جميعًا، فجاء فيزيارة عاشوراء: «وَلَعَنَ اللهُ آلَ زِياد وَآلَ مَرْوانَ، وَلَعَنَ اللهُ بَني اُمَيَّةَ قاطِبَةً، وَلَعَنَ اللهُ ابْنَ مَرْجانَةَ، وَلَعَنَ اللهُ عُمَرَ بْنَ سَعْد، وَلَعَنَ اللهُ شِمْراً، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً اَسْرَجَتْ وَاَلْجَمَتْ وَتَنَقَّبَتْ لِقِتالِكَ.».[157]
الحركات التي تلت مقتل الحسين
بعد وصول خبر مقتل الحسين آفاقالدولة الإسلامية، غضب جموع المسلمين على يزيد لمقتل ابن بنت رسول الله على أيدي جيوشه. وحاول البعض الأخذ بثأره، وسعى آخرون في نزع البيعة منيزيد بن معاوية، ورأى آخرون الاعتزال وتجنب الفتن خشية إهراق دماء المسلمين. فبعد مقتل الحسين، صار شاغل يزيد أخذ بيعةعبد الله بن الزبير، خاصةً لما كان لابن الزبير من دور في تأليب المسلمين علىبني أمية،[158] حتى أنه في موسم حج سنة 61 هـ لم يُصلّ ابن الزبير بصلاةعمرو بن سعيد بن العاص والي يزيد على المدينة، ولم يُفض بإفاضته،[159] بل ومنع ابن الزبير الحارث بن خالد المخزومي نائب عمرو بن سعيد على مكة من إمامة أهل مكة في الصلاة.[160]
وفي سنة63 هـ بعد سنتين من مقتل الحسين خرج أهل المدينة على يزيد، وطردوا عامله، فوجّه إليهم جيشًا بقيادةمسلم بن عقبة، فاستقبلهم أهل المدينة بجموع كثيرة، فهابهم أهل الشام وكرهوا قتالهم، فلما نشب القتال سمعوا في جوف المدينة التكبير، وذلك أن بني حارثة أدخلوا قوما من الشاميين من جانب الخندق، فترك أهل المدينة القتال ودخلوا المدينة خوفًا على أهلهم، فكانت الهزيمة، وقتل من قتل، وبايع مسلم الناس على أنهم خول ليزيد، واستباح حُرماتها ثلاثة أيام، وهي ما تُعرفبوقعة الحرة.[161]
وفي26 محرم سنة64 هـ، وحوصر ابن الزبير 64 يومًا فيمكة ونصبوا المنجنيق واحترقتالكعبة، فمني جيش ابن الزبير بخسائر كبيرة وفقد الكثير من مؤيديه.[162] وبعد وفاة يزيد، تواصل فئة من أهل العراق يُريدون الثأر للحسين ندمًا على تقاعسهم عن نصرته،[163] فاجتمع منهم جيش في ربيع الأول سنة 65هـ، وساروا إلى قبر الحسين ليبكوه ويترحموا عليه، وساروا إلى الشام في حملة بقيادةسليمان بن صرد الخزاعي عُرفتبجيش التوّابين، لقتالعبيد الله بن زياد الذي أمر بقتل الحسين،[164] فالتقوا جيشًا أمويًا فيعين الوردة، وانهزم التوابون هزيمة ساحقة لقلة عددهم، وقُتل عدد من قادتهم وتمكنرفاعة بن شداد البُجليّ من الانسحاب بمن بقي منهم إلى الكوفة.[165]
قُتل أغلب المشاركين في قتل الحسين في الأحداث التي تلت ذلك، يقولعامر الشعبي:[170] «رأيت في النوم كأن رجالا من السماء نزلوا، معهم حراب يتتبعون قتلة الحسين، فما لبثت أن نزلالمختار فقتلهم.»
فقُتِلَعبيد الله بن زياد على يدإبراهيم بن الأشتر النخعي سنة67 هـ، حيث خرج من الكوفة قاصدًا ابن زياد في أرضالموصل، فالتقيا بمكان يقال له الخازر بينه وبينالموصل خمسة فراسخ، فباغت ابن الأشتر جيش ابن زياد، وأخذ يحرض جنده قائلًا: «هذا قاتل ابن بنت رسول اللهﷺ، قد جاءكم الله به وأمكنكم الله منه اليوم، فعليكم به، فإنه قد فعل في ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يفعله فرعون في بني إسرائيل! هذا ابن زياد قاتل الحسين الذي حال بينه وبين ماءالفرات أن يشرب منه هو وأولاده ونساؤه، ومنعه أن ينصرف إلى بلده أو يأتييزيد بن معاوية حتى قتله. ويحكم! اشفوا صدوركم منه، وارووا رماحكم وسيوفكم من دمه، هذا الذي فعل في آل نبيكم ما فعل، قد جاءكم الله به.».[171] وقُتل أغلب المشاركين في قتل الحسين على يدالمختار بن أبي عبيد الثقفي أثناء ثورته، فقُتِلَشمر بن ذي الجوشنوسنان بن أنس على يدكيان أبو عمرة قائد شرطة المختار،[172] وأُتِىَبحرملة بن كاهل وقُطّعت يداه ورجلاه أمام المختار ثم ألهب فيه النار.[173]
مكانته الدينية
مكانته عند النبي
لوحة رخامية كبيرة باللون الأبيض على واجهةمسجد الإمام الحسينبالقاهرة، حُفر عليهاالحديث النبوي: «حسين منى وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينًا، حسين سبط من الأسباط».
للحسين بن علي مكانة كبيرة عند عموم المسلمين بمختلف طوائفهم، وذلك لأنه حفيد النبي محمد وابن ابنته فاطمة، وحِبُه وريحانته، وسيد شباب أهل الجنة، وخصَّه النبي بقوله أنه منه، وغيرها من الأوصاف التي تصفه بهاالأحاديث النبوية، ولا تختلف طوائف المسلمين حول هذه النقاط، ومن هذه الأحاديث:
وصفه أنه من النبي والنبي منه، عنيعلى بن مرة قال:[174] «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا، حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنْ الْأَسْبَاطِ».
ووصفه برحانته من الدنيا، فسأل رجلعبد الله بن عمر عن قتل الذباب أثناء الإحرام، فقال:[149] «أهل العراق يسألون عن الذباب، وقد قتلوا ابن ابنة رسول اللهﷺ، وقال النبيﷺ: هما ريحانتاي من الدنيا».
ووصفه بسيد شباب أهل الجنة، عنعبد الله بن عمر قال:[177] «قال رسول اللهﷺ الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما».
أنعمرو بن العاص كان جالسًا في ظل الكعبة، ورأى الحسين، فقال: «هذا أحب أهل الأرض إلى أهل السماء اليوم.».[34]
وأن ابن عباس كان يُمسك الركاب للحسن والحسين ويُسوي لهما، فقال له مدرك أبو زياد: «أنت أكبر منهما تمسك لهما وتسوي عليهما.» فقال ابن عباس: «يا لكع. أتدري من هذان؟ هذان ابنا رسول اللهﷺ، أوليس هذا مما أنعم الله علي به أن أمسك لهما وأسوي عليهما؟».[27]:398
وأن أبا هريرة كان ينفض عنه التراب، فعن أبي المهزم قال: «كنا مع جنازة امرأة، ومعناأبو هريرة، فجيء بجنازة رجل، فجعله بينه، وبين المرأة، فصلى عليهما، فلما أقبلنا أعيا الْحُسَيْن، فقعد في الطريق، فجعل أبو هريرة ينفض التراب، عن قدميه بطرف ثوبه، فقال الْحُسَيْن: يا أبا هريرة، وأنت تفعل هذا، قال أبو هريرة: دعني فوالله لو يعلم الناس منك ما أعلم لحملوك عَلَى رقابهم.».[178]
وأن ابن عمر قال له حين هم بالخروج إلى الكوفة: «إنجبريل أتى النبيﷺ فخيره بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا، وإنك بضعة من رسول اللهﷺ، كذلك يريد منكم».[179]
منزلةأهل البيت عمومًا: يعتقد أهل السنة أن أهل البيت تجب محبتهم وموالاتهم ورعاية حقوقهم، وأن المسلمين مأمورون بالصلاة عليهم معالصلاة على النبي، وأنّ لهم حقًا فيأداء الخمس من المغنموالفيء،[180] فعنعائشة بنت أبي بكر قالت: «خرج النبيﷺ غداة وعليه مرط مرحَّل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاءالحسين فدخل معه، ثم دخلت فاطمة فأدخلها، ثم جاء عليُّ فأدخله، ثم قال:﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾».[181]
الشهيد: يعتبر علماء أهل السنة الحسين شهيدًا، ويلقبونه بالشهيد في ترجمتهم له،[8] يقولابن تيمية:[182] «وأما مقتل الحسين فلا ريب أنه قُتِلَ مظلومًا شهيدًا، كما قتل أشباهه من المظلومين الشهداء، وقَتل الحسين معصية لله ورسوله ممن قتله، أو أعان على قتله، أو رضى بذلك، وهو مصيبة أصيب بها المسلمون من أهله وغير أهله، وهو في حقه شهادة له ورفع حجة وعلو منزلة؛ فإنه وأخاه سبقت لهما من الله السعادة التي لا تنال إلا بنوع من البلاء، ولم يكن لهما من السوابق ما لأهل بيتهما، فإنهما تربيا في حجر الإسلام في عز وأمان، فمات هذا مسمومًا وهذا مقتولًا لينالا بذلك منازل السعداء وعيش الشهداء.»
من سادات المسلمين وعلماء الصحابة: يقولابن كثير الدمشقي:[183] «فكل مسلم ينبغي له أن يحزنه قتله رضي الله عنه، فإنه من سادات المسلمين، وعلماء الصحابة وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي أفضل بناته»
نظرة الشيعة
نقش يحتوى على عبارات السلام على الحسين وابنهعلي بن الحسين وأولاده وأصحابه.اسم النبي محمد وحوله أسماء الأئمة الاثنا عشر عندالشيعة الاثني عشرية.
الإمام الثالث منالأئمة الاثني عشر: تؤمن طوائف الشيعة أن الحسين هو الإمام الثالث منالأئمة الاثني عشر بعدعلي بن أبي طالبوالحسن بن علي، وتنص المصادر الشيعية على أنالنبي محمد قد نص على الأئمة من بعده وعينهم بأسمائهم ومن بينهم الحسين،[184][185] وتنص كذلك على أن عليًا قد أوصى قبل وفاته بالخلافة إلى ولده الحسن، وقد أشهد على وصيته جميع أولاده وأهل شيعته وأهل بيته، وعهد إليه بكتابه وسلاحه وأمره بأن يدفعها لأخيه الحسين إذا حضرته الوفاة.[186] وأن الحسين تولى إمامته بعد وفاة الحسن مباشرةً، وبدأ دعوته، وكانت مدة إمامته إحْدَى عشرة سنة.[187] قالالشيخ المفيد:[188] «واتفقوا على أنه قال - في الحسن والحسين -: ابناي هذان إمامان، قاما أو قعدا.».
وجاء في كتابالكافي: «عنسليم بن قيس قال: شهدت وصية أمير المؤمنين عليه السلام حين أوصى إلى ابنه الحسن عليه السلام، وأشهد على وصيته الحسين عليه السلام ومحمدًا وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، ثم دفع إليه الكتاب والسلاح، وقال لابنه الحسن: يا بني أمرني رسول الله أن أوصي إليك وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إلي رسول الله، ودفع إلى كتبه وسلاحه، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين، ثم أقبل على ابنه الحسين فقال، وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك هذا، ثم أخذ بيدعلي بن الحسين، ثم قاللعلي بن الحسين: وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنكمحمد بن علي واقرأه من رسول الله».[189][190]
أبو الأئمة: يُعتبر الحسين أبًا لتسعة منالأئمة الاثني عشر، وجميع الأئمة من بعده من نسله، وأتى في كتب الشيعة عددًا من المرويات في ذلك. منها ما جاء فيبحار الأنوار أن النبي قال للحسين: «يا حسين أنت السيد ابن السيد أبو السادة، تسعة من ولدك أئمة أبرار والتاسع قائمهم، أنت الإمام ابن الإمام أبو الأئمة تسعة من صلبك أئمة أبرار والتاسع مهديهم».[191]
سيد الشهداء: يُلقب الحسين بسيد الشهداء، حيث جاء في كتابكامل الزيارات رواية تقول عنه: «إنه سيد الشهداء من الأولين والآخرين في الدنيا والآخرة».[192]
من أصحابالكساء: يعتقد الشيعة أن النبي جمع علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين معه تحت كساء واحد بعد نزول ما يُسمَّى بآية التطهير:﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾.[193]
منالمعصومين: يعتقدالشيعة الاثنا عشرية أن الحسين وجميع الأئمة الاثنا عشر بالإضافة إلى النبيوفاطمة الزهراء، معصومون عن الذنوب والمعاصي صغائرها وكبائرها، وأنه لا يمكن صدور المعصية منهم حتى على نحو الغفلة أو السهو أو النسيان،[194] وجاء فيالكافي: «قالجعفر الصادق: نحن قوم معصومون، أمر الله تبارك وتعالى بطاعتنا ونهى عن معصيتنا».[195]
حشد من الشيعة يحيون مراسم عاشوراء في كربلاء عام 2016، حيث يظهررادود بإنشاد الرثاء،ويلطم الحاضرون مرددينالرثاء.
يوافق يوم مقتل الحسين يوم العاشر منالمحرم، وهو اليوم الذي نجّى الله فيهموسى منفرعون، وصيامه مستحب عندأهل السنة والجماعة، فقد روىالبخاري عنابن عباس قال: «قدم النبيﷺ المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجَّى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال: «فأنا أحقُّ بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه».».[196]
بينما يُتخذه الشيعة يوم حزن وعزاء وبكاء، كما تُقام مجالسالعزاء، وتُقام المحاضرات لعرض حادثة مقتل الإمام الحسين بن علي على الناس من خلال الخطيب والذي غالبا ما يجلس علىالمنبر متوسطاً الناس، ليبكي الناس على المقتل، ثم تبدأ شعائر أخرىكاللطم، ويجلسالرادود يردد المراثي على اللاطمين،[197] ويُجرَى فيها تمثيل مقتل الحسين ويظهرون في هذه المجالس ما فيه من مظاهر الحزن والبكاء وما يصاحبه من كثرة الأعلام ودق الطبول وغيرهما.[ْ 2] كما تُقام المواكب لزيارةالعتبة الحسينية فيكربلاء، ويقوم الشيعة بما يُسمىبالشعائر الحسينية،[198] مثل:اللطمية، ولبس السواد، وتمثيل مشاهد منواقعة الطف،والتطبير، ويستخدم في التطبير سيوف وقامات أو أي أدوات حادة أخرى، فيضرب المطبرون رؤوسهم بهذه الأدوات لإحداث جرح لإسالة الدماء من الرأس أوالضرب بالسلاسل، ويكون التطبير في الغالب بصورة جَماعية وعلى شكل مواكب ومسيرات تجوب الشوراع والأماكن العامة، ولا يزال التطبير رائجًا في عدد من البلدانكالعراقولبنانوباكستانوالهندوأذربيجانوالبحرين.[199] وتستمر هذه الشعائر حتى20 صفر وهو ما يُسمىبزيارة الأربعين.[200]
مولد الحسين
تُنظمالطرق الصوفية خاصةً فيمصر مراسم خاصة في يوم الثالث من شعبان احتفالًا بمولد الحسين، حيث يحتشد الناس على طول الطرق المؤدية إلىمسجد الحسين في القاهرة، ويكتظ المسجد بالزائرين، وتُنصب الخيمة الرئيسية أمام الباب الأخضر أكبر أبواب المسجد، وتخصص هذه الخيمة لجميع الطرق الصوفية، حيث تتخذ كل طريقة مكانًا خاصًا بها بداخلها استعدادًا لإحياء المولد، وتبدأ حلقات الذكر، ودروس الوعظ والإرشاد، بالإضافة لأناشيدالمديح وغير ذلك من المظاهر.[201][202]
صفاته
كان الحسن والحسين أشبه الناس بالنبيمحمد، ولكن كان الحسن أكثر شبهًا،[203][204] فعن علي قال:[22] «كان الحسن أشبه الناس برسول اللهﷺ من وجهه إلى سرته، وكان الحسين أشبه الناس به ما أسفل من ذلك.». وقال: «الحسين أشبه برسول اللهﷺ من صدره إلى قدميه».[8] وكان أسود الرأس واللحية إلا شعرات في مقدم لحيته، قال عمر بن عطاء: «رأيت الحسين يصبغ بالوسمة كان رأسه ولحيته شديدي السواد».[8]
وكان كثيرالحج ورُوى أنه حجَّ خمس وعشرين مرة ماشيًا على رجليه،[34] قالأبو سعيد الخدري: «رأيت الحسن والحسين صليا مع الإمامالعصر، ثم أتياالحجر، فاستلماه، ثم طافا أسبوعًا، وصليا ركعتين، فقال الناس: هذان ابنا بنت رسولﷺ، فحطمهما الناس حتى لم يستطيعا أن يمضيا ومعهم رجل من الركانات، فأخذ الحسين بيد الركاني، ورد الناس عن الحسن.».[27]:406
محسن بن الحسين، أو السقط، له ضريح في مدينةحلب، ذكرهياقوت الحموي فقال: «كانت زوجة الحسين حاملاً فأسقطت هناك فطلبت من الصنَّاع خبزاً وماءً فشتموها ومنعوه فدعت عليهم، فمن الآن مَن عمل فيه لا يربح، وفي قِبلي الجبل مشهد يُعرف بمشهد السقط ويُسمَّى مشهد الدكَّة والسقط يُسمَّى محسن بن الحسين».[220]
رقية بنت الحسين، هي صاحبةالضريح الموجود في دمشق، نسبها صاحب كتاب لباب الأنساب إلى الحسين،[221] بينما لم تذكرها المصادر الأخرى، ويُظنّ أن أمها أم إسحاق بنت طلحة، أو شهربانو، وذكرت بعض المصادر أن للحسين ابنة توفيت في الرابعة من عمرها في الشام، لذلك يُعتقد أنها رقية.[222]
كما يُنسب إليه في التراث الشعبي:
صفية بنت الحسين، لها ضريح في بلدةحوش تل صفية، لا سيرة لها في المصادر التاريخية، يُعتقد أنها ماتت بعد كربلاء بقليل وهي صغيرة.[223]
يحتوي التراث الشيعي على العديد من الأقوال المنسوبة للحسين،[226] بالإضافة إلى الخطب مثل خطبته في منى وخطبته في كربلاء.[227] وكذلك الأدعية وجاء بعضهابحار الأنوار مثل دعاءيوم عرفة.[228]
