أتمَن[1][2] أو (أتمان Ātman आत्मन्) هيكلمة سنسكريتية تعنيالنفس أو الذات الداخلية. تشكل هذه الكلمة مصطلحاً فيالفلسفة الهندوسية وخاصة في مدرسةفيدانتاالهندوسية، حيث تشكل عندها القاعدة الأساسية الأولى،[3] وهي النفس أو الذاتالحقيقية للفرد، والتي لا يمكن تحديدهابالظواهر، وهي أصل الفرد. للحصول على التحرر (موكشا)، فعلى الإنسان أن ينال المعارف (إنانا jnana)، والتي تمكّن من التحقق إن كانت النفس الحقيقية (أتمن) مطابقة للنفس الفائقة (البراهمان).
يمكن تعريف الأتمن على أنهاالأنا في مقابل ما ليس بأنا، والمثالي في مقابل الواقعي، والمبدأ الباطن في مقابل عالم الظاهر. وتوفيقاً بين هذين الطرفين انتهتالفلسفة الهندية إلى القول بضرب منوحدة الوجود.[1]
تؤمن المدارسالفلسفية الهندوسية بوجود الأتمن (الذات الداخلية) في كل مخلوق، وهي بهذا الإيمان تشكل نقطة جوهرية مغايرةللبوذية، والتي لا تؤمن بوجود نفس أو روح.[4]
تعد أتمن هي الفكرة الأساسية في جميع كتاباتالأبانيشاد الهندوسية المقدسة. تنص هذه النصوص على أن جوهر كل شخص ليس بجسده ولا بعقله ولا بالأنا بل بالأتمن الخاصة به التي تدل على النفس أو الذات.[7] أتمن هي المحور الروحي في جميع المخلوقات في جوهرها الأساسي والحقيقي. إنها شيء أبدي، إنها الجوهر، إنها الشيء الذي لا يكبر. أتمن هو أعمق مستوى وجود لشخص ما.[8]
تصف هذه النصوص الهندوسية المقدسة الأتمن بأنها الشيء الذي يحتوي على كل شيء وهو الأعلى قيمة بين كل الاشياء، والذي يتخلل في كل شيء، وهو جوهر كل شيء وهو النعيم الأبدي وفوق كل وصف. تصف النصوص المقدسة في الترنيمة رقم 4.4.5 الأتمن باسم براهمان (وهو الشيء الكامل في الكون، الروح العليا، الإله)، وتربطها بكل شيء موجود، وبكل شكل يمكن للمرء أن يكون عليه، وبالإرادة الحرة ورغبة الإنسان، وما يفعله المرء وما لا يفعله. والنية الصالحة أو السيئة في النفس.[9]
ذكرَت نصوص كاثا أوبنشاد جنبًا إلى جنب مع نصوص بريهادرانياكا وكل نصوص الأوبنشاد القديمة والوسطى مفهوم أتمن خلال فترة بناء نظرياتهم للإجابة على عدة أسئلة تتعلق بكيفية تحقيق الإنسان للحرية والاستقلال والرفاهية. على سبيل المثال شرحت نصوص كاثا أوبانيشاد مفهوم الأتمن كشيء جوهري ومتجذر لكل كائن بشري ومخلوق حي، وهي واحدة على الرغم من اختلاف الأشكال الخارجية للمخلوقات الحية.[10]
ذكرت نصوص تشاندوغيا أوبنشاد الهندوسية المقدسة أن الأتمن تبدو منفصلة بين كل كائنين حيين ولكن هذا ليس صحيحًا إنما هي الإشعاع الذاتي الجوهري الحقيقي الذي يجمع جميع الأفراد ويوحدهم. فسرَّت النصوص ذلك مع مثال عن الأنهار والتي يتدفق بعضها إلى الشرق والبعض الآخر إلى الغرب ولكن في نهاية المطاف تندمج جميعها في المحيطات وتصبح واحدة. وبنفس الطريقة تكون الأنفس مستقلة بحيث أن النفس الشخصية مظهر من مظاهر محيط الأرواح العالمي الموحد.
