وهو خلاف الإعلان، يقال: أسررت الشيء إسرارًا خلاف أعلنته.[2]
وسارَّه: إذا أوصاه بأن يُسرَّه، وتَسارَّ القومُ. وكنَّي عن النكاح بالسِّرِّ من حيث إنه يخفى.[1]
قال تعالى (فيسورة الأنفال):﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ٢٧ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ٢٨﴾ [الأنفال:27–28]
قالابن كثير: (كانوا يسمعون من النبيﷺ الحديث فيفشونه حتى يبلغ المشركين. وقال عبد الرحمن بنزيد بن أسلم: نهاكم أن تخونوا الله والرسول، كما صنعالمنافقون).[4]قال بعضهم: نزلت في منافق كتب إلىأبي سفيان يطلعه على سرِّ المسلمين.[5]ومعنى الآية: (أي ولا تخونوا أماناتكم فيما بين بعضكم وبعض، من المعاملات المالية وغيرها، حتى الشئون الأدبية والاجتماعية، فـإفشاء السر خيانة محرمة).[6]
قال تعالى (فيسورة التحريم):﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ٣﴾ [التحريم:3]
قالالقاسمي: (أشار تعالى إلى غضبه لنبيِّه مما أتت به منإفشاء السرِّ إلى صاحبتها، ومن مظاهرتهما على ما يقلق راحته، وأن ذلك ذنب تجب التوبة منه).[7]قالالطبري: («فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ»: فلما أخبرت بالحديث الذي أسر إليها رسول اللهﷺ صاحبتها وأظهره عليه).[8]
قال تعالى (فيسورة النساء):﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا٨٣﴾ [النساء:83]
قالابن عباس: (قوله((أَذَاعُواْ بِهِ))، قال:أعلنوه وأفشوه)، وقالالطبري: (قوله تعالى:((أَذَاعُواْ بِهِ)): أي أفشوه وبثُّوه في الناس).[9]
قال تعالى (فيسورة الإسراء):((..وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ))
والسِّر الذي يستودعه أحدهم عندك أو يفضي به إليك، هو من باب العهد الذي أمر الله بالوفاء به وعدم خيانته.
قال رسول اللهﷺ: (لا يتجالس قوم إلا بالأمانة )[10]
قالالمناوي: (أي لا ينبغي إلا ذلك،فلا يحلُّ لأحدهم أن يفشي سرَّ غيره).[11]
عنأبي سعيد الخدري
قال: قال رسول اللهﷺ: (إنَّ مِن أشرِّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرَّها )[12]
قالالنووي: (في هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع، ووصف تفاصيل ذلك، وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه).[13]
وقالالمناوي: («ثم ينشر سرَّها»: أي يبثُّ ما حقُّه أن يكتم من الجماع، ومقدماته، ولواحقه، فيحرم إفشاء ما يجري بين الزوجين من الاستمتاع، ووصف تفاصيل ذلك بقول أو فعل).[14]
عنابن عمر
قال: ( حين تأيمتحفصة، قالعمر: لقيتأبا بكر فقلت: ((إن شئت أنكحتكحفصة بنت عمر، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول اللهﷺ، فلقيني أبو بكر فقال: إنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت، إلا أني قد علمت أنَّ رسول اللهﷺ قد ذكرها،فلم أكن لأفشي سرَّ رسول اللهﷺ، ولو تركها لقبلتها )[15]
(لم يقل له: أنا لا أريدها، لا رغبة لي فيها، أو أنا لا أريد الزواج أصلاً، بل هو له رغبة بها لو كان النبيﷺ لم يذكرها، فسكت، فلما تبين لعمر