كما تُنسب إلى الحسين العديد من الأشعار التي ذكرها المترجمون عند السنة والشيعة، وقام بجمعهامحمد صادق الكرباسي في كتاب أسماه "ديوان الإمام الحسين (من الشعر المنسوب إليه)،[229] وذكرابن كثير الدمشقي فصلًا في كتابهالبداية والنهاية عن ما رُوى من أشعاره، منها: أن الحسين زار المقابربالبقيع فقال:[207]
^أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر التَّمِيمي المازري المالكي (ت ٥٣٦هـ).كتاب المعلم بفوائد مسلم. الدار التونسية للنشر. ج. 1. ص. 531. مؤرشف منالأصل في 2024-01-01.{{استشهاد بكتاب}}: صيانة الاستشهاد: أسماء عددية: قائمة المؤلفين (link)
^ابن حجر أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاتي الشافعي (ت ٨٥٢ هـ).كتاب تهذيب التهذيب. جمعية دار البر - الإمارات العربية المتحدة، دبي. ج. 3. ص. 307. مؤرشف منالأصل في 2024-12-13.{{استشهاد بكتاب}}: صيانة الاستشهاد: أسماء عددية: قائمة المؤلفين (link)
^علي بن عبد الله بن أحمد الحسني الشافعي، نور الدين أبو الحسن السمهودي (ت ٩١١هـ) (1998).كتاب وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى (ط. 1nd). دار الكتب العلمية - بيروت. ج. 3. ص. 95. مؤرشف منالأصل في 2024-09-23.{{استشهاد بكتاب}}: صيانة الاستشهاد: أسماء عددية: قائمة المؤلفين (link)
^التاريخ الإسلامي - 4 -: العهد الأموي (الطبعة الأولى سنة 1982). محمود شاكر. المكتب الإسلامي، صـ 119: 122
^محمد بن عبد الهادي الشيباني، ومحمد سالم الخضر (1425هـ/2005م).القول السديد في سيرة الحسين الشهيد (ط. الأولى). الكويت: مبرة الآل والأصحاب، مكتبة الكويت الوطنية. ص. 60، 61.{{استشهاد بكتاب}}:تحقق من التاريخ في:|سنة= (مساعدة)
^ابجمحمد بن عبد الهادي الشيباني (1429هـ/2009م).مواقف المعارضة في عهد يزيد بن معاوية (ط. الثانية). الرياض: دار طيبة للنشر والتوزيع. ص. 231: 238.{{استشهاد بكتاب}}:تحقق من التاريخ في:|سنة= (مساعدة)
^محمد بن عبد الهادي بن رزان الشيباني (1430هـ/2009م).مواقف المعارضة في عهد يزيد بن معاوية (60-64هـ) (ط. الثانية). الرياض-السعودية: دار طيبة للنشر والتوزيع. ص. 239: 242.ISBN:978-9960-9998-2-1.{{استشهاد بكتاب}}:تحقق من التاريخ في:|سنة= (مساعدة)
^محمد بن عبد الهادي بن رزان الشيباني (1430هـ/2009م).مواقف المعارضة في عهد يزيد بن معاوية (60-64هـ) (ط. الثانية). الرياض-السعودية: دار طيبة للنشر والتوزيع. ص. 289: 291.ISBN:978-9960-9998-2-1.{{استشهاد بكتاب}}:تحقق من التاريخ في:|سنة= (مساعدة)
^محمد بن عبد الهادي بن رزان الشيباني (1430هـ/2009م).مواقف المعارضة في عهد يزيد بن معاوية (60-64هـ) (ط. الثانية). الرياض-السعودية: دار طيبة للنشر والتوزيع. ص. 292 - 302.ISBN:978-9960-9998-2-1.{{استشهاد بكتاب}}:تحقق من التاريخ في:|سنة= (مساعدة)
^الفتنة الثانية في عهد الخليفة يزيد بن معاوية 2013 . دار الجمل -المانيا 2009 ص 43
^محمد بن عبد الهادي بن رزان الشيباني (1430هـ/2009م).مواقف المعارضة في عهد يزيد بن معاوية (60-64هـ) (ط. الثانية). الرياض-السعودية: دار طيبة للنشر والتوزيع. ص. 299: 302.ISBN:978-9960-9998-2-1.{{استشهاد بكتاب}}:تحقق من التاريخ في:|سنة= (مساعدة)
^محمد بن عبد الهادي بن رزان الشيباني (1430هـ/2009م).مواقف المعارضة في عهد يزيد بن معاوية (60-64هـ) (ط. الثانية). الرياض-السعودية: دار طيبة للنشر والتوزيع. ص. 313: 328.ISBN:978-9960-9998-2-1.{{استشهاد بكتاب}}:تحقق من التاريخ في:|سنة= (مساعدة)
^محمد بن عبد الهادي الشيباني؛ محمد سالم الخضر (1425هـ/2005م).القول السديد في سيرة الحسين الشهيد (ط. الثانية). الكويت: مبرة الآل والأصحاب. ص. 149-150.{{استشهاد بكتاب}}:تحقق من التاريخ في:|سنة= (مساعدة)
^ابجدهمحمد بن عبد الهادي الشيباني، ومحمد سالم الخضر (1425هـ/2005م).القول السديد في سيرة الحسين الشهيد (ط. الأولى). الكويت: مبرة الآل والأصحاب، مكتبة الكويت الوطنية. ص. 157، 167.{{استشهاد بكتاب}}:تحقق من التاريخ في:|سنة= (مساعدة)
^محمد بن عبد الهادي بن رزان الشيباني (1430هـ/2009م). مواقف المعارضة في عهد يزيد بن معاوية (60-64هـ) (الطبعة الثانية). الرياض-السعودية: دار طيبة للنشر والتوزيع. صفحة 357-362.ISBN 978-9960-9998-2-1
^أحمد حسين يعقوب، المواجهة مع رسول الله وآله، (1996). بيروت-لبنان: مركز الغدير، الصفحة 170.
^أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي،الاحتجاج، الجزء الثاني، (1966م) النجف-العراق: منشورات دار النعمان للطباعة والنشر، الصفحة 34، 35نسخة محفوظة 26 يناير 2019 على موقعواي باك مشين.
^محمد بن عبد الهادي الشيباني، ومحمد سالم الخضر (1425هـ/2005م).القول السديد في سيرة الحسين الشهيد (ط. الأولى). الكويت: مبرة الآل والأصحاب، مكتبة الكويت الوطنية. ص. 197، 201.{{استشهاد بكتاب}}:تحقق من التاريخ في:|سنة= (مساعدة)
^محمد بن عبد الهادي الشيباني، ومحمد سالم الخضر (1425هـ/2005م).القول السديد في سيرة الحسين الشهيد (ط. الأولى). الكويت: مبرة الآل والأصحاب، مكتبة الكويت الوطنية. ص. 210.{{استشهاد بكتاب}}:تحقق من التاريخ في:|سنة= (مساعدة)
^أيمن فؤاد سيد، الدولة الفاطمية في مصر، تفسير جديد، مكتبة الاسرة، القاهرة، 2007، ص 624
^أيمن فؤاد سيد، الدولة الفاطمية في مصر، تفسير جديد، مكتبة الاسرة، القاهرة، 2007، صـ 62
^كتاب «أولياء الله الصالحون»، سعاد ماهر، بداية من صـ 374.
^ابجدمحمد بن عبد الهادي الشيباني، ومحمد سالم الخضر (1425هـ/2005م). القول السديد في سيرة الحسين الشهيد (الطبعة الأولى). الكويت: مبرة الآل والأصحاب، مكتبة الكويت الوطنية. صفحة 178: 196.
^اب"من قتل الحسين؟".الشیعة (بfa-IR). 1436-12-02. Archived fromthe original on 28 فبراير 2019. Retrieved2019-08-31.{{استشهاد ويب}}:تحقق من التاريخ في:|تاريخ= (help)صيانة الاستشهاد: لغة غير مدعومة (link)
^محمد الري شهري، موسوعة الإمام الحسين في الكتاب والسنة والتاريخ، تحقيق: مركز بحوث دار الحديث، جـ 1، صـ 215، الطبعة الأولى، دار الحديث للطباعة والنشر، 1431 هـ.
^ابمحمد بن عبد الهادي الشيباني، ومحمد سالم الخضر (1425هـ/2005م).القول السديد في سيرة الحسين الشهيد (ط. الأولى). الكويت: مبرة الآل والأصحاب، مكتبة الكويت الوطنية. ص. 43: 45، 61.{{استشهاد بكتاب}}:تحقق من التاريخ في:|سنة= (مساعدة)