اعتبر أتمن الموضوع الرئيسي في نصوص الأوبنشاد المقدسة لكنهم شرحوا نموذجين مختلفين ومنفصلين نوعًا ما. تدعي بعض النصوص أن البراهمان (الواقعية السامية، المبدأ العالمي الموحد) متطابق مع الأتمن، بينما يقول الآخرون أن الأتمن جزء من البراهمان ولكن ليس متطابقا معه. أزدهر هذا الجدل القديم في نظريات ثنائية وأحادية مختلفة في الهندوسية.[11]
قبلت جميع المدارس الأرثوذكسية الرئيسية للهندوسية (نيايا، فايسيسيكا، سامخيا، يوجا، ميمامسا، وفيدانتا) الفرضية التأسيسية لنصوص الفيدا والأوبنشاد التي تقول أنّ مفهوم الأتمن موجود. وتقبل فلسفة الجاينية هذه الفرضية أيضًا على الرغم من أنها تملك فكرتها الخاصة لما يعنيه ذلك. في المقابل تنكر كل من البوذية والشارفاكا وجود أي شيء يسمى روح أو ذات أو أتمن.[12]
كما تدل معرفة مفهوم الاتمان على المعرفة الذاتية، وهي واحدة من الموضوعات المهمة في جميع المدارس الأرثوذكسية الرئيسية للهندوسية والتي تختلف فيما بينها حول كيفية تفسيرها. تتلخص معرفة الذات في الهندوسية في معرفة وفهم الأتمن وماهيته وما هو عكسه.
تعتَبرالهندوسية أن الأتمن مفهوم مغاير لمفهوم الشخصية الفردية الدائمة التطور التي تتمثل بصفات الأهمكارا (الأنا، الذات غير الروحية) ومغاير للعادات والتحيزات والرغبات والدوافع والأوهام والخرافات والسلوكيات والملذات والمعاناة والمخاوف.[13][14]
تقول مدارس الهندوسية أن شخصية الإنسان تتغير وتتطور مع الوقت بينما الأتمن لا تفعل ذلك. إن هذه المدارس تعتقد أن الاتمان هو النفس المتأصلة الدائمة والخالدة التي لا تتأثر بالشخصية، ولا تتأثر بالأنا لكل شخص، بل الاتمان هو شيء حر دائمًا غير محدود أبدًا، يسعى إلى تحقيق الحرية في الحياة. يقول بوشالسكي: «إن الهدف النهائي للمعتقدات الدينية الهندوسية هو ارتقاء الفرد لفهم الطبيعة الحقيقية الخاصة بكل انسان والجوهر الداخلي للنفس، والذي هو جوهر إلهي نقي».[15]
ترى المدارس الفلسفية غير الثنائية مثلأدفايتا(لا تؤمن بأن الإنسان ذو جسد وروح) أن الروح والذات داخل كل كائن حي متطابقة تمامًا مع براهمان (الروح الكلية العالمية). تؤمن مدرسة أديفيتا بأن هناك روح واحدة تتواجد في جميع الكائنات الحية وتربط فيما بينها بغض النظر عن أشكالها أو أنواعها، وليس هناك تمييز بين مكوناتها فلا توجد أرواح أعلى أو أدنى من غيرها ولا توجد أرواح متفردة منفصلة (أتمن)، ولا توجد روح إله منفصلة (براهمان).[16][17]
تم شرح مفهوم الأتمن في مدرسةميمامسا المبنية على الطقوس الدينية الهندوسية كجوهر أبدي دائم كلّي العلم موجود في كل مكان، ويعرف بأنه الوعي الأول. وعلى عكس جميع مدارس الهندوسية الأخرى اعتبر علماء مدرسة ميمامسا أن الأنا والأتمن شيء واحد. وكان هناك بعض الاختلاف في المعتقدات داخل مدرسة ميمامسا نفسها. تعتقد مدرسة كوماريلا على سبيل المثال أن الأتمن هو هدف الوعي في حين تعتقد مدرسة براباكارا أن الأتمن هو موضوع ومفهوم الوعي.[18][19]
اعتقد اتباع مدرسة ميمامساكا الهندوسية أن ما يهم هو الأفعال والطقوس المقدسة التي تكتمل عن طريق اتقان شعائرها. وهذا هو الذي يخلق المعرفة والوعي بمفهوم الأتمن سواء كان المرء مدركًا أو غافل له. وكان التركيز الأول على صياغة وفهم قوانين وواجبات الحياة الفاضلة (دارما) وبالتالي التنفيذ المثالي للكرياس (الشعائر الدينية). كانت مناقشات الأوبنشاد عن مفهوم الأتمن ذات أهمية ثانوية بالنسبة لمدرسة ميمامسا. في حين اختلفت المدارس الأخرى ورفضت نظرية الأتمن التابعة لهذه المدرسة، فقد تم إدخال نظريات مدرسة ميمامسا في الأخلاق والانضباط الذاتي والعمل والدارما كضرورة أساسية في رحلة الإنسان نحو معرفة الأتمن لكل الفرد.[20]
افترضت مدرسةفايشيشيكا الهندوسية بالاعتماد على نظرياتها غير التوحيدية عن الفلسفة الطبيعية الذرية أن أتمن هو أحد المواد الأربعة الخالدة والمجردة وغير الملموسة ماديا، الثلاثة الأخرى هي كالا (الوقت) وديك (الفراغ) والماناس (العقل). قال علماء مدرسة فايشيشيكا أن صفات الزمان والمكان هي إيكا (شيء واحد) ونيتيا (أبدية) وفيبهو (منتشرة في كل شيء). إن الزمان والمكان هما واقع لا يتجزأ، لكن العقل البشري يفضل الفصل بينهما لفهم الماضي والحاضر والمستقبل والمكان النسبي للمواد والكائنات الأخرى والاتجاه والإحداثيات الخاصة بها في الكون. على عكس هذه الخصائص المذكورة للزمان والمكان اعتبر فلاسفة مدرسة فايشيشيكا أن الأتمن مكون من العديد من المواد الأبديّة والمستقلة والروحية التي لا يمكن تقسيمها أو إنشاؤها من الأنواع غير المادية الثلاثة الأخرى والانواع المادية الخمسة والتي تدعى درافيا (مواد). واعتبروا أن العقل والأعضاء الحسية هي أدوات بينما الوعي هو مجال الأتمن أو الروح أو الذات.[21][22]
كانت نظرية أتمن في نصوص الأوبنشاد الهندوسية المقدسة ذات تأثير عميق على النظريات الأخلاقية القديمة وتقاليد الدارما المعروفة الآن باسم الهندوسية. روى آخى فيلسوف هندوسي نظرية أتمن من نصوص الفيدا والأوبنشاد المقدسة، وبنى على أسسها مبادئ الدارما والقوانين والأخلاق. أثرت نظرية أتمن ولا سيما إصدارات مدارس أدفاتا فيدانتا واليوجا على ظهور نظرية إيمسا (نبذ العنف ضد جميع المخلوقات) والثقافة النباتية ونظريات أخرى من الأخلاق والحياة الدارمية.[23][24]
تعتقد جميع المدارس الأرثوذكسية للهندوسية بفرضية أنّ (الأتمن موجود كحقيقة قائمة بحد ذاتها). في حين أن البوذية تعتقد بعكس تلك الفرضية وتقول: (لا يوجد أتمن كحقيقة واضحة وقائمة بحد ذاتها).
لا يعتقد البوذيون أنه يوجد في داخل جميع الكائنات البشرية والمخلوقات الحية شيء أبدي وجوهري مطلق يسمى النفس أو الروح أو أتمن. يرفض البوذيون هذا المفهوم وجميع العقائد المرتبطة به ويطلقون على مفهوم أتمن اسم الوهم (مايا)، ويؤكدون بدلًا من ذلك على نظرية اللا نفس واللا روح. وقد نفت البوذية منذ أيامها الأولى وجود الذات والروح في نصوصهاالفلسفية والوجودية. عرّفت البوذية مفهومالنيرفانا ضمن كتاباتها الروحية بأنها تلك الحالة من السعادة عندما يدرك الشخص أنه ليس لديه نفس أو روح.[25][26]
وعلى العكس يؤمن الهندوس في فكرة الأتمن. إنهم يؤمنون بأن في داخل كل الكائنات البشرية والمخلوقات الحية يوجد (الشيء الأزلي والجوهري المطلق والخالد الذي يُسمى النفس أو الروح والتي هي الأتمن). توجد اختلافات في الرأي داخل المدارس المتنوعة للهندوسية حول ما إذا كانت الأرواح مستقلة وما إذا كانت الروح العليا أو الإله موجودًا، وحول ما إذا كانت طبيعة الأتمن ثنائية أو أحادية (ثنائية أي روح وجسد)، وكيفية الوصول إلى ما يسمى موكشا (معرفة الذات التي تصل بالإنسان إلى حالة السعادة والراحة في الوجود). وما إذا كان يمكن تحقيق تلك الحالة في هذه الحياة (يؤمن بذلك مدارس أدفاتا فينداتا ويوجا) أو لا يمكن تحقيقها إلا بعد الموت (يؤمن بذلك مدارس دفيتا فينداتا ونيايا). ومع ذلك وعلى الرغم من هذا التنوع في الأفكار والمذاهب في المدارس الهندوسية المختلفة (على عكس البوذية) فإن الفرضية الأساسية للهندوسية هي أن النفس والروح موجودة، وتكمن السعادة في البحث عن الذات ومعرفتها والوعي بها.[26][27]
^ابالمعجم الفلسفي(PDF)، مجمع اللغة العربية، القاهرة، جمهورية مصر العربية: الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، 1983م - 1403 هـ، ص. 3، مؤرشف منالأصل(PDF) في 2020-02-03{{استشهاد}}:تحقق من التاريخ في:|سنة= (مساعدة)
^Deussen, Paul and Geden, A. S. The Philosophy of the Upanishads. Cosimo Classics (June 1, 2010). P. 86.ISBN 1-61640-240-7.
^KN Jayatilleke (2010), Early Buddhist Theory of Knowledge,ISBN 978-81-208-0619-1, pages 246-249, from note 385 onwards; Steven Collins (1994), Religion and Practical Reason (Editors: Frank Reynolds, David Tracy), State Univ of New York Press,ISBN 978-0-7914-2217-5, page 64; "Central to Buddhist soteriology is the doctrine of not-self (Pali: anattā, Sanskrit: anātman, the opposed doctrine of ātman is central to Brahmanical thought); Edward Roer (Translator),Shankara's Introduction، صفحة. 2, فيكتب جوجل toBrihad Aranyaka Upanishad, pages 2-4; Katie Javanaud (2013),Is The Buddhist ‘No-Self’ Doctrine Compatible With Pursuing Nirvana?, Philosophy Nowنسخة محفوظة 13 سبتمبر 2017 على موقعواي باك مشين.
^ऋग्वेद: सूक्तं १०.९७, Wikisource; Quote: "यदिमा वाजयन्नहमोषधीर्हस्त आदधे ।आत्मा यक्ष्मस्य नश्यति पुरा जीवगृभो यथा ॥११॥"نسخة مؤرشفة". مؤرشف من الأصل في 2018-12-08. اطلع عليه بتاريخ2020-05-29.{{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: BOT: original URL status unknown (link)
^Baumer, Bettina and Vatsyayan, Kapila. Kalatattvakosa Vol. 1: Pervasive Terms Vyapti (Indira Gandhi National Centre for the Arts). Motilal Banarsidass; Revised edition (March 1, 2001).P. 42. (ردمك8120805844)."نسخة مؤرشفة". مؤرشف من الأصل في 2017-02-16. اطلع عليه بتاريخ2018-11-14.{{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: BOT: original URL status unknown (link)
^PT Raju (1985), Structural Depths of Indian Thought, State University of New York Press, (ردمك978-0887061394), pages 35-36
^"Soul" is synonymous with "self" in translations of ancient texts of Hindu philosophy.
^Raju, Poolla Tirupati. Structural Depths of Indian Thought. SUNY Series in Philosophy. P. 26. (ردمك0-88706-139-7).
^Karl Potter (2008), Encyclopedia of Indian Philosophies: Advaita Vedānta, Volume 3, Motilal Banarsidass, (ردمك978-8120803107), pages 510-512
^A Rambachan (2006), The Advaita Worldview: God, World, and Humanity, State University of New York Press, (ردمك978-0791468524), pages 47, 99-103
^A Rambachan (2006), The Advaita Worldview: God, World, and Humanity, State University of New York Press, (ردمك978-0791468524), pages 114-122
^Adi Sankara, A Bouquet of Nondual Texts: Advaita Prakarana Manjari, Translators: Ramamoorthy & Nome, (ردمك978-0970366726), pages 173-214
^Ludwig Alsdorf (2010), The History of Vegetarianism and Cow-Veneration in India, Routledge, (ردمك978-0415548243), pages 111-114
^NF Gier (1995), Ahimsa, the Self, and Postmodernism, International Philosophical Quarterly, Volume 35, Issue 1, pages 71-86,دُوِي:10.5840/ipq199535160; Jean Varenne (1977), Yoga and the Hindu Tradition, University of Chicago Press, (ردمك978-0226851167), page 200-202
^Dae-Sook Suh (1994), Korean Studies: New Pacific Currents, University of Hawaii Press, (ردمك978-0824815981), page 171
^ابJohn C. Plott et al (2000), Global History of Philosophy: The Axial Age, Volume 1, Motilal Banarsidass, (ردمك978-8120801585), page 63,Quote: "The Buddhist schools reject any Ātman concept. As we have already observed, this is the basic and ineradicable distinction between Hinduism and Buddhism".
^Helen J Baroni (2002), The Illustrated Encyclopedia of Zen Buddhism, Rosen Publishing, (ردمك978-0823922406), page 14