بعد ذلك ما تبين أخبره أبو بكر
، فهذا فيه الأمانة، ولا يصح بحال من الأحوال أن الإنسان يُخبَر عن أمر، ويُطلَب منه كتمانه، ولو لم يُطلَب فمثل هذه الأمور أصلاً هي بالسر)[16]
قالابن حجر: (وفيه أن من حلف لا يفشي سرَّ فلان، فأفشى فلان سرَّ نفسه، ثم تحدَّث به الحالف لا يحنث؛ لأنَّ صاحب السرِّ هو الذي أفشاه، فلم يكن الإفشاء من قبل الحالف، وهذا بخلاف ما لو حدث واحد آخر بشيء واستحلفه ليكتمه، فلقيه رجل فذكر له أنَّ صاحب الحديث حدَّثه بمثل ما حدَّثه به، فأظهر التعجُّب وقال: ما ظننت أنَّه حدَّث بذلك غيري؟! فإنَّ هذا يحنث؛ لأنَّ تحليفه وقع على أنَّه يكتم أنَّه حدَّثه، وقد أفشاه).[17]
| (إنَّ منالخيانة أن تحدِّث بسرِّ أخيك).[18] |
| (وإظهار الرجل سرَّ غيره أقبح من إظهاره سرَّ نفسه؛ لأنَّه يبوء بإحدى وصمتين:الخيانة إن كان مؤتمنًا، أوالنَّمِيمَة إن كان مستودعًا، فأما الضرر فربما استويا فيه وتفاضلا. وكلاهما مذموم، وهو فيهما ملوم).[19] |
| (إذاعة السرِّ من قلة الصبر، وضيق الصدر، وتوصف به ضعفة الرجال، والصبيان، والنساء).[20] |
| (ما أفشيت سرِّي إلى أحد إلا أعقبني طولالندم، وشدة الأسف، ولا أودعته جوانح صدري فحكمته بين أضلاعي، إلا أكسبني مجدًا، وذكرًا، وسناء، ورفعة. فقيل: ولا ابن العاص . قال: ولا ابن العاص . وكان يقول: ما كنت كاتمه من عدوِّك، فلا تظهر عليه صديقك).[21] |
| (إنَّ سِرَّك من دمك، فانظر أين تريقه).[22] |
| (مَن حصَّنبالكتمان سرَّه تمَّ له تدبيره، وكان له الظفر بما يريد، والسلامة من العيب والضرر، وإن أخطأه التمكن والظفر، والحازم يجعل سرَّه في وعاء ويكتمه عن كلِّ مستودع، فإن اضطره الأمر وغلبه أودعه العاقل الناصح له؛ لأنَّ السرَّأمانة، وإفشاؤهخيانة، والقلب له وعاؤه؛ فمن الأوعية مَا يضيق بما يودع، ومنها مَا يتسع لما استودع).[23] |
(فلا تعصينَّ له أمرًا، ولا تفشينَّ له سرًّا، فإنَّك إن خالفت أمره أوغرت صدره، وإن أفشيت سرَّه لم تأمني غدره).[24]
| عنأبي هريرة |
هذا وإفشاء السر في الأصل مذموم، ولا يُحمد إلا في حالات خاصة، منها:
بالعموم، فإن إفشاء السر يكون جائزاً في حالات منها:
قالالماوردي: (واعلم أن من الأسرار ما لا يستغنى فيه عن مطالعة صديق مساهم، واستشارة ناصح مسالم. فليختر العاقل لسرِّه أمينًا إن لم يجد إلى كتمه سبيلًا، وليتحرَّ في اختيار من يأتمنه عليه، ويستودعه إياه. فليس كلُّ من كان على الأموال أمينًا كان على الأسرار مؤتمنًا. والعفة عن الأموال أيسر من العفة عن إذاعة الأسرار؛ لأنَّ الإنسان قد يذيع سرَّ نفسه ببادرة لسانه، وسقط كلامه، ويشحُّ باليسير من ماله، حفظًا له وضنًّا به، ولا يرى ما أذاع من سرِّه كبيرًا في جنب ما حفظه من يسير ماله، مع عظم الضرر الداخل عليه. فمن أجل ذلك كان أمناء الأسرار أشد تعذرًا، وأقل وجودًا من أمناء الأموال. وكان حفظ المال أيسر من كتم الأسرار؛ لأنَّ أحراز الأموال منيعة، وأحراز الأسرار بارزة يذيعها لسان ناطق، ويشيعها كلام سابق).[28]
قالالمنتصر بن بلال الأنصاري:[23]
وقال آخر[21